fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

نتائج الانتخابات الرئاسية في تايوان بين الخطر الصيني والمصلحة الأمريكية

80

نتائج الانتخابات الرئاسية في تايوان بين الخطر الصيني والمصلحة الأمريكية

لطالما شكلت تايوان نقطة خلاف حادة بين واشنطن وبكين؛ فالصين ترى دعم الولايات المتحدة للسياسيين المؤيدين لاستقلال تايوان عنها؛ تهديدًا لأمنها القومي، حيث تؤكد الصين أن جزيرة تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، في حين تقول الولايات المتحدة: إنها لا تدعم استقلال الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي عن بكين، وإنما تعمل الولايات المتحدة على الحفاظ على الأمن والاستقرار في مضيق تايوان، والحل السلمي عبر المفاوضات لأي خلافات عالقة، بعيدًا عن الضغوطات وأي أعمال عدائية.

وفي الآونة الأخيرة، أسفرت الانتخابات الرئاسية في جزيرة تايوان، والتي جرت في يناير الماضي 2024م، عن فوز مرشح الحزب الديموقراطي التقدمي “لاي تشين”، برئاسة تايوان لأربع سنوات قادمة، والذي تعتبره بكين خطرًا جسيمًا لمواقفة المؤيدة لاستقلال جزيرة تايوان عن بكين.

فمَا جذور الخلافات بين جزيرة تايوان والصين؟ وما أسباب الدعم الأمريكي لتايوان؟ وهل تتجه الأمور بين الصين وتايوان والولايات المتحدة إلى التصعيد بعد فوز لاي تيشن؟

يركز موقع “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير عبر تحليلاته، على بعض النقاط المهمة حول نتائج الانتخابات الرئاسية في تايوان وتأثيرها على الصراع بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان، في هذه السطور الآتية.

جذور الخلاف بين تايوان والصين:

عقب الإطاحة بالنظام الإمبراطوري الصيني في ثورة شينهاي العام 1912م، تأسست جمهورية الصين، التي كانت تشمل حدودها السياسية جميع أراضي البر الرئيس للصين؛ إضافة إلى جزيرة تايوان.

وعقب الحرب العالمية الثانية وتحديدًا العام 1946م، وضعت الحرب الأهلية الصينية أوزارها بين الحزب الشيوعي الصيني والجيش الأحمر الصيني بقيادة ماو تسي تونغ من جهة، وبين حزب الكومينتانغ بقيادة شيانج كاي شيك من جهة أخرى، وفرت الأخيرة إلى جزيرة تايوان العام 1949م.

وأخذ حزب الكومينتانغ الصيني بتطوير وتحديث الجزيرة إلى أن أصبحت قوة آسيوية اقتصادية، واستمر الحزب الحاكم في تايوان والحكومات المتعاقبة بتلقي المساعدات والدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وشهدت العِلاقة بين تايوان والصين العديد من الأزمات والصدامات، ووصلت حد اقترابها من المواجهة العسكرية المباشرة في أزمة مضيق تايوان الأولى والثانية. (بي بي سي عربية)

وأخذت الخلافات الصينية التايوانية تتصاعد تارَة، وتهدأ تارَة أخرى؛ خاصة بعد أن حلت جمهورية الصين الشعبية محل جمهورية الصين (تايوان) بالجمعية العامة للأمم المتحدة كممثل عن الشعب الصيني العام 1971م وبدعم أمريكي، وذلك جزء من إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في فترة السبعينيات، بإبعاد جمهورية الصين الشعبية عن الاتحاد السوفيتي.

واليوم تسعى الصين إلى استعادة السيطرة السياسة الكاملة على جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي، وتتهم الولايات المتحدة بدعم الجناح الساعي لاستقلال تايوان التام عن جمهورية الصين الشعبية، وتعتبر بكين ذلك الدعم تهديدًا لأمنها القومي، في حين ترفض الولايات المتحدة الأمريكية أي أعمال عسكرية أو ضغوطات تستهدف حليفتها تايوان، مؤكدة واشنطن أنها ستدعم تايوان بكل السُبل الممكنة حال تعرضها لأي عمل عسكري من قبل الصين.

الولايات المتحدة وقضية تايوان:

ترتبط العلاقات الأمريكية التايوانية ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات مع الصين، حيث ترى الصين؛ أن أي تطور للعلاقات الأمريكية مع تايوان يمثِّل تهديدًا صريحًا لها، وعلى الرغم من ذلك شهدت العلاقات الأمريكية التايوانية تطورًا سريعًا خلال العقدين الأخيرين، حيثُ وقعت واشنطن العديد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الرسمية مع تايبيه، كان آخرها في سبتمبر 2023م، وسط استياء الصين؛ وهو ما يظهر زيادة اهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال العقدين الأخيرين بتعزيز العلاقات مع تايوان. (العربية).

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد قطعت علاقاتها الرسمية مع تايوان العام 1978م، وأعلنت اعترافها بأن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الممثل الشرعي الوحيد عن الشعب الصيني؛ إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد حافظت على علاقات غير رسمية مع تايوان.

وفي العام 1979م أصدر الكونغرس الأمريكي ما سمي بقانون العلاقات مع تايوان، الذي عدَّ حجر الزاوية في رسم طبيعة العلاقات التي تجمع بين واشنطن وتايبيه، وتتعهد الولايات المتحدة الأمريكية بموجب هذا القانون، بأن تدعم تايوان في جميع المجالات، لا سيما الدفاعية؛ لتحقيق القدرة الكافية للدفاع عن نفسها في حال تعرض تايوان لأي هجوم.

وعلى عكس الاتفاقيات التي أُبرمت بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، والتي تنص على أن تتعهد الولايات المتحدة الأمريكية بالدفاع عن كوريا الجنوبية واليابان حال تعرضهم لأي عمل عسكري، لم تنص أي من الاتفاقيات التي أبرمت بين تايوان والولايات المتحدة، على تعهد الأخيرة بالدفاع عن تايوان إذا تعرضت لأي هجوم عسكري من قبل الصين. (مركز السلام للدراسات الإستراتيجية).

وإنما تتسم جميع الاتفاقيات والسياسة الأمريكية عمومًا مع تايوان بـ”الغموض الإستراتيجي” حول ما إذا كانت ستدافع عن تايوان إذا ما أقدمت الصين على استخدام القوة العسكرية ضد تايوان.

وبعيدًا عن المجال العسكري والدفاعي؛ أصبحت الولايات المتحدة وتايوان تجمعهما العديد من الشراكات في مجالات متعددة: كالتجارة والاستثمار، والصحة، وأشباه الموصلات، والصناعات التكنولوجية، وغيرها.

وتأمل تايوان في تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة عبر الإطار الاقتصادي للمحيطين: الهندي والهادئ، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي “بايدن” في قمة شرق آسيا 2021م، الذي ضم 12 دولة بهدف تعميق العلاقات الاقتصادية بين الأطراف المشاركة، والحد من النفوذ المتزايد للصين بمنطقة شرق آسيا.

أسباب اهتمام الولايات المتحدة بتايوان:

أدى صعود الصين كقوة كبرى على الساحة الدولية مع نهاية الحرب الباردة في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي إلى مراجعة الولايات المتحدة لسياساتها في شرق آسيا وطبيعة علاقاتها مع الدول المحيطة بالصين، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحد من نفوذ الصين الصاعد بشكل كبير في منطقة المحيطين: الهندي والهادي، عبر تعزيز علاقاتها مع دول شرق آسيا: كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، اقتصاديًّا وعسكريًّا.

وتأتي تايوان ضمن الإستراتيجية الأمريكية في شرق آسيا، وعلى الرغم من بُعد المسافة الجغرافية بين الولايات المتحدة وجزيرة تايوان؛ إلا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة ترى بأن نجاح الصين في ضم جزيرة تايوان سيضع مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية على المحك في منطقة شرق آسيا.

إذ تقع تايوان في نقطة حرجة ضمن سلسلة جزر، رسخت الولايات المتحدة لدعائم وجودها طويل الأمد فيها، بدءًا من اليابان مرورًا بالفلبين، وحتى بحر الصين الجنوبي، وسيعني خروج منطقة مضيق تايوان والجزر المحيطة بها من دائرة النفوذ الأمريكي، تراجع دور الولايات المتحدة لصالح الصين القوى الصاعدة الجديدة، وهو ما يعني تحول في ميزان القوى العالمية.

وإلى جانب السياسة، حققت تايوان نجاحات اقتصادية عدة في مجالات صاعدة، كأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية والصناعات الحديثة، ونجحت تايوان أيضًا في جذب العديد من رؤوس الأموال الغربية، وعلى الرغم من الضغوط الصينية المتزايدة؛ إلا أن اقتصاد تايوان يحقق نموًّا لا بأس به خلال الفترة الأخيرة.

ما الذي كشفت عنه نتائج الانتخابات الرئاسية في تايوان؟

فاز مرشح الحزب الديموقراطي التقدمي التايواني “لاي تشين تي”، في الانتخابات الرئاسية التايوانية هذا العام 2024م؛ وسيتولى رئاسة تايوان بدءًا من 20 مايو 2024م، حتى عام 2028م، وسبق وأن وصفت بكين الانتخابات الرئاسية في تايوان “بأنها خيار ما بين الحرب والسلام”، بعد أن أشارت الصين مرارًا بأن مرشح الحزب الديموقراطي التقدمي “لاي تشين تي” يتخذ مسار التصادم المتواصل مع بكين. (إندبندنت عربية).

وفي الانتخابات الرئاسية التايوانية التي جرت لدورة واحدة، تنافس 3 مرشحين وهم “لاي تشين تي”، الذي يتولى حاليًا منصب نائب رئيسة تايوان، وينتمي مثلها إلى الحزب التقدمي الديمقراطي المؤيد للاستقلال، و”هو يو-إيه”، مرشح حزب كومينتانج الذي يُعتبر أقرب إلى بكين، ورئيس حزب الشعب التايواني الصغير “كو وين-جي”. (إندبندنت عربية).

ونتيجة لاهتمام المجتمع الدولي بالقضة التايوانية والصراع ما بين تايبيه وبكين، سلطت وسائل الإعلام العالمية الضوء على الانتخابات الرئاسية التايوانية، والتي عكست استمرار التأييد الشعبي للحزب الديمقراطي في تايوان؛ حيث يظهر انتخاب “لاي تيشن” لمنصب الرئيس الذي تولى سابقًا لولايتين منصب نائب الرئيسة إلى استمرار تصاعد شعبية الحزب الديمقراطي التقدمي في تايوان، وهو ما يظهر ميل الناخبين التايوانيين للحزب الذي يميل للمواقف المؤيدة نحو استقلال تايوان عن الصين.

ويُعد الحزب الديمقراطي التقدمي أول حزب سياسي في تايوان يفوز بثلاث فترات متتالية، منذ أن بدأ شعب جزيرة تايوان في انتخاب رئيسهم بشكل مباشر في عام 1996م، وحصل مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي “لاي تشين” على 40% من أصوات الناخبين، يليه “هو يو-إيه” من حزب الكومينتانج المعارض بنسبة 33.5%، و”كو وين-جي”، من حزب الشعب التايواني الجديد بنسبة 26.5%. (مركز السلام للدراسات الإستراتيجية).

وإلى جانب ما أظهرته انتخابات الرئاسة في تايوان، من استمرار التأييد الشعبي للحزب الديمقراطي التقدمي؛ أظهرت أيضًا تراجع تأثير الخطاب العدائي الصيني، فقبل أشهر من انتخابات الرئاسة التايوانية، كانت العديد من التحذيرات تصدر عن الصين، بشأن استمرار بقاء الحزب الديمقراطي التقدمي على رأس السلطة في تايوان، باعتبار أن وصول “لاي تشين” إلى منصب الرئيس، سيؤدي إلى مزيد من الصراع غير المحكوم مع بكين.

ويبدو أن هذه التحذيرات الصينية لم يكن لها تأثير كبير على توجهات الناخبين التايوانيين، وهذا ما أكده “لاي تشين” بعد الإعلان عن فوزة بالانتخابات الرئاسية عندما صرح قائلًا: “إن نتائج الانتخابات الرئاسية كانت بمثابة انتصار لمجتمع الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم”، وأضاف: “إن الناخبين قاوموا بنجاح جهود قُوَى خارجية للتأثير على الانتخابات”، في إشارة إلى جهود الصين للإطاحة بالحزب الديموقراطي التقدمي الحاكم.

وعلى الرغم من الشعبية الصاعدة والمكاسب التي حققها الحزب الديمقراطي التقدمي في الانتخابات الرئاسية؛ إلا أن هذه المكاسب لم تكن على نفس المستوى في الانتخابات البرلمانية؛ إذ حصل الحزب الديمقراطي التقدمي على 51 مقعدًا بالبرلمان، ما يجعله أقل من 57 مَقْعَدًا من المقاعد المطلوبة للحصول على الأغلبية في الهيئة البرلمانية التايوانية المكونة من 113 مقعدًا؛ في حين تمكن حزب الكومينتانج من الحصول على 52 مقعدًا، وفاز حزب الشراكة عبر المحيط الهادئ بثمانية مقاعد، وفاز المستقلون المتحالفون مع حزب الكومينتانج بمقعدين آخرين. (سكاي نيوز عربية).

موقف بكين من الانتخابات التايوانية ومحاولات التأثير على نتائجها:

علقت الحكومة الصينية على الانتخابات الرئاسية في تايوان بالقول: “إن بكين ترفض أي نشاط انفصالي يستهدف استقلال جزيرة تايوان عنها”، ومؤكدة عدم قبولها لأي تدخل خارجي في قضية تايوان، وترى الصين أن فوز “لاي تشين” لن يؤثر على الشكل الأساسي للعلاقات عبر منطقة مضيق تايوان، وقال “تشن بين هوا”، المتحدث باسم مكتب شئون تايوان في مجلس الدولة الصيني: إن نتائج الانتخابات تُظهر عدم قدرة الحزب الديمقراطي التقدمي على تمثيل الرأي العام في الجزيرة.

ومن جهة أخرى: أعلنت الخارجية الصينية على لسان “هوا تشون ينغ”، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية بعد الانتخابات التايوانية، أن قضية تايوان تعتبر قضية داخلية للصين بغض النظر عن التطورات السياسية الجارية في الجزيرة، وأضافت: إن الحكومة الصينية تلتزم بمبدأ “الصين الواحدة” وتعارض أي محاولة للاستقلال أو أي توجهات انفصالية.

بالإضافة إلى ذلك: وجهت وزارة الخارجية الصينية رسالة للمجتمع الدولي من خلال المتحدث الرسمي، حيث أكدت على أنها تعتقد أن المجتمع الدولي سيظل ملتزمًا بمبدأ “الصين الواحدة”، كما شددت على التفهم والدعم للقضية العادلة للشعب الصيني في معارضته لأي أنشطة انفصالية تهدف إلى “استقلال تايوان” والسعي لإعادة التوحيد الوطني السلمي للصين.

وفي سياق آخر حاولت بكين التأثير على الانتخابات الرئاسية في تايوان من خلال دعمها لرحلات القادة التايوانيين إلى الصين، بهدف تأثيرهم لصالح المرشحين المؤيدين لمواقف بكين، كما قامت بتلاعب إعلامي لتحويل انتباه الشعب التايواني عن “الحزب الديمقراطي التقدمي”. (مركز رع للدراسات الإستراتيجية).

كما سعت بكين إلى إثارة قلق التايوانيين بشأن إمكانية تعليقها أو إلغاء التزاماتها لاتفاقية التجارة الخارجية مع تايوان في حالة عدم رضاها عن نتائج الانتخابات؛ وذلك بعد قرارها تعليق تخفيضات الرسوم الجمركية على اثني عشر منتجًا تايوانيًّا، واتهامها لتايبيه بانتهاك أحكام الاتفاقية من خلال فرض حواجز تجارية على السلع الصينية.

إضافة إلى ذلك: قامت بكين بإرسال سفن حربية وطائرات إلى مضيق تايوان وأجرت العديد من المناورات العسكرية حول مضيق تايوان، ومنذ بداية يناير 2024م، ظهرت البالونات الصينية في سماء الجزيرة يوميًّا، مما يشير إلى تكثيف مراقبة الصين للوضع في المنطقة.

ومع فوز “لاي تشين” قد تشهد الفترة المقبلة تصعيدًا في المناورات العسكرية الجوية والبحرية من قبل الصين حول الجزيرة، إلى جانب محاولات لشن هجمات إلكترونية ومقاطعة للبضائع التايوانية كجزء من ضغوطات بكين على الجزيرة.

إدارة العلاقات بين تايوان والصين:

خلال الحملة الانتخابية أشار “لاي تشين” إلى أنه يخطط للحفاظ على الوضع الراهن في العلاقات مع بكين وسيتجنب الصدام معها، ولن يعلن رسميًّا استقلال تايوان، لكنه سيرفض بشكل قاطع أي مطالبات من بكين للسيطرة على الجزيرة.

وعقب فوزه بالانتخابات، أعلن “لاي” في مؤتمر صحفي عزم السلطات التايوانية على توفير الحماية من التهديدات المُستمرة من قبل الصين، في السياق ذاته أكد استعداده للتفاوض مع بكين على أساس من “الكرامة والتكافؤ”.

كما أعرب لأنصاره عن تحمله مسؤولية كبيرة في الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان، كما دعا بكين إلى الاعتراف بما أسماه: “الوضع الجديد” في تايوان، وربط بين السلام والاستقرار في العالم بالسلام والاستقرار في مضيق تايوان.

من المتوقع أن يُدير “لاي” علاقات تايوان الخارجية خاصة مع الصين “بحساسية شديدة”، تجنبًا لأي صدام مع بكين؛ فضلًا عن محاولة التوصل لحل سلمي يُرضي بكين دون المساس بسيادة تايوان، مع تعزيز علاقات تايوان مع القوى الكبرى والإقليمية في منطقة شرق آسيا مثل الولايات المتحدة الأمريكية والهند واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا لتعزيز مكانتها في المنطقة.

هل تتجه الأمور بين تايبيه وواشنطن من جهة وبكين من جهة أخرى نحو الصدام؟

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إشعال حربٍ بين الصين وتايوان، لفصل الاقتصاد الصيني عن اقتصادات الدول الغربية، وتعطيل إستراتيجيات بكين طويلة الأمد، للحد من نفوذها الصاعد بشكل كبير.

وتُعد نظرية دينج شياو بينج محرك السياسة الصينية، التي تدعو إلى التكيف مع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة بالصين؛ وقد لعبت نظرية دينج شياو بينج دورًا مهمًّا في اقتصاد وسياسة الصين منذ السبعينيات وحتى الآن؛ حيث أكد “دينج” على أهمية انفتاح الصين على العالم الخارجي سياسيًّا واقتصاديًّا، وتطبيق مبدأ الدولة الواحدة ونظامين مختلفين في التعامل مع قضايا صينية عدة كهونغ كونغ وتايوان، والدعوة إلى البراغماتية أو الواقعية السياسية والاقتصادية في حل القضايا والخلافات العالقة مع الغرب. (شبكة الصين).

وتسير الصين بخطى ثابتة نحو ما يسميه بعض المراقبين: “إستراتيجية الصين الكبرى”؛ إذ تسعى جمهورية الصين الشعبية إلى تصدر دول العالم اقتصاديًّا وعسكريًّا وتكنولوجيًّا، لتصبح بديلًا عن الولايات المتحدة خلال العقدين القادمين. (الخنادق).

إضافة إلى ذلك: فإن طبيعة الاقتصاد العالمي المعاصر معقدة للغاية؛ إذ تجمع كلًا من: الصين وتايوان والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، العديد من الشراكات التجارية والاتفاقيات الاقتصادية التي تتجاوز مئات المليارات من الدولارات، وتسعى الصين إلى الريادة في مجال صناعة أشباه الموصلات.

هذه العوامل مجتمعة، ستجعل الصين تتعامل مع قضية تايوان ومحاولات واشنطن إشعال صراع في شرق آسيا ببراغماتية سياسية، وذلك تجنبًا لأي صراع مع واشنطن تمهيدًا لريادة بكين عالميًّا فيمَا بعد.

الخلاصة:

– لطالما شكلت جزيرة تايوان نقطة ساخنة في العلاقات الأمريكية الصينية وفي منطقة شرق آسيا عمومًا؛ إذ تعود جذور الخلاف إلى العام 1949م، عندما انتهت الحرب الأهلية الصينية بانتصار الحزب الشيوعي وسيطرته على كامل أراضي البر الصيني الرئيس، وفرار حكومة الكومنتانغ إلى جزيرة تايوان العام 1949م، واستمرار تلقي الدعم من قِبَل واشنطن، إلى أن أصبحت الجزيرة قوة آسيوية اقتصادية في شرق آسيا، تجمعها شراكات وعلاقات تجارية واقتصادية معقدة مع العالم الغربي؛ وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تعترف بتايوان بشكل رسمي، إلا أنها تنتهج ما يسمى بسياسة: “الغموض الإستراتيجي” في تعاملها مع قضية تايوان.

– تشهد منطقة شرق آسيا صراعًا بين نفوذ الولايات المتحدة السائد، ونفوذ الصين الصاعد؛ إذ باتت الصين تسير بخطى ثابتة نحو الريادة العالمية في كافة المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، وترى الولايات المتحدة خطط بكين طويلة الأمد، تهديدًا لمكانتها العالمية؛ لذلك تسعى واشنطن إلى جر الصين لحرب مع تايوان وإشعال منطقة شرق آسيا، لفصل الاقتصاد الصيني عن الاقتصادات الغربية والحد من قوة بكين الصاعدة عالميًّا.

– يرى مراقبون أن “لاي تشين” سيُدير العلاقات مع واشنطن وبكين بحساسية شديدة تجنبًا للتصعيد، حيث صرح بأنه يتحمل مسؤولية كبيرة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة مضيق تايوان، ودعا الصين إلى الاعتراف بالوضع الجديد للجزيرة والتفاوض على أساس الكرامة والتكافؤ وتجنب التصعيد.

– ضمن “إستراتيجية الصين الكبرى” ونظرية “دينج شياو بينج”، تنتهج الصين سياسة خارجية براغماتية في التعامل مع القضايا العالقة وتجنب الانزلاق نحو صراعات مع الدول الغربية؛ لتحقيق أهدافها طويلة الأمد، بإزاحة الولايات المتحدة وتصدر دول العالم اقتصاديًّا وعسكريًّا وتكنولوجيًّا؛ ولذلك ستتجنب الصين الصدام العسكري المباشر مع الولايات المتحدة؛ وتدير القضية التايوانية بشكل سلمي.

المصادر:

بي بي سي عربية

العربية

مركز السلام للدراسات الإستراتيجية

إندبندنت عربية

سكاي نيوز عربية

مركز رع للدراسات الإستراتيجية

شبكة الصين

الخنادق

التعليقات مغلقة.