fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الشأن الإفريقي..الصراع التشادي بين الجيش وجماعات المعارضة المسلحة

0 34

الشأن الإفريقي.. الصراع التشادي بين الجيش وجماعات المعارضة المسلحة

الإخوة الأعداء يعيشون تحت مظلة وطن واحد، وتجمعهم أرض واحدة، ويحكمهم قانون واحد؛ إلا أن رؤيتهم غير واحدة، وطريقهم يملؤه الدم والرصاص، فلا يكاد ينفك عام إلا ونجد فيه اشتباكات أو احتكاك بينهم، يؤدي إلى مزيد من القتل والخراب في صفوف الفريقين سواء كانت المعارضة المسلحة أو الجيش النظامي التابع للحكومة التشادية، إنها تشاد وما يدور فيها من أحداث مقلقة تزعج الوطن الجريح من كثرة الفرقة والدمار، وليس هذا وحسب، بل تخطى الوضع إلى أن ألقى بتأثيراته على دول الجوار الليبي والسوداني وغيرهم الكثير من دول المنطقة.

فعلى الرغم تجددت المواجهات بين الجيش وجماعات المعارضة المسلحة في تشاد، في 28 فبراير2024، قبل شهرين من إجراء الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في مايو المقبل، وبعد مضي ثلاثة أشهر من الموافقة على الدستور الجديد للبلاد، وبعد الإعلان عن ترشح الرئيس الانتقالي، محمد إدريس ديبي، في الانتخابات المقبلة؛ إلا أن هذه الاشتباكات العنيفة أسفرت عن مقتل المعارض التشادي، يايا ديلو، الذي يرتبط بعلاقة عائلية مع الرئيس الراحل إدريس ديبي، الذي قتل خلال مواجهات مسلحة نشبت في 20 أبريل 2021، بجانب مقتل عشرة من أفراد الأسرة الحاكمة، فضلًا عن اعتقال صالح ديبي، عم الرئيس الانتقالي، محمد إدريس ديبي.

وبالنظر إلى هذه التركيبة القبلية المعقد نجد أننا وبلا شك أمام تطور خطير ربما نشهد مردوده على أرض الواقع في تشاد، كذلك لا يمكن فصله عن جملة من المتغيرات التي بدأت تنعكس مباشرة على أنماط التفاعلات بين الأجنحة المختلفة داخل النظام الحاكم، وعلى رؤية المعارضة لتوازنات القوى القائمة والمسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها خلال المرحلة القادمة.

مقتل الرئيس إدريس ديبي 2021:

كان الرئيس التشادي إدريس ديبي ينتمي إلى قبيلة الزغاوة التشادية – السودانية، وقد وصل إلى السلطة في تمرد مُسلح عام 1990، عندما أطاح بالرئيس السابق حسين حبري، الذي أُدين لاحقًا بانتهاكات حقوق الإنسان في محكمة دولية بالسنغال.

وأعلن وفاة ديبي بعد يوم واحد من إعلان فوزه في انتخابات رئاسية كانت ستمنحه فترة سادسة في السلطة، في حين قاطع الانتخابات معظم خصومه الذين شكوا طويلًا من حكمه الذي يصفونه بـ”القمعي”.

وقامت جبهة “التغيير والوفاق” المتمردة المتمركزة على الحدود الشمالية مع ليبيا بشق طريقها جنوبًا بعد مهاجمة نقطة حدودية يوم الانتخابات ودعوتها إلى إنهاء رئاسة ديبي، وجرت الاشتباكات على نطاق واسع إلى أن تم قتل الرئيس ديبي.

وقتل “ديبي” على يد المعارضة التشادية المسلحة والمسماة بـ”جبهة التغيير والوفاق التشادية”، وهي منظمة سياسية عسكرية أنشأها محمد مهدي علي في مارس 2016 في تانوا، شمالي تشاد، وأعلنت أنها على استعداد لعمليات عسكرية ضد الرئيس(1).

المجلس العسكري الانتقالي بقيادة محمد ديبي:

بعد مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي في 20 إبريل 2021 متأثرًا بإصابته بمواقع الجيش في شمال البلاد، منهيًا فترة حكم استمرت 30 عامًا، اندفع محمد كاكا ديبي إلى الأمام في طريق والده، وشكل المجلس العسكري الانتقالي برئاسته، وطمأن المجتمع الدولي بأنه سيمكث 18 شهرًا فقط، من المفترض أن تنتهي رئاسته في أكتوبر 2024 بإجراء انتخابات.

ومع ذلك لم تنتهي الانقسامات السياسية، مع حدوث تغيرات كثيرة على الدولة التي تغوص في مستنقع صراعات جارتيها ليبيا والسودان، فضلًا عن تهديدات الجماعات الإرهابية برفع غطاء الحماية الفرنسية الممتدة منها إلى دول الساحل الإفريقي.

وترى بعض التيارات السياسية المعارضة المرحلة الانتقالية هي خطوة أساسية لبناء الثقة وتفعيل لغة الحوار بين الطرفين، بينما تعتبر أخرى أن محاولات إجراء الحوار خلال عام ونصف العام فشلت؛ لأنها لم تشمل المعارضة المسلحة، وتعتقد ثالثة بأن مشاركة القوى المعارضة حالياً في الحوار الشامل لا تعني بالضرورة الخروج بنتائج مثمرة؛ لأن الجلوس إلى طاولة الحوار وحده لا يكفي، وإنما الاتفاق على البنود الرئيسة ثم تفعيلها حتى يتحقق الانتقال السياسي المنشود(2).

أسرة ديبي وولاؤها الفرنسي يساعدهم في القبول الدولي:

يحظى نظام حكم أسرة ديبي بدعم فرنسي كبير إلى درجة قبول انقلاب الابن محمد إدريس ديبي العسكري في إبريل 2021 بعد مقتل والده، بينما تم رفض قبول انقلاب مالي في مفارقة مشهودة عن طبيعة المحددات الفرنسية المعمول بها في منطقة دول الساحل، ومدى ارتباطها بخطاب باريس المعلن بشأن رفض الانقلابات العسكرية ودعم النظم الديمقراطية.

ويعود السبب الرئيسي لدعم أسرة ديبي فرنسيًّا إلى أنها تقوم بالتدخل بالوكالة في عدد من الصراعات الداخلية الإفريقية خصوصًا في إفريقيا الوسطى، حيث بدأت أدوارها العسكرية هناك عام 1996، ولم تنقطع بعد أن ساندت الرئيس بويزيزي للوصول إلى السلطة عام 2003، ثم ناصرت معارضيه عام 2013.

كان لتشاد أيضًا حضور عسكري في أزمة الصراع على السلطة في ساحل العاج عام 2011 بين الحسن وتارا وغريمه، وكذلك لتشاد حضور في أزمتي: ليبيا والسودان حاليًا على المستويين: السياسي والعسكري؛ إذ تملك علاقات مميزة بالجماعات القبلية المتداخلة مع تشاد في الجنوب الليبي والغرب السوداني، ولعل ذلك ما جعل الاتهامات حاضرة لها في السودان على خلفية ما تم تداوله من دعم تشادي للمحاولة الانقلابية ضد البشير التي شنت من دارفور عام 2008، ودحرت في مايو من العام نفسه على أبواب أم درمان، كما تكثر التكهنات حاليًا حول طبيعة علاقاتها بقادة القبائل الدارفورية خصوصًا خلال مطلع 2019 بعد الإطاحة بالبشير.

وإلى جانب هذا الحضور السياسي لتشاد في الإقليم، فإن هناك حضورًا عسكريًّا للجيش التشادي يسجل من إفريقيا الوسطى وحتى مالي، وهذا الحضور يأتي تحت عنوان مكافحة الإرهاب، حيث يتم اتهام تشاد أحيانًا بشن حروب بالوكالة لصالح فرنسا، ويذكر في هذا السياق أن الانقلاب الفرنسي على الرئيس بوزيزي في إفريقيا الوسطى جاء بعد استعانة الأخير بشركات جنوب إفريقية في مجالات التنقيب عن الموارد الطبيعية خصوصًا النفط.

ونظرًا للقدرات العسكرية لتشاد غير المتكررة في المنطقة، حيث تملك قوات تناهز الخمسين ألف مقاتل حاليًا، فإنها تشارك في تحالفات عسكرية إقليمية على مستويين: الأول: القوة المشتركة المشكلة عام 2015 مع الدول الثلاث الأخرى المطلة على البحيرة (نيجيريا، والكاميرون، والنيجر)، والثاني ضمن تحالف دول الساحل الخمس ضد الجهاديين الذين يستهدفون مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتعتبر بناءً على ذلك حليفًا مهمًّا لعملية برخان الفرنسية في المنطقة، حيث نشط الجيش التشادي منذ 2015 لمقاتلة حركة بوكو حرام التي وسعت أنشطتها حتى بحيرة تشاد على الحدود مع النيجر والكاميرون، وتم دعم القوات التشادية في مثلث بوركينا فاسو والنيجر ومالي بحوالي 500 عنصر عسكري إضافي في 2017 بعد تفاهم تشادي – فرنسي في قمة “بو” بفرنسا، كما تشارك في قوة الدول الخمس لمنطقة الساحل مع بوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا، بينما انسحبت منها مالي(3).

تركيبة المعارضة:

بالنظر إلى تركيبة المعارضة فهي تتكون من 52 حركة مسلحة على رأسها “جبهة التناوب والوفاق” (فاكت) التي انشقت عن “اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية” المدعوم من السودان، وهو تحالف قوى عسكرية تتقارب سياسيًّا وتنتمي إلى إثنية “التبو”، وتتمركز هذه القوات في جنوب ليبيا مستغلة عدم استقرار الأوضاع هناك ويقودها محمد مهدي علي المنشق عن الرئيس ديبي، وأسسها لإطاحته وشن عمليات عسكرية ومواجهات مع الجيش التشادي انتهت بمقتل ديبي.

وهناك “تجمع القوى من أجل التغيير” الذي ترجع أصوله إلى قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها ديبي ويقوده تيمان أرديمي الذي شغل منصب مدير مكتب الرئيس ديبي الأب قبل الانشقاق عنه ومحاولة الانقلاب عليه في 14 مارس (آذار) 2006 وإعلانه مواصلة النضال المسلح عام 2013 ضد نظامه.

وينشط أيضًا “المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية” الذي يتمركز في جنوب سبها ويضم منشقين عن ديبي ينتمون إلى عرقية “الدزقرا”، و”الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة” التي ينتمي أعضاؤها إلى عرقية “التبو”، إضافة إلى 200 حزب سياسي وتجمع مدني من الداخل والخارج، رحب بعضها بينما رفضت أخرى المشاركة(4).

مبادرة الحوار الوطني:

أطلق محمد ديبي “مبادرة الحوار الوطني” بدعوة جميع الأطراف السياسية، بما فيها الحركات المسلحة والجماعات المتمردة للمشاركة فيه، وبدأ “الحوار الوطني الشامل” في 15 فبراير 2022 بهدف تحقيق المصالحة في البلاد وتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وتأجل الحوار مرات عدة إلى أن عقد أخيرًا في 20 أغسطس 2023 في نجامينا مع مقاطعة عدد من مجموعات المعارضة المدنية والمسلحة، ومخطط له أن يستمر ثلاثة أسابيع بهدف “طي صفحة المرحلة الانتقالية” والتوصل إلى الانتخابات.

مهد لهذا الحوار توقيع المجلس العسكري وحركات معارضة مسلحة في الثامن من أغسطس 2023 بالدوحة اتفاق سلام نص على “إنهاء التوترات المسلحة التي تشهدها البلاد ووقف إطلاق النار بوضع برنامج لنزع السلاح وتعهد المجلس العسكري بعدم القيام بأي عمل عسكري ضد الحركات الموقعة على الاتفاق والعفو عن المتمردين الموجودين في الخارج وتأمين عودتهم إلى البلاد”، ولم يخل ذلك الاتفاق من نقاط خلافية نقلت إلى جلسات “الحوار الوطني الشامل”(5).

أسباب عودة الصراع مرة أخرى:

يمكن تفسير تصاعد حدة الصراع بين الجيش والمعارضة مجددًا في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

صراع الأجنحة داخل قبيلة “الزغاوة”:

كان يايا ديلو يمثل قطبًا داخل قبيلة “الزغاوة”، وهو ابن شقيق الرئيس السابق إدريس ديبي، وينحدر من نفس القبيلة التي تقطن شمال شرق تشاد وغرب السودان، وقد أشارت تقارير عدة إلى مقتل ديلو إثر اشتباكات بين جناحين داخل القبيلة، والتي كان لها دور في قيام السلطات التشادية باعتقال صالح ديبي عم الرئيس الانتقالي، محمد إدريس ديبي، على نحو يُشير إلى اندلاع صراع أجنحة بين الرئيس الانتقالي ومعارضيه داخل قبيلة “الزغاوة”.

التصعيد السياسي من جانب المعارضة:

لم يتبنَ يايا ديلو نهجًا واحدًا في إدارة تفاعلاته مع النظام الحاكم، فقد كان في البداية أحد قادة المعارضة، لا سيما بعد أن ترأس “الحزب الاشتراكي بلا حدود”، بل إنه اتجه إلى قيادة فصيل مسلح معارض للنظام، في عام 2005؛ إلا أن جهات عديدة بذلت جهودًا حثيثة من أجل الوصول إلى حلول وسط بين ديلو والنظام، على نحو أسفر عن إبرام اتفاق مصالحة تولى بمقتضاه الأول مناصب عديدة.

لكن هذه المصالحة لم تدم طويلًا بعد أن اتجه ديلو إلى التركيز على قضايا فساد داخل النظام، على نحو كان له دور في دفع السلطات إلى فرض قيود شديدة عليه، انتهت بمحاولة اعتقاله في 28 فبراير 2021، والتي أدت في النهاية إلى مقتل والدته وأحد أبنائه.

وبعد مقتل إدريس ديبي في اشتباكات مسلحة في 20 /2021 ، تحول ديلو إلى أحد أبرز قادة المعارضة المناوئين لحكم الابن محمد إدريس ديبي، حيث اتجه إلى توحيد قوى المعارضة، على نحو أدى إلى تصاعد حدة التوتر في العلاقات بينه وبين الرئيس الانتقالي، وانتهى الأمر باندلاع اشتباكات بين الجيش التشادي وأنصار “الحزب الاشتراكي بلا حدود”، في 28 /2023، أسفرت عن مقتل ديلو.

تصاعد حدة المنافسة الانتخابية:

 يرى مراقبون أن ديلو تحول قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في مايو القادم إلى خصم محتمل للرئيس الانتقالي، محمد إدريس ديبي؛ خاصة أنه كان يمتلك قاعدة اجتماعية داخل قبيلة “الزغاوة”؛ لذلك اتهمت قوى عديدة ديبي بالسعي إلى التخلص منه؛ لأنه كان “معارضًا حقيقيًّا” للنظام، لا سيما أن مقتله جاء قبل أيام قليلة من بدء تقديم الترشيحات للانتخابات الرئاسية، وعقب الإعلان عن خوض الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي للانتخابات، ودخول الدستور الجديد حيز التنفيذ.

وقد كان هذا الدستور محور خلافات واسعة بين النظام والمعارضة، بعد أن وافقت عليه المحكمة العليا في 17 ديسمبر 2023، والتي رفضت مطالب المعارضة بإلغاء الاستفتاء عليه، وهو الأمر الذي سمح للرئيس الانتقالي بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، مما دفع مراقبين إلى ترجيح أن الاستفتاء على الدستور كان يهدف إلى إضفاء الشرعية على نمط التحول الذي يسعى الجيش إلى ترسيخه في تشاد، خصوصًا مع دعوة العديد من جماعات المعارضة إلى مقاطعة الاستفتاء، باعتبار أن المجلس العسكري سوف تكون لديه القدرة على التحكم في نتائجه.

الصراع القبلي يعود إلى الحاضرة:

إن الرئيس ديبي وقادة الجيش التشادي ينتمون إلى قبيلة الزغاوة المنتشرة بين السودان وتشاد، وتشمل كل نسبته 1% من سكان البلاد، بينما ينتمي زعيم المتمردين، محمد مهدي علي، إلى قبيلة القرعان التي تمثل 6% من السكان، وينتمي إليها أيضًا الرئيسان السابقان قوكوني وداي (حكم من1980ـ 1982) وحسين حبري (حكم من 1982ـ1990) وخرج الأخير على يد تمرد مسلح قاده إدريس ديبي سنة 1990، فلم ينس القرعان أنه تم إقصاؤهم من السلطة على يد ديبي المنتمي إلى قبيلة الزغاوة، وهذا هو مفتاح تشكيلهم حركة التمرد الحالية التي أوصلت البلد لمأزقه الحالي.

وبعد انتقال السلطة إلى قبائل الشمال بدأ الصراع بين مكونات قبائل الشمال العريقة المؤثرة في المشهد السياسي التشادي، وبخاصة القبائل التي لها وجود مهم في المؤسسة العسكرية؛ حيث تتمركز قبائل الزغاوة في شمال شرق البلاد حتى دارفور السودانية، واستمدت نفوذها من حكم إدريس إديبي، فضلًا عن قيادات الجيش في عهدي الرئيسين: حبري وديبي.

ولا شك أن إعلان الانتماء القبلي فوق الانتماء الوطني هو منبع الأزمات في تشاد، فيقول إن المجتمع التشادي مجتمع قبلي يقوم على القبيلة، ويشكل الأمر حساسية كبيرة بالنسبة للجميع، وفي بعض الأحيان تكون القبيلة مقدسة قبل الدولة(6).

السيناريوهات المحتملة:

يُنذر هذا الوضع بمخاوف من انهيار المرحلة الانتقالية وعودة التوترات للبلاد، مع تفاقم الضغوط الأمنية على قوات الأمن التشادية، في الوقت الذي تتنامى فيه حالة عدم الاستقرار الإقليمي، وتتصاعد التوترات السياسية والاضطرابات الأمنية في إقليم الساحل وحوض بحيرة تشاد، بما يؤثر في النهاية على الأوضاع الأمنية في تشاد ويهدد حالة الاستقرار الداخلي الهش.

1- الانقلاب المسلح:

سيناريو الانقلاب المسلح وفق النموذج الساحلي الذي حذَّرت منه عدة جهات غربية، وقد يأتي على شكل تمرد مسلح مدعوم من قوات فاغنر الروسية التي يُعتقد أنها تُدرب معارضين للنظام في مركزها في جمهورية إفريقيا الوسطى، كما يُعتقد أنها حاضرة، بشكل أو بآخر، في تفاعلات الصراع السوداني المجاور. وبما أن الجيش التشادي يتكون أساساً من قبيلة الزغاوة، فإن الانقلاب المحتمل قد تُديره عناصر عسكرية منشقة عن النظام، كما حدث في حالات تمرد سابقة على الرئيس الراحل إدريس ديبي.

2 صراع أهلي مسلح:

سيناريو تفجر الصراع الأهلي المسلح من خلال دخول التنظيمات العسكرية المعارضة إلى داخل البلاد وسيطرتها على بعض المناطق الداخلية، كما حدث عدة مرات في السابق. ومن أبرز هذه التنظيمات جبهة التناوب والتغيير ومجلس القيادة العسكرية، وكلاهما متمركز في الحدود الليبية، وبالإضافة إلى التهديد القادم من الحدود الليبية، يوجد تهديد في الجنوب نابع من نشاط تنظيمَين عسكريين، يصل عديدهما إلى ثلاثة آلاف مقاتل، على الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى، وفي حال تفجر الجبهات الشمالية والجنوبية مع تنامي الخطر الإرهابي الساحلي، من المرجح أن تدخل البلاد في فوضى عارمة لا حل لها في المدى القريب.

3- استمرار للوضع الراهن مع تجدد الاشتباكات:

 سيناريو استمرار الوضع الراهن من تجدد الاشتباكات المسلحة بين التنظيمات المسلحة والجيش التشادي وصولًا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية بحسب الموعد المحدد لها في أكتوبر 2024 بمشاركة الرئيس محمد إدريس ديبي الذي سينجح في الاحتفاظ بالسلطة رغم معارضة قوى سياسية عديدة، وإنْ كانت الأزمة السياسية والأمنية ستظل قائمة، بل مرشحة للتفاقم في سياق داخلي وإقليمي معقد.

يبدو في الوقت الحاضر أن حظوظ السيناريوهات الثلاث متقاربة، ويمكن ترجيح سيناريو الانقلاب العسكري على خلفية انفجار الصراع الأهلي المسلح، أي: ترتيب انقلاب بالتواطؤ مع الجماعات المسلحة التي قد تنجح في التوغل داخل البلاد، وفي هذه الحالة سيكون عمود الانقلاب من نفس المحيط القبلي والعرقي للرئيس ديبي، أي مجموعات الزغاوة والتبو والقرعان الشمالية التي تنحدر منها أغلب الحكومات العسكرية التي حكمت البلاد خلال السنوات الأربعين الأخيرة. وقد تُشجع هذا السيناريو الدوائر العسكرية والاستخبارية الفرنسية استباقيًّا، من أجل  الحفاظ على مصالح فرنسا الحيوية في الدولة(8).

الخلاصة:

1- يرتبط عدم الاستقرار السياسي التشادي بذات الحالة في دول جوارها المباشر، وهي ليبيا والسودان، فيما يشكل جوارها من الغرب تحديًا رئيسيًّا، وذلك مع اتساع حجم وتأثير التنظيمات الجهادية المسلحة الممارسة للإرهاب في هذه المنطقة، وهو الأمر الذي يفرض ضغوطاً كبيرة على حالة الاستقرار الإقليمي.

2- الحالة التشادية اليوم بحاجة إلى رعاية من الاتحاد الإفريقي للمساعدة في إحداث الانتقال السلمي للحياة السياسية، وإتاحة الفرص للجميع سواء بسواء؛ إضافة إلى مجموعة الإيكواس (ECOWAS) التي ساهمت معها تشاد في حروب البحث عن الاستقرار.

3- يؤدي فشل الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية في الاعتراف بهذه الجماعات المعارضة إلى زيادة احتمالية تصاعد العنف السياسي والصراع في تشاد؛ الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة إلى حد كبير.

4- يمكن تجنب مثل هذه النتيجة، ولكنها ستتطلب اعتدالًا في موقف نظام ديبي تجاه المعارضة وطريقًا حقيقيًّا للمضي قدمًا نحو التقدم الديمقراطي.

1_ سكاي نيوز

2_ بي بي سي

3_ مركز الأهرام للدراسات

4_ الإندبندت

5_ الشرق الأوسط

6_ سكاي نيوز

8_ مركز الإمارات للسياسة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.