fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تجمع القوى العظمى في جيبوتي والبحر الأحمر.. قراءة في مستقبل الصراع بالقرن الإفريقي وباب المندب 

0 40

تجمع القوى العظمى في جيبوتي والبحر الأحمر.. قراءة في مستقبل الصراع بالقرن الإفريقي وباب المندب 

يُعد البحر الأحمر ومضيق باب المندب، من أهم الممرات البحرية في العالم؛ حيث يربط بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، ويتحكم في حركة الملاحة والتجارة الدوليَّة، ويلعب دورًا كبيرًا في الاقتصاد العالمي، وخلال العقود الماضية حاولت القُوَى الدوليَّة والإقليميَّة المختلفة التأسيس لنفوذها طويل الأمد في هذا الممر المائي الحيوي، لا سيما على الساحل الإفريقي؛ إلا أن السنوات الأخيرة، شهدت تحركات غير مسبوقة للوجود وبناء القواعد العسكريَّة على سواحل البحر الأحمر.

وهو ما أثار الكثير من الجدل حول العوامل التي دفعت العديد من الدول الكبرى للبحث عن موطئ قدم لها على ساحل البحر الأحمر، الذي يمثل أحد الأقاليم الفرعيَّة لإقليم الشرق الأوسط، والتداعيات الإستراتيجيَّة المترتبة للوجود العسكري الكثيف، على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة.

فكيف أصبحت جيبوتي ثُكْنَة العالم العسكريَّة؟ وفي ظل الوجود العسكري للدول الكبرى المتصارعة على قيادة العالم في جيبوتي: هل يبقى الهدوء سيد الموقف أم ستنفجر الصراعات المختلفة في المنطقة؟

يركز موقع “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير عبر تحليلاته، على بعض النِّقاط المهمة حول الوجود العسكري للدول الكبرى المتصارعة في جيبوتي، والمخاوف المحتملة من تأجيج صراعات البحر الأحمر والقرن الإفريقي في هذه السطور الآتية:

جيبوتي ثُكْنَة العالم العسكريَّة:

تتمتع جيبوتي بموقع جغرافي متميز؛ إذ تطل على مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ما جعلها تكتظ بأكبر عدد من القواعد العسكريَّة للدول الأجنبية الكبرى المتصارعة على قيادة العالم، والساعية إلى مناطق نفوذ في جميع أنحاء العالم، ومن بينها البحر الأحمر.

حيث شكل موقع جيبوتي الجغرافي المتميز عامل جذب لمعظم القوى الكبرى، وقد يتحول في أي لحظة إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين الولايات المتحدة وخصومها، فعلى الرغم من محدوديَّة الشريط الساحلي لجيبوتي، الذي لا يتجاوز 315 كيلومترًا؛ إلا أن وجودها على ضفاف البحر الأحمر – أكثر المناطق عسكرة في العالم- مع تجمع أكبر الأساطيل فيه؛ أعادها إلى الواجهة من جديد.

فبالنظر إلى التجمع الاستثنائي للقوى الكبرى على أراضي جيبوتي الذي يضم الولايات المتحدة، واليابان، والصين، وإسبانيا، وإيطاليا؛ فإن هذه الدول تبحث عن موطئ قدم لها في البلد الذي يشرف على أهم الممرات المائيَّة في العالم.

الوجود العسكري للولايات المتحدة في جيبوتي:

مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر وقناة السويس، بخليج عدن والمحيط الهندي بات اليوم أكثر المضايق البحرية توترًا في العالم، والأهم من كل ذلك هو موقع جيبوتي الذي يجعلها حلقة الوصل بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، ما يمنحها قيمة جيوسياسيَّة استثنائيَّة.

وقد لوح الحوثيون في إطار تهديداتهم للأصول الأمريكيَّة في المنطقة، بضرب القاعدة العسكرية الأمريكيَّة في جيبوتي الذي يؤكد تحليلًا لموقع “ذا إنترسبت” إنها تم تجهيزها فقط لاستضافة القوات، وليس لمقاومة هجمات الطائرات المسيرة، أو الصواريخ. (سكاي نيوز عربية).

هذه القاعدة معروفة بمعسكر “لكامب لومونييه”، وهي الأكبر بين القواعد العسكرية الأجنبية على أراضي جيبوتي من حيث عدد قواتها، وتمتلك الصَّلاحِيَة لاستخدام المواني والمطارات في البلاد، وهي مقر قوة العمل المشتركة للقيادة العسكريَّة الأمريكيَّة في إفريقيا “أفريكوم”، والقاعدة الوحيدة الثابتة للولايات المتحدة في إفريقيا، وتنطلق منها عمليات مكافحة الإرهاب والقرصنة في المنطقة. (سكاي نيوز عربية).

وقد لعبت هذه القاعدة أيضًا دورًا محوريًّا في استهداف مواقع ومعسكرات لجماعات مسلحة في الصومال، واليمن، ودول مضطربة أخرى؛ وتحتفظ المملكة المتحدة أيضًا بعدد من جنودها في معسكر “كامب لومونييه”، يعملون على حماية السفن العابرة لمضيق باب المندب، والبحر الأحمر.

تبعد هذه القاعدة عن مضيق باب المندب حوالي 120 كيلومترًا؛ وتشير جماعة الحوثيين الإرهابية باليمن، إلى امتلاكهم لمجموعة من الصواريخ، التي تعمل بالوقود السائل التي يصل مداها لحوالي 2000 كيلومترٍ، ما يجعل من هذه القاعدة الأمريكيَّة هدفًا سهلًا لهم.

هذا التهديد إذا ما أقدمت جماعة الحوثيين باليمن على تنفيذه، سيضع الولايات المتحدة والحوثيين، في مواجهه شاملة، قد لا تبقى تداعياتها مقتصرة على الطرفين، في بلد لا يقتصر فيه الوجود العسكري الأجنبي على القاعدة الأمريكيَّة.

القواعد العسكرية لحلفاء الولايات المتحدة في جيبوتي:

فإلى جانب القاعدة الأمريكيَّة تحتفظ فرنسا التي استعمرت جيبوتي حتى عام 1977م، بقاعدة عسكريَّة هي الأكبر خارج البلاد، وتضم نحو 1500 جندي فرنسي، وتنتشر في القاعدة مجموعات طائرات ميراج الفرنسية المقاتلة، بالإضافة إلى المُعِدَّات الثقيلة، لدعم وحدات المشاة والمروحيات. (سكاي نيوز عربية).

وتوظف فرنسا قواتها العسكريَّة في التعامل مع الأزمات في منطقة القرن الإفريقي، والمحيط الهندي، والشرق الأوسط من بين مهام أخرى، وتنشط إلى جانب القوات الفرنسيَّة، قوات إيطاليَّة، وإسبانية، وألمانيَّة، في قواعد الحلفاء الغربيين، وكانت معظم هذه القوات جزءًا من عملية “أتلانتا”، التابعة للاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة وضمان أمن السفن.

وبالقرب من القاعدة الأمريكية تقبع منذ عام 2009م، قاعدة اليابان العسكرية الوحيدة خارج أراضيها “أمبولي”، وتتيح لها الوصول إلى مطار “جيبوتي أمبولي الدولي”، وقد أبرمت اليابان اتفاقيات لوجستيَّة عسكريَّة مع الولايات المتحدة وفرنسا للوصول إلى قواعدهما العسكريَّة في المحيط الهندي؛ لمواجهة نفوذ الصين المتنامي في المنطقة.

القاعدة العسكرية الصينية:

افتتاح الصين قاعدتها العسكرية الأولى في عام 2017م في جيبوتي؛ أثار حفيظة الولايات المتحدة وحلفاؤها الذين رأوا في ذلك الخطوة الأولى للانتشار الإستراتيجي للقواعد العسكريَّة الصينيَّة لتعزيز نفوذ بكين.

تبعد القاعدة العسكرية الصينيَّة التي تقدر تكلفتها 590 مليون دولار عن القاعدة العسكرية الأمريكية “كامب لومونييه” بمسافة 10 كيلومترًا فقط؛ وتقع بالقرب من ميناء “دوراليه” أحد أكبر المواني حيويَّة وإستراتيجيَّة بالمنطقة؛ وتظهر صور الأقمار الاصطناعية أن القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، تتمتع ببنية تحتية عسكرية هائلة تحت الأرض، وفوق الأرض أيضًا.

إذ تضم ثكنات عسكرية، ومهابط مروحيات، وطائرات بدون طيار؛ وقد أنشأت الصين رصيفًا بحريًّا يمتد على مساحة 450 مترًا لاستيعاب أسطولها البحري الضخم وتتحدث تقارير غربية عن نشر بكين حوالي 10 آلاف جندي صيني وراء الجدران الخراسانية المضادة للانفجارات في القاعدة. (سكاي نيوز عربية).

وجهزت بكين قاعدتها في جيبوتي بمرافق الحرب السيبرانية، لجمع المعلومات الاستخباراتية، وتُعد هذه القاعدة حيوية للصين، وتحديدًا في موضوع تأمين صادراتها اليومية إلى أوروبا، التي تبلغ قيمتها نحو مليار دولار، وتمر عبر خليج عدن والبحر الأحمر وقناة السويس المصرية، وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط؛ إضافة إلى أن أكثر من 40% من واردات الصين النفطية تمر عبر المحيط الهندي، ويمنح الاتفاق مع جيبوتي بكين وجودًا عسكريًّا فيها حتى عام 2026م.

اقتصاد القواعد العسكرية:

تشير التقديرات إلى أن الوجود العسكري الأجنبي على أراضي جيبوتي يؤمن للحكومة نحو 120 مليون دولار سنويًّا، في ظل مواجهتها لتحديات اقتصادية مختلفة؛ ولكن الفرق بين الصين والدول الأخرى التي تمتلك قواعد عسكرية في جيبوتي، هو أن بكين لا تدفع لجيبوتي إيجارًا للقاعدة وحسب، بل تستثمر أيضًا بشكل كبير في مشروعات البنية التحتية المختلفة في جيبوتي، مثل: المطارات، وخطوط السكك الحديد، التي تمتد إلى إثيوبيا غير الساحلية.

وتدفع الولايات المتحدة نحو 60 مليون دولار سنويًّا إيجارًا لقاعدتها، وتدفع فرنسا 34 مليون دولار، والصين نحو 20 مليون دولار، لكن الصين استثمرت في خط السكك الحديد الكهربائي بين إثيوبيا وجيبوتي، بقيمة 4 مليارات دولار؛ وقامت بكين بتمويل شبكة أنابيب مياه تزيد قيمتها على 300 مليون دولار، تنقل مياه الشرب من إثيوبيا إلى جيبوتي. (سكاي نيوز عربية).

كما أنفقت بكين مئات الملايين من الدولارات لتحويل ميناء جيبوتي الشمالي إلى أكبر ميناء في المنطقة، وشيدت بكين منطقة للتجارة الحرة في مشروع تجاوزت قيمته نحو 3 مليارات دولار؛ يضم بضعة مواني، ومنشآت تجارية على مساحة 48 كيلومترًا مربعًا، وسيجرى تشغيلها بشكل مشترك بين جيبوتي وبكين.

مخاوف غربية من سيطرة الصين على اقتصاد جيبوتي:

كل هذه المشروعات الصينية في جيبوتي ركمت ديونًا على الحكومة بحيث باتت بكين الدائن الأكبر لجيبوتي بنسبة 70% وهو ما يثير مخاوف غربية، من سيطرة الصين على بنية جيبوتي التحتية، في حال ما إذا فشلت حكومة جيبوتي في تسديد التزاماتها المالية لبكين. (الجزيرة).

وتخشى الولايات المتحدة سيطرة الصين على مواني جيبوتي كما حصل في سيريلانكا، عندما وجدت نفسها في عام 2017م، عاجزة عن سداد قرض للحكومة الصينية، يبلغ مليار و400 مليون دولار لبناء ميناء “هامبانتوتا”، في جَنُوب سيريلانكا، واضطرت الحكومة في سيريلانكا إلى تسليم عقد إيجار الموقع إلى شركة صينية لمدة 99 عام، يترجم ذلك بطبيعة الحال إلى انحسار للنفوذ الأمريكي في المنطقة.

وتوسع الاستثمار الصيني في جيبوتي ليشمل قطاع الفضاء، ووقعت مجموعة “هونج كونج لتكنولوجيا الفضاء”- وهي شركة صينيَّة- اتفاقية مع حكومة جيبوتي لبناء منشأة لإطلاق الصواريخ في “أوبوك”، وهي مدينة ساحلية صغيرة في شمال البلاد، وفي حال اكتماله فإنه سيكون بمثابة أول منشأة إطلاق تمولها الصين في أراضي أجنبية، وإظهار قدرات نفوذ بكين في القارة الإفريقيَّة.

صراع الاستخبارات والجواسيس في جيبوتي:

وأمام ما يحدث من صراع نفوذ في جيبوتي، وصفت صحيفة “التلغراف” البريطانية جيبوتي بأنها وكر للجواسيس؛ حيث كانت أوسلو في أوائل القرن العشرين تشهد تنافسًا دوليًّا حادًّا، وفي الأربعينيات تحول هذا التنافس إلى الدار البيضاء، وفي الخمسينيات من القرن الماضي كانت برلين ساحة المواجهة الرئيسة، ولكن اليوم يمكن القول بأن عاصمة التجسس في العالم أصبحت جيبوتي. (سبوتنبك عربي).

التي باتت تجسيدًا حقيقيًّا للصراع بين القوَى العظمي المتنافسة، لتأسيس نظامًا عالميًّا جديدًا، ووفق صحيفة “التلغراف” يرتاد أحد الفنادق المطلة على المياه الزرقاء لميناء جيبوتي الشمالي جميع أنواع الدبلوماسيين والمقاولين العسكريين والجنود، باستثناء الصينيين على ما يبدو. (سبوتنبك عربي).

ولكن قرب القواعد العسكرية من بعضها لا يطمئن أحدًا، ففي عام 2018م، اشتكت بكين لواشنطن من الاشتباه بعمليات تجسس أمريكيَّة ويابانيَّة على القاعدة الصينيَّة، وذلك عندما اقتربت الطائرات الأمريكيَّة كثيرًا من القاعدة الصينيَّة، واستخدم الصينيون أشعة ليزر من الدرجة العسكرية لتعمية الطيارين الأمريكيين، فاشتكت واشنطن رسميًّا لدي بكين.

فبين تهديدات الحوثيين للقواعد الأمريكيَّة، والاحتكاكات والتحرشات بين واشنطن وبكين؛ قد يتطور التصعيد في المنطقة إلى أحداث لا يرغب بها أي طرف، كما أن التنافس على النفوذ في القارة الإفريقية ككل، أو في أي منطقة جغرافية أخرى من العالم، قد يعكس توترًا بين الدول المتنافسة على أراضي جيبوتي؛ وهو ما قد يؤدي إلى انفجار الوضع فيها.

أسباب إنشاء القواعد العسكرية بالقرب على سواحل البحر الأحمر:

برزت العديد من العوامل بدءًا من النصف الثاني من القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين التي أدت إلى تنافس دَولي حادٍّ، لتأسيس موطئ قدم عسكري بالقرب من منطقة مضيق باب المندب، والبحر الأحمر، وخليج عدن؛ فالقواعد العسكرية للصين، والولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة؛ ليست مُقتصرة على جيبوتي فقط.

فالكيان المحتل الذي أدرك بعد هزيمته في حرب أكتوبر عام 1973م، أهمية السيطرة والتحكم في أجزاء واسعة من مضيق باب المندب، الممر المائي الحيوي، الذي يُعد بوابة الدخول إلى البحر الأحمر؛ قد سارع إلى البحث عن موطئ قدم له في المنطقة.

وقد تمكن بالفعل خلال العقود الأخيرة من بناء عدد من القواعد العسكرية الصغيرة، في عدد من الجزر البحرية، التابعة لدولة إريتريا على سواحل البحر الأحمر. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

إضافة إلى ذلك فإنه خلال السنوات الأخيرة الماضية، برزت عدة عوامل وتهديدات متنوعة، دفعت بالعديد من الدول الأجنبية إلى بناء قواعدهم العسكرية على سواحل البحر الأحمر في محاولة لحماية مصالحهم، وتحقيق أهدافهم المختلفة.

وكانت من بين أبرز تلك العوامل: ما شهده العالم العربي من فوضى وصراعات داخلية عقب ثورات الربيع العربي، التي انطلقت بدءًا من العام 2010م، في تونس، وشملت العديد من الدول العربية في شمال إفريقيا، والمشرق العربي، والخليج.

وإلى جانب ذلك: تصاعد التنافس الدولي، بين الصين، والولايات المتحدة وحلفائها، فبعد أن غيرت الصين من سياساتها الخارجية، وأنشأت أول قاعدة عسكريَّة لها في الخارج في جيبوتي، وعلى الرغم من أن وكالة أنباء الصين قد أعلنت أن الهدف من هذه القاعدة هو ضمان أداء الصين في بعثات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية في إفريقيا وغرب آسيا؛ إلا أن في دوائر صنع القرار الغربي يعتبر إنشاء هذه القاعدة تحركًا مغايرًا للصين، بعيدًا عن تركيزها الإقليمي على منطقة شرق آسيا، والمحيط الهادئ، ويأتي ذلك نتيجة لتزايد مصالحها في إفريقيا، والشرق الأوسط.

كما – ويمكن النظر أيضًا إلى- أن هذا التطور المُلفت يأتي ضمن إطار المشروع الصيني مبادرة الحزام والطريق “حزام واحد، طريق واحد”، الذي تسعى الصين من خلاله إلى إنشاء شبكة من الطرق البرية والبحرية، تربط من خلاله قارات العالم من آسيا والمحيط الهندي، وإفريقيا، وأوروبا. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

وفي حين أن مبادرة الحزام والطريق عادة ما تُفهم على أنها ذات طبيعة اقتصادية في المقام الأول؛ إلا أن القاعدة العسكرية الصينيَّة في جيبوتي تُعبر عن الوجه الآخر الذي تسعي بكين من خلاله للظهور به؛ خاصة في إطار تنافسها الدولي مع الولايات المتحدة الأمريكيَّة.

وبالتوازي مع ذلك تعمل بكين على تطوير قدراتها البحرية لتعزيز السيطرة على بحر الصين الجنوبي، وهو ما تراه الولايات المتحدة واليابان، يزيد من تهديد الهيمنة الأمريكيَّة والوجود الياباني في المحيط الهادئ؛ مما سيكون له تداعيات على موازين القوى في شرق آسيا.

ولهذه الإستراتيجية مظاهر أخرى، منها: التطور المتسارع لعلاقات بكين بكلٍ من دول آسيا الوسطى وباكستان، والشراكات المتنامية مع إيران والسعودية ودول الخليج ومصر وتركيا في منطقة الشرق الأوسط، والتركيز على شرق أوروبا واليونان، بالتزامن مع الانحياز إلى جانب روسيا في عدة قضايا وملفات مثل الأزمة السوريَّة.

دخول إيران على الخط:

ليست القوى العظمى عالميًّا فقط الساعية إلى إنشاء موطئ قدم لها على سواحل البحر الأحمر؛ فبحسب تقارير عدة تحدثت عن أن مستشارًا لقائد الجيش السوداني يُدعى “أحمد محمد حسن” تلقى عرضًا إيرانيًّا بدعم وتسليح الجيش السوداني في إطار الحرب المشتعلة بين الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع، مقابل إنشاء قاعدة عسكريَّة إيرانيَّة على السواحل السودانيَّة. (الشرق الأوسط).

وعلى الرغم من رفض السودان لذلك العرض؛ إلا أنه قد أثار عدة تساؤلات حول الدوافع الإيرانيَّة لإنشاء قاعدة عسكرية لها على سواحل البحر الأحمر؛ فإيران تملك بالفعل تنظيم الحوثيين الإرهابي في اليمن الذي قامت إيران بإنشائه، وتسليحه وتدريبه على مدار عدة أعوام.

واستغلت طهران حرب الكيان المحتل على قطاع غزَّة لتحرك جماعة الحوثيين باليمن لضرب اقتصاديات الدول العربية عبر استهداف سفن الشحن التجاريَّة الدوليَّة، المارة بالبحر الأحمر وصولًا إلى قناة السويس المصريَّة، وزعزعة الاستقرار العالمي في رسالة ترسلها إيران إلى العالم، بأن لها ذراعًا بمضيق باب المندب قادر على لعب دور مهم بالمنطقة لخدمة مصالح طهران.

ولكن نظام طهران يسعى إلى الحصول على قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر، عبر اتفاق بين إيران والسودان، بعيدًا عن سياسة الأذرع هذه المرة، وذلك لما تتمتع به القواعد العسكرية من الناحية القانونيَّة؛ إذ ووفقًا للقانون الدولي، ينطبق على القواعد العسكرية الأجنبية، ما ينطبق على السفارات والقنصليات الدبلوماسية إلى جانب أن هذه القاعدة، ستكون قريبة للغاية من ذراعها باليمن (جماعة الحوثيين)، ما سيسهل أكثر تسليح إيران وإشرافها على العمليات الإرهابية التي تنفذها الجماعة في البحر الأحمر.

مخاوف من تأجيج صراعات القرن الإفريقي:

خلال القرن العشرين والحادي والعشرين شهدت منطقة القرن الإفريقي، العديد من النزاعات والصراعات المسلحة المختلفة؛ كان أبرزها الحرب الأهلية في الصومال، وحرب إقليم تغراي، وفي ظل الوجود العسكري للدول الأجنبية المتنافسة في المنطقة؛ تثار مخاوف حقيقيَّة من ظهور لميليشيات مُرْتَزَقَة، ودعم وتمويل لجماعات مسلحة وأقليات قومية، ضد جماعات مسلحة وأقليات أخرى؛ ما يأجج صراعات المنطقة أكثر وأكثر.

الخلاصة:

– في ظل التنافس الحاد بين الدول العظمي، وبروز الصين بثقلها الاقتصادي، ومشاريعها العالمية الطامحة التي أخذت في الآونة الأخيرة، طابعًا مغايرًا تمامًا لنشاطها العسكري الإقليمي، واتجهت بكين لإنشاء ونشر قواتها في جيبوتي، واكتسبت جيبوتي- بموقعها الجغرافي المتميز- العديد من الدول الأجنبية الكبرى، الساعية لتأسيس وجود عسكري لها على سواحل البحر الأحمر ومضيق باب المندب حيث تضم جيبوتي العديد من القواعد العسكرية المختلفة لدول متنافسة، مثل: الصين والولايات المتحدة، والعديد من القوى الأوروبيَّة الأخرى.

– في ظل انتشار القواعد العسكرية الأجنبية للدول المتنافسة، والشكاوى المتبادلة ما بين بكين وواشنطن حول أعمال تشويش وتجسس وغيرها؛ برزت العديد من المخاوف لدى المراقبين حول احتمالية تأجيج صراعات ونزاعات مسلحة بمنطقة القرن الإفريقي؛ فمنطقة القرن الإفريقي، ونتيجة لتنوعها القومي، شهدت منذ النصف الثاني للقرن العشرين والقرن الحادي والعشرين العديد من النزاعات والاقتتالات الداخلية، ومن الممكن ظهور ميليشيات وجماعات مُرْتَزَقَة، ودعم وتمويل لجماعات وجهات وتنظيمات إرهابية مختلفة في المنطقة.

– تسعى إيران للدخول على خط إنشاء القواعد العسكريَّة على سواحل البحر الأحمر بعد أن تقدمت طهران بطلب لإنشاء قاعدة عسكرية على السواحل السودانيَّة، حيث إن قرب السواحل السودانية من اليمن يجعل طهران تسعى لطرق أسهل لتدريب وتسليح ومتابعة جماعة الحوثيين الإرهابية باليمن، ولكن رفض العرض الإيراني من قبل السودان، لا يعني نهاية المطاف بالنسبة لنظام طهران حيث لا يزال التهديد الإيراني منتشرًا ومتنوعًا بالمنطقة، ومن عدة جهات مختلفة؛ تارَة بأذرعها، وتارة أخرى بوجودها العسكري الفعلي.

المصادر:

سكاي نيوز عربية

الجزيرة

سبوتنيك عربي

مركز الأهرام للدراسات السياسيَّة والإستراتيجيَّة

الشرق الأوسط

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.