fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

حمى الانقلابات في إفريقيا… كيف تؤثر انقلابات إفريقيا على الاقتصاد العالمي وخريطة النفوذ الدولية؟

120

حمى الانقلابات في إفريقيا… كيف تؤثر انقلابات إفريقيا على الاقتصاد العالمي وخريطة النفوذ الدولية؟

انقلاب في النيجر، وآخر في الغابون؛ حمى عسكرية تهدد القارة الإفريقية؛ أوروبا قلقة على الديموقراطية، وروسيا سعيدة بساحة معركة جديدة، والعالم يترقب قادم الأيام: هل ستشتعل الحروب في إفريقيا، وهل سترسل روسيا مرتزقتها إلى إفريقيا، وكيف سيرد الناتو حينها، مَن ضد مَن؟ ومَن الذي يشعل نار إفريقيا اليوم؟

يركز موقع “رواق” للأبحاث والدراسات في هذا التقرير عبر تحليلاته وتوقعاته في بعض النقاط المهمة حول سلسلة الانقلابات العسكرية الأخيرة في القارة الإفريقية، وكيف تؤثر هذه التطورات على الاقتصاد العالمي وخريطة النفوذ الدولية.

إفريقيا وحمى الانقلابات… ماذا ينتظر القارة السمراء؟

26 من يوليو عام 2023م، كان موعد البداية لتصاعد الأحداث، وكان سببًا ليراقب العالم كله القارة الإفريقية؛ مجموعة من الضباط في النيجر، ينفِّذون انقلابًا عسكريًّا متكامل الأركان، ضد الرئيس النيجيري المنتخب محمد بازوم، ويعلنون عزله من منصبه، واستحواذهم على السلطة في نيامي.

قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني، كان على رأس مَن غدر بالرئيس الشرعي، فنصب نفسه قائدًا للمجلس العسكري الجديد، الذى سيقود البلاد حتى تنفيذ انتخابات جديدة، على حسب ادعائهم.

انقلاب النيجر أوضح الكثير من المعطيات؛ فروسيا ظهرت سعيدة بتلك الفوضى، كما رفع مؤيدو الانقلاب علم روسيا في بعض التظاهرات؛ فيما طالبت الدول الأوروبية وعلى رأسها: فرنسا، بعودة الرئيس بازوم لمنصبة، مؤكدين على دعمهم للديموقراطية، ووقوفهم في وجه الانقلابيين.

حمى الانقلابات لم تتوقف هنا؛ فمع أواخر الشهر ذاته، جاء الدور على الغابون، حيث أعلنت مجموعة من ضباط الجيش الغابوني، استلاءهم على السلطة، ووضع الرئيس على بونغو قيد الإقامة الجبرية، ذلك بعد ساعات قليلة من انتخابه لولاية رئاسية ثالثة؛ وكما حدث في النيجر، دولًا أوروبية عدة أدانت الانقلاب على رأسهم: ألمانيا وبريطانيا، وقد فعلت ذات الأمر منظمة التعاون الإسلامي، فيما التزمت روسيا الحياد هذه المرة، في حين أبدى بعض المحللين الروس، وقوفهم مع الانقلاب.

إفريقيا في الثلاث سنوات الأخيرة، كانت على موعد كبير مع الانقلابات؛ أبرزها: الانقلابيون مؤخرًا في النيجر والغابون، ومن قبل انقلاب مالي في أغسطس 2020م، وانقلاب غينيا في سبتمبر 2021م، وانقلاب يناير 2022م، الذي حدث في بوركينا فاسو.

وبتلك الانقلابات؛ تتحول إفريقيا تباعًا من قارة تحكم بحكم مدني، إلى العودة للحكم العسكري، الذين طالما نفذوا الانقلابات، وتسلموا الحكم بعدها طويلًا، لكن الانقلابات الأخيرة تأتي في وقت حساس للغاية؛ حيث يعيش العالم الحرب الروسية الأوكرانية، التي غيرت الكثير من المعادلات، والمفاهيم، مع تضخم كبير يجتاح الكوكب، وأزمات اقتصادية لا تتوقف.

كيف تؤثر انقلابات إفريقيا على الساحة العالمية؟

إفريقيا التي لطالما ينظر إليها على أنها تلك القارة الفقيرة، والتي يعيش شعبها الويلات جوعًا وعطشًا، تعاني من اضطرابات سياسية وعسكرية لا تتوقف؛ اتضح اليوم أنها مهمة للغاية، على الخريطة العالمية، بل وأنها صاحبة تأثير كبير وفعلي، بل ويمكن وصفها بأنها الحديقة الخلفية للعالم.

فأوروبا على سبيل المثال، لها مصالح إستراتيجية في القارة، وبالتحديد فرنسا التي ترتبط مع العديد من دول القارة، باتفاقيات اقتصادية مهمة، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية، لديها تواجد عسكري مهم للغاية في إفريقيا.

أما روسيا الخصم المواجه لدول حلف شمال الأطلسي الناتو؛ فكانت قد انتشرت في القارة السمراء، من خلال ميليشيا فاغنر؛ حيث سيطروا على العديد من مناجم الذهب، وبعض المواقع الإستراتيجية، وفي بعض الأوقات، قدَّمت فاغنر الدعم العسكري، لبعض جيوش إفريقيا؛ بهدف تثبيت الحكم العسكري للانقلابيين، أو منع التدخل الغربي في إفريقيا، بحجة محاربة الجماعات الإرهابية المتطرفة.

تلك المعطيات تؤكد أن إفريقيا، ليست مجرد ساحة لبعض الصراعات الداخلية؛ فإفريقيا بشكل أدق، هي ساحة صراع عالمي، يتواجد فيها كل الكبار بالكوكب، فاليوم تنظر روسيا إلى القارة السمراء، على أنها ساحة يمكن أن تبعد الضغط على الجبهة الأوكرانية.

الدعم الذي تقدمه روسيا، والضخ الإعلامي الداعم لهذه الانقلابات في إفريقيا، مع زيادة نفوذ ميليشياتها غير النظامية في مختلف الدول؛ يؤكد أن موسكو وجدت المكان الذي سيخفف عنها جبهة كييف التي اشتعلت منذ أكثر من عام، فهل ستتمكن روسيا من حسم المعركة في كييف؟ بل على العكس تمامًا، تتكبَّد خسائر مستمرة وسط عجز كبير في كسر قوة الجيش الأوكراني الذي بدوره يتلقى الدعم من الدول الغربية، ويسعى لإخراج روسيا من كامل أراضيه.

ترى روسيا في ضرب إفريقيا ضربًا للمصالح الأوروبية؛ خاصة في ملف الطاقة التي لا تزال أوروبا تبحث عن حلول مستدامة له، ولا يخفى على أحد أن إفريقيا، تعتبر مصدرًا مهمًّا للطاقة بالنسبة إلى أوروبا؛ ولهذا فإن أي اضطراب في إفريقيا سيؤثر على قطاع الطاقة في القارة الأوروبية، حتى ولو لم تتأثر بعض الدول التي تورد الطاقة لها، مثل: الجزائر، لكن الاضطرابات بمحيطها، قد تدفع لضرب المصالح الأوروبية هناك.

كما توجد نيجيريا التي تعتبر مصدرًا مهمًّا أيضًا؛ إلا أنها محكومة بجوارها لتصدير تلك الطاقة، وبطبيعة الحال اليوم، كل الاضطرابات والتغيرات باتت في محيط نيجيريا؛ لهذا مع الأيام قد يصبح من الصعب تصديرها للطاقة، مع توقف لكل المشاريع المتفق عليها، موارد إفريقيا ليست بالقليلة، وليست هامشية أبدًا، بل هي مهمه للغاية، على الخارطة العالمية بكل التفاصيل.

ماذا تمتلك القارة الإفريقية؟

تملك القارة الإفريقية ثروات هائلة للغاية تجعلها مستقبل الطاقة العالمية، وليس على مستوى القارة فقط، وفي ذات الوقت محورًا لصراع القوى الدولية.

فمن حيث النفط وهو واحدًا من أكثر الموارد استخدامًا في الكوكب، تملك إفريقيا نحو 75 تريليون برميل، من احتياطي النفط، وتمثل تلك الكمية 9% من الاحتياطيات العالمية، لهذا المورد المهم، كما وتنتج القارة الإفريقية يوميًّا 300 مليون برميل نفط.

وقريبًا من النفط يوجد الغاز، والذي تنتج إفريقيا منه يوميًّا 22 مليون قدم مكعب، كما وتمتلك احتياطيًّا يقدر بنحو 477 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وتمثل كمية الإنتاج من الغاز الطبيعي في إفريقيا وحدها، نحو 7.5% من إجمالي الإنتاج العالمي؛ أما الاحتياطي فيمثل 6.9% من الاحتياطي العالمي.

وفي إفريقيا لا تقتصر الثروات على النفط والغاز؛ فهي تمتلك 95% من احتياطي الماس في الكوكب، وتنتج بشكل فعلى نصف معدل الإنتاج العالمي من هذا المعدن الثمين، وفي ذات الوقت لدى إفريقيا نحو 70% من معدل الإنتاج العالمي من الذهب؛ ويضاف إلى احتياطيات الذهب، إنتاج إفريقيا لنحو 33% من النحاس، و76% من إنتاج الكوبلت تنتجهم إفريقيا؛ وكلها معادن ثمينة ونادرة للغاية، يضاف لها 90% من الاحتياطي العالمي من البلاتين، ومعه إنتاج 9% من الإنتاج العالمي من الحديد.

وبحسب آخر الأرقام؛ فإن احتياطيات إفريقيا من المعدن ومعه المنجنيز والفوسفات واليورانيوم، تمثل من 15% – 30% من إجمالي الاحتياطي العالمي.

وبشكل عام، تمتلك إفريقيا ثلث ثروات العالم المعدنية؛ وهي المصدر الأول لأغلب الصناعات حول العالم، ويضاف لكل هذا، أنها تمثل 65% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم.

هذه القارة الفقيرة “إفريقيا” تمد المصانع حول العالم -وبالتحديد في دول أوروبا- بالموارد الطبيعية اللازمة لاستمرار عمليات التصنيع المختلفة، واستمرار عمل الاقتصاد العالمي بشكل طبيعي.

ثروات عملاقة هائلة يمكن أن تشرح لك لماذا يتهافت العالم أجمع على القارة الإفريقية؟ ولماذا أي اضطراب فيها يُعد شأنًا عالميًّا ويهدد ويزعزع الاقتصاد العالمي؟ ولا تتوقف تبعات هذا الاضطراب عند حدود دولة بداخلها، أو حتى القارة نفسها.

بل تصل تبعاتُه لأبعد دولة ممكنة، ولصناعات ولقطاعات، لم تسمع بها من قبل، وتلك الثروات بطبيعة الحال، ترسم حاضر ومستقبل إفريقيا، وهي السبب وراء الصراعات والنزاعات، وهي التي تحدد ما إن ستستمر حمى الانقلابات أم تتوقف؛ فالثروات إذا وصلت لأيدي الانقلابيين بشكل دائم، فإنها ستعطل صناعات كبرى حول العالم، خصوصًا في القارة الأوروبية، ولكنها ستفيد روسيا التي تستهدف التعاون مع الانقلابيين، وذلك مقابل الحصول على امتيازات، لم تحصل عليها من قبل، مثل انتشار جيشها في القارة، أو على الأقل ميليشيات تتبع لها مثل: فاغنر، والحصول على موارد طبيعية مهمه لها، بأسعار مخفضة، مقابل حصول الجيوش التي تنفذ الانقلابات، على دعم سياسي وعسكري من موسكو.

ماذا يملك العالم من خيارات اليوم لمواجهة الانقلابات العسكرية في إفريقيا؟

منذ انقلاب النيجر، ظهرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، “إكواس” بموقف الحزم، ضد الانقلابات، وهددت بتنفيذ عمل عسكري لإعادة محمد بازوم لمنصبه؛ تهديدات ووعود إكواس كانت مترافقة مع تهديدات فرنسية بتنفيذ عملية عسكرية في حال تهددت مصالحها في النيجر، وذات الأمر الآن يبدو أنه سيتكرر في الغابون، حيث ترى إكواس أن الانقلاب الجديد هو حمى ستطال الكثير من دول إفريقيا، ما يعني أنه يهدد أمن المنطقة واستقرارها.

اللافت في الأمر: أنه بالنسبة للدول التي نتحدث عنها، فهي تمثل دول الساحل الإفريقي، والتي ما يلبث أن يهدأ حتى يشتعل من جديد؛ تلك المنطقة بالتحديد “منطقة الساحل الإفريقي” يمكن وصفها بالملعب الجديد للصراع في العالم، والغابون هي رابع الدول في الساحل الإفريقي، التي تشهد انقلابًا عسكريًّا منذ عام 2020م، بعد كلٍّ من: مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر.

في ذات الوقت تشهد المنطقة تعزيزات لتواجد كلٍّ مِن: الصين وروسيا، مع تسجيل نفوذ قوي لكلٍّ من الولايات المتحدة وفرنسا، في حين تواجه العديد من دول المنطقة ديونًا متراكمة، ما يعني انهيارًا اقتصاديًّا عنيفًا مع حالة من عدم الاستقرار؛ حيث تشهد المنطقة منذ سنوات طويلة انتشارًا لجماعات متطرفة فيما بينها، منها: تنظيم داعش والقاعدة؛ ولهذا تعيش المنطقة حالة من التوتر، والاحتمالات المفتوحة.

فما بعد الغابون يتخوف مراقبون من احتمال انتقال حمى الانقلابات إلى الكاميرون، وبذلك تصبح خمسة دول من دول منطقة الساحل الإفريقي يسجَّل فيها انقلابًا عسكريًّا؛ وبطبيعة الحال ستكون الدول الخمسة متفقة على فكرة إخراج الشركات الأوروبية والفرنسية بالتحديد، في حين ستكون روسيا مستعدة لتقديم كل الدعم لهم مقابل الأضرار بمصالح أوروبا كلها؛ للضغط عليها أكثر، وفي الوقت ذاته سيكون لروسيا موطئ قدم كبير في القارة الإفريقية يمكنها من إشعال المنطقة وإلهاء العالم عن حرب أوكرانيا المجهدة، بالنسبة لها.

ما السيناريوهات المحتملة للقارة الإفريقية في ظل الانقلابات الحالية؟

أولًا يبقى الخيار العسكري مطروحًا، وقد يكون حقًّا من خلال إيكواس بغطاء جوي من فرنسا؛ ذلك السيناريو سيفتح المجال لدعم بقية الدول للنيجر بالتحديد، والتي تعتبر الهدف الأول لأي تدخل عسكري في الوقت الحالي؛ حيث سيردع ذلك التدخل بقية جيوش المنطقة من الانقلاب على الديموقراطية.

دول مثل بوركينا فاسو التي أعلنت رسميًّا دعمها للانقلابيين في النيجر، وأعلن جيشها إرسال فرقة عسكرية إلى نيامي، وذلك لمواجهة أي تدخل، ويرجح أن تنضم مالي لذات الخط، وتقف مع النيجر ضد أي تدخل عسكري؛ وذلك السيناريو يتجه لاحتمال الحرب المفتوحة في المنطقة كلها، وقد يدفع جيوشًا أو ضباط آخرين، لتنفيذ انقلابات عسكرية بالمنطقة.

كما سيفتح المجال الكبير لروسيا للتدخل على الأرض، ومواجهة القوات المهاجمة وجهًا لوجه، خصوصًا إذا ما قرَّرت فرنسا التدخل المباشر، وبطبيعة الحال تملك روسيا خيار الميليشيات التي تتحرك من خلالهم حول العالم.

السيناريو الثاني: يتجه إلى خيار طاولة المفاوضات التي تريده الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أكبر، حيث ترى الولايات المتحدة وبعض الدول حتى الأمم المتحدة، أن خيار التفاوض مع قادة الانقلاب في النيجر وغيرها، يمكن أن يكون مناسبًا للجميع، وفي ذات الوقت قد يمنع اشتعال المنطقة أكثر من الذي يحدث الآن، وأخيرًا: سيمنع تمدد النفوذ الروسي في منطقة الساحل الإفريقي بشكل أكبر.

قواعد عسكرية ومصالح إستراتيجية:

شهدت النيجر حالة من الاستقرار لأكثر من عقد في الفترة الأخيرة، مما أهَّلها لتقدم نفسها على أنها واحة للاستقرار في محيط مضطرب، وشريك موثوق للدول الغربية في المنطقة؛ وفي الوقت الذي كان فيه القلق الغربي يتصاعد، من انتشار الحركات المتطرفة، وموجات الهجرة إلى أوروبا.

أصدرت حكومة النيجر، قانونًا يجرم نقل المهاجرين في جميع أنحاء غرب إفريقيا، وحصلت في المقابل، على مساعدات أوروبية وإنمائية، وجذبت النيجر الدول الغربية، وتعاظم التدافع نحوها، بعد خروج فرنسا من إفريقيا الوسطي، ومالي، وبوركينا فاسو؛ ففتحت النيجر أرضها وسمائها للوجود العسكري الغربي، ما جعلها مكانًا لتواجد القواعد العسكرية فيها.

حيث تتحدث التقارير عن ثلاث قواعد فرنسية في النيجر، تضم 1500 جندي فرنسي -على الأقل-؛ بالإضافة إلى القواعد اللوجستية التي تستخدم في التدريب العسكري، للجنود والضباط الفرنسيين.

أما بالنسبة لواشنطن فقد أنشأت في العام 2016م، قواعد بمنطقتي أغاديش ونيامي، وفيها 1200 جندي وخبير، ويوجد مركز لوجستي ألماني يضم قوات عسكرية ألمانية أيضًا، بالإضافة إلى قوات إيطالية وكندية تشترك في تدريب القوات الخاصة النيجيرية.

كما يوجد اتفاقية شراكة عسكرية بين النيجر والاتحاد الأوروبي، وقِّعت في العام 2022م، من أجل دعم النيجر ضد الجماعات المسلحة؛ أنشئت بموجبها مراكز لتدريب للجيش النيجيري، وتضمنت الاتفاقية إنشاء كتيبة للاتصالات ودعم القيادة.

وكانت النيجر قد استضافت مناورة فينتوك؛ وهي تدريب عسكري سنوي يجريه حلف الناتو، وقوات العمليات الخاصة الأمريكية في إفريقيا.

ويتضح من خلال هذا الوجود الكبير للقوات الغربية، حجم الاهتمام الذي نالتهُ النيجر، وما يرغب حلفاؤها في تحقيقه، على مستوى المساحة الشاسعة من منطقة الساحل الإفريقي؛ يضاف لذلك المصالح التجارية حيث تحصل دول أوروبية منها فرنسا تحديدًا، على كميات كبيرة من اليورانيوم من النيجر، ثم يستخدم في توليد الكهرباء من خلال المحطات النووية، ومنع تصديره لفرنسا، سيمثل ضربة كبيرة لقطاع الطاقة لديها.

المصالح الغربية في الغابون:

أما في الغابون؛ فلدى الشركات الفرنسية مصالح اقتصادية كبيرة ومتنوعة، تمثَّلت جراء الانقلاب العسكري الذي وقع في المستعمرة الفرنسية السابقة في غرب إفريقيا، وقد أوضح “إتيان جروس” رئيس المجلس الفرنسي للمستثمرين في إفريقيا، وهي هيئة يمثل أعضائها أربعة أخماس النشاط التجاري الفرنسي في القارة، أن هناك حوالى 80 شركة فرنسية مسجلة في الغابون.

وقال لوكالة الصحافة الفرنسية، أنه يمكن أن يضاف إلى هذا العدد عشرات الشركات الصغيرة، والحرفيون، والمطاعم، والمحامون، وشركات التأمين، وشركات الخدمات المالية.

وقد أصبحت الغابون في العام 2022م، أهم وجهة للصادرات الفرنسية بين الدول الست الأعضاء في المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا CEMAC والتي تضم أيضًا الكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطي، والتشاد، والكونغو، وغينيا الاستوائية، وقد باعت الشركات الفرنسية بضائع بقيمة 536 مليون يورو في الغابون، وذلك وفقًا لأرقام وزارة المالية الفرنسية.

الخلاصة:

– ترغب فرنسا وبقوة في الحفاظ على مستعمراتها السابقة بالقارة الإفريقية؛ إذ يُعد تمرد هذه الدول على مستعمرها الفرنسي، يُعد ضربة للمصالح الفرنسية، إذ تمد هذه الدول فرنسا باحتياجاتها من المواد الخام، والموارد الطبيعية اللازمة لاستمرار عمل الاقتصاد والصناعات الفرنسية، وبدونها ستخسر فرنسا الكثير، وقد تفقد مكانتها الدولية.

– المعادلة في إفريقيا تبدو معقدة للغاية في الوقت الحالي؛ حيث توجد فرنسا، ودول أوروبا، التي ترتبط مع الدول الإفريقية باتفاقيات طويلة الأمد، وفي ذات الوقت تعتمد على بعض دول إفريقيا بالحصول على الطاقة وغيرها.

– ومن جانب آخر: توجد روسيا الطامحة للتوسع والسيطرة، ومد نفوذها لمناطق جديدة، ومواجهة القوى الغربية، وعلى رأسها: فرنسا في القارة الإفريقية.

– ووسط كل هذا؛ توجد منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو، الذي يعتبر تلك المنطقة موقعًا إستراتيجيًا مهمًّا لتحركاته العسكرية، ولمحاربة الجماعات الإرهابية، والهجرة غير الشرعية أيضًا.

– وكل هذ التعقيد يجعل السيناريوهات والاحتمالات مفتوحة، لاندلاع أي حرب أو اشتباك عسكري، يجُر الجميع في إفريقيا ومنطقة الساحل إلى حرب كبرى طاحنة، وفي ذات الوقت للعودة من جديد للمفاوضات والاتفاق بين كل الأطراف.

– في حين يبقى احتمال طموح روسيا بنقل الصراع من أوكرانيا إلى إفريقيا، لعله يخفف من خسائرها المستمرة، خصوصًا بعد وصول المسيرات الأوكرانية إلى سماء موسكو، وتهديدها الكرملين، ومخابئ بوتين الكثيرة.

– إفريقيا والانقلابات، والتوتر المستمر، عناوين عريضة للمرحلة الحالية، والقادم سيشاهده الجميع.

المصادر:

العربية

الجزيرة

بي بي سي عربية

سكاي نيوز عربية

المرصد المصري

التعليقات مغلقة.