fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

انهيار تحالف الإيكواس الإفريقي.. الدوافع والتداعيات!

49

انهيار تحالف الإيكواس الإفريقي.. الدوافع والتداعيات!

تعرف مجموعة الإيكواس بأنها مجموعة اقتصاديَّة تضم معظم دول غرب إفريقيا، وهي منظمة واتحاد اقتصادي إقليمي، ويضم هذا الاتحاد 15 دولة من دول الغرب الإفريقي، وتأسست في عام 1975 في شهر مايو بموجب اتفاقيَّة لاغوي، وتتخذ من العاصمة النيجيريَّة مقرًّا لها، وتعتبر اللغات الرسميَّة لها هي: الإنجليزيَّة والفرنسيَّة والبرتغاليَّة، ويأتي تسلسل الأعضاء كالتالي: الرأس الأخضر، وغامبيا، وغينيا، وغينيا بيساو، وليبيريا، ومالي والسنغال، وسيراليون وبنين، وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج، والنيجر ونيجيريا وتوغو.

ومعظم هذه الدول المذكور تم انضمامها في عام 1975 أثناء الدورة التأسيسيَّة، باستثناء الرأس الأخضر والتي أعلنت انضمامها في عام 1976، وقد كانت موريتانيا دولة عُضوًا في المجموعة حتى عام 2000، وبعدها انسحبت من المجموعة، وتضم هذه المجموعة الاقتصادية تكتلين اقتصاديين نقديين هُما: الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA)، والمنطقة النقدية لغرب إفريقيا (WAMZ).

هيكل المجموعة:

تتكون المنظمة من الهياكل التالية:

مجلس رؤساء الدول والحكومات: أعلى هيئة سياسيَّة وترجع إليه القرارات الكبرى.

المجلس الوزاري: ويضطلع عادة بمهمة التحضير للقمم، وفيه يدور النقاش المتعلق بمختلف القرارات السياسيَّة في أفق إقرارها من قبل مجلس الرؤساء.

برلمان المجموعة: له سلطة تشريعيَّة تتعلق بإقرار النصوص التي تصدر عن الهياكل التنفيذيَّة، كما يُقرر في تعاطي المنظمة مع الأزمات التي يشهدها أحد البلدان الأعضاء، ويرسل- أحيانا- لجان وساطة في أوقات الأزمات.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي: له دور استشاري وصلاحيَّة تقديم مقترحات تهم المشاريع التنمويَّة المشتركة بين دول المجموعة.

محكمة المجموعة: تبت في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيَّة المرتكبة خلال صراعات شهدتها المنطقة.

لجنة المجموعة: أحدثت في 2006 وحَلّت محل السكرتارية العامة، وتتألف من ثمانية مفوضين يضطلعون -بمساعدة فريق إداري يعمل تحت إمرتهم- بالعمل الإداري والتسيري الخاص بالمنظمة، ويُنسقون علاقاتها بالدول الأعضاء(1).

أهداف الإيكواس:

في 28 مايو 1975 تم التوقيع على معاهدة لاغوس التي تم تأسيس المجموعة الاقتصاديَّة لدول غرب إفريقيا بموجبها في نيجيريا، وكان الهدف من ذلك:

1_ تجاوز الانقسامات السياسيَّة.

2_ تجاوز الانقسامات الاقتصاديَّة.

3_ تجاوز الانقسامات اللُغويَّة.

4_ تجاوز الانقسامات الماليَّة.

5_ تعزيز التعاون والتبادل.

وتشارك المنظمة بشكل مباشر في النزاعات السياسيَّة، حيث اعتمدت قانونًا جديدًا في عام 1993 يكلفها رسميًّا بمسؤوليَّة العمل على تفادي وقوع نزاعاتٍ إقليميَّة وتسويتها، وفي يونيو 2004 صادق رؤساء هيئة الأركان بغرب إفريقيا على إنشاء قوة عسكريَّة تضم 6500 عنصر، من بينها وحدة مخصصة للتدخل السريع في حال وقوع اضطرابات، تضم 1500 جندي.

وفي نوفمبر2005 تم أيضا اعتماد برنامج تأهيل في مجال عمليات حفظ السلام، مدته خمس سنوات(2).

انسحاب قوي:

أعلنت الأنظمة الحاكمة في كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر في بيان مشترك يوم الأحد 28 يناير 2023 انسحابهم الفوري من المجموعة الاقتصاديَّة لدول غرب إفريقيا “إيكواس” استجابة لتوقعات وتطلعات شعوبهم، ووفقًا لإرادتهم السياسيَّة وسيادتهم الكاملة كما ورد في البيان، ما يمثل ضربة قاسمة للمنظمة بعد مرور 49 عامًا على إنشائها؛ خاصة وأن الدول الثلاث ذات ثقل في المجموعة منذ إنشائها.

يأتي هذا التصدع في التعاون الإقليمي نتيجة للتشكيك كل منهم في الحياديَّة والمصداقيَّة في تسوية أوضاع الدول الأعضاء ورغبة بعض القوى الإقليميَّة والدوليَّة في السيطرة على المنظمة وتمرير القرارات بها وفقًا لما تقتضيه مصالحها السياسيَّة(3).

دوافع الانسحاب:

لا شك أن هذا الانسحاب للقوى العظمى الموجودة في هذا الاتحاد والمتمثلة في الثلاث دول، وهم: بوركينا فاسو ومالي والنيجر، كان يقف خلفه عدد من الدوافع والأسباب في ظل الأحداث الراهنة، وقد لخصها بعض الباحثين في الآتي:

 عودة العنف المسلح بشدة في منطقة الساحل:

ففي ضوء تجدد المواجهة مع الجماعات المسلحة في شمال مالي وكذلك إعلان حالة الطوارئ في سبعة من أقاليم البلاد شمالًا وغربًا وشرقًا على خلفية تصاعد الحوادث الأمنية، وفي النيجر التي لا تزال تعاني من تحديات أمنية في الغرب والجنوب رغم التعبئة الضخمة للقوات الأمنية.

توقف الدعم الأوروبي والغربي بعد الانقلابات:

وبخاصة الدعم الفرنسي الذي كان يتجسد في القواعد العسكريَّة الثابتة في البلدان الثلاث وانحساب الجيش الفرنسي من مالي والنيجر وتوقف التعاون العسكري مع بوركينا فاسو عقب طرد الملحق العسكري الفرنسي في سبتمبر 2023.

تراجع الدور الأمني لـ”فاجنر”:

وذلك عقب انغماسها في الحرب الروسيَّة الأوكرانية من ناحية ونقل أغلب مقاتليهم للقتال إلى جانب الجيش الروسي، وكذلك عقب غموض مصيرها بعد محاولة التمرد التي قام بها قائد “فاجنر” على الجيش الروسي وعدم معرفة مصير هؤلاء المقاتلين في الفترة المقبلة؛ مما أدى إلى تزايد الحاجة الملحة لتعويض ذلك الغياب الأمني على كافة المستويات.

فشل “إيكواس” في الاحتواء والسيطرة الأمنية:

لم تستطع إيكواس السيطرة على الوضع الأمني في دول غرب إفريقيا وتزايد نشاط الجماعات التابعة لتنظيمي: “القاعدة” و”داعش” الإرهابيين، وكذلك عدم قدرتها على اتخاذ موقف ثابت حيال الانقلابات الثلاثة، وباتت أمام خيارين كلاهما مر؛ إما الجمود وعدم الفعالية حال الإحجام عن التدخل العسكري أو التفكك واتساع دائرة الصراعات حال تدخلها عسكريًّا(4).

مبررات الدول المنسحبة من المجموعة:

كان لدى الدول التي أعلنت الانسحاب العديد من المبررات التي تم طرحها عبر شاشات التلفزيون والصحف، ومن خلال الخبراء والباحثين، ويمكن تلخيصها في الآتي:

التلويح بالتدخل العسكري:

جاءت التوترات القائمة مع “إيكواس” إثر التغيير غير الدستوري للسلطة في البلدان الثلاث، إذ توترت العلاقات بين المجموعة ومالي منذ 2020، قبل أن تنتقل الأزمة إلى بوركينا فاسو منذ 2022، وحظرت “إيكواس” التعامل مع باماكو وواجادوجو مع تعليق عضويتهما، فيما لم تكتفِ المنظمة بالحظر وتعليق العضوية في حالة النيجر، عقب الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، عام 2023، بل لوحت بالتدخل العسكري، لكن قوبل هذا القرار بتحالف أمني ثلاثي “ميثاق ليبتاكو – جورما” بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، 16 سبتمبر 2023، ويؤكد التعهد بمساعدة دول التحالف الثلاثي بعضهم البعض في حالة وقوع أي تمرد أو عدوان خارجي، والتضامن العسكري والوقوف في وجه تهديدات المنظمة؛ لذلك قررت الدول الثلاث إعلان الانسحاب من “إيكواس”؛ لتفادي قرار التدخل العسكري.

التحلل من رقابة المنظمة على العملية السياسية:

يبدو أن القادة الجدد في الدول الثلاث لا ينوون الانسحاب من السلطة في ظل مطالب عودة الرؤساء المخلوعين، بل لديهم الرغبة في إطالة الفترة الانتقالية وهو ما ترفضه “إيكواس” والدول الغربية وعلى رأسها: فرنسا؛ خاصة أن سلسلة الانقلابات الحادثة في الدول الثلاث غيرت المشاهد بشأن عودة الحكم المدني، في ظل إرجاء الانتخابات الرئاسيَّة في مالي التي كان من المقرر انعقادها فبراير الجاري، لأجل غير مسمى.

خضوع إيكواس لتأثير قوى أجنبيَّة:

أسندت الدول الثلاث قرار الانسحاب إلى خضوع منظمة “إيكواس” لتأثير بعض القوى الأجنبية، ويُقصد هنا تحديدًا فرنسا؛ نظرًا لأن باريس بمثابة الداعم الأكبر لقرارات المنظمة، ويبدو ذلك جليًّا عندما دعمت فرنسا قرار فرض العقوبات الاقتصادية على دولتي مالي والنيجر، ونتج عن ذلك تحديات اقتصاديَّة غير مسبوقة لتلك الدول. وبات لدى نيامي وباماكو وواجادوجو اقتناع تام بأن المنظمة تنصاع لقرارات فرنسا التي تسعى لتحريض قادة الدول الأعضاء ضد البلدان الثلاث، ما قاد دول المثلث الحدودي إلى إعلان الانسحاب من “إيكواس”.

عدم الحاجة لها بسبب حالة الضعف الشديدة للمجموعة:

كما أن القادة الجُدد أكدوا أن “إيكواس” لم تعينهم على تحقيق التنمية والاستقرار ومحاربة العنف والإرهاب؛ ولذلك أعلنوا قرار انسحابهم من المجموعة لفشلها في مواجهة التحديات الراهنة(5).

تداعيات الانسحاب:

تتعدد تداعيات الانسحاب الثلاثي من “إيكواس”؛ سواء على المستوى الداخلي للدول الثلاث أو على مستوى تجمع “إيكواس”؛ فعلى المستوى الداخلي تتزايد شعبية الأنظمة الحاكمة باعتبار أنهم يسعون لتحقيق الاستقلال التام عن الأنظمة التابعة لفرنسا والغرب من ناحية أو الخضوع لنفوذ بعض دول التجمع المسيطرة (نيجيريا مثلًا)، وهو ما يغذي الروح الوطنيَّة لدى الرأي العام في دول غرب إفريقيا وخاصة بين أوساط الشباب وهو ما يعزز نفوذها في السلطة بعد نجاحها في الالتفاف على الأزمات الداخليَّة المتفاقمة، ويمكن إجمال هذه التداعيات في النقاط التالية:

التحول من سيطرة النفوذ الفرنسي إلى الروسي:

إن الأوضاع الإقليميَّة في المنطقة ستحفز موسكو للعب دور المنقذ لتلك الدول الثلاث؛ خاصة أن الباب فتح لها في ظل القيادة الجديدة التي سحبت البساط من تحت أقدام فرنسا بإفريقيا، فمن المؤكد أن روسيا ستعيد ترتيب أوراقها من جديد بشأن وجودها في القارة السمراء، واستغلال قرار الانسحاب لصالحها خلال حربها مع أوكرانيا باستغلال الثروات النفطية بإفريقيا، ولا نغفل تزامن إعلان الانسحاب مع استقبال بوركينا فاسو لجنودٍ روس، بما يؤكد العلاقات الروسيَّة القويَّة مع قادة الدول الثلاث، كما أن روسيا استغلت الفراغ الذي خلفته فرنسا في تلك الدول، لنشر قوات مجموعة “فاجنر” المسلحة، ومن بعدها قوات “فيلق إفريقيا” التي ستتولى مهام المجموعة بالقارة السمراء بعد تمرد مؤسسها يفجيني بريجوجين على القيادة العسكرية الروسية؛ من أجل عمل شراكات هادفة إلى محاربة التنظيمات الإرهابية.

بروز النفوذ الصيني:

في حقيقة الأمر تسعى الصين لتعزيز تواجدها في إفريقيا اقتصاديًّا، ومع تخلي مالي وواجادوجو ونيامي عن الغرب وأوروبا، فإنها تسعى للتحرر من الاعتماديَّة على فرنسا من خلال إقامة مشروعات تنمويَّةٍ مع الصين، فنلاحظ أن بكين تسعى لبناء خط أنابيب بطول 2000 كيلومتر بين النيجر وبنين؛ للاستفادة بشكل أكبر من النفط، ومن ثم تأمين مصالحها؛ لذلك فإن خطوة الانسحاب من إيكواس بمثابة فرصة مثمرة للصين، في ظل التراجع الغربي.

التداعيات الاقتصادية:

وأما عن التداعيات على الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا فقد أضحت سلسلة الانقلابات العسكرية ملهمة بالنسبة لبعض الضباط والعسكريين في الجيوش الإفريقية بما يرجح اندلاع موجة جديدة من الانقلابات في المنطقة والإفلات من العقوبات المنتظرة بالتلويح بالانسحاب من المنظمة الإقليميَّة وبالتالي إضعافها رغم كونها أحد أنجح التجمعات الإقليميَّة داخل قارة إفريقيا.

خسارة المنافذ البحرية:

مع افتقار الدول الثلاث للمنفذ البحري، فإنها تعتمد على موانئ دول “إيكواس”، فمع قرار الانسحاب من المؤكد تأثر حركة التجارة بشكل سلبي بإطالة مدة شحن البضائع، بالإضافة إلى أزمة سيولة خانقة نظرًا لأنه بمجرد انسحاب الدول الثلاث من “إيكواس”، سيتم انفصال البنوك المركزيَّة لهذه الدول عن البنك المركزي لـ “إيكواس”، ما يتسبب في إحداث أزمة ماليَّة شديدة وارتفاع النقد الأجنبي بفعل تجميد الأرصدة في بنوك المجموعة.

انهيار حلم الإيكو:

من المُرجح السعي لإنشاء عملة نقدية مشتركة، وكخطوة اتخذتها “إيكواس” صادق قادة المجموعة على “إيكو” كاسم للعملة الموحدة التي كانوا يأملون إصدارها، ويبدو أن الحديث عن عملة موحدة في ظل تلك الظروف الجيوسياسيَّة أمر يواجه صعوبات جمة مع غياب دعم دول “إيكواس”؛ بالإضافة إلى ذلك يشهد المجلس الانتقالي الحاكم في بوركينا فاسو مباحثات بشأن الخروج من العملة الموحدة لغرب إفريقيا (الفرنك الإفريقي)؛ للتخلص من الاستعمار الفرنسي نهائيًّا(6).

الخلاصة:

إن الانسحابات المتتالية التي يشهدها التحالف تعد أكبر انتكاسة شهدتها المنظمة منذ تأسيسها عام 1975، ويبدو أن “إيكواس” فشلت في إدارة المعركة مع الدول الثلاث؛ خاصة مع غياب الدعم الدولي والإقليمي للمجموعة.

تواجه منظومة الاتحاد الإفريقي والمنظومات الإقليميَّة الفرعيَّة مأزقًا حقيقيًّا، وينبغي إعادة النظر في علاقة نيجيريا بدول المثلث الحدودي؛ من أجل الوصول إلى اتفاق سلمي لا يُكبد “إيكواس” أو أيًا من أعضائها الحاليين أو السابقين أي خسائر، خاصة بعد إعلان السودان تجميد عضويته في الهيئة الحكوميَّة للتنمية “إيجاد”.

كما يجب إعادة النظر في الاتهامات الموجهة للدول الأعضاء بعدم الشفافيَّة والحياديَّة في التعامل مع أزماتها الداخلية وعدم حيادية بعض قادتها خاصة في توجيه العقوبات بشكل متفاوت على ذات المواقف وبأن تلك المنظمات باتت لعبة في يد القوى الغربيَّة وبعض القوى الإقليمية الكبرى المؤثرة داخل القارة، وهو ما يعزز زيادة حدة الصراعات داخل القارة المحكوم عليها بعدم الاستقرار الأبدي.

1_ الجزيرة

2_ فرانس 24

3_ سكاي نيوز

4_ الحرة

5_ القاهرة الإخبارية

6_ مركز رع للدراسات والأبحاث

التعليقات مغلقة.