fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

غزة.. ماذا قدَّمت مصر للفلسطينيين منذ بداية العدوان الصهيوني على القطاع بعد طوفان الأقصى؟

93

غزة.. ماذا قدَّمت مصر للفلسطينيين منذ بداية العدوان الصهيوني على القطاع بعد طوفان الأقصى؟

تضع مصر ولا تزال القضية الفلسطينية منذ نكبة 1948 وحتى اليوم في مقدمة أولوياتها، ودائمًا ما كان الشأن الفلسطيني أهم ملفات السياسة الخارجية المصرية، ويؤكد ذلك واقع الحروب التي خاضتها مصر من أجل أرض فلسطين والعمق التاريخي والجغرافي بين البلدين؛ ففي مراحل تاريخية كانت مدينة غزة تحت الحكم المصري كما كانت “إيلات” المحتلة مدينة مصرية، ولم يتوانَ أي صانع قرار مصري عن تقديم كامل المساندة والعون لحقوق الشعب الفلسطيني العادلة في إنهاء الاحتلال الصهيوني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، كما أن مصر دائمًا ما كانت الطرف الذي يتدخل لوقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين وتتوسط لتقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية، كما ترعى القاهرة الحوار الفلسطيني – الفلسطيني وتستضيفه في جولات متكررة بهدف مساعدة الفصائل على تحقيق الوفاق الفلسطيني وتشكيل موقف وطني موحد، ورغم أن مصر لها باعًا طويلًا في دعم أشقائها الفلسطينيين منذ أن وطأت أقدام الاحتلال الصهيوني الأراضي الفلسطينية وحتى اليوم؛ إلا أننا سنكتفي بذكر ما قدمته مصر للفلسطينيين في قطاع غزة منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى يوم الـ7 من أكتوبر 2023.

جهود مصر لدعم الأشقاء في قطاع غزة:

جاء اهتمام مصر بقطاع غزة ودعم القضية الفلسطينية عبر عدة صور واتجاهات منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع في 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن، وكان بدايتها إدانة العدوان الصهيوني والإصرار على الحق الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أراضيهم المحتلة ورفض التهجير بأشكاله ومقترحاته ودعم حق الفلسطينيين في أراضيهم، وإجراء عشرات الاتصالات واللقاءات في القاهرة وخارجها مع الزعماء والقادة العرب والأوروبيين والإدارة الأمريكية، وأكدت مصر مرارًا على الرفض القاطع للتهجير، وعقد الرئيس السيسي قمة القاهرة للسلام بحضور العديد من دول العالم والمنظمات الأممية ممثلة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، كما وفرت القاهرة آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية والغذائية للقطاع، ولم تكن أبدًا سببًا في تأخيرها، بل ضغطت كثيرًا لعبورها وفتح معبر رفح منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على القطاع، ورفضت سياسات العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل ضد أهالي غزة، من تجويع وتهجير وحصار وقطع كهرباء ومياه واتصالات والدفع للتهجير القسري، واستقبل مطار العريش آلاف الأطنان من المساعدات لإدخالها من خلال معبر رفح، وجهزت مصر واستقبلت آلاف الجرحى والمصابين من الفلسطينيين ومزدوجي الجنسية داخل مستشفيات العريش، وأقامت مستشفى ميداني داخل معبر رفح، كما تحركت القاهرة دبلوماسيًّا أكثر من مرة أمام مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل وقف العدوان وإدخال المساعدات، ونجحت القاهرة ومعها الدوحة في إقامة هدنة إنسانية في نوفمبر توقف فيها القصف وتبادل الطرفان الأسرى، واليوم تسارع القاهرة خطواتها من أجل منع العدوان الصهيوني على أكثر من مليون ونصف المليون نازح فلسطيني في رفح، وأكدت في أكثر من تصريح أن قصف رفح يهدد بتعليق مصر اتفاقية السلام، كما تستقبل القاهرة وفودًا إسرائيلية وقطرية وفلسطينية وأمريكية من أجل إتمام هدنة أكبر قد تمتد لنصف عام على 3 مراحل تشهد وقف كامل لإطلاق النار وعدة خطوات تنتهي بوقف كامل للعدوان.

معبر رفح:

تفتح السلطات المصرية بوابات معبر رفح على مصراعيها منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وحتى اليوم، ولم يُغلق المعبر أبدًا ولو حتى للحظات، وحاولت مصر في الأيام الأولى للعدوان إدخال شاحنات المساعدات؛ إلّا أن الاحتلال قصف بوابات معبر رفح من الناحية الفلسطينية أكثر من مرة، وبعد ضغط مصري مكثف على الإدارة الأمريكية لوقف قصف المعبر الفلسطيني ورفض استقبال أي رعايا أجانب حتى يتم دخول المساعدات وإخراج الجرحى لعلاجهم، نجحت الجهود المصرية في فتح المعبر من الجانب الفلسطيني والبدء في إجلاء الرعايا الأجانب ومزدوجي الجنسية من قطاع غزة المحاصر وتدفقت المساعدات الإغاثية والغذائية للقطاع، وبعد ذلك بأيام رفضت مصر استقبال عبور الأجانب بسبب قصف إسرائيل لسيارات الإسعاف التي تحمل المصابين، وأصرت على خروج الجرحى بسلام مقابل استئناف عبور الأجانب نحو الجانب المصري من المعبر.

كما خصصت مصر مطار العريش الدولي لاستقبال المساعدات الدولية، وناشدت وزارة الخارجية كل دول العالم والمنظمات الإقليمية والدولية تقديم المساعدات لقطاع غزة عبر مطار العريش، وبالفعل استقبل مطار وميناء العريش عشرات الطائرات والسفن التي تحمل مساعدات إنسانية وتم تحميلها داخل الشاحنات وإرسالها عبر معبر رفح، وتولى الهلال الأحمر المصري، مهام تجهيز ونقل المساعدات إلى قطاع غزة، سواء التي تخصصها القاهرة أو تأتيها من مختلف دول العالم عبر مطار وميناء العريش، ورغم الشائعات الإسرائيلية والأمريكية بأن مصر تُغلق المعبر رغم كونه مفتوح أمام شاشات الجزيرة وغيرها من الفضائيات التي تنقل من على أرض الواقع فتح المعبر على مدار الساعة ولم تنقل أحد هذه الوسائل الإعلامية إغلاق معبر رفح منذ يوم 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم؛ إلّا أن وزارة الخارجية المصرية والهيئة العامة للاستعلامات أكدتا في أكثر من بيان رسمي أن معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة مفتوح للعمل ولم يتم إغلاقه في أي مرحلة منذ بدء العدوان الإسرائيلي.

وأكد ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات خلال يناير الماضي، أن مصر لم تُغلق المعبر أبدًا، بل إن مصر مهدت كل السبل الفنية لتسهيل دخول المساعدات، وأن القاهرة رهنت عبور الرعايا الأجانب بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، كما نجحت في إدخال شاحنات الوقود والغاز بعد الهدنة، واستقبلت مصر في أكثر من ٢٥ مستشفى قرابة ألفي جريح ومصاب من قطاع غزة، ونقلت آخرين لتلقي العلاج في دول عربية، مثل: قطر وتركيا ومعهم نفس العدد من المرافقين، وأكثر من 25 ألف من الفلسطينيين والمصريين، كما استقبلت مستشفيات سيناء والعريش الأطفال الخُدج حديثي الولادة، بعدما دمر الاحتلال حضّانات الأطفال في مجمع الشفاء الطبي.

التهجير:

تعي القاهرة جيدًا منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وحتى اللحظة الراهنة مخطط إسرائيل للقضاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين من القطاع سواء إلى شبه جزيرة سيناء أو غيرها وتصفية الوجود الفلسطيني من قطاع غزة والضفة الغربية، وبذلك تكون نهاية القضية الفلسطينية؛ ولذلك كشفت مصر مؤامرة إسرائيل بتنفيذ مخططات التهجير، ونددت بها وحذرت منها ووحدت مع الأردن نفس الموقف، وضغطت عربيًّا وعالميًّا حتى اتخذت أمريكا ودول أوروبا نفس الموقف ورفضا التهجير بعد عدة لقاءات وزيارات لزعماء وقادة أوروبيين في القاهرة، استمعوا خلالها لتحذيرات الحكومة المصرية ورفضهم القاطع لدعوات التهجير، وتأكيد مصر على حق الفلسطينيين في أراضيهم والعودة إلى وطنهم، كما كرر الرئيس السيسي تأكيده خلال استقباله قادة الغرب في القاهرة، أن مصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم أو إنهاء القضية الفلسطينية، وأن نقل المواطنين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء يعني نقل فكرة المقاومة والقطاع من غزة إلى سيناء، وأقامت مصر قمة القاهرة للسلام بمشاركة أكثر من 130 دولة ومنظمة إقليمية، وقمة عربية، شارك فيها أكثر من 57 دولة.

اتصالات مكثفة:

منذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني على قطاع غزة تواصلت مصر مع كافة الأطراف الدولية الفاعلة وأجرت الخارجية المصرية اتصالات مكثفة مع وزراء خارجية السعودية والأردن وكندا والاتحاد الأوروبي، كما تلقى الرئيس السيسي اتصالات هاتفية من العاهل الأردني عبد الله الثاني، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومحمد بن زايد آل نهيان ورئيس الإمارات المستشار الألماني أولاف شولتز، وسكرتير عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، وسلطان عمان هيثم بن طارق والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأمريكي جو بايدن لوقف العدوان على الفلسطينيين وحماية المدنيين.

لقاءات واجتماعات:

استقبلت القاهرة خلال الأيام الأولى للقصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لنقل رؤية مصر ورفضها للعدوان على القطاع أو تهجير الفلسطينيين، وأجرت الحكومة المصرية لقاءات واجتماعات مع العديد من قادة وزعماء العالم، وحذرت من خطورة تردي الموقف وانزلاقه لمزيد من العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، ودخول المنطقة في حلقة من التوتر تهدد الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي، وأكدت مصر على ضرورة حماية المدنيين ورفض التهجير القسري وتصفية القضية الفلسطينية ومن العقاب الجماعي للمدنيين داخل قطاع غزة، ويوم 19 أكتوبر 2023، عقد الرئيس السيسي وعاهل الأردن عبد الله الثاني بن الحسين قمة بالقاهرة رفضا خلالها التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم إلى مصر أو الأردن، ويوم 20 أكتوبر، عقد الرئيس السيسي مباحثات مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في القاهرة شدَّد فيها على ضرورة استمرار تدفق المساعدات إلى قطاع غزة، ويوم 21 أكتوبر 2023، استضافت مصر قمة القاهرة للسلام، ورفضت مصر رغبة المسؤولين الغربيين في القمة بصدور بيان توافقي يدين “حماس”، أو يبرر أي حق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، وشددت مصر منفردة في بيان المؤتمر أنها لن تقبل أبدًا بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أي دولة بالمنطقة، واستقبلت مصر عدة وفود فلسطينية على رأسها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى القاهرة لإجراء مباحثات بشأن اتفاقات الهدنة سواء الهدنة الأولى أو الهدنة المنتظرة الوصول لاتفاق حول بنودها حاليًا.

كما جاء إلى مصر عدة وفود أمريكية وإسرائيلية وقطرية من أجل مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وهو ما أعلنه ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات اليوم الـ 28 من ديسمبر عن مقترح مصر لإنهاء الصراع في غزة والذي يتضمن 3 مراحل متتالية مرتبطة ببعضها تنتهي إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وبالفعل تستقبل مصر منذ شهر يناير 2024 وحتى اللحظة العديد من الشخصيات والمسئولين لإتمام هذا الاتفاق، وتواصل مصر مساعيها على كافة الجوانب السياسية والدبلوماسية والإنسانية على مدار الساعة.

الإغاثة والمساعدات:

منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة جمعت الحكومة المصرية مئات الشاحنات المُحملة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية، وحشدت رأيًا عامًّا داخليًّا وضغوطًا خارجية لوقف القصف الصهيوني على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وعقدت مؤتمرًا من أمام معبر رفح بمشاركة  الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، وبعد عدة لقاءات للرئيس السيسي مع قادة أوروبا ووزير الخارجية الأمريكية بلينكن واتصالات عربية وأمريكية، نجحت مصر في إرسال المساعدات إلى الجانب الفلسطيني، وأدخلت إلى قطاع غزة آلاف الأطنان من الأغذية والأدوية والمساعدات الطبية والخيام ومواد الإعاشة ومياه الشرب وعشرات سيارات الإسعاف، ومئات الآلاف من أطنان الوقود وغاز المنازل، وبلغ حجم المساعدات المصرية أكثر من 80% من إجمالي كافة المساعدات التي جاءت إلى قطاع غزة، ومع بداية عام 2024، شيَّد الهلال الأحمر المصري مخيمًا لإيواء النازحين جنوب غرب خان يونس يسع أكثر من 6 آلاف نازح، ووفر بالمخيم جميع الخدمات الإغاثية والطبية والاحتياجات الأساسية من المواد الغذائية والمياه بشكل يومي، وتتواصل على مدار الساعة استقبال المساعدات من داخل وخارج مصر وإرسالها إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، كما يستمر عبور الجرحى والعالقين الفلسطينيين، ومزدوجي الجنسية والرعايا الأجانب.

الخلاصة:

أحد أسباب كتابة هذا التقرير هو توثيق جهود ومساعي الدولة المصرية من أجل دعم أشقائها الفلسطينيين في ظل ما يتعرضون له من شتى أنواع المأساة في قطاع غزة، وبيان ضغوطها لوقف العدوان على المدنيين من النساء والأطفال، ورفع المعاناة والإجرام الصهيوني اليومي عنهم، وتسطير التحركات المصرية سياسيًّا ودبلوماسيًّا ومخابراتيًّا؛ لوأد ما يحاك بأهالي قطاع غزة من مخططات تهجير وإبادة وتصفية للقضية الفلسطينية العادلة، وللرد على كل من يسعى إلى تشويه صورة القاهرة وطمس جهودها ومحاولاتها لرفع العدوان ودفع المعاناة عن أهل غزة وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية منذ اليوم الأول للاعتداءات الصهيونية وحتى اللحظة عبر معبر رفح الذي لم يغلق ولو لساعة واحدة في وجه المساعدات وعبور العالقين والجرحى والرعايا الأجانب، ولرصد كيف سخَّرت مصر قدراتها -بما هو مستطاع ومتاح في ظل الضغط الغربي المضاد والدعم الأمريكي للاحتلال والأوضاع الاقتصادية في مصر- للخروج من الوضع الراهن الذي يعيشه الفلسطينيين في القطاع، ووقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.

التعليقات مغلقة.