fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تداعيات التقارب الروسي مع الحوثيين في البحر الأحمر على الأمن العربي القومي

79

تداعيات التقارب الروسي مع الحوثيين في البحر الأحمر على الأمن العربي القومي

لعبت روسيا في الصراع الجاري باليمن، دورًا مختلفًا تمامًا عن دورها في سوريا وليبيا، ففي سوريا، انضمت موسكو إلى إيران ومختلف المليشيات الحليفة لها؛ للدفاع عن نظام بشار الأسد ضد خصومه، وفي ليبيا وهو صراع يبدو أن إيران غير متورطة فيه إلى حد بعيد، أرسلت موسكو قوات عسكرية خاصة من مجموعة فاغنر لدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وحلفائه مصر والأمارات.

على عكس ذلك، لم تشارك روسيا عسكريًّا في الصراع الجاري باليمن، الذي تدعم فيه إيران الحوثيين، في حين دعمت موسكو سياسيًّا خصوم إيران (السُّعُودية والإمارات)، ولم تعترف بسلطة الحوثيين رسميًّا، وعلى الرغم من أن موسكو بدت محايدة في الصراع اليمني؛ إلا أنها في الفترة الأخيرة، أخذت مواقف بالتغيير، وتصاعد الحديث عن موقف جديد لروسيا في اليمن، ومساعٍ روسية للحصول على قاعدة عسكرية على السواحل اليمنية.

فهل تغير الموقف الروسي المُعلن من الأزمة اليمنية؟ وهل تتقارب موسكو وجماعة الحوثيين باليمن؟ وهل تسعى روسيا للحصول على قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر؟ وما تداعيات ذلك على الأمن القومي العربي؟

يركز موقع “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير عبر تحليلاته على بعض النِّقَاط المهمة حول علاقات روسيا بالحوثيين في اليمن، ومحاولات موسكو تحقيق مكاسب من الصراع اليمني، وتأثيره على الأمن القومي العربي، في هذه السطور الآتية:

رؤية إستراتيجية لموسكو في اليمن:

مَن يسيطر على جزيرة سقطرى اليمنية يتحكم في مفاتيح البحار الرئيسة السبعة في العالم تجاريًّا وعسكريًّا؟ هذا ما يعرفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من غيره؛ ذلك لأن جزيرة سقطرى اليمنية، كانت وببساطة ومنذ عقود، قاعدة عسكرية متقدمة للاتحاد السوفيتي، والتي لم يتركها حتي انهيار الاتحاد السوفيتي وقيام الوحدة اليمنية في تسعينيات القرن الماضي.

واليوم كل شيء يشي بأن موسكو تريد إنشاء موطئ قدمٍ لها في البحر الأحمر، إن لم يكن عبر بوابة جزيرة سقطرى اليمنية، والتي تخضع اليوم للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا باليمن، ولا سلطة للحوثيين فيها، فربما عبر قاعدة عسكرية روسية على أي ساحل آخر في اليمن، والذي تستحوذ جماعة الحوثيين المدعومة إيرانيًّا على حصة منه لا بأس بها. (راصد اليمن).

حيث إن الساحل اليمني، بات لاعبًا رئيسًا في معادلة البحر الأحمر، منذ أن صب الحوثيون من نيران صواريخهم، وطائراتهم المسيرة، على سفن وناقلات في البحر الأحمر وأثبتوا للجميع، قدرتهم على التأثير في حركة التجارة العالمية، في محاولة يقول الحوثيون: “إنها تستهدف إجبار المجتمع الدولي ليضغط على إسرائيل لوقف الحرب على قطاع غزة”.

دخول روسيا على خط الأزمة اليمنية:

ومنذ بدء قصف بوارج وطائرات وصواريخ الأمريكيين وحلفائهم البريطانيين في اليمن ، جعل الحوثيين يتراجعون عن أفعالهم المهددة للاقتصاد العالمي كما يقول الأمريكيون، وتصاعد الحديث إعلاميًّا خلال الفترة الماضية، عن دورٍ عسكريٍ روسيٍ أكبر يتصاعد في البحر الأحمر.

وبالطبع، فإن بوابة وصول روسيا إلى مياه البحر الأحمر، هو اليمن، ولا أدل على رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إرسال أساطيله وبوارجه وسفنه وحاملات طائراته إلى البحر الأحمر، مِن استضافة موسكو وفدًا حوثيًّا لإجراء مباحثات، وما خرج منها للإعلام يتحدث عن مناقشات لوقف حرب الكيان المحتل على قطاع غزة، ووقف قصف المدنيين الفلسطينيين بالقطاع، ووقف قصف سفن الغرب لليمن.

فيمَا يبدوا أن ما استتر من هذا اللقاء بحسب تقارير إعلامية، أكبر بكثير، مع حديث يتصاعد عن ضرورة عودة الاتحاد الروسي لمناطق نفوذه بالبحر الأحمر؛ خاصة وأن موسكو تتطلع لتأمين الظروف المناسبة، لبحث إمكانية قيامها بإنشاء قاعدة عسكرية بحرية لها على الشواطئ اليمنية. (راصد اليمن).

سعى روسي للحصول على قاعدة عسكرية باليمن:

وهو ما لا يختلف عليه اثنان، بأنه مشروع لطالما كان هدفًا إستراتيجيًّا لموسكو في إطار صراعها مع الغرب، والتي تبحث عن قاعدة لها على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والذي يربط ذلك البحر بخليج عدن.

وفي وقت يبدو أن ظروف التوتر في البحر الأحمر تهيأت لاستضافة دورًا روسيًّا، يكون حاضرًا وبطلب مباشر من الحوثيين باليمن، يقول خبراء في الشئون الروسية: “إن المهمة الروسية الراهنة في اليمن، تتأسس على قدرات واسعة تملكها موسكو للتأثير على موازين القُوَى الحالية؛ بهدف الوصول إلى موقع مطل على المياه الدولية، بحيث تفرض موسكو وجودها على البحر الأحمر في اليمن، كما تحقق لها ذلك في سوريا، من خلال قاعدتها العسكرية على البحر المتوسط.

وإذا ما استمعنا إلى ما يقوله الأميرال، فيليكس غروموف، والذي قاد الأسطول الروسي في المحيط الهندي، في الفترة بين 1982م – 1984م؛ يمكننا أن نفهم أكثر كيف تدرس موسكو وتخطط لسياساتها في منطقة البحر الأحمر؛ حيث قال غروموف: “إن روسيا كانت تستأجر مطارًا ومركز اتصالات باليمن، ولكن كل شيء انهار، حين بدأت الحرب الأهلية، أي: أن الأوضاع غير المستقرة، لا تساعد على إنشاء القاعدة العسكرية، وما علينا إلا الانتظار؛ لأن اقتراح إنشاء القاعدة، موافق عليه من كل النخبة اليمنية”. (راصد اليمن).

ورغم أن الخبير الروسي “سيرغي سيريبروف” -من معهد الدراسات الشرقية- خرج عبر وسائل الإعلام مرارًا ليقول: “إن جزيرة سقطرى هي الموقع المناسب للقاعدة العسكرية الروسية المحتملة”؛ لأن سفن الأسطول الروسي السوفيتي كانت ترسى في هذه الجزيرة، إلا أن الظرف الراهن من حيث تقاسم السيطرة في اليمن، يحتم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، القبول مبدئيًّا بأي موقع أخر على شواطئ اليمن، فمَا يهم الكرملين اليوم، هو الحصول على ضوءٍ أخضر لإنشاء قاعدة عسكرية روسية على الشواطئ اليمنية. (راصد اليمن).

إذ بات من الواضح أن الكرملين يسعى جاهدًا وراء إرث الاتحاد السوفيتي السابق في جميع أنحاء العالم ومن بينها اليمن؛ لتعزيز قوة ونفوذ الاتحاد الروسي في ظل الصراع مع الغرب؛ ولذلك لا نستبعد تقارب روسيا مع الحوثيين خلال الفترة القادمة، وهو ما يحاول الحوثيون تحقيقه.

التقارب الروسي مع الحوثيين:

وبعد أن كان اليمن قبل عام أو أكثر، ليس ضمن أولويات موسكو، بعد انشغالها بالحرب في أوكرانيا؛ إذ أبقت موسكو على علاقات جيدة مع كل أطراف الصراع في اليمن.

فكانت تارة تستضيف وفدًا من المجلس الانتقالي، وتارة أخرى تستقبل وفودًا من الحوثيين، واليوم يبدوا أن ما تحدث عنه زعيم الحوثيين “عبد الملك الحوثي” في عام 2018م، يقترب من التحقق، عندما تحدث قائلًا: “لعل نيران الأمريكي، توقظ الدب الروسي، من بياته الشتوي” (وكالة سبأ نت).

واليوم نرى كيف أيقظت صواريخ الأمريكيين والبريطانيين في البحر الأحمر، الاتحاد الروسي والذي لم يستجب قبل 3 أعوام لرسالة القيادي الحوثي “مهدي المشاط”، والذي أرسلها إلى سيد الكرملين “فلاديمير بوتين”، يناشده فيها التدخل والمساعدة من أجل حل النزاع العسكري القائم في اليمن، ولكن اليوم يبدو أن روسيا باتت جاهزة للوقوف على شريان الملاحة البحرية الأهم في العالم، وتتابع ناقلات النفط، والتي تنقل الحصة الأكبر من النفط العالمي إلى الأسواق الأوروبية والغربية عبر مضيق باب المندب، ما يعطيها القدرة على التأثير بشكل مباشر على أسعار النفط العالمية والاقتصادات الغربية.

كما ويعيد التأكيد على أن اليمن ليس طارئًا على السياسة الروسية، وبأن دعم الحوثيين ليس مستجدًا في موسكو؛ والتاريخ المعاصر، مليء بالأحداث المتنوعة عن المصالح الروسية مع الحوثيين.

الدعم السياسي الروسي للحوثيين خلال الأزمة اليمنية:

ففي إبريل من عام 2015م، عارضت موسكو، مسودة القرار الخليجي حول اليمن في مجلس الأمن الدولي، وهو قرار استهدف حينها قيادات الحوثيين والرئيس اليمني السابق “على عبد الله صالح”، ومن أجل حماية الحوثيين من العقوبات وحظر السلاح؛ لوحت موسكو حينها، باستخدام الفيتو.

وفي أغسطس من عام 2016م، أفشل فيتو روسي إصدار بيان لمجلس الأمن الدولي، يدعو وفد الحوثيين وحليفهم الرئيس اليمني الأسبق في ذلك الوقت “علي عبد الله صالح”، للتعاون مع المبعوث الدولي السابق لليمن “إسماعيل ولد الشيخ أحمد”.

وتدخل مجلس الأمن الدولي حينها، لفرض مقترح اتفاق سلام باليمن، كما وطالبت روسيا، بفرض حظرٍ للسلاح على جميع الأطراف، ويشمل ذلك الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، قبل أن يُمرر القرار لاحقًا في مجلس الأمن الدولي.

وفي مارس من العام 2021م، تحدثت تقارير إعلامية عن أن روسيا اعترضت على إصدار بيان لمجلس الأمن الدولي، يدعوا إلى وقف هجوم الحوثيين على محافظة مأرب اليمنية الغنية بالغاز. (الجزيرة).

تمسك موسكو بعلاقاتها مع الحكومة الشرعية اليمنية:

وبالطبع لأن “فلاديمير بوتين”، يعرف كيف يمسك العصا من المنتصف، فإنه وبالتوازي مع هذه المواقف، والتي بدت أنها في صالح الحوثيين، حرصت موسكو على اتصالها المستمر مع الحكومة اليمنية عبر السفير “فلاديمير ديدوشكين”، والذي تنقَّل بين عدن والرياض خلال الأعوام الأولى للحرب، والقائم بأعمال السِّفَارة الروسية باليمن “يفغيني كودروف”.

حتى إنه في مارس من عام 2019م، ويناير من عام 2021م، أجرى رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء “عيدروس قاسم عبد العزيز”، زيارتين لموسكو بدعوه رسمية. (موقع نبض).

ورغم المواقف الروسية المبكرة، والتي منعت خطوات دولية كبرى ضد الحوثيين؛ إلا أن موسكو لم تتدخل بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ لدعم الحوثيين ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، واليوم يبدو أن موسكو باتت جاهزة لتحصد ثمار سياساتها في الأزمة اليمنية، وتأخذ بالتحالف مع أحد أطراف الصراع خدمة لمصالحها؛ خاصة بعد المصالحة الأخيرة بين العدوين اللدودين بالشرق الأوسط، إيران والسعودية برعاية الصين، وهو ما يبدي من انعكاسات الأدوار المتصاعدة للمعسكر الشرقي الجديد، والذي تتزعمه بكين وموسكو، على الملفات الصغيرة والكبيرة معًا، في ظل ما يبدوا أنه توجه متسارع نحو عالم متعدد الأقطاب، بعد عقودٍ من انهيار الاتحاد السوفيتي والعالم الاشتراكي، وهيمنه الولايات المتحدة.

وفي وقتٍ يشهد العالم ثلاث جبهات حربٍ مشتعلة بين روسيا وأوكرانيا، وإسرائيل والمقاومة الفلسطينية وتحالفًا دوليًّا، تبرز فيه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضد الحوثيين باليمن.

المكاسب التي من الممكن أن تحققها موسكو حال دعمها للحوثيين:

فإن روسيا بصدد الاطلاع بدور أكبر في اليمن فهي اللاعب الرئيس بالطبع في حرب أوكرانيا، وهي بين أكبر الداعمين سياسيًّا للفلسطينيين في قطاع غزة، ما يعني بالضرورة حضورها بشكل أكبر في حرب البحر الأحمر أيضًا، ومن أجل هذا لا بد من بناء تحالفات وفتح قنوات اتصالات، واستباق التطورات.

فرغم أن حرب البحر الأحمر لم تتخذ شكلها النهائي بعد؛ إلا أن موسكو تعلم أن عليها أن تكون قريبة من أي منطقة ساخنة في الصراعات السياسية والمسلحة مثل اليمن، وأن تتواجد هناك لبناء نفوذٍ لها في البحر الأحمر.

وبالنظر إلى كل هذا، فلا يمكن فصل أي تحركٍ روسيٍ باليمن عن أجندة موسكو المرتبطة بصراعها مع الغرب وأرواق النفوذ والعلاقات مع كلٍ من: إيران والسعودية والإمارات، وغيرها، كأطراف إقليمية فاعلة عن المصالح الروسية، في صراعٍ مثل صراع اليمن.

وهو الكفيل بتحقيق رد روسي على الدعم الغربي لأوكرانيا، وتخفيف الضغط عن جبهة الصراع في أوكرانيا عبر لعب موسكو دورًا في بؤر توترات أخرى في العالم مثل البحر الأحمر.

تاريخ العلاقات اليمنية الروسية:

وإذا أمعنا النظر أكثر فيمَا يقوله التاريخ المعاصر عن العلاقات التي جمعت روسيا واليمن، يمكننا أن نعود إلى معاهدة الصداقة والتعاون بين الاتحاد السوفيتي واليمن، وهي معاهدة تجارية بين الاتحاد السوفيتي والمملكة المتوكلية اليمنية، وقُعت عام 1928م، وذلك في مدينة صنعاء عاصمة المملكة المتوكلية اليمنية، واعترف بموجبها الاتحاد السوفيتي آنذاك، باستقلال اليمن الشمالي الكامل والمطلق، ونُظمت التجارة بين البلدين. (شبكة الأمة برس).

وفي 30 من نوفمبر 1967م، ففي صفحات التاريخ، ما يخبرنا أنه عندما غادر البريطانيون عدن وأصبحت الدولة الجديدة تسمى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية؛ فإن هذه الدولة باتت الحليف الأقرب للاتحاد السوفيتي في العالم العربي؛ خاصة بعد أن استولى الجناح اليساري من الجبهة القومية على السلطة في 22 من يونيو من عام 1969م.

وفي عام 1970م، تغير اسم الدولة إلى جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، وانقطعت العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وأصبحت العلاقات محصورة مع دول المعسكر الاشتراكي؛ خاصة الاتحاد السوفيتي، ليصبح اليمن الجنوبي أحد رؤوس حراب موسكو في حربها الباردة مع الغرب في منطقة الشرق الأوسط، وبالطبع لم ينهر هذا اليمن الجنوبي ويتحد مع الشمالي، حتي بدأت إرهاصات انهيار الاتحاد السوفيتي. (شبكة الأمة برس).

ولفهم طبيعة العلاقات العسكرية، والمصالح السياسية، التي تجمع اليمن وروسيا، قبل الوحدة اليمنية وبعدها؛ يمكننا أن نبدأ من قاعدة العند الجوية؛ التي أسسها السوفييت في ثمانينات القرن الماضي، وهي أكبر قاعدة جوية عسكرية باليمن، وتقع في العند بمحافظة لحج الجنوبية على بعد 60 كيلومترًا شمال عدن.

وبعد الوحدة اليمنية، وتحديدًا في نوفمبر من العام 1997م، اجتمع نادي باريس لبحث إعادة جدولة الديون الخارجية لليمن، ووُقعت خلاله، وثيقة حول إضفاء الديون اليمنية إلى الاتحاد الروسي، وفق شروطٍ تسهيلية بالنسبة إلى صنعاء، وبموجب الاتفاقية الحكومية الروسية اليمنية الموقعة في ديسمبر عام 1999م بموسكو؛ تم شطب حوالى 80% من ديون اليمن، البالغة 6.4 مليار دولار، وبعدها تحول اليمن إلى زبون دائمًا لموسكو لشراء مختلف أنواع الأسلحة الروسية. (شبكة الأمة برس).

حيث أنفقت صنعاء من عام 1998م، وحتى قبل انهيار حكم الرئيس اليمني الأسبق “على عبد الله صالح”، حوالي 2 مليار دولار لشراء الأسلحة الروسية، ما جعل ترسانة الأسلحة اليمنية بنصفها تقريبًا، من الأصناف الروسية المختلفة؛ وهي أسلحة لا يزال الحوثيون يستخدمون الكثير منها حتى اليوم.

إذ زودت موسكو عبر أعوامٍ اليمن، بمقاتلات حربية متطورة من طراز (ميغ 29) والمروحيات (مي 17) والعربات القتالية للمشاة (بي أم بي 2)، إضافة إلى طرازات متنوعة من المدرعات والصواريخ بالمدى القصير والمتوسط والبعيد، إضافة إلى الآلاف من قطع الأسلحة الفردية، مثل الكلاشينكوف وغيرها، من المُعِدَّات العسكرية. (شبكة الأمة برس).

محاولات الحوثيين التقارب من موسكو:

واليوم وبعد زيارة الحوثيين لروسيا، ولقائهم ممثل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، في وزارة الخارجية الروسية، أنتشر الحديث إعلاميًّا عن مباحثات جرت حول عودة الدب الروسي إلى البحر الأحمر، من بوابة قاعدة عسكرية روسية باليمن، واحتمالية الاعتراف الروسي بسلطة الحوثيين في اليمن. (عدن الغد).

وفي ظل اعتراف موسكو، بالحكومة الشرعية باليمن حتى اللحظة؛ إلا أن البراغماتية السياسية لموسكو، واعتناقها دائمًا لمبدأ المصالح، قد يجعلها تفكر ماليًا في طريقة توصلها للبحر الأحمر عبر اليمن، سواءً عبر الاعتراف بسلطة الحوثيين، أو حتى عبر قاعدة عسكرية تُصعد من صراع البحر الأحمر مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ومحاولتهم التفرد بالبحر الأحمر.

وحول التوجه الحوثي مرة أخرى إلى روسيا في هذا التوقيت تحديدًا، والذي تشهد فيه جماعة الحوثيين باليمن، تحالفًا بريطانيًا أمريكيًا؛ قال المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية “محمد عبد السلام”، في تصريحات له نشرتها وسائل إعلام متعددة.

“أن هناك تغيرات حقيقية في الموقف الروسي، وإدراك أن اليمن يستطيع أن يكون مؤثرًا استراتيجيًا”، مضيفًا أنه ناقش خلال اجتماعه مع “ميخائيل بوغدانوف”، الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية إلى الشرق الأوسط وبلدان إفريقيا نائب وزير الخارجية، أبرز التطورات السياسية والعسكرية الواقعة بالساحة اليمنية. (مركز رع للدراسات الإستراتيجية).

أثر التقارب الروسي مع الحوثيين على الأمن القومي العربي:

تلعب روسيا دورًا بارزًا ومهمًّا في العديد من القضايا العربية، في سوريا وليبيا وفلسطين، وغيرها؛ بعضها أدوار سياسية، وأخرى اقتصادية وعسكرية؛ إضافة إلى شراكات مختلفة مع كلٍ من: مصر والإمارات والسعودية، والجزائر، وغيرها من البلدان العربية الكبرى.

وترسم موسكو سياساتها الخارجية، من منطلق البراغماتية الروسية، والبحث عن المصالح، وتأسيس تحالفات ومناطق نفوذ بمناطق جغرافية مختلفة من العالم، كشرق آسيا، وأمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وغيرها.

ولذلك فإن تغير السياسة الخارجية الروسية اتجاه الأزمة اليمنية، واحتمالية اعتراف موسكو بسلطة الحوثيين، وإنشاء قاعدة عسكرية روسية على الشواطئ اليمنية؛ سيُعد مدخلًا، لتعزيز العلاقات الروسية الإيرانية، واحتمالية التقارب أكثر بين موسكو وطهران، وأذرع إيران المختلفة بالمنطقة؛ لتأسيس منطقة نفوذ روسي، وشبكه تحالفات في العالم العربي، تشمل روسيا وإيران وحزب الله، وغيرها من التنظيمات المسلحة.

وهو ما سيشكل تعزيزًا لقوة إيران وأذرعها، وتهديدًا للأمن القومي العربي؛ إذ لا تخفى إيران أطماعها التوسعية الاستعمارية بالأراضي العربية، ورغبتها بزعزعة استقرار المزيد من الدول العربية، كالبحرين والسعودية، وغيرها.

ولذلك على الدول العربية، مراقبة سياسية إيران الخارجية وأذرعها المختلفة بالمنطقة، وقطع الطريق أمام طِهران، لإفشال أي مخططات إيرانية، تستهدف الأمن القومي العربي؛ إذ يمثل إنشاء قاعدة عسكرية روسية بالبحر الأحمر، والاعتراف بسلطة الحوثيين، تعقيد الوضع الأمني أكثر وأكثر بالبحر الأحمر، في ظل تواجد عسكري لبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما قد يحول البحر الأحمر، الذي يعد بحيرة عربية لوقوعه وسط العالم العربي إلى ساحة صراع عالمي بين قُوَى كبرى متصارعة.

الاستنتاجات:

في ظل الحرب الروسية الأوكرانية والصراع الواسع بين الاتحاد الروسي والغرب، ومحاولات الغرب، الحد من نفوذ الاتحاد الروسي عالميًّا؛ تارَة عبر فرض حِزم مختلفة من العقوبات الاقتصادية، والتي استهدفت جميع قطاعات الاقتصاد الروسي، وتارة أخرى عبر الحد من علاقات روسيا الخارجية، عبر رفع دعوة قضائية ضد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، بمحكمة العدل الدولية؛ ولذلك أرى أن الاتحاد الروسي، يحاول جاهدًا كسر حاجز العقوبات والضغوطات الغربية، عبر توسيع علاقاته الخارجية، ومحاولة الإضرار بمصالح الولايات المتحدة بالبحر الأحمر وغيرها، لتخفيف الضغط عن جبهه أوكرانيا.

ولذلك تستغل جماعة الحوثيين باليمن الأزمات الروسية المختلفة، من عقوبات وحرب في أوكرانيا وغيرها؛ للحصول على اعتراف روسي بسلطتهم باليمن، وإقامة علاقات سياسية مع موسكو، وجذب الاتحاد الروسي إلى معسكرهم، للإضرار بالمصالح الغربية، ومعها المصالح العربية؛ إذ أن تعزيز العلاقات بين روسيا وإيران وأذرعها المختلفة، سواء باليمن وغيرها سيكون له تداعيات خطيرة على الأمن القومي العربي.

ولذلك أرى أن على الدول العربية، إفشال المساعي الحوثية للتقارب من موسكو، والحصول على اعتراف بسلطتهم الانقلابية باليمن، وذلك عبر تعزيز العلاقات العربية الروسية، والتي بدأت منذ النصف الأول من القرن الماضي، وازدهرت عقب الحرب العالمية الثانية، وتوسعت لتشمل العديد من القطاعات المختلفة في الدول العربية والاتحاد السوفيتي السابق، وروسيا حاليًا؛ إذ يجمع الاتحاد الروسي والدول العربية العديد من الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية والتجارية، وغيرها، ما سيجعل روسيا تعيد حساباتها من جديد حول تقاربها مع الحوثيين وغيرهم، من الأذرع الإيرانية في المنطقة؛ إذ أن للاتحاد الروسي العديد من المصالح المشتركة مع الدول العربية، في قطاعات مختلفة، كالطاقة والزراعة والنقل والتكنولوجيا، وغيرها، وزيادة التقارب، وتعزيز العلاقات العربية الروسية أكثر سيجعل موسكو تتمسك بمصالحها مع الدول العربية، ما سيفشل المخطط الحوثي للحصول على اعترافٍ رسميٍ من موسكو بسلطتهم في اليمن.

الخلاصة:

– على الرغم من انتهاج روسيا لسياسة محايدة خلال سنوات الصراع في اليمن، وحفاظ موسكو على علاقاتها السياسية مع الإمارات والسعودية، والدول العربية؛ إلا أنه في الفترة الأخيرة، بدا أن الموقف الروسي تجاه اليمن يتغير؛ إذ وفي ظل الصراع الجاري بين روسيا والغرب، تحاول موسكو البحث عن مناطق نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق، العسكرية والاقتصادية في العالم، بما في ذلك اليمن؛ لتعزيز مكانتها الدولية.

– مع تصاعد حدة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، والقصف الأمريكي والبريطاني ضد الحوثيين باليمن، وعرقلة الحوثيين للمصالح الغربية، ومعها العربية في البحر الأحمر؛ تحاول موسكو الدخول إلى المشهد، ولعب دور مختلف هذه المرة في صراع البحر الأحمر، إذ تفيد تقارير إعلامية عن تقارب روسيا مع الحوثيين باليمن، ومحاولات موسكو الحصول على قاعدة عسكرية على الساحل اليمني.

– كان للاتحاد السوفيتي السابق، قاعدة عسكرية بجزيرة سقطرى اليمنية خلال الحرب الباردة، إضافة إلى العديد من المصالح والشراكات المختلفة مع اليمن الجنوبي سابقًا، ومع تفكك الاتحاد السوفيتي، والوحدة اليمنية، خلال تسعينيات القرن الماضي؛ فقدت موسكو مناطق نفوذها المختلفة في جميع أنحاء العالم، ومن بينها اليمن؛ ولذلك ومع زيارة وفدٍ من الحوثيين إلى موسكو، ومحاولات الحوثيين التقارب مع روسيا، بدأت الأنباء تتصاعد نقلًا عن عسكريين روس سابقين، عن محاولات موسكو العودة إلى البحر الأحمر من جديد، عبر قاعدة عسكرية لها في اليمن، والاعتراف بسلطه الحوثيين وإقامة علاقات سياسية معهم، في محاولة روسية لكسر حاجز العقوبات، والعزلة المفروض عليها من قبل الغرب، منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما تحاول مليشيات الحوثي استغلاله لمصلحتها.

المصادر:

راصد اليمن.

وكالة سبأ نت.

الجزيرة.

موقع نبض.

شبكة الأمة برس.

عدن الغد.

مركز رع للدراسات الإستراتيجية.

الأيام.

سبوتنيك عربي.

التعليقات مغلقة.