fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

المبادرة الليبية بين مصلحة حكومة الوحدة الوطنية الليبية والتقارب السوداني – السوداني

0 33

المبادرة الليبية بين مصلحة حكومة الوحدة الوطنية الليبية والتقارب السوداني – السوداني

تتفاقم الأوضاع السودانية جراء الحرب الدائرة بين الفرقاء السودانيين من قوات الجيش النظامية وقوات الدعم السريع، والتي أودت بحياة الكثيرين من المواطنين العزل، بالإضافة إلى خراب ودمار المصالح الوطنية والشخصية للأفراد، مما يجعل من الوضع السوداني كارثي، وهذا ما تنقله وسائل الإعلام على مدار الأشهر الماضية، فمنذ إبريل 2023 ويخوض الفرقاء معارك ضارية في ضواحي السودان، والخاسر الوحيد هو المواطن السوداني والسودان.

وقد أعلنت الأمم المتحدة أن الحرب الدائرة خلفت الآلاف من القتلى والملايين من النازحين واللاجئين، ومنذ بداية الأزمة والأوضاع المتطاحنة لم تنجح طرق الحل السياسي و فشلت جميع المبادرات التي طرحت من وسطاء محليين ودوليين، انطلاقًا من السعودية مرورًا بمبادرة الهيئة الحكومية للتنمية الدولية “الإيجاد” وكذلك المفاوضات التي عقدت في المنامة عاصمة البحرين ومبادرة دول الجوار السوداني التي تبنتها مصر، فقد فشلت جميع المبادرات في دفع الطرفين إلى توقيع وقف إطلاق النار في السودان ودفع الأطراف نحو عملية بناء الثقة.

مبادرة ليبيا لإحلال السلام ووقف إطلاق النار:

بناءً على ما تقدم فإن الأوضاع السودانية تستدعي الجميع للوقوف على مسافة واحدة من الصراع الدائر بين الإخوة الفرقاء والتوسط للوصول إلى حلول فعلية تلزم الجميع بها؛ خاصة وأن الصراع الدائر من الممكن أن يؤثر ويمتد على دول الجوار بالمنطقة.

وعلى هذه الرؤيا أعلن رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” المؤقتة عبد الحميد الدبيبة 24 فبراير2024 رسميًّا عن طرحه مبادرة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية (الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان و”الدعم السريع” بقيادة “حميدتي”) لإحلال السلام والاستقرار ووقف إطلاق النار في السودان(1).

حيث وجه “الدبيبة” اهتمامه إلى السودان بشكل مفاجئ في ظل عجزه عن حسم الأزمة الليبية ما استدعي العديد من الانتقادات المحلية تجاه هذه المبادرة، وذلك في ظل استمرار تعرض بلاده للانقسام السياسي وعدم الاستقرار، وهو الأمر الذي يدعونا إلى طرح تساؤل عن أسباب انخراط “الدبيبة” في الأزمة السودانية ومدى إمكانية نجاح هذه المبادرة في حل الأزمة؛ خاصة وأن ليبيا بها ما بها من حروب واقتتال داخلي وفرقاء لم تلملم جراحهم بعد.

آراء الفرقاء السودانيين من المبادرة:

على خلفية الدعوة توجه رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى العاصمة الليبية طرابلس يوم الاثنين 26 فبراير الجاري، وعقد “البرهان” اجتماعين منفردين مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي و”الدبيبة “واتفق الأطراف خلال المباحثات على تبادل الوفود بين البلدين وتفعيل الاتفاقيات الموقعة بينهما ودعم سبل تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين.

وترى بعض الأوساط السياسية السودانية أن زيارة “البرهان” لليبيا محاولة منه للإيهام بأنه منفتح على أي مبادرات للتسوية، خاصة بعد ما ذكره في خطابه أمام قواته في 31 يناير الماضي حيث أكد على أن أي حل من الخارج للصراع الدائر في البلاد “لن يصمد”، وتشديده على أنه “لا يمكن لأي جهة أن تفرض على السودان أي إجراءات”(2).

وعبر محمد حمدان دقلو “حميدتي” عن امتنانه وترحيبه لهذه الدعوة ولجهود “الدبيبة” لدعم الأمن والاستقرار في السودان(3).

دوافع تدخل “الدبيبة” في الملف السوداني:

يرى مراقبون أن الدبيبة يسعي لتوظيف زيارة البرهان في تنشيط عدة عوامل على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويمكن إجمالها في التالي:

محاولة تنشيط خطوط التواصل الإقليمي:

حيث يبدو أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية يسعى إلى التغطية على تزايد الأزمة الأمنية في العاصمة الليبية طرابلس، وكذلك في مدن الساحل الشمالي الغربي في ليبيا، من خلال توظيف مبادرة “إحلال السلام ووقف الحرب” في السودان إعلاميًّا؛ خاصة أن هذه المبادرة تتضمن -بحسب الإعلان عنها- الجمع بين البرهان وحميدتي في لقاء واحد وجهًا لوجه، بما يُمثل في حال تحققه انتصارًا غير مسبوق للدبلوماسية الليبية، ولحكومة الوحدة الوطنية، ورئيسها عبد الحميد الدبيبة؛ هذا رغم استبعاد ذلك الاحتمال، من المنظور الواقعي، رغم ترحيب حميدتي بدعوة الدبيبة.

إلا أنه من المُلاحظ أن مُبادرة الدبيبة ليس من الضروري أن تكون قائمة بذاتها، بل يُمكن أن تكون إحدى الخطوات الداعمة لـ”الإطار الإقليمي” الذي يهدف إلى تسوية الأزمة في السودان، وذلك من حيث إن هذه المبادرة، التي تأتي في وقت تُعاني فيه ليبيا من عدم استقرار سياسي، لا يُمكن أن يتم طرحها إلا بعد مشاورات مع بعض الأطراف الإقليمية المؤثرة والمتدخلة بشكل ما في السودان.

ولعل هذا ما يعني أن ليبيا، عبر المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، يُمكن أن تُصبح لاعبًا مؤثرًا في الشأن السوداني، بحكم الجوار الجغرافي، وبحكم التأثير العسكري والقبلي للمُرتزقة والمُقاتلين السودانيين الموجودين على أراضيها.

تفعيل مكانة حكومة الوحدة الوطنية إقليميًّا:

 إذ يستند الدبيبة في الدخول على خط الأزمة السودانية إلى محاولة تفعيل مكانة حكومة الوحدة الوطنية على المستوى الإقليمي، كما على المستوى الدولي، وتحديدًا بعد قرار مجلس الأمن الأخير، بتاريخ 27 فبراير، بالتحذير من عقوبات مجلس الأمن “لكل من يُعرقل أو يُعيق استكمال عملية الانتقال السياسي، بما في ذلك عرقلة الانتخابات أو تقويضها”.

وبالتالي، يبدو أن كلا الرجلين، البرهان والدبيبة، قد التقيا عند نقطة تقاطع المصالح بالنسبة إلى كل منهما، فإذا كان من الممكن النظر إلى زيارة قائد الجيش السوداني إلى طرابلس، من منظور محاولة البرهان إثبات أنه مُنفتح على كافة المبادرات الإقليمية لتسوية الأزمة السودانية؛ خاصة بعد رفضه المبادرة الأخيرة التي طرحتها الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”؛ فإنه -في الوقت نفسه- يبدو أن مبادرة الدبيبة هي محاولة “تسجيل حضور” في الفضاء الإقليمي، ومحاولة من جانبه لصرف الأنظار، ولو مؤقتًا، عن الأزمة التي تُعاني منها حكومته.

توظيف ملف الهجرة غير النظامية مع الاتحاد الأوروبي:

إذ يأتي أحد الدوافع لطرح مبادرة “وقف الحرب” في السودان، عبر محاولة الدبيبة اللعب على وتر ملف “الهجرة غير الشرعية” من جانب هؤلاء اللاجئين، خاصة السودانيين، بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي عمومًا، وإيطاليا على وجه الخصوص؛ خاصة أن البعض منهم يحاول التوجه إلى أوروبا عبر الأراضي الليبية.

ولعل هذا ما يسمح لرئيس حكومة الوحدة الوطنية بالتقاط الهم الأوروبي في ملف الهجرة غير الشرعية، فمن خلال المُبادرة، والدخول على خط محاولة “حلحلة” الأزمة السودانية، والتحكم في ملف الهجرة واللجوء، يُمكن له مُطالبة الاتحاد الأوروبي بالمساعدة والدعم.

تحقيق “قفزة سياسية” لتجاوز أزمات الداخل الليبي:

فمع تحويل عبد الحميد الدبيبة اهتمامه، الذي يبدو مُفاجئًا إلى السودان، وإلى الأزمة الناشبة فيه منذ أكثر من عشرة أشهر، يأتي التحول هذا كـ”قفزة سياسية” لإثبات الوجود على المستوى الإقليمي، ربما أكثر منه تحولًا واقعيًّا يرتكز على محفزات الأهمية السياسية والاقتصادية للسودان بالنسبة إلى ليبيا؛ إذ من المُلاحظ أن مُبادرة الدبيبة قد استدعت انتقادات محلية في الداخل الليبي، من منظور “عجز” الدبيبة عن حسم الأزمة الليبية، بل -وبحسب وصف بعض وسائل الإعلام الليبية- فشل الدبيبة في إعادة السلام إلى ليبيا؛ هذا رغم زيارة البرهان إلى طرابلس، وموافقة حميدتي على زيارة ليبيا وامتنانه لـ”جهود الدبيبة الرامية إلى دعم الأمن والاستقرار في السودان”، كما أشار في تغريدته على موقع  “X”.

الدخول على خط التنافس مع خليفة حفتر:

وهو ما يتبدى عبر حديث الدبيبة الدائم والمتكرر مثل حديثه في أغسطس الماضي، عن “تورط أحد الأطراف الليبية في دعم أحد أطراف الصراع في الحرب الدائرة بالسودان”، في إشارة ضمنية إلى المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي.

ومن ثم يأتي طرح المبادرة كنوع من كسب إحدى جولات التنافس: إن لم يكن الصراع، مع حفتر؛ خاصة من خلال دعوة حميدتي لزيارة طرابلس بعد زيارة البرهان واجتماعه في طرابلس مع الدبيبة والمنفي.

وكما يبدو فإذا كان لجوء حكومة طرابلس والدبيبة لفتح مجال للعلاقات مع قائد الجيش السوداني البرهان، الذي يتهم حفتر بدعم قوات الدعم السريع؛ فإن في دعوة حميدتي لزيارة طرابلس محاولة من الدبيبة لكسب الساحة الليبية، والقوى المؤثرة فيها إلى جانبه.

الحد من حركة النزوح الكبيرة إلى ليبيا:

فمثل غيرها من دول الجوار السوداني، فقد استقبلت ليبيا الآلاف من اللاجئين السودانيين، الذي فروا من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ووفقًا لبيانات مفوضية اللاجئين، فقد بلغ عدد اللاجئين الذي وصلوا إلى الأراضي الليبية، حتى نهاية يناير الماضي، حوالي 31 ألفًا، في حين تتحدث السلطات الليبية عن أعداد تصل إلى نحو 400 ألف لاجئ، إلى الدرجة التي بات فيها اللاجئون السودانيون يُمثلون أكبر جنسية لاجئة في ليبيا.

وبالتالي فمن منظور التأثير الكبير للأزمة السودانية على الوضع الليبي الداخلي، سواء من حيث أعداد اللاجئين أو المُقاتلين السودانيين، تبدو مبادرة الدبيبة للحد من أعداد اللاجئين السودانيين حيث إن الوضع في ليبيا يزداد سوءاً، بالنظر إلى أن البلاد ليست في الحالة الجيدة التي تسمح بتقديم المساعدة المادية والغذائية لتلك الأعداد من اللاجئين، خاصة أولئك المتجهين إلى مدينة “الكُفرة”، التي تُمثل المرتكز بالنسبة لهؤلاء اللاجئين.(4،5،6).

مبعوث أميركي للسودان:

من ناحية أخرى: أعلنت الولايات المتحدة أنها ستعين مبعوثًا خاصًّا جديدًا للسودان في إطار مساعي واشنطن لإنهاء الحرب التي دمرت أجزاء من البلاد وأودت بحياة عشرات الآلاف، وجاء ذلك بالتزامن مع التدخل الليبي.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: إن الدبلوماسي السابق وعضو الكونغرس توم بيرييلو سيتولى دور المبعوث الخاص، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى زيادة التركيز على الصراع بعد فشل المحادثات في حله حتى الآن.

وقال بيرييلو -في بيان-: إنه سيبني على جهود الشركاء في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط لوضع حد للحرب والأزمة الإنسانية والأعمال الوحشية.

وأضاف “يعكس هذا التعيين مدى الإلحاح والأهمية التي أولاها الرئيس (الأميركي) بايدن والوزير بلينكن لإنهاء هذه الحرب، ووضع حد للكثير من الأعمال الوحشية بحق المدنيين والحيلولة دون تحول الوضع الإنساني المروع بالفعل إلى مجاعة كارثية”(7).

حدود مفتوحة وتجارة مربحة:

هناك خط مفتوح لتهريب الوقود من شرق وجنوب ليبيا إلى الدعم السريع، وبالتأكيد يحرص الطرفان على الحفاظ على تلك التجارة المربحة، التي تدر مكاسب كبيرة على قادة الشرق الليبي.

وتمتلك ليبيا أحد أكبر احتياطيات النفط في إفريقيا، إن لم يكن أكبرها على الإطلاق في حين تعرض السودان في السنوات الأخيرة لأزمات نقص وقود متكررة.

وتضيف غازيني: أن التقارير التي تشير لنقل سلاح وعتاد، عبر الجنوب الليبي، من حفتر إلى قوات حميدتي لم تثبت قطعيا بالأدلة بعد، لكنها ترجح أن تكون هذه الشحنات، في حال نقلت بالفعل، صغيرة الحجم. وتقول: “لا ندري إذا كان هذا العتاد يهدف لتأمين خط تهريب الوقود أم لدعم حميدتي عسكريًّا”(8).

جسر روسيا من ليبيا إلى السودان:

عند ذكر القوى الإقليمية أو الدولية لا يمكن إغفال الوجود الروسي في ليبيا، وهو ما أكدته الأمم المتحدة سابقًا، من اصطفاف مقاتلي مجموعة فاغنر الروسية المسلحة بجانب قوات خليفة حفتر.

ويرى بعض المراقبين: أن موسكو تتطلع لخلق جسر روسي – ليبي – سوداني، وتسعى لتزويد حميدتي بالسلاح عن طريق حليفها خليفة حفتر، حتى يتمكن من مواجهة الجيش السوداني بعتاده الثقيل.

بالإضافة إلى أن روسيا تستغل السودان لإحراج الولايات المتحدة، وحلفائها في المنطقة، وهذا نوع من تصفية الحسابات بشكل أو بآخر للرد على ما فعله الغرب بموسكو في أوكرانيا”(9).

الخلاصة:

1- يُمكن القول إن طرح مُبادرة “إحلال السلام ووقف الحرب في السودان”، في الوقت الذي تُمثل فيه قفزة سياسية في المحيط الإقليمي للدولة الليبية؛ فهي -في الوقت نفسه- محاولة “تفعيل مكانة” لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وإثبات شرعيتها ومكانتها إقليميًّا ودوليًّا.

 2- من الممكن أن تكون هذه المبادرة حالها حال العديد من المبادرات التي طرحت مسبقًا من العديد من الأطراف والوسطاء المحليين والدوليين التي لم تؤتِ ثمارها بعد ولم تنجح في تقديم حل للأزمة السودانية، حتي وإن وافق الطرفان على المبادرة والجلوس للتفاوض فيما بينهما لإيجاد حلول لتلك الأزمة، نجد أنه من الممكن في مثل هذه الحالة أن يستمر كل طرف في التمسك بشروطه من أجل إنهاء وحل الأزمة.

3- لا تمتلك ليبيا لأي أوراق ضغط على الطرفين حتى تضمن نجاح هذه المبادرة التي لم تتضمن أي بنود واضحة يمكن مناقشتها.

4- المبادرة بالنسبة إلى الدبيبة تُعتبر “ورقة مناورة تكسبه زخمًا دوليًّا وإقليميًّا.

المصادر:

1_ الشروق

2_ الجزيرة

3_ الشرق الأوسط

4_ مركز رع للدراسات

5_ الحائط العربي

6_ المشهد السوداني

7_ الجزيرة

8_ بي بي سي

9_ الحرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.