fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الفرنك الإفريقي… رمز الهيمنة الاقتصادية وتبعية الغرب الإفريقي للمركزي الفرنسي

66

الفرنك الإفريقي… رمز الهيمنة الاقتصادية وتبعية الغرب الإفريقي للمركزي الفرنسي

بالرغم من لفظ التواجد الفرنسي ورفضه في دول الساحل والغرب الإفريقي؛ إلا أن عدة دول في غرب إفريقيا لا تزال تقع تحت الهيمنة المالية والتبعية لفرنسا وسطوة منطقة اليورو، رغم مرور عدة عقود على استقلال القارة السمراء، نتيجة عملة الفرنك التي أقرتها فرنسا في أربع عشرة دولة، وهو ما يُدرّ أرباحًا كبيرة على الاقتصاد والفرنك الفرنسي بشكل عام، مقابل خسائر فادحة تتكبدها شعوب دول القارة في تعاملاتهم التجارية والاقتصادية مع أوروبا… فهل لا تزال فرنسا صاحبة اليدّ العليا على الفرنك والبنك المركزي الإفريقي؟ وإلى أي مدى ستستمر هذه التبعية؟

لقد واجه الوجود الفرنسي في منطقة غرب ووسط إفريقيا أمواجًا من الغضب ورياحًا عاتية، بعد أن لفظت شعوب تلك الدول ورفض التبعية لفرنسا، وهو ما عبَّرت عنه الانقلابات والأحداث التي جرت مؤخرًا تلك التي شهدتها بعض بلدان منطقة الساحل الإفريقي، ورغم فك هذا الارتباط بالمستعمر الفرنسي، وفتح المجال أمام علاقات جديدة ومتنوعة مع منافسين آخرين، على رأسهم: روسيا والصين؛ إلا أن فرنسا لا تزال صاحبة الكلمة العليا على المركزي الإفريقي. (سكاي نيوز).

هل يُستبدل الفرنك الإفريقي بـ”عملة موحدة” بعد الخروج الفرنسي؟

يقول مختصون: إن تقليص التواجد الفرنسي في دول الساحل الإفريقي سيكون له بعض التأثيرات والتغيرات، حيث تتعلق بإعلان العملة الموحدة الجديدة ببلدان الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا التي تستخدم الفرنك الإفريقي أو تلك التي تستخدم “فرنك المجموعة المالية الإفريقية” (سي إف آ)، وهذه الدول هي: بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو. (موقع هيسبريس).

أضاف مختصون: إن دول غرب إفريقيا ليست مستعدة بوضعها الحالي لأي اتحاد نقدي أو شراكة مالية أو بنكية جديدة، ولكن في حال التخلص من التبعية لفرنسا أو دول اليورو ربما سيكون هناك تغيرًا في فكِّ هذا الارتباط المالي، مما سيكون له انعكاسًا إيجابيًّا على مستقبل العملة والفرنك الإفريقي. (موقع هيسبريس).

لذلك في تقديري: أن مستقبل الفرنك الإفريقي لا يزال غير واضح بالقدر الكاف، وليس بالسهولة التي يتوقعها البعض، ويمكن أن تتضح الأمور على المدى القريب، لكن ذلك مشروط بمدى توافق دول القارة في اتحادها بُغّية إنهاء الهيمنة الغربية ودول منطقة اليورو على وجه التحديد على عملتها المحلية، لا سيما أن بعض دول القارة لا يمكنها طباعة الفرنك إلا من خلال المركزي الفرنسي، بجانب التحكم في سعر الصرف للفرنك الإفريقي.

الفرنك الإفريقي لا يزال تحت الهيمنة الفرنسية؟

حيث إن الفرنك الإفريقي الذي تستخدمه دول إفريقية، ولكن يطبع بفرنسا لا يزال يقع تحت الهيمنة الأوروبية والفرنسية، ومع أن دول إفريقية قطعت أشواطًا جادة في سياق الابتعاد عن النفوذ الفرنسي؛ إلا أن عملية فك الارتباط الاقتصادي مع باريس، وإن أعلنت دولتي: مالي وبوركينا فاسو وقف التعامل حاليًا مع فرنسا، والنيجر التي أوقفت تصدير اليورانيوم والذهب لها بعد الانقلاب الأخير، لكن تلك الدول لا تزال تُواجه مجموعة من العقبات التي هي أكبر من مجرد إجراء تعديلات أو تغييرات بعمليات تصدير المواد الأوليّة فقط.

ويرى مراقبون: أن من بين أهم تلك العقبات في “الفرنك CFA” وهو العملة الرئيسية لعديد من الدول هناك، والذي يطبع في البنك المركزي الفرنسي ويرتبط باليورو، فهل تستطيع دول غرب ووسط إفريقيا فك هذا الارتباط الاقتصادي بفرنسا والتحرر من “الفرنك الإفريقي” الذي أضر بشعوبها؟ (سكاي نيوز).

بداية قصة الفرنك الإفريقي:

إذا ما عُدنا إلى الوراء قليلًا، حيث بداية قصة الفرنك الإفريقي بعد أن عاد إلى مرحلة التحرر من الاستعمار، بعد أن نالت 14 دولة استقلالها (مجموعة الدول الفرنسية) في عام 1960 أرغمت باريس هذه الدول على استخدام عملة موحدة وهي “الفرنك CFA” اختصارًا لـ المجتمع المالي الإفريقي.

ثم بعد ذلك نجحت فرنسا في الحفاظ على دورها في الهيمنة الاقتصادية على اقتصادات هذه الدول والسيطرة على 14 دولة بالقارة السمراء من خلال الفرنك الإفريقي (منهم 12 مستعمرة سابقة لها) منذ ذلك الحين.

وينقسم الفرنك CFA إلى مجموعتين: الفرنك الوسط أفريقي، الذي يُستخدم في الكاميرون والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد، أما الفرنك الغرب إفريقي، الذي يُستخدم في بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا – بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو. (سكاي نيوز).

الفرق بين فرنك دول الوسط والغرب الإفريقي:

المشكلة في الضرر الذي يقع على الفرنك الإفريقي هو اختلاف العملتين بالأكثر في الصور النقدية، والخطير أنهما مرتبطتان بقوة باليورو الأوروبي بواسطة اتفاق يحدد سعر صرف ثابت لهما مقابل اليورو؛ وهذا يعني أن السياسة النقدية للفرنك CFA تُحدد من قِبل البنك المركزي الأوروبي وليس الإفريقي إما صعودًا مع اليورو أو انخفاضًا بانخفاض اليورو.

ورغم كون الفرنك المتداول في وسط إفريقيا يساوي بقيمته الفرنك المتداول في غرب إفريقيا؛ إلا أنه لا يمكن استعمال عملة دول وسط إفريقيا في دول غرب إفريقيا، والعكس تمامًا. (سكاي نيوز).

ربط قيمة العملة الإفريقية بالفرنك الفرنسي:

البداية، كانت عندما أجبرت باريس الدول المذكورة على إيداع احتياطاتها النقدية لدى بنك فرنسا وربط قيمة العملة بالفرنك الفرنسي، ثم اليورو بعد ذلك في سبعينيات القرن الماضي، حيث خفَّضت فرنسا نسبة تلك الاحتياطيات لدى بنك فرنسا إلى 65% على أثر احتجاجات من بعض الدول (مجموعة دول الفرنك)، ثم إلى 50% في 2005.

وعلى سبيل المثال: إنه في عام 2020 بلغت الاحتياطات المحجوزة على مستوى حسابات خاصة لدى بنك فرنسا ما يعادل 12.5 مليار يورو تتصرف فيها فرنسا بحرية مطلقة.

وفي نهاية العام 2019، أعلنت كوت ديفوار، عن أن ثماني دول من غرب إفريقيا ستتوقف عن تداول الفرنك في 2020، وهم أعضاء في الاتحاد النقدي والاقتصادي لغرب إفريقيا، بعد التوصل لاتفاقية يتم بموجبها استخدام عملة جديدة تسمّى “إيكو” بديلة للفرنك. (سكاي نيوز).

فكّ 50% احتياطيات من الفرنك لدى الخزانة الفرنسية:

ثم بعد ذلك في 2021 وخلال مؤتمر مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن الرئيس العاجي عن تغيير اسم العملة الخاصة بدول اتحاد غرب إفريقيا الاقتصادي والنقدي، من “الفرنك غرب الإفريقي” إلى “إيكو”؛ إضافة إلى توقف باريس عن الاحتفاظ بـ 50% من احتياطيات هذه الدول في الخزانة الفرنسية، وانسحاب فرنسا من التحكم في العملة وإدارتها.

خبراء أمنيون، أكدوا أن معظم الانقلابات التي تمت في وسط وغرب إفريقيا في الفترات السابقة كان قادة الانقلاب فيها يتبنون سردية تلقى قبولًا هناك تقول: إن تلك الانقلابات هي لمحاربة النفوذ الفرنسي في المنطقة، وبما يُبعد الناس عن المشكلة الأساسية وهي أن ثمة انقلابا قد حدث. (سكاي نيوز).

أشاروا إلى أن “هذه السردية بها خطاب مظلومية شديد بسبب العقوبات التي تفرض من الإيكواس، كما أنها عودة للتذكير بفترات الاستعمار ونهب ثروات البلد، عبر خطاب شعبوي يتحدث عن التحرر الوطني، وكأنها موجة ثانية من التحرر من وطأة الاستعمار”، موضحًا أنه بتفكيك تلك السردية، فهناك أنظمة حكم هشَّة يُلقى عليها بمسؤولية ما آلت إليه الأمور، بينما “هذا ليس معناه عدم مسؤولية فرنسا؛ ذلك أن فرنسا متواجدة بقوة في منطقة وسط وغرب إفريقيا، التي تمثل مستعمراتها القديمة ومجال نفوذها الجيوسياسي ولها مصالح متعددة”. (سكاي نيوز).

علاقات متشابكة بين فرنسا ودول الغرب الإفريقي:

بالطبع، كانت فرنسا تتحكم في تلك الدول بعدة مستويات مختلفة، ماليًّا، واقتصاديًّا، وسياسيًّا وعسكريًّا وثقافيًّا، وهي -على سبيل المثال- كالآتي:

مصالح سياسية: حيث كانت فرنسا تتحكم في الشأن الداخلي لتلك الدول، وتستطيع أن تغير رؤساء جمهوريات كما تريد، وأن تساعد في انقلابات واحتجاجات فئوية.

مصالح اقتصادية: من خلال الشركات الفرنسية العملاقة (سواء المتعلقة بالنفط والطاقة واليورانيوم والتعدين وغيرها من الخامات)؛ علاوة على أن هناك العديد من الدول التي تتعامل بالفرنك CFA  الذي يتحكم به المركزي الفرنسي.

مصالح ثقافية: حيث إن اللغة السائدة في كل المنطقة هي الفرنسية، واللغة تعد إحدى وأبرز وسائل السيطرة، لكن بعد ذلك بدأت تلك الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الكبيرة تتقلص وتتراجع بشكل لافت في القارة، ومع وجود منافسين لفرنسا، ليست فقط روسيا، إنما الصين والهند وتركيا، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية تعد أكبر منافس للتواجد الفرنسي في منطقة الساحل والغرب الإفريقي.

الدب الروسي والفرنك الإفريقي:

ووفق هذه المعطيات السالف ذكرها، يرى مراقبون: أنه من السهل قطع الحبل السري بين فرنسا وتلك الدول الغربية، وأن تتبنى هذه الدول نظامًا اقتصاديًّا جديدا لا يعتمد على الفرنك  CFA.

يضيف المراقبون: كما في ضوء المنافسة الحالية بين القوى العظمي في القارة السمراء، من السهل جدًّا على روسيا على سبيل المثال إن كانت موجودة بقوة في هذه المنطقة أن تساعد في العمل على تغيير العملات الوطنية، ويتم التعامل بعملات جديدة، حيث يتوقع محللون، أن يحدث ذلك في الفترة المقبلة، وربما يتم التعامل بالدولار بصفة رسمية.

وعزا محللون في الشأن الإفريقي بأنه “يُمكن لروسيا أن تعمل على تشجيع هذا التحوّل”، ما يعني أن تضرب موسكو عصفورين بحجر واحد، لجهة الهروب من العقوبات الاقتصادية، وكذلك محاولة إضعاف الدولار الأمريكي، وهو ما تصبو إليه موسكو التي تتعامل مع كل الدول التي تقترب منها من أجل إضعاف العملة الأمريكية؛ الأمر الذي يخيف فرنسا في هذه المنطقة بشكل كبير وجعلها تنظر حاليًا في إعادة النظر في تعاملاتها القديمة مع دول الساحل الإفريقي. (سكاي نيوز).

هل من الصعب فكّ الارتباط المالي مع فرنسا؟

في المقابل، يعتقد خبراء آخرون، بأنه ليس سهلًا مسألة فكّ الارتباط بين فرنسا ودول غرب ووسط القارة، لا سيما مثل: تشاد والنيجر، وبوركينا فاسو، وذلك نتيجةالارتباط بين الجانبين هو ارتباط تاريخي، خصوصًا وأن الاستعمار الفرنسي كان متوغلًا بقوة في تلك البلدان، وعندما خرجت باريس من المنطقة كان خروجها سياسيًّا، لكنها بقيت مؤثرة في كل التفاصيل.

يضيف الخبراء:مهما كان هناك رفض الوجود الفرنسي في المنطقة، لكن لا تزال العلاقات متجذرة لفرنسا وهي في صميم هذه الشعوب، سياسيًّا واقتصاديًّا، وعزا مراقبون أن “ثمة تأثير محتمل على الفرنك الإفريقي نحو خطوات التحرر من السيطرة الفرنسية بما في ذلك التحول لعملات أو سلة عملات بديلة، لكن ذلك ليس المعيار الأساسي لفك الارتباط الاقتصادي مع فرنسا. (سكاي نيوز).

ولكن يرى باحثون: أن الفرنك الإفريقي الذي تتعامل به البلدان الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقياUEMOA)  الذي تتم طباعته في فرنسا ويسيطر عليه مصرف فرنسا المركزي، ربما تستطيع الدول الإفريقية التي تتعامل به التخلي عنه، خصوصًا في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة والخروج الفرنسي، لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى سنوات ربما طويلة من أجل إتمام فك الارتباط الاقتصادي.

التمدد الروسي الصيني:

وتابع الباحثون: التداخل الفرنسي ربما أقوى من أن ينتهي بهذه السرعة التي يتحدث عنها البعض، أو ينتهي لمجرد رفض الوجود الفرنسي في هذه المنطقة من قبل الأجيال الجديدة، لاسيما أن فرنسا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الرفض الحالي لها في تلك المنطقة واستبدالها بآخرين.

وأردفوا قائلين: كما لن تقف فرنسا مُتفرجة ومكتوفة الأيدي أمام التوغل الروسي الصيني، وبالتالي فإن الأمور لم تنتهِ بعد، إذ لا تزال هنالك تفاصيل بين الأطراف المتنافسة، والجميع يحاول أن يتواجد ويفرض سيطرته”.

ولكن في تقديري: إن الدُب الروسي قد نجح في التمدد بالقارة السمراء ولا يزال مستمرًا في تمدده، كما نجح أيضًا بشكل كبير في هزّ وضع فرنسا في منطقة الغرب بالتحديد، وفي الوقت نفسه وللمتابع للمشهد المُعقد حاليًا هناك، أن الصراع لا يزال في بدايته ولن يحسم بسهولة، لاسيما ما تحصل عليه فرنسا سواء من موارد طبيعية أو استغلال لثروات دول الساحل. (سكاي نيوز).

ويرى مختصون: أنه على رغم استقلال إفريقيا وتحررها من الاستعمار رسميًّا عن فرنسا وإسبانيا والبرتغال؛ إلا أنها لن تتخلص تلك الدول بعد من التبعية المالية والاقتصادية التي فُرضت عليها، إذ حافظت فرنسا على نفوذها خصوصًا في منطقة الساحل الإفريقي، عبر اتفاقيات في مجالات عدة منها الاقتصادية والمالية. (اندبندنت).

الجماعة المالية للفرنك الإفريقي؟

تعود قصة الفرنك الإفريقي أو ما يسمى بالجماعة المالية للفرنك الإفريقي حيث هو اسم العملة الموحدة لـ 14 دولة إفريقية أعضاء في منطقة الفرنك الإفريقي التي تضم 12 دولة كانت مستعمرات فرنسية، بجانب دول غينيا بيساو التي كانت مستعمرة برتغالية، وغينيا الاستوائية التي كانت مستعمرة إسبانية.

وتضم تلك المنطقة مجموعتين نقديتين، وهما: “الفرنك الوسط إفريقي” ويستخدم في كل من الكاميرون والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد، أما “الفرنك الغرب إفريقي” فيستخدم في بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو. (اندبندنت).

يرى محللون: إن منطقة الفرنك الإفريقي تعتبر من أقدم الاتحادات النقدية في العالم، إذ يناهز عمرها سبعة عقود، إلا أنها الأضعف، بالنظر إلى المؤشرات التنموية والاقتصادية والاجتماعية لتلك الدول التي تعاني عدم الاستقرار السياسي والصراعات المسلحة وتنامي الجماعات التكفيرية والانفصالية، علاوة على نزوع الآلاف من سكانها إلى الهجرة السرية نحو أوروبا بحثًا عن موارد الرزق والعيش الكريم، على رغم ثرواتها الطبيعية الكبيرة.

دول إفريقية نجحت في فكِّ الارتباط المالي بعد طرد المستعمر الفرنسي:

يضيف المحللون: إن موجة الاستقلال التي شملت دولًا إفريقية في ستينيات القرن الماضي، توجهت دول عدة إلى رسم سياسات نقدية وطنية للتخلص من التبعية المالية لفرنسا، على غرار تونس التي كانت من أوائل الدول الإفريقية التي وضعت عملة وطنية وهو الدينار، تلتها بعد ذلك الجزائر والمغرب، بينما بقيت الدول الإفريقية الأخرى تعاني جراء استمرار الارتباط بالفرنك الفرنسي.

ويقول المحللون: “المفارقة أن فرنسا غيَّرت عملتها ولم تعد الفرنك، بل أصبحت تتعامل باليورو، إلا أن الفرنك الإفريقي بقي متداولًا في هذه الدول”، وهو ما اعتبره “قمة الاستعمار والتبعية المالية والاقتصادية”.

وأشاروا إلى أن ما يحدث اليوم في العالم هو “ثورة نقدية من العملات الإلكترونية، وأيضًا الثورة النقدية في منطقة غرب ووسط إفريقيا، علاوة على أن النظام العالمي النقدي بصدد إعادة التشكل بسبب التغيرات الدولية الطارئة”، كما أن “الحرب الأوكرانية الروسية دفعت عديد العملات إلى الواجهة، على غرار العملة الروسية والصينية”، كذلك التوجه الحثيث نحو عملة عالمية جديدة.

حرب نقدية ونظام مالي عالمي جديد يلوح في الأفق:

أشار اقتصاديون إلى أن نقطة مهمة وهي أن دول الغرب والوسط الإفريقي قد تُغير عملاتها وتتوجه إلى روسيا المهيمن الجديد في المنطقة، معتبرين ما يحدث في العالم اليوم تعد حربًا نقدية وحرب عملات، من أجل إنشاء نظام مالي عالمي جديد، أي نظام ما بعد العولمة.

وخلُص الباحثون إلى اعتبار أن قدرة الدول الإفريقية أن تتنقل من استعمار فرنسي إلى آخر روسي أو صيني، بحاجة إلى أن تتحكم في ثرواتها، وتضع عملة وطنية وتستكمل سيادتها من أجل وضع أسس الدولة الوطنية.

من أجل ذلك التحرر، ينصح مصرفيون وخبراء المال بضرورة ربط الفرنك الإفريقي بسلة عملات كالدولار واليوان والروبل والين الياباني، واتباع آلية السوق في تحديد قيمة الصرف، لتحقيق أقصى درجات المرونة بما ينعكس إيجابًا على المبادلات التجارية الخارجية لصالح دول المنطقة الإفريقية.

عملة هشّة تستمد قوتها من اليورو والفرنك الفرنسي:

بينما يقول مراقبون: إنه بالرغم من الرغبة الشعبية الشديدة لدول الساحل في فك الارتباط بالمستعمر السابق (فرنسا)، وفتح المجال وأفق جديدة أمام علاقات اقتصادية وشراكات جديدة مع كل من روسيا والصين والهند، لكن يصعب على دول منطقة الفرنك الإفريقي التخلص من تبعية عملاتها إلى فرنسا نظرًا؛ لأنها عملات هشَّة قد تفقد قوتها التي تستمدها من اليورو ومن قوة المعسكر الغربي. (اندبندنت).

وعلَّل المراقبون: أن السبب يكمن في عدم استغناء هذه الدول عن الفرنك الإفريقي؛ لأن العملات الروسية والصينية لا تزال غير قابلة للتحويل، ومن ثم لا يمكن لدول غرب ووسط إفريقيا أن تتخلى عن عملة سهلة التحويل وقابلة للتعامل في الأسواق القريبة، وتتجه إلى عملات يصعب تحويلها واعتمادها؛ لذلك إن هذا الانفتاح والتعامل مع مجموعات اقتصادية ومالية جديدة، مثل: روسيا أو الصين، مشروط بمدى توفر مقومات تضمن فاعلية هذا التعامل مع الأسواق الأخرى. (اندبندنت).

عملة استعمارية صكتها فرنسا لسلب سيادة إفريقيا الاقتصادية:

يرى محللون: أن ما تشهده إفريقيا تنافسًا بين قوى دولية متعددة الأهداف، مثل: أمريكا وفرنسا والصين وروسيا وإسرائيل وإيران وتركيا؛ إلا أن التنافس في منطقة الفرنك الإفريقي، وهي منطقة نفوذ تقليدية لفرنسا، يكاد ينحصر بين ثلاث دول، هي: فرنسا والصين وإيران؛ لذلك فإن ارتباط الفرنك الإفريقي، بالفرنك الفرنسي يليه اليورو، هو بمثابة وصاية فرنسية.

لذلك ينصح خبراء في المال بسرعة التخلص من هذه الوصاية نهائيًّا، وربط  الفرنك الإفريقي بسلة عملات: كالدولار والين الياباني، واتباع آلية السوق في تحديد قيمة الصرف لتحقيق أقصى درجات المرونة مما سينعكس إيجابًا على المبادلات التجارية الخارجية لصالح دول المنطقة. (اليوم السابع).

خبراء: الدول الإفريقية تدفع لفرنسا لتحتفظ بعملاتها:

وقد احتضنت العاصمة الجابونية ليبرفيل في وقت سابق اجتماعًا رفيعًا، لبحث مستقبل الفرنك الإفريقي، وفق ما أعلن بيان صادر عن إدارة الاتصال الحكومية في البلاد، حيث تضمن جدول أعمال الاجتماع “لقاءات، ومباحثات، وتبادل” بشأن قضية الفرنك، وسط مشاركة عدد من الاقتصاديين والخبراء من هيئات، ومنظمات دولية وإقليمية مختلفة.

والغريب أنه من المفترض عند إقامة عملة مشتركة بين عدة دول أن تعمل على تحقيق أهداف أساسية ومنفعة متبادلة، متمثلة في التكامل الاقتصادي الإقليمي، والتقارب الاقتصادي، واستقرار الاقتصاد الكلي، وتؤكد التحليلات الاقتصادية أن المناطق التي تستخدم الفرنك الإفريقي قد فشلت في تحقيق هذه الأهداف.

ويواجه الفرنك الإفريقي موجة رفض شعبية في عدد من الدول الإفريقية، التي تعتمده كعملة وطنية، ويعتبره رافضوه أنه يُعد عائقًا أمام النمو الاقتصادي في دول منطقة الفرنك، بجانب أن دول القارة تدفع لفرنسا، لكي تحتفظ بعملاتها وليس من أجل المصالح المشتركة مع دول الغرب الإفريقي ودول منطقة اليورو. (اليوم السابع).

تأسيس الفرنك الإفريقي:

وقد تأسس الفرنك الإفريقي في عام 1948، وشهد تطور استخدامه في منطقة جغرافية أوسع بكثير مما هو مستخدم حاليًا، مع أن أصوله سياسية بشكل واضح، وليست اقتصادية بطبيعتها، وهو العملة المستخدمة من  قبل 14 دولة في غرب إفريقيا، وهو أيضًا العملة الاستعمارية التي أنشأتها فرنسا لتعزيز التكامل بين المستعمرات المختلفة التي كانت تسيطر عليها خلال أوائل القرن العشرين، ولكن بعد استقلال المستعمرات الفرنسية، ظلت العملات المستخدمة في إطار ترتيب فريد من نوعه يبقيها مضمونة من قِبَل البنك المركزي الفرنسي وتربطها باليورو، وبالشكل الذى يسلب القادة الأفارقة سيادتهم الاقتصادية .

ونظرًا لدورها التاريخي في خلق العملة؛ إلا أن فرنسا لا تشارك فقط في مجالس إدارة كل من البنوك المركزية في منطقة الفرنك الإفريقي، ولكن لديها أيضًا حق النقض في الواقع، والذي يسمح لها بتخفيض قيمة العملة بشكل حاد في عام 1994، على سبيل المثال، كما أن البنك المركزي الفرنسي يضمن قيمة كل من عملات  CFAمقابل إيداع الدول الإفريقية 50% من احتياطاتها من العملات الأجنبية في باريس، ولكن بأسعار فائدة أقل من أسعار السوق، وهذا يعني أن الدول الإفريقية تدفع فعليًّا لفرنسا لتحتفظ بعملاتها. (اليوم السابع).

ما مصير الفرنك الإفريقي بعد انحسار الوجود الفرنسي؟

في تقديري: أن الفرنك الإفريقي قد يخرج من عثرته بعد انحسار التواجد الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي، أي: يمكنه الانتعاش بعد فك الارتباط المباشر مع الفرنك الفرنسي أو المركزي الفرنسي ومنطقة اليورو، وهو ما يسهم في زيادة الانفتاح وتعزيز التبادل والاستثمار مع الدول الكبرى الأخرى.

وبالفعل، قد عزا اقتصاديون ومصرفيون، بأن الفرنك الإفريقي سيكون في هذه الحالة قابلًا للارتفاع والانفتاح مع عملات أخرى بالقارة وخارجها، لاسيما مع دخول دول كبرى على خط المنافسة مع فرنسا أو دول الغرب الإفريقي عمومًا، كما أن تقليل ارتباط الفرنك الإفريقي بالمركزي الأوروبي سيجعله غير مقيّد بسعر اليورو؛ الأمر الذي سيعزز من قدرة اقتصادات الغرب الإفريقي على الصمود في مواجهة الصدمات الاقتصادية، وأيضًا القدرة على كبح جماح التضخم نتيجة استقرار الفرنك.

الخلاصة:

– نستخلص من ذلك: أن فكَّ الارتباط بين دول الغرب الإفريقي ودول منطقة اليورو، وعلى رأسهم: فرنسا هو السبيل لخروج هذه الدول من التبعية المالية للغرب، وتخلُّص الفرنك الإفريقي من الهيمنة الفرنسية.

– كما أن إنهاء هذه التبعية لا يكون إلا بتكاتف واصطفاف دول الغرب الإفريقي وتوافق من دول المجموعة (إيكواس)؛ تلك التي لا تزال بعضها تؤيد التواجد الفرنسي.

– ليس سهلًا إنهاء التبعية المالية لإفريقيا وفك الارتباط بين الفرنك والمركزي الفرنسي؛ إلا بتوافق إفريقي وإنشاء عملة موحدة يسبقها أولًا مواجهة الفساد وزيادة النمو ومعدلات الإنتاج لهذه الدول الغنيّة بالثروات الطبيعية والمعادن.

– وهذا من الممكن جدًّا أن يتحقق، ولكن من خلال تعزيز وزيادة التعاون والتكامل الاقتصادي الإقليمي لدول القارة السمراء في المقام الأول، وبين دول وسط وغرب إفريقيا ثانيةً التي تعاني إزاء هذا الارتباط.

– لا شك من تضرر الفرنك الفرنسي خاصة، ودول منطقة اليورو عامة، ولو قليلا جراء فك هذا الارتباط المالي مع دول وسط وغرب إفريقيا؛ لأن المركزي الفرنسي هو الذي يقوم بطباعة الفرنك الإفريقي مُتحكمًا في الوقت ذاته بسعر الفرنك.

– كذلك، قد حان الوقت لحكومات تلك الدول الإفريقية أن تقوم بإصلاحات تشريعية وقانونية وديمقراطية بُغيّة تحقيق الكثير من المؤشرات على الصعيد الاقتصادي والمالي التي سيكون لها الأثر البالغ على معدلات النمو، وتراجع التضخم، وزيادة الاحتياطات النقدية، وخفض عجز الموازنات.

– كما أن التوسع في ربط الفرنك الإفريقي بسلّة من العملات الأخرى، مثل: الدولار، والينّ الياباني، واليوان، والروبل، سيخفف لا محالة من حِدَّة التبعية لأوروبا بشكل كبير وكخطوات مبدئية مهمة على الأرض.

المصادر:

– سكاي نيوز

– اندبندنت

– اليوم السابع

– موقع هيسبريس

التعليقات مغلقة.