fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

التفاهمات بين واشنطن وطهران بين المعلن والمستور

155

التفاهمات بين واشنطن وطهران بين المعلن والمستور

أعداء الأمس أصدقاء اليوم، وأصدقاء الأمس أعداء اليوم، هكذا هو عالم السياسية دائمًا، فكل شيء ممكن، فنسمع بين الفينة والأخرى تصريحات مستعرة ما بين الشيطان الأكبر (أمريكا) والعدو اللدود لأهل السُنَّة (إيران)، والحقيقة الواضحة هي أن طهران تتلقى دعمًا غير معلن من حليفتها سرًّا لضرب أهل السنَّة في الوطن العربي ومحاولة زعزعة استقرار المنطقة بأسرها.

لقد غضَّت الإدارة الأمريكية الطرف عن استهداف قواتها في سوريا والتي قتِل على إثرها بعض الجنود الأمريكيين، وإبلاغ الحوثي بتنفيذ ضربات أمريكية في اليمن ردًّا على تصرفاته في البحر الأحمر وباب المندب، كذلك تنفيذ ضربات لمواقع أمريكية في العراق لم يكن بها أحد؛ ردًّا على مقتل قاسم سليماني، الأمر الذي يعكس مدى التفاهمات بين أمريكا وإيران راعية الإرهاب في المنطقة.

نحاول هنا في مركز “رواق” للأبحاث، أن نفهم ونرصد مدى التفاهمات بين الولايات المتحدة الأمريكية والدولة الإيرانية، وهل هذه الخلافات حقيقة أم أنها شكليَّةً ودراميَّةً هابطة؛ هدفها فقط نشر الفوضى في الشرق الأوسط والدول العربية، وكيف تتم الصفقات بين دولتين تزعُمان الخلاف المستعر والحقيقة على الأرض تقول غير ذلك وهي ضرب استقرار الدول العربية وأهل السنة على وجه الخصوص.

وما يدلل على ذلك، هو تقسيم العراق بين أمريكا وإيران بعد العدوان الأمريكي الغربي عام 2003، حيث حازت إيران كامل النفوذ داخل العراق الذي لم تكن تحلم بالحصول عليه يوما ما في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، مقابل النفط والنفوذ السياسي الأمريكي في العراق ومنطقة الخليج.

الصفقة بين الحكومة الشيعية والشركات الأمريكية:

ولمَ لا؟ وقد تمت الصفقة بين الحكومة العراقيَّة الشيعيَّة وأربع شركات نفط أمريكية، هي: إكسون موبيل، وشل، وتوتال، وبريتش بيتروليوم، التي كانت تجمعها شراكة منذ عقود بشركة نفط العراق، والتي انضمت إليها شركة شيفرون وشركات نفط صغيرة أخرى.

لتجدد امتياز النفط الذي خسرته عند التأميم أثناء الأعوام التي سيطر فيها منتجو النفط على مواردها الخاصة، وتمت السيطرة الكاملة للشركات الأمريكيَّة، وتم استبعاد أكثر من 40 شركةً من دول أخرى، مثل: الصين والهند وروسيا، ما يعزز القول بأن احتلال العراق لم يكن إلا لالتهام ثروة العراق في صفقةٍ استغلاليَّةٍ غير مسبوقةٍ، وكل ما يهم الساسة الأمريكان أن يبقى العراق خاضعًا لأقصى حدٍّ ممكن للسيطرة الأمريكيَّة بصفته دولة مطيعة وتؤوي كذلك قواعد عسكريَّة أمريكيَّة كبرى في قلب أهمّ أماكن احتياطيات الطاقة في العالم، ولن يكون ذلك إلا بمساعدة إيران والشيعة العراقيين.

اقتسام ثروات العراق بين العدوين المزيفين:

ووفق وثيقة “إعلان المبادئ” التي وقعت بين البلدين والتي تضمَّنت بنودًا صريحة لاستغلال ثروات العراق، فقد نصت على أنَّ اقتصاد العراق وموارده النفطيَّة لا بد أن تكون مفتوحة أمام الاستثمار الأجنبي، “خاصة الاستثمار الأمريكي”، ما يعني أن ما يحدث بين أمريكا وإيران في العلن ما هو إلا لتضليل الرأي العام العالمي والدول العربية ومنهم الشعب العراقي بالطبع.

يجب أن نعلم يقينًا أن السر الخفي في العلاقة بين واشنطن وإيران هو اتفاق مع الشيعة في أن عدوها الرئيس هو أهل السنَّة، الذي يقف في وجه الإمبرياليَّة الأمريكيَّة في العالم الإسلامي بأسره، خاصة في أفغانستان والعراق وسوريَّة ومصر، وغيرها من البلدان العربية. (البيان).

“طوفان الأقصى”.. كيف عكس التفاهمات الإيرانية الأمريكية؟

لقد عكست عملية السابع من أكتوبر عام 2023 التفاهمات الإيرانيَّة الأمريكيَّة، صحيح ربما قد تكون هناك رغبة إيرانية في إخراج القوات الأمريكية من دول مثل: العراق وسوريا ليتسع لها المجال أكثر، ولكن مع ذلك هناك حرص إيراني شديد على عدم إثارة واشنطن ضدها، وهذا ما حدث منذ عملية “طوفان الأقصى” والتهديدات الإيرانية تجاه واشنطن والكيان المحتل التي لم تتجاوز حد التصريحات أو البيانات، لذلك لم تلجأ إيران إلى قصف القواعد الأمريكيَّة في المنطقة بنفسها، والمرة الوحيدة التي قصفت فيها قاعدة أمريكيَّة كانت عقب اغتيال قاسم سليماني، وباتفاق مُسبق وتفاهمات مع إدارة دونالد ترامب وهذا ما أعلنه الأخير صراحة.

إن التصرفات الإيرانية في المنطقة التي يقابلها أداء أمريكي مُفعم أو توصف على أقل تقدير بـ “الرومانسيَّة” تجاهها، فرغم تصريح واشنطن بأن إيران تقف وراء استهداف قواعدها بالمنطقة من خلال أذرعها التي تستخدم أسلحتها ولا تتحرك إلا بمعلومات استخباراتيَّة إيرانيَّة وبأوامر منها، إلا أنها تتعامل مع النفي الإيراني لعلاقتها بتلك الهجمات بالكثير من الانفتاح والقبول والمصداقيَّة، وما يبرهن على أن تلك العلاقة لم تستهدف إيران بشكل مباشر حتى بعد مقتل ثلاثة من جنودها على الحدود السورية – الأردنية.

ومنذ وجود أمريكا على الساحة الدولية كقوة عظمى وهي تدير “نتائج” أزمات المنطقة على مبدأ “الحفاظ على التوازنات” خصوصا مع طهران، والشاهد إنه قبل انطلاق عملية طوفان الأقصى وتحاول واشنطن خروج الفرقاء دون انتصار واضح أو هزيمة واضحة لأيِّ طرف، وبالطبع تَستثني من ذلك إسرائيل وتدعمها بشكل مطلق في كل حروبها مع الدول العربية، مما يعكس حكم التفاهمات والمواءمات بين طهران وواشنطن.

وجاءت الحرب الضروس على غزة لتؤكد الحفاظ بينها وبين الفرقاء- إن جاز التعبير- وربما في خصومها من الدول الإسلامية، وكذلك ما يحدث في سوريا والعراق واليمن؛ إلا أن هذه الأحداث تؤكد أن كلا الطرفين يحافظان على مبدأ لا ضرر ولا ضرار، وعدم توسيع دائرة الصراع رغم دعم أمريكا المطلق للكيان المحتل في غزة.

كما أن هناك رغبة من الإدارة الأمريكيَّة في عدم توسيع الصراع الحالي في غزة رغم معاناة أهالي غزة والتي تتعرض لسياسة القتل إما جوعًا أو بالقصف الصهيوني، ومع ذلك تتجنب أمريكا الدخول في أي مواجهة مباشرة مع إيران، في وقت تتعرض فيها حليفتها الإستراتيجية إسرائيل إلى أخطار وجودية تؤثر على مكانتها العسكريَّة في المنطقة، مما أعطى انطباعًا لدى إيران بأن أمريكا ليست بصدد الدخول في مواجهة مباشرة معها على المدى المنظور. (العرب).

دور حزب الله وميليشيا الحوثي في خدمة إيران:

إن ما يحدث من تفاهمات واتفاقيات بين الولايات المتحدة الأمريكيَّة وإيران يُشبه تماما أو يُوصف بسياسة “عضُّ الأصبع”، فكل طرف منهما يريد أن يؤلم الآخر، أو يكسب نقطة أمام المجتمع الدولي وأمام شعبه، ولكن دون أن يصل أو يدخل في صراع مباشر يؤدي إلى حرب تجلب خسارة لأيٍ من الطرفين، فالدولة الإيرانيَّة تعتبر هي ورقة الضغط الأمريكيَّة في الشرق الأوسط.

كما أن قوات حزب الله والحوثي أجندة إيرانيَّة ممولة بكافة السبل وما تحتاجه لنشر الفوضى الهدامة، وهي أذرع وورقة الضغط الإيرانيَّة التي تلعب بها مع واشنطن تُستخدم وقت الحاجة، ولكن بالطبع لإيران حدٌّ لم يكن لها تجاوزه مع واشنطن كدولة عظمى تفوق إيران أو ربما أي دولة أخرى في العتاد والسلاح والاقتصاد.

كيف تم رسم السياسة الجديدة في المنطقة العربية بعد 11 سبتمبر؟

لقد تم رسم الوضع الجديد في المنطقة بعناية، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر وبعد احتلال العراق، حيث تعطيهم أمريكا الضوء الأخضر لضرب الإسلام السني والتيارات الإسلامية السنيَّة في العراق وسوريا، مقابل تحقيق إيران حُلمها بتصدير الثورة، وأمة الحزام الشيعي ومحاصرة أهل السنة في أي مكان، تمهيدًا لقيام الإمبراطورية الفارسية من جديد لتحكم العالم الإسلامي.

وعلينا أن نعترف أن إيران وأمريكا قد نجحتا في طمس هذه الحقائق بزعم أنهما أعداء، ولكنها مزاعم واهية، وموقفها من القضية الفلسطينية الآن بات واضحًا؛ لذا في الحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع، أن أمريكا لم تدخل مع إيران في صراع حقيقي، ودليل آخر أيضا وهو بمجرد محاولة العراق إنشاء مفاعل نووي تم ضرب منشآته في 1981م، وهذا ما لم يحدث مع إيران، وغاية ما في الأمر أن العلاقات السريَّة بين البلدين تحولت للعلن، حتى تتم الاتفاقيات على مسمع ومرأى من العالم. (البيان).

وما ينبغي أن نعلمه جميعًا: أنه ومنذ ما يزيد عن ثلاثين سنة ومنذ قيام الثورة الإيرانيَّة في عام 1979م وتشكل الجمهوريَّة الإيرانيَّة الحديثة ، ونحن نسمع عن فرض عقوبات تجاريَّة من قبل أمريكا على الحكومة الإيرانيَّة وتجميد للأرصدة وتعليق لصفقات التسليح المبرمة مع الدولة الإيرانيَّة وتجميد لأي صفقات تسليح مستقبليَّة وفرض قيود على واردات النفط الإيرانيَّة فيما بعد. (الجزيرة).

وكما قلنا فإن كل شيء ممكن في عالم السياسة، حيث إنه ومنذ وصول الخميني أول مرشد أعلى للثورة الإيرانية لسدة الحكم ونحن لا نسمع باسم أمريكا في إيران إلا ويعقبه لقب الشيطان الأعظم حسب خطابات الحكومة الإيرانيَّة وفي أمريكا لم يكن الخطاب بأفضل من حال الخطاب الإيراني فأصبح لدينا شعور أن هذا الخطاب العدائي لن يعقبه إلا قيام حرب بين هاتين الدولتين في ظل استمرار تصاعد حدة الخطاب العدائي بينهما، وتبين للجميع أن أكثر خطابات الكراهية حدة الموجهة لأمريكا صادرة من قِبَل الدولة الإيرانيَّة، ودولة كوريا الشمالية في الزمن المعاصر.

ويرى سياسيون: أنه في ظل توالي الأعوام أصبحنا نعتقد أن الدبلوماسيَّة الإيرانيَّة والتواجد العسكري الإيراني سيبقى حبيس حدود الدولة الإيرانية بعد تشكل الصورة العدائيَّة للدولة الإيرانيَّة لدى الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة وبعد تغذية عقول الأجيال الصاعدة في المجتمع الإيراني بأن أمريكا هي التهديد الأكبر لوجود الدولة الإيرانيَّة.

كيف تغير خطاب المؤسسات الرسميَّة في إيران عن أمريكا؟

بحسب سياسيين: فخطاب المؤسسات الرسميَّة في إيران وأصبحنا نرى أن التواصل الدبلوماسي الرفيع مع الدولة الإيرانيَّة هو بمثابة الانتحار من الناحية الدبلوماسيَّة على الساحة الدولية بعد تصدير الصورة العدائية لإيران لجميع دول العالم وشعوبها من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقس على ذلك إمكانية التحالف العسكري.

الصمت الأمريكي عن زيادة نفوذ إيران في اليمن:

لنا في اليمن مثال على السكوت الأمريكي لتوسع نفوذ إيران في المنطقة بدعم مليشيات الحوثي وهكذا نرد على من يقول إن حليف إيران الروسي هو من يقف وراء سكوت أمريكا عنهم في سوريا.

وظهر بعد ذلك، سيما في عام 1982 وبتأسيس حزب الله في لبنان وظهوره بصورة المقاوم الإسلامي للاحتلال الإسرائيلي في المنطقة العربية وعدم إخفاءه لولائه للمرشد الأعلى للثورة الإيرانيَّة الخميني في كثير من البيانات الصادرة عن الحزب، ومع استمرار الحزب في النمو على الساحة اللبنانيَّة وعلى مرأى من إسرائيل وحليفتها أمريكا.

وقالت تقارير دولية، لقد أصبحنا نعتقد أن إيران قوة لا يستهان بها في المنطقة العربية؛ لأننا كنا نعتقد أن هذه فرصة أمريكا لقطع أيادي إيران العسكريَّة في المنطقة العربيَّة، ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل وتولد لدى كثير من الشعوب العربيَّة شعور بأن الخميني هو فعلا مفجر الثورة الإسلامية في إيران وسيسعى لتصديرها للمنطقة العربيَّة.

برنامج إيران النووي والدبلوماسية مع إيران:

أما بخصوص برنامج إيران النووي، فـيرى عسكريون أن إبرام الاتفاق النووي في عام 2015 م مع مجموعة القوى العظمى أو ما عرف بمجوعة (خمسة زائد واحد) فأمريكا ضربت لنا أسمى الطرق الدبلوماسية في تعاملها مع إيران فكان صبرها الإستراتيجي ليس له مثيل.

وقال عسكريون: فيما يخص سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 م واجتياح القوات الأمريكيَّة لبغداد فهنا كانت بداية ظهور الأمور على حقيقتها فيما يخص العلاقات الأمريكيَّة الإيرانيَّة فظهر لنا أنهم أعداء من ورق حلفاء على الأرض، فكانت القوات الأمريكيَّة الغازية للعراق أشبه بحصان طروادة الذي يحمل بداخله القوات الإيرانية لتبسط سيطرتها على العراق إلى يومنا هذا.

اجتياح بغداد يكشف عمق العلاقات الأمريكية الإيرانية:

وما يدلل على ذلك: كيف للولايات المتحدة الأمريكيَّة التي حملت قواتها من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق لتخوض حربها على العراق أن تسلم العراق لعدوها الأول في المنطقة ألا وهو إيران، حيث أصبح الإيرانيون هم المسيطرون على مؤسسات الدولة العراقية بجميع أركانها وها هم اليوم ينشئون لأنفسهم مليشيات إيرانيَّة مسلحة على الأرض العراقيَّة بقيادة عرَّاب الشيعة في المنطقة العربية قاسم سليمان هذا الذي لقى حتفه في ضربة أمريكيَّة؟

ويرى سياسيون: أن في أزمة اليمن الشقيق الأسوة، حيث السكوت الأمريكي أمام توسع نفوذ إيران في المنطقة بدعم مليشيات الحوثي وتضرر الشعب اليمني بشكل كبير، وحيث انتشار المجاعات والأمراض ووقف المرتبات عن العاملين والموظفين من قِبَل ميلشيات الحوثي ذراع إيران في اليمن. (الجزيرة).

فالواقع على الأرض، أنه لم نلمس أيَّ ثمرة من ثمار العداء بين هاتين الدولتين على أرض الواقع، بل ها هو الحرس الثوري الإيراني يشق طريقه في مشروع الهلال الشيعي من دون أن يعترضه أحد؛ بل ربما بدعم أمريكي سرًّا وعلانيةً.

وقال سياسيون: رغم الضغوط الداخلية التي تعرضت لها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتبني سياسة أكثر تشددًا في إدارة التصعيد مع إيران، خاصة بعد الهجوم الذي تعرضت له القاعدة الأمريكيَّة في شمال شرق الأردن، في 28 يناير الفائت 2024م؛ إلا أنها في النهاية عزفت- على الأقل حتى الآن- عن إجراء تغيير في المقاربة التي تتبعها في هذا السياق.

دلالات القصف الأمريكي على منشآت إيرانيَّة:

يجب أن نعلم أن هناك بعض الدلالات من الهجمات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكيَّة في شنها ضد المليشيات المسلحة في كل من العراق وسوريا، بداية من فبراير الماضي، والتي استهدفت مواقع أسلحة وذخيرة، وأسفرت عن مقتل نحو 40 شخصا من بينهم 23 في سوريَّا و17 في العراق آخرهم آمر كتيبة الدروع الثالثة في الحشد الشعبي حسن عباس البلداوي، الذي يلقب بـأبي الحسن البلداوي، الذي توفي متأثرًا بجروحه بعد الهجمات بيومين. (الأهرام).

فالدلالة الأولى هي: أن هذه الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكيَّة تطرح دلالتين رئيسيتين: الأولى، أن الإدارة الأمريكيَّة تتبنى المقاربة نفسها التي سبق أن اتبعتها في إدارة التصعيد مع مليشيا الحوثيين في اليمن، عقب الهجمات التي شنتها ضد السفن المارة في البحر الأحمر.

ورغم أن هناك تباينًّا واضحًا في مسارح العمليات في كل من اليمن والعراق وسوريا، على الأقل فيما يتعلق بالخسائر الأمريكيَّة، حيث أسفر التصعيد مع المليشيات المسلحة في كل من العراق وسوريا عن سقوط قتلى أمريكيين للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي على خلفية قيام “كتائب القسام” بشن عملية “طوفان الأقصى” داخل غلاف غزة، رغم ذلك، فإن إدارة الرئيس بايدن لا تبدو في الوارد توسيع نطاق التصعيد أو تعزيز فرص تحويله إلى صراع إقليمي خلال المرحلة القادمة.

والدلالة الثانية هي: أن الضربات الأمريكيَّة لم تسفر عن سقوط قتلى أو جرحى إيرانيين، رغم أن التصريحات الأمريكية أشارت إلى استهدفت مواقع تابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهنا بيت القصيد؛ حيث التنسيق والإعلام بين الطرفين قبل تنفيذ تلك الضربات؛ كي لا توقع خسائر كبيرة أو مهمة على الأرض، أي أنها لحفظ ماء الوجه.

سياسة التصعيد “المنضبط” وردّ الفعل “الهادئ”.. ماذا تعني؟

إن الإدارة الأمريكيَّة تتبنى سياسة التصعيد “المنضبط” مع طهران، وأيضًا تتبنى إيران رد الفعل “الهادئ”، قد يكون مرتبطًا بدوره بحسابات معقدة لدى واشنطن وطهران في آن واحد تفرضها ثلاثة أمور رئيسة، وهي: ربما لاقتراب إيران من الوصول إلى مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، لاسيما أن طهران قد طورت برنامجها النووي بشكل كبير، وزادت كمية اليورانيوم المخصب التي تمتلكها بدرجة باتت تتجاوز 22 ضعف ما هو منصوص عليه في الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو 2015 م وانسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 8 مايو 2018م.

الأمر الثاني هو: اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سوف تجرى في نوفمبر القادم، حيث يسعى الرئيس بايدن إلى تجديد ولايته الرئاسيَّة، وربما يواجه منافسة قوية في حال ما إذا نجح الرئيس السابق دونالد ترامب في انتزاع بطاقة ترشح الحزب الجمهوري، خصوصًا أن هذا المتغير فرض نفسه وبقوة على السياسة الأمريكية إزاء ما يجري في المنطقة؛ إذ لا ترغب إدارة بايدن وهي على بعد شهور من الانتخابات في المغامرة بتوسيع نطاق التصعيد الحالي الذي قد يتحول إلى حرب واسعة النطاق في حالة حدوث أي خطأ في الحسابات.

أما الأمر الثالث: فيكمن في حرص إيران بدورها على تجنب المغامرة بالانخراط في مواجهة مباشرة، فقد اتبعت إيران هذا النهج مع بداية الحرب الإسرائيليَّة في قطاع غزة، حيث كان لافتًا للنظر مسارعة إيران إلى توجيه رسائل تهدئة، كان من بينها تخفيض كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، والتأكيد على أنها ليست ضالعة في هذه الهجمات السابع من أكتوبر “طوفان الأقصى”. (الأهرام).

وكلاء إيران في مهمة امتصاص غضب الإدارة الأمريكية:

لقد بادرت إيران وأذرعها إلى تحملها المسؤولية عن الهجوم على موقع عسكري أمريكي متقدِّم على الحدود بين الأردن وسوريا، وقتل 3 أمريكيين، ما يخدم رغبة طهران وواشنطن في عدم الدخول في حرب مباشرة، حسب خبراء. (سكاي نيوز).

ووفق تقرير نشرته وكالة الأنباء الإيرانيَّة الرسميَّة “إرنا”، فقد نفت البعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة أن يكون لبلادها أي دور في هذا الهجوم على القوات الأمريكيَّة.

ويرى سياسيون: أن إيران قد سارعت للتنصل من هذه المسؤوليَّة وحتى عبر بعثتها في واشنطن؛ لأنها تدرك أن هذه الطائرة يُمكنها أن تسقط أكثر أنواع القذائف قوة واختراقًا ودقة، ويمكن لضرباتها أن تلحق الضرر الكبير بالأهداف الإيرانيَّة الإستراتيجيَّة، ومنها المفاعلات النووية، وهذا سيلحق الضرر بالنظام الإيراني برمّته، ويهدّد مستقبل جميع وكلائه بالمنطقة.

حيث قامت جميع الأذرع الإيرانية بدورها المعهود، كما هو الحال عندما نفى زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله، علاقة إيران بطوفان الأقصى وإن كانت حقيقة، لتعلن تبرئة إيران من هذا الهجوم على القوات الأمريكية في سوريا، ومحاولة تحمّل التوابع لتخفيف الضغط على إيران وإبعادها عن المواجهة.

ولكن يرى عسكريون: أنه يستحيل على الولايات المتحدة الأمريكيَّة أن تقوم بتوجيه ضربة قوية لهذه الأذرع؛ لأنه ليست لديها الأسلحة والعتاد الضخم ولا القواعد الثابتة الكبيرة، لكنها تنتشر على الأراضي السورية في معظمها بقوام مجموعات المشاة والتي لديها قدرة عالية على التحرّك.

ويذهب عسكريون إلى أن محاولات أذرع إيران تبرئتها تلك تتناسب ورغبة واشنطن في عدم توسيع الصراع، أو الدخول في حرب مفتوحة مع إيران؛ لاعتبارات تخص الانتخابات الأمريكيَّة الرئاسيَّة المقبلة، ولاعتبارات استراتيجية تخص دور طهران كشرطي يحفظ مدَّ المصالح الأمريكيَّة في المنطقة، كما تراها واشنطن.

الولاء العقائدي المطلق وحفظ البقاء:

ويرى خبراء: أن الجماعات المسلحة تجتهد في الدفاع عن طهران وتبرئتها أو إبعادها عن دائرة الضغط؛ للحفاظ على بقائها؛ لأنها تدرك تماما أن أيَّ أزمة تتعلق بالواقع الإيراني سوف تنعكس بالسلب عليها، وهي تدين لها بالولاء العقائدي المطلق.

كما تدرك هذه الجماعات أن قوة إيران من مصلحتها وخدمة أجندتها، وأي ضعف يطول إيران ونفوذها في المنطقة سيؤثِّر عليها بطبيعة الحال ويعرضها للمساءلة والحساب من قوى المنطقة، وأيضًا في وقف التمويل أو تأثره.

ما حدود التصعيد بين طهران وواشنطن؟

نستخلص منذ ذلك، إذا ما وجهت الولايات المتحدة الأمريكيَّة أي ضربة لإيران واستهدفت الموانئ، أو شركات النفط ،أو الكيماويات، أو أي من مواقع الحرس الثوري، فلن تقوم إيران بالتصعيد أو الرد، وستكتفي فقط بالتصعيد الإعلامي، وقد تقوم بإطلاق صواريخ من هنا أو هناك لاستعراض القوة على الرد وحفظ ماء الوجه، وهذا ما حدث عندما تم اغتيال قاسم سليماني عرَّاب الحرس الثوري في زعزعة استقرار الدول العربية. (سكاي نيوز).

الخلاصة:

– علينا أن نعلم يقينًا: أن إيران تتلقى دعمًا حثيثًا غير معلن من حليفتها، يُشبه تمامًا دعم الشيطان الأكبر (أمريكا) للكيان الصهيوني، لزعزعة أمن واستقرار الدول العربية ونشر الفوضى في الشرق الأوسط.

– وحتى بالفرض إن وجَّهت الإدارة الأمريكيَّة أي ضربات إلى إيران أو مواقع تابعة للحرس الثوري يكون في الأغلب بالتنسيق مع طهران، وهكذا هو الحال فيما بينهما، وهو ما أعلنه مسؤولون أمريكيون منذ وقت قريب عن إبلاغ الحوثي أحد أذرع إيران في المنطقة العربية عن بعض الضربات التي وجهت لها في اليمن بسبب التوتر في منطقة البحر الأحمر.

– إن توسع إيران في منطقة الدول العربية يؤكد على أن أمريكا وإيران “أعداء من ورق.. حلفاء على الأرض”؛ لأنها باختصار مشروع واشنطن بامتياز في الشرق الأوسط، كما تُعدُّ الشوكة الثانية بعد الكيان الصهيوني لزعزعة استقرار الدول العربية ومن ثم إعاقة التنمية أو التقدم الاقتصادي.

– كذلك، إن مبادرة أذرع إيران أو الجماعات المسلحة تلك التي تبادر بالدفاع عنها عند أي حدث- قد يغضب حليفتها أمريكا- يعكس مدى التفاهمات بين عدوَّان شكلًا فقط، ومحاولة تبرئتها أو إبعادها عن دائرة الضغط للحفاظ على بقائها؛ وهذا ما رأيناه عندما دافع حزب الله عن إيران في عملية طوفان الأقصى- وهى حقيقة-، وأيضًا عندما تم استهداف القوات الأمريكيَّة بين الأردن وسوريا.

– أيضًا ومما لا شك فيه: أن واشنطن تغضُّ الطرف أحيانًا عن تصرفات إيران؛ لأنها ودولة الاحتلال (إسرائيل) مهمتان لتنفيذ السياسة الأمريكيَّة بدقة في منطقة الشرق الأوسط. ولما لا وقد هدد ترامب من قبل بعض دول المنطقة بالدفع أو إفساح المجال لإيران لتفعل ما تريد.

– خلاصة القول: إن واشطن وطهران عدوَّان شكلًا وليس مضمونًا، فالتفاهمات والصفقات مستمرة وتتم في الخفاء، والموافقة على برنامج إيران النووي في 2015 م جزءٌ من كلٍّ على مثل هذه التفاهمات، وكما ذكرنا أن إيران ضمن أذرع أمريكا المهمة لضرب استقرار المنطقة وأهل السُنَّة على وجه التحديد.

المصادر:

 الأهرام

 الجزيرة

 البيان

 سكاي نيوز

العرب

التعليقات مغلقة.