fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أحداث البحر الأحمر بين الحياد الصيني والمصلحة الأمريكية

79

أحداث البحر الأحمر بين الحياد الصيني والمصلحة الأمريكية

لا شك أنَّ الأحداث القائمة والموجودة على الساحة العالميَّة بداية من السابع من أكتوبر لعام 2023م وحتي الآن من عام 2024 م هي أحداث صعبة، قائمة على التوتر والمخاوف المتزايدة من قيام حرب عالميَّة شاملة تأكل الأخضر واليابس، إلا أن ما يسمى بالدول العظمى هي التي تحاول أن تظهر بموقف المسيطر على مجريات الأحداث، والحقيقة هي أن المصالح هي المتحكم الأول والأخير، وهي المقرر الأول للمصالحة أم الدخول في معارك طاحنة؛ خاصة وأننا نشاهد اليوم تساقط دول الغرب من العقد حبة حبة، وهذا مؤشر قوي على تآكل ما يسمى بالدول العظمى، ويرسم مدى هوانها وضعفها.

وما يجري من أحداث ومجريات خطيرة على الوضع الاقتصادي العالمي على ساحة البحر الأحمر، هو دليل قوي أن لغة المصالح هي المتحكمة في مجريات الأحداث، فمنذ السابع من أكتوبر لعام 2023 ووجدنا الولايات المتحدة الأمريكيَّة الراعي الرسمي للكيان الصهيوني يقف بجانب الابن الأصغر لها في عدوانه على الشعب الفلسطيني ضاربة بكل القوانين والأعراف الدوليَّة عرض الحائط، وليس هذا وحسب، بل لا يسمح لأي أحدٍ أن يساند ويقف بجانب الشعب الفلسطيني.

وحينما قرر الحوثيون مهاجمة السفن التي هي على علاقة بالكيان الصهيوني في البحر الأحمر وعدم السماح لها بالمرور، فسرعان ما تهافتت (ارتفعت) الأصوات وعلت لمساندة الكيان الصهيوني وتحركت البوارج الحربية تحت ما يسمى حماية التجارة في البحر الأحمر، وهي في الأساس مساندة الكيان المحتل والمغتصب لأرض فلسطين العربيَّة والإسلاميَّة.

وقامت الولايات المتحدة الأمريكيَّة وبريطانيا بشن عدد من الهجمات؛ إلا أن هذه الهجمات لم تؤثر تأثيرًا قويًّا على القوة الحوثيَّة التي تهاجم بها السفن في البحر الأحمر؛ خاصة وأن هذه الهجمات زادت ضراوتها وشدتها، ورفعت سقف الطموحات الخاصة بها، حتى رأينا مهاجمة البوارج الأمريكيَّة في عرض البحر الأحمر، وهنا يتم طرح سؤال: أين الصين من هذه الأحداث الموجودة في البحر الأحمر؟ وما مدى تأثرها بما يحدث؟

أهمية البحر الأحمر:

يعد البحر الأحمر ممرًّا ملاحيًّا تجاريًّا حيويًّا، حيث يمثل عادة 15% من إجمالي التجارة البحريَّة العالميَّة، بما في ذلك 8% من الحبوب، و12% من النفط المنقول بحرًا، و8% من الغاز الطبيعي السائل المنقول بحرًا، بمعنى أن ما يمثل 40% من حجم الصادرات الأوربيَّة تمر عبر البحر الأحمر(1). 

بالإضافة إلى أنه يمرُّ 12% من حجم التجارة العالميَّة عبر البحر الأحمر كل عام، ما يساوي تقريباً 790 مليار يورو، وقبل أسبوع من بداية موقف الحوثيين كانت 300 سفينة تدخل من باب المندب إلى البحر الأحمر، تحمل بين 15 و25 شخصًا على متنها.

سبب التوترات في البحر الأحمر:

تعدُّ أحداث البحر الأحمر في الفترة الأخيرة أحد أبرز تأثيرات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ السابع من أكتوبر 2023.

وتضامنًا مع أهل غزة أعلنت جماعة الحوثي اليمنيَّة أنها تستهدف السفن التي تعبر باب المندب باتجاه تل أبيب أو إلى دول لها علاقة مع إسرائيل، وذلك في محاولة من الحوثيين للإضرار بتل أبيب وحكومة نتنياهو وتخفيف الضغط على الفلسطينيين(2).

تحالف الولايات المتحدة الأمريكيَّة:

أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، عن إطلاق عملية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر، في أعقاب سلسلة من الهجمات الصاروخية وبطائرات مسيرة شنها الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن، وأعلن أن الدول المشاركة تشمل بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا، وهولندا، والنرويج وسيشيل وإسبانيا.  وأضاف: أنهم سوف يقومون بدوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن(3).

موقف الصين من التحالف:

رفضت الصين التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكيَّة بخصوص هذه العمليَّة في البحر الأحمر، على النقيض من سجلها في العمل مع الولايات المتحدة في مبادرات مكافحة القرصنة في خليج عدن.

ويأتي هذا الرفض الصيني على الرغم من وجود سفن عسكريَّة في المنطقة تابعة لها وأن بعض السفن التجارية التي لها صلات بهونج كونج تعرضت للهجوم، في الوقت نفسه، أفادت بعض التقارير أن بعض خطوط الشحن الصينيَّة توقفت عن قبول البضائع الإسرائيليَّة(4).

ردود الأفعال الصينية على اشتباكات البحر الأحمر:

على مدار أسابيع، كان رد الفعل العام في الصين “خافتًا بشكل ملحوظ”، حيث لم تدن بكين هجمات الحوثيين، ولم تستجب سفنها الحربيَّة لنداءات الاستغاثة من السفن القريبة التي تتعرض للهجوم، وفقًا للشبكة التي أشارت إلى أن بكين “اكتفت بالدعوة إلى وضع حد للهجمات على السفن المدنيَّة”.

وحثت بكين “الأطراف المعنية على تجنب صب الزيت على النار”، معتبرة أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يأذن -قط- باستخدام القوة من قبل أي دولة في اليمن، في انتقادٍ ضمني للضربات الأمريكيَّة.

واعتبر المسؤولون الصينيون أن أزمة البحر الأحمر امتداد للصراع في غزة، مشيرين إلى ضرورة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، باعتباره أولوية.

ووفقا للشبكة، سعت بكين منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، إلى تقديم نفسها كـ”بطلة للجنوب العالمي وبديل للقوة الأمريكيَّة”، من خلال التعبير عن دعمها للقضية الفلسطينيَّة، وانتقاد إسرائيل والولايات المتحدة بسبب الأزمة الإنسانيَّة في غزة. ويعكس إحجام بكين عن الخوض في أزمة البحر الأحمر، حضور حسابات جيوسياسيَّة لدى بكين(5).

محاولة صينيَّة بالظهور الإيجابي المحايد:

الصين ضد تأجيج الصراعات في أي منطقة من مناطق العالم؛ لذا سعت إلى تكريس فكرة الحياد الإيجابي في تعاطيها مع الأزمات الدولية عامة، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، فهي تدعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، لكنها في الوقت نفسه ترفض التعاطي مع حركة حماس، وتفضل التعاطي مع منظمة التحرير الفلسطينيَّة بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

كما إن لبكين مصالح اقتصاديَّة كبيرة مع “إسرائيل”، وقد تكون بحاجة إليها في الحصول على بعض التقنيات المتطورة؛ إضافة إلى حاجتها إلى ميناء حيفا الإسرائيلي، لكنها في الوقت نفسه ترفض ما ترتكبه “إسرائيل” من مجازر بحق الشعب الفلسطيني، وترى أن رفض حل الدولتين من جانب “إسرائيل” هو السبب فيما وصلت إليه الأمور.

ترى الصين أهمية الحفاظ على الممرات المائيَّة الدوليَّة، وضرورة حماية أمن الملاحة فيها، وهو ما يتقاطع مع الموقف الأمريكي، لكنها في الوقت نفسه ترفض الانضمام إلى التحالف الدولي لحماية أمن الملاحة في البحر الأحمر؛ لأنها لا تريد للولايات المتحدة أن تنجح في تلك المهمة أولًا، ولأنها لا تريد أن تحسب على المحور الأمريكي من قبل الدول والشعوب العربيَّة ثانيًا.

الصين تريد أن تقول للعالم إن الولايات المتحدة التي كانت متفردة بحماية طرق التجارة الدولية البحرية منذ الحرب العالمية الثانية لم تعد قادرة على القيام بتلك المهمة، ولا بد من إيجاد نظام أمن جماعي جديد قائم على القانون الدولي، لا على الانتقائيَّة الأمريكيَّة، مع الإشارة إلى أن بكين كانت مستفيدة من الخدمات التي تؤمنها الولايات المتحدة لطرق التجارة الدوليَّة، بمعنى أنها تستخدم طريقة “التفكير الإيجابي” في تعاطيها مع الأحداث الدوليَّة وتغيراتها.

كذلك إن السفن الصينيَّة المارة من منطقة البحر الأحمر لم تتعرض لأي حوادث، نظرًا إلى موقف الصين الداعم للقضيَّة الفلسطينيَّة، ونتيجة للقرار الذي أقدمت عليه شركتا الشحن الصينيتان (كوسكو “وآو آو سي إل”، إذ علقتا التجارة مع “إسرائيل” حتى إشعار آخر، هذا القرار لقي انتقاداتٍ واسعةٍ من الجانب الإسرائيلي؛ إذ اعتبرته “تل أبيب” قرارًا سياسيًّا لا تجاريًّا فقط(6).

مصالح أمريكيَّة خفيَّة:

كتب واين أكرمان، الخبير في مجال التنقيب والإنتاج وتطوير المشاريع الرأسماليَّة الكبيرة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، في مقال حول هذا الموضوع: “إن اتساع نطاق عدم الاستقرار في البحر الأحمر، يمكن أن يجذب السوق الآسيويَّة لزيادة العديد من الغاز الطبيعي المسال من أمريكا الشمالية، ويدعم هذا الوضع بشكل عام تطوير وتوسيع سلاسل توريد الغاز الطبيعي المسال الجديدة، التي تقلل من أخطار النقل”.

ويرى أكرمان أن شركات الطاقة الأمريكيَّة ستستفيد من مرونة سوق الاتحاد الأوروبي، لكن الغاز الطبيعي المسال على الساحل الغربي لأمريكا الشماليَّة، سيصبح أيضًا أكثر جاذبيَّة مع إقبال المشترين الآسيويين، وتؤدي الجهود المبذولة لتجنب مشاكل الجفاف في قناة بنما والاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، إلى مزيد من المنافسة مع الموردين في الشرق الأوسط مثل قطر.

وأضاف: لكن إذا تم إغلاق البحر الأحمر عمليًّا أمام الشحن التجاري، أو توسعت الأنشطة العسكريَّة في المنطقة، فإن سوق الطاقة سيشهد بلا شك المزيد من التقلبات في العرض والسعر(7).

الخلاصة:

إن ما يحدث في البحر الأحمر يضر بمصالح العديد من الدول خاصة دول تجاريَّة وصناعيَّة، مثل: الصين، مع العلم أن الصين لديها العديد من المصالح مع الكيان الصهيوني والدول العربيَّة والإسلاميَّة بمختلف توجهاتها، وبالتالي تحاول الصين الحفاظ على مقدراتها، على الرغم من أن تداعيات ما يحدث في غزة لا يقف فقط عند ما يجري في البحر الأحمر، حيث طال التصعيد كلاً من لبنان وسوريا والعراق.

وشتان ما بين الرؤية الأمريكيَّة والرؤية الصينيَّة للقضيَّة الفلسطينيَّة، فرؤية واشنطن تقوم على ضرورة القبول والتسليم الإقليمي بالرؤية الإسرائيليَّة، أو ما تسميه واشنطن بالحق في الدفاع عن النفس مهما كانت تداعيات ذلك، وألا يكون هناك أي ردود فعل مناوئة لذلك، بينما الرؤية الصينيَّة لمنع التصعيد ترى أن الحل في وقف ما يجري في غزة وليس إطالة أمده.

1_ سكاي نيوز

2_ T.R.T

3_ فرانس 24

4_ أخبار الصين والشرق الأوسط

5_ الحرة

6_ الميادين

7_ الوقت

التعليقات مغلقة.