fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

ممرّ هندي أوروبي.. هل يصبح منافسًا لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية؟

76

ممرّ هندي أوروبي.. هل يصبح منافسًا لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية؟

منافسة جديدة وحادة باتت تطفو على السطح تقودها الولايات المتحدة الأمريكية دعمًا للهند في مواجهة مشروع التنين الصيني “الحزام والطريق”، من خلال طريق مبادرة “الممر الاقتصادي” الذي يهدف لربط الهند مع أوروبا والخليج العربي؛ ذلك الذي يُطلق عليه بـ “ممر بايدن”، حيث اشتعال حدة المنافسة والحرب الاقتصادية بين الصين، وكلٍّ من: الهند وأمريكا، كما أنه قد يُحرِّك المياه الراكدة من الخلافات بين بكين ونيودلهي على خلفية أزمة الحدود المشتركة بين البلدين التي كادت أن تختفي.

ففي سبتمبر عام 2022 وقع اشتباك بين القوات الصينية والهندية في منطقة متنازع عليها على طول الحدود بين البلدين، حيث قد اتهم وزير الدفاع الهندي، آنذاك، الصين بمحاولة “تغيير الوضع القائم بشكل أحادي” عند جبال الهيمالايا، وتعد الحادثة الأكثر خطورة على الحدود بين الدولتين: الآسيويتين النوويتين منذ عام 2020، عندما قتل 20 جنديًّا هنديًّا وأربعة جنود صينيين في مواجهات.

نحاول في هذا التقرير بمركز “رواق” للأبحاث، أن نُجيب عن بعض النقاط، وهي: ما مشروع الممر الاقتصادي وما أهدافه؟ هل يُعرقل مشروع الممر الهندي بقيادة واشنطن مبادرة الصين؟ ما الفرق بين “الممر الاقتصادي” و”الحزام والطريق”؟ ماذا عن موقف الدول المُوقِّعة على مبادرة “الحزام والطريق” مع الصين؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في السطور التالية.

حيث من الواضح للقارئ للمشهد: أن هناك أهدافًا بجانب الهدف الاقتصادي الأول هي أهداف جيوسياسية، حيث هي كلمة السرِّ في تنفيذ الممر الاقتصادي الجديد لدى صانعي القرار في واشنطن وأوروبا تتمثل في الدخول في تنافس مع مبادرات ‌البُنَى التحتية العالمية التي تقودها الصين بُغية الحدِّ من نفوذها، وتعزيز نفوذ واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.

وفيما يبدو واضحًا على السطح، أن هناك عددًا من الدول والقوى الإقليمية الكبرى داخل وخارج الشرق الأوسط تسعى لتعزيز موقعها الاقتصادي والجيوسياسي بشكل أكثر انفتاحًا، وحيازة المزيد من التأثير في صنع القرار على المستوى الدولي، ومن بين هذه المشروعات:

“ممر بايدن” أو ما يُعرف بالممر الهندي:

لقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال قمة العشرين إطلاق خطط جديدة بشأن إنشاء ممر اقتصادى جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، حيث وقع بايدن مع زعماء الهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم تحدد المشروع الجديد، بحسب شبكة “سى إن إن” الأمريكية مؤخرًا.

ويرى خبراء بحسب شبكة “سى إن إن”: أن إصلاحات واستثمارات جديدة في البنك الدولي، بإمكانها أن تضخ مئات المليارات من الدولارات في هيئة مِنَح وقروض للدول النامية، حيث يربطون بشكل كبير بين الممر الاقتصادي الهندي، ومشروع الصين الحزام والطريق.

وقد ذكر بايدن خلال قمة الشعرين في الهند، إنه كان ليُرحب بحضور نظيره الصيني، شى جين بينج، فى حال مشاركته فى القمة، غير أنه أكَّد أن النتائج الإيجابية لا تزال ممكنة، ولكن على ما يبدو وَفْق خبراء أن الأخير رفض الحضور بسبب الاتفاق أو التوافق الأمريكي الغربي الهندي حول المشروع الجديد.

وقد أعلنت المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، والهند، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والاتحاد الأوروبي، عن توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع إنشاء ممر اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا.

– مبادرة الحزام والطريق:

 حيث تلك المبادرة التي أطلقتها الصين في عام 2013، بهدف الربط بين الصين والعالم الآخر عبر استثمارات طائلة تقدر وفق اقتصاديين بمئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، والتي سوف تتضمن بناء الموانئ والطرقات، والسكك الحديدية، والمناطق الصناعية، بمباركة ومشاركة أكثر من 120 دول على الأقل.

– ممر العبور الدولي بين الشمال والجنوب:

وهنا وقفة يجب النظر إليها مليًّا وهو في توجه الهند نحو مشروعها أو ممرها الجديد، أن بعض الساسة هناك يرون في طريق الحرير الصيني البحري مشروعًا سيطوق الهند بحريًّا ما يشبه الحصار عليها، وبالتالي فهى تطلق على مشروعها الجديد بممر متعدد الوسائط يربطها مع أوروبا عبر إيران وآسيا الوسطى وروسيا، من خلال بناء ميناء حديث في البحر العميق على الساحل الإيراني في تشابهار، وخطوط الطرق، والسكك الحديدية الممتدة شمالًا من تشابهار عبر إيران وأفغانستان إلى آسيا الوسطى، ولكن يعوقه فقط أنه يتمركز حول إيران وروسيا الخاضعتين للعقوبات الغربية مما يصبح متعارضا مع شراكة نيودلهي وواشنطن.

– الممر الاقتصادي الثلاثي:  

وهو طريق اقتصادي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ليكون طريقًا تجاريًّا متعدد الأهداف، ويمتد على طول الحافة البحرية الجنوبية لقارة آسيا لكي يشمل نقاط اتصال بحرية رئيسية، هي: الهند والإمارات وإسرائيل. مما يسهم في نقل البضائع بحريًّا من الهند إلى ميناء الفجيرة أو جبل علي في دبي في الإمارات.

كما يمكن للمشروع الهندي أن ينقل البضائع والمنتجات من الإمارات إلى السعودية والأردن، وصولًا إلى ميناء حيفا على ساحل البحر المتوسط، ليُعاد شحنها بحريًّا إلى ميناء بيرايوس في اليونان أو الموانئ الإيطالية الرئيسية من تارانتو إلى تريستا.

ويعزو خبراء إلى أن الممر الهندي، يمكن أن يقوم بعمل البُنى التحتية لإنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر، حيث إن المرجو من المشروع العملاق تلك أن تصبح حجم التجارة بين الهند وأوروبا أسرع عن ذي قبل بنسبة 40٪، حيث ستصل البضائع الهندية التي تغادر مومباي إلى البر الرئيسي الأوروبي في بيرايوس في أقل من عشرة أيام.

لماذا يمثل الممر الاقتصادي تحديًا للصين؟

لا شك أن مشروع الحزام والطريق الصيني، والذي اُعلن عنه منذ أكثر من 10 سنوات، والذي قد تعطل ربما لأسباب اقتصادية وتوترات دولية، بمعنى أن هذا المشروع لربما أن يسهم في التوسع والتمدد الصيني في القرب من إفريقيا من وجهة نظر الغرب والتي لها العديد من المشروعات هناك.

وفي المقابل سيقلل من التواجد والفرص الأمريكية والغربية في إفريقيا، لا سيما أن العديد من دول القارة السمراء باتت ترحب بالتواجد الصيني الروسي أكثر من أمريكا والغرب، ولنا في ما حدث من رفض للغرب وفرنسا بالتحديد بدول الساحل الأسوة.

لذلك ترى الصين أن في مشروع الممر الاقتصادي الهندي تحديًا أو عقبة أمام تنفيذ مشروعها، كما يُخدِّم في الوقت نفسه على التوجه الغربي والرفض الأمريكي بالتحديد، وهو ما قد يجدد الخلاف الحدودي بين الصين والهند، والخلافات الخفية في الوقت الحالي.

لماذا يطلق عليه: “ممر بايدن”؟

يرى خبراء أن الممر الهندي الأوروبي أو ما يُطلق عليه: “ممر بايدن” لأنه يهدف في المقام الأول لمواجهة النفوذ الصيني، وقد تحدثت تقارير دولية على أن كثيرين ينظرون إلى مشروع الممر على أنه رد أمريكي على مبادرة الحزام والطريق الصينية، الذي يهدف لبناء بنية تحتية تربط الصين بجنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى، وروسيا وأوروبا.

وذكرت التقارير: أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستفيد من الناحية المادية من مشاركتها في المشروع الذي أعلنت عنه في العاصمة الهندية نيودلهي في قمة العشرين مطلع سبتمبر الماضي، ما يعني أن المشاركة الأمريكية ضمن المشروع الهندي الأوروبي تأتي في إطار سعي واشنطن لمنع تمدد الصين وتحجيم نفوذها في أوروبا، ودول شرق آسيا وروسيا.

وبحسب قادة العشرين قبل نهاية سبتمبر الماضي، أنهم يرون في مشروع الهند، خصوصًا مع إنشاء طرق برّية وسكك حديد أنه يسهم في تنشيط حجم التجارة والتنمية الاقتصادية، وأن يجعل هناك قدرًا كبيرًا من التكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا.

ما وجهة أو مسار الممر الهندي؟

يتألف الممر الاقتصادي الهندي من ممرين منفصلين؛ إذ يربط الممر الشرقي الهند بالخليج العربي، فيما سوف يربط الممر الشمالي الخليج بأوروبا، وعلى إثر ذلك وقَّع قادة كلٍّ من الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي على مذكرة تفاهم للعمل على تطوير الممر الاقتصادي الجديد.

ومن وجهة نظري: الدول التي وقَّعت على الاتفاق لأجل تنفيذ المشروع الهندي، تلك التي ترى أنه بمثابة تحفيز للتنمية الاقتصادية وتعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي بين القارتين (آسيا وأوروبا)، هو امتحان صعب أمام مشروع الحزام والطريق، لا سيما أن قد أسماه بعض القادة الأوروبيين بالمشروع التاريخي؛ الأمر الذي يعني ترحيب الغرب بالمشروع الهندي أكثر من مشروع الحزام والطريق الصيني، خصوصًا بعد ما وصفته المفوضية الأوروبية بأنه سيشكل نقطة اتصال مباشرة، وكما يجعل في الوقت نفسه أنه سيجعل وصول البضائع أسهل وأيسر إلى الدول المستهدفة بشكل أسرع بمقدار يصل إلى 40%.

وأعتقد أن أي مشروعات ربط حول العالم مِن شأنها أن تسهم في المرونة والسهولة في الشحن والنقل والتوزيع، خصوصًا في سلاسل الإمداد والتي توقفت أو تعطلت؛ نتيجة الحرب الأوكرانية، والصراع الدوليين، كما يزيد أيضًا من حجم التجارة الدولية بين القارات الثلاث: (إفريقيا، أوروبا، آسيا)، لكن السؤال هنا: هل يُنفِّذان المشروعين: الصيني والهندي معًا أم يعرقل بعضهما الآخر؟

هل يعرقل مشروع الممر الاقتصادي مبادرة الصين؟

بالطبع، إن شكل وحركة التجارة العالمي سيتغيران بعد تنفيذ مشروعي: الصين والهند أو كلاهما، لا سيما في زيادة معدلات الإنتاج والتصنيع الحالية، وضمان الأمن الغذائي للدول الفقيرة التي عانت ولا تزال خلال الفترة الماضية، بجانب المرونة في تشغيل سلاسل الإمداد والتوريد، ولكن ذلك سيكون مرهونًا أو مشروطًا بمدى تعاون الغرب مع إما التنين الصيني، وهذا مستبعد أو النمر الأسيوى المنافس (الهند).

كما من الواضح أيضًا: أن سرعة وتنفيذ المشروع هذا أو ذاك مرتبط بالخطة الزمنية، وأيضًا فيما يعتمد عليه المشروع مستقبلًا بالنسبة للدول الموقعة عليه مع الهند، أو التي ترغب في التعاون مع الصين، فمثلًا: أن الهند تتحدث عن ربط يضمن وصول مواد وبضائع تتعلق بالطاقة والهيدروجين الأخضر، كذلك مد الكابلات وخطوط الأنابيب. 

وهو ما يختلف بعض الشيء عن مهام وأهداف المشروع الصيني؛ لذلك أرى أن مدى قبول كلا المشروعين من قِبَل الأطراف المشاركة هو الضمانة لسرعة إنجاز المشروع وسرعة الاستجابة والتعاون معه، لا سيما أنهما مشروعان مشتبكان ومتداخلان، وعابران للحدود مع الدول الأخرى في أوروبا أو آسيا، وليس في الصين وحدها أو الهند.

وبحسب اقتصاديين، فإن الممر الهندي سوف يسهم في تيسير عملية نقل الطاقات المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة وتطوير الطاقة النظيفة، فضلًا عن تنمية الاقتصاد الرقمي وتعزيز النقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية، إذ اُطلق عليه بـ “الجسر الأخضر الرقمي العابر للقارات”.

ما الفرق بين الممر الهندي و”الحزام والطريق” الصيني؟

يهدف المشروع الهندي إلى الربط بين الهند مع دول الخليج وأوروبا، لكن هناك تشابه كبير مع الحزام والطريق الصيني، خصوصًا في ما يتعلق بالبُنى التحتية، وأيضًا في خشية التنافس الكبير بين الصين وأمريكا، حيث ضخت الصين نحو “ترليون دولار” للبًنى التحتية مع أكثر من 150 دولية، أما المشروع الهندي فيربطها مع السعودية والإمارات والخليج، وكان المفترض مرورًا بإيطاليا، لكنها على ما يبدو تريد الانسحاب من مشروع الصين، كلها أمور وتحركات جعلت الرئيس الصيني شي جين يتغيب عن قمة العشرين في الهند.

وكما هو الحال دائمًا، فالولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في مشروع الصين، ولها تأثير بشكل أو بآخر على دول أوروبا، فهى تريد تعطيل المشروع الصيني الذي يتشابه مع الممر الاقتصادي الجديد، ولكنها تريد تقويض الصين؛ لأنها المنافس الأكبر في حجم الاقتصاد العالمي لواشنطن.

أهداف مشروع الممر الاقتصادي:

– حيث يتألف المشروع من ممرين منفصلين، هما: “الممر الشرقي” الذي يربط الهند مع الخليج العربي، و”الممر الشمالي” الذي يربط الخليج بأوروبا، وتشمل الممرات سكة حديد ستشكِّل بعد إنشائها شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية، لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لتمكين مرور السلع والخدمات.

– وإذا ما كان شرط البقاء هو تسريع سبل التجارة، ونقل التكنولوجيا والانتقال الجماعي إلى الطاقة النظيفة، فإن ذلك يعني مبدئيًّا ونظريًّا، تقادم نظريات “صراع الأمم” بصفته زبدة الحياة وتعايش الشعوب منذ بدء الوجود.

– يهدف مشروع الهند إلى تطوير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة.

الموقف الصيني من التحالف الغربي الهندي:

وكما ذكرنا سالفًا، فإن غياب الرئيس الصيني عن قمة العشرين لا يمكن وصفه بالبسيط أو أن نعتبره شأنًا لا علاقة له بما يحدث من صراع كان خفيًّا بين بكين ونيودلهي؛ ليطفو على السطح، وبالطبع مع دخول أمريكا على خط الأزمة؛ لأنها تدعم مشروع الممر الهندي، كما لا يمكن عدم الربط بين خلاف الصين والهند الذي لم تستطع مداولات مجموعة “بريكس” إخفاءه وتجاوزه، ومداراته، والخطوط الدولية التي تخرج من الهند وما حدث من غياب شي جين.

ولكن يرى سياسيون: أن مشروعات الطرق والممرات الخضراء تعتبر غير قابلة للحياة من دون الصين أو في ظل صراع قد يصبح عسكريًّا معها؛ لأن الصين لن تقف متفرجة وهى مرشحة؛ لأن تكون أكبر اقتصادات العالم في حول 2027 أو 2030، والأمر ينسحب على خطوط الحرير الصينية التي تنشد السلم والتعاون لتمددها، وسيبقى حلمها متواضعًا في حال استمر العالم في استشراف مستقبله على أساس “لعبة الأمم”، أو “صراع الحضارات”، أو أي فلسفة لا ترى الدول إلا من عين تقليدية تقرأ العالم بمعايير الاصطفافات المتقابلة.

وفي تقديري، فإنه من السابق لأوانه حسم مسألة تطبيق مشروعات عملاقة، مثل: الحرير والممرات الاقتصادية؛ لأنها بالطبع تحتاج إلى سنوات عدة وليست شهورًا، حتى نجزم بأنها باتت واقعًا نتحدث عنه، وأيضًا من المنتصر بها من حيث المبدأ، لا سيما أن بدء العمل على هذه الطرق وشقها يحتاج إلى وقت طويل؛ لأنها ربما تصدم بدول وتقبلها دولًا أخرى، ولكن الصين كانت سباقة في مشروعها عن مبادرة الممر الاقتصادي، حيث أعلنت في عام 2013 عن توقيعها اتفاقيات في إطار مبادرة الحزام والطريق مع أكثر من 150 دولة، وأكثر من 30 منظمة دولية، فيما حشدت ما يقرب من تريليون دولار مع إنشاء أكثر من ثلاث آلاف مشروع؛ إذ تحاول الصين الانتهاء من مشروع طريق الحرير بحلول عام 2049.

مجموعة السبع تحشد الأموال:

تعهد قادة مجموعة السبع خلال اجتماع في اليابان مؤخرًا بحشد 600 مليار دولار بشكل جماعي بحلول عام 2027 لمواجهة “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، فيما لا يزال الغموض يكتنف إجمالي الميزانية المقترحة التي من المقرر الإعلان عنها في غضون شهرين.

والغريب أن عددًا من الدول التي وقَّعت على الممر الاقتصادي الجديد هي ضمن دول مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، مثل: السعودية والإمارات، فيما يرى مختصون أن هناك بعض مؤشرات تشير إلى أن الصين تتباطأ في تنفيذ المبادرة بسبب ما يعانيه اقتصادها من مشاكل في الوقت الراهن.

أيضًا وربما كان من بين الأسباب للتوافق على مشروع الممر: أن بعض الدول قد اتهمت الصين بالسعي من وراء تنفيذ طريق الحرير إلى زيادة نفوذها الإستراتيجي دون الأخذ في الاعتبار مصالحها، فضلًا عن تأثير المشاريع على البيئة، خصوصًا أن إيطاليا، البلد الوحيد داخل مجموعة السبع الذي انضم إلى مبادرة “الحزام والطريق”، وأعلنت أنها تنوي الانسحاب من المبادرة وسط تصاعد التوتر بين الصين وتايوان.

يرى اقتصاديون: إنه جرى التخطيط لمواجهة مبادرة الحزام والطريق منذ سنوات عديدة، وليس من السهولة مواجهة التحدي الصيني في إطار الممر الاقتصادي الجديد، مؤكدين: أن الافتقار إلى الوصول المباشر إلى آسيا الوسطى، وما وراءها يقيد الخيارات الهندية؛ مما سيجعل الهند تحاول الاستفادة من الولايات المتحدة والدول الأخرى. (دويتش فيله).

تصريحات أغضبت الصين:

في تصريحات زادت من غضب التنين الصيني، قال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في خطاب إذاعي منذ وقت قريب: إن الممر الجديد الذي أعلن عنه على هامش قمة مجموعة الـ20 في دلهي، سوف يصبح أساس التجارة العالمية لمئات السنين القادمة، وهو ما عاد بالفتور في العلاقات بين بكين ونيودلهي بعد ما كادت أن تختفي على إثر أزمة الحدود.

يقول مختصون: إن الطموحات الكبرى لمشروع مبادرة الحزام والطريق باتت تتضاءل إلى حدٍّ كبيرٍ، حيث هناك تباطؤ في الإقراض للمشاريع مع تباطؤ الاقتصاد في الصين، لا سيما أن مبادرة الصين تلقت انتقادات، منها: أن أهدافها الأساسية اكتساب النفوذ الإستراتيجي وافتقارها إلى الرقابة المالية السليمة.

وفي المقابل: يرى اقتصاديون: أنه بالرغم من ذلك، وتلك المحاولات التي تريد النيل من المشروع أو عرقلته بدعم غربي؛ إلا أن الصينيين استطاعوا أن يحققوا قدرًا كبيرًا من الاتفاقيات مع بعض الدول، والإنجاز، خصوصًا أن مشروع الممر الهندي الأوروبي لا يرقى حتى إلى أن يكون “منافسًا”، وقد يكون مجرد ممر متوسط الحجم.

ويعزو خبراء أيضًا إلى أن تعقيدات سياسية وجيوسياسية باتت واضحة في طريقة العلاقات بين الدول الشريكة، مثل: الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة السعودية، التي غالبًا لا تتفق مع بعضها بعضًا، وبالتالي فقد يفشل التعاون التكتيكي من هذا النوع، حتى وإن حصل التوافق في قمة العشرين.

أشار الخبراء إلى نقطة مهمة، وهي: أن العبور والنقل من خلال البحر عبر قناة السويس، يعد هو الأرخص والأسرع، كما أنه أقل تعقيدًا إلى حدٍّ كبيرٍ، ورجح الخبراء إلى أن طموحات الممر الهندي الأوروبي قد تتجاوز النطاق الضيق للتجارة والاقتصاد لتشمل كل شيء بدءًا من شبكات الكهرباء وحتى الأمن السيبراني، وهو ما يصعب تحقيقه في القريب. (بي بي سي).

هل يغير الممر الاقتصادي بوصلة الاقتصاد العالمي؟

يرى سياسيون: أن اتفاقية الممر الهندي، وفي هذا المقترح الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية التي تُواجه اليوم العديد من التحديات القادمة والمنافسة الشرسة من الصين، وخاصة في مشروعها العملاق “الحزام والطريق”، يهدف أيضًا إلى إدخال الدولة الصهيونية على خط التجارة العالمية بين الهند وأوروبا عبر منطقة الخليج.

يضيف سياسيون: ومنه المرور والدخول إلى الدولة الصهيونية، ومنها إلى الدول الأوروبية تمهيدًا لإيجاد مخرج إضافي للتطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل خلال المرحلة المُقبلة، وكل أملها أن يتحقق ذلك، وخاصة أنها تريد تطبيق ذلك مع السعودية قبل نهاية العام الجاري.

ويرى قادة بعض البلدان العربية: أن في اتفاقية الممر الاقتصادي الذي يربط هذا الممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا، أنه يسهم في تعزيز حجم التعاون والتجارة وتحفيز التنمية الاقتصادية فيما بينها، وكذلك تعزيز التواصل والتكامل الاقتصادي بين قارتي: آسيا وأوروبا، ولكن دون أن تنتبه تلك الدول بأن أحد الأهداف الرئيسية من الإدارة الأمريكية هو إدخال الدولة الصهيونية المنبوذة من الشعوب العربية والإسلامية في المعادلة.

بحسب ما تم الإعلان عنه فإن تفاصيل إنشاء الممر الاقتصادي سيكون متكونًا من طريقين: أولهما: سوف يربط بين الهند بدول الخليج، وأما الثاني سيكون بين دول الخليج بأوروبا، حيث سيتم من خلاله إنشاء شبكة نقل عبر الحدود يمكن الاعتماد عليها وفعالة من حيث التكلفة من خلال عبور السفن ثم العبور عبر السكك الحديدية.

هل ترضخ الصين للسياسات الأمريكية؟

ويؤكد مختصون: أن المشروع سوف يحقق للإدارة الأمريكية السمعة والبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ حيث يركز بقوة على تعاون بعض الدول العربية، أي: أن هذا مشروع الممر الاقتصادي هو منافس قوي من وجهة نظر البعض لمبادرة الحزام والطريق.

ولكن في تقديري: أن الصين لن ترضخ للسياسات الأمريكية وأهدافها حتى وإن انسحبت أو تحاول بعض الدول الانسحاب من مشروع الحزام والطريق؛ إلا أن بكين ستمضي قدومًا في مشروعها وإن واجهته بعض العراقيل؛ لأنها تعد لاعبًا قويًّا لا يُستهان به على الساحة الدولية، كما تدعمها روسيا نكاية في الغرب، ومن أجل التحول إلى عالم متعدد الأقطاب سياسيًّا واقتصاديًّا، ولا شك أنهما دولتان كبيرتان وحليفتان، يمكنهما لعب دور محوري، والتأثير في موازين القوى الدولية. (الرؤية).

الخلاصة:

– نستخلص من هذا التقرير: إنه من الواضح أن مشروع “الممر الاقتصادي” الجديد سوف يواجه تحديات كبيرة وعديدة؛ جيوسياسيًّا واقتصاديًّا وتنظيميًّا في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وعلى رأسها: أزمة الاقتصاد الأمريكي، وحالة الإغلاق الذي فُتح لمدة وجيزة جدًّا، وبالتالي سوف تقبله بعض الدول وترفضه أخرى.

– كما أن مشروع “الممر الاقتصادي الهندي” ليس بالضرورة أن يمثِّل تحديًا لمبادرة “الحزام والطريق الصينية”، بل ربما يتحول إلى مبادرة منافسة أو موازية لها يسيران مع بعضهما البعض؛ لا سيما أن هناك خطوطًا مشتركة فيما بين المبادرتين.

– كذلك، إن مشروع الممر الاقتصادي سوف يؤدي إلى صعود واكتشاف فرص جديدة أمام التنين الصيني من خلال مشاريع الربط اللوجستية والتقنية، ومشروعات الطاقة والهيدروجين الأخضر، لا سيما مع الدول التي تتعارض مصالحها مع تنفيذ مشروع الممر الجديد، وعلى رأسها: تركيا وإيران -على سبيل المثال-.

– يحاول البعض الترويج بأن قناة السويس سوف تتأثر في حال إنشاء الطرق والربط الدولي، ولكنه في الحقيقة عكس ذلك تمامًا؛ بسبب بسيط، وهو: أن موقعها لا يمكن الاستغناء عنه، وذلك لتقليل الوقت والجهد والتكلفة أيضًا، وهي عناصر مهمة في المعادلة والتجارة الدولية؛ بل يُزيد من عدد وحجم الحاويات والشاحنات المارة بالبضائع.

– تهدف السياسة الأمريكية إلى إنشاء مشروع الممر الاقتصادي ليس فقط من أجل تقويض الصين، بل أيضًا لدعم الاحتلال الإسرائيلي وإعطائه فرصة سانحة على “طبق من ذهب” وإدخاله على خط التجارة العالمي، وبالتالي ضرورة أو محاولة التطبيع مع الدول العربية لخدمة مشروعها.

– لقد نجحت أمريكا -ولو بشكل جزئي- في استقطاب دولة كبيرة، مثل: الهند، ولكن في المقابل الصين لن تستسلم أو ترضخ للضغوط الأمريكية، حتى وإن انسحبت بعض الدول من مبادرة “الحزام والطريق”، لا سيما أن روسيا تدعم الصين بقوة في وجه الغرب، ما يعني أنهما دولتان كبيرتان وحليفتان يمكنهما لعب دور محوري، والتأثير في موازين القوى الدولية.

– بالأخير… فإنه من السابق لأوانه الحديث عن حسم المنافسة لصالح طرف على حساب الآخر حتى هذه اللحظة في ظل مشهد مُعقَّد تختلف فيه حسابات وموازين القوى، لا سيما أن مشروعات عملاقة، مثل: الحرير والممرات الاقتصادية؛ تحتاج إلى سنوات عدة -وليست أشهرًا-، وخططًا وتكاليف ضخمة للغاية، وقبول أطراف ورفض آخرين، حتى نُجزم من المنتصر في هذه المعركة.

المصادر:

التعليقات مغلقة.