fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

حروب المدن وبطولات المقاومة ضد المعتدين.. غزة والفلوجة والسويس

92

حروب المدن وبطولات المقاومة ضد المعتدين.. غزة والفلوجة والسويس

نجاح المقاومة الفلسطينية في التصدي للاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة رغم الإمكانيات المحدودة لكتائب القسام والفصائل، وتكبيد العدو الصهيوني خسائر بالغة في الآليات والعتاد والجنود رغم كثافتها وتطورها الكبير، وإجبار عدة ألوية إسرائيلية على الانسحاب من قطاع غزة، وطلب هدنة أولى وإرسال الوفود أكثر من مرة إلى مصر وقطر من أجل إنهاء الحرب، جعل من حرب غزة نموذجًا تاريخيًّا يجسد انتصار المقاومة المحلية في التغلب على الجيوش المتقدمة في حروب المدن؛ ولذا في ذلك التقرير سوف نسلط الضوء على أبرز حروب المدن التي شهدت سقوط أعتى الجيوش رغم الفارق الهائل في التدريب والتسليح والخبرة والإمكانات، ورغم تعدد هذه النماذج سنكتفي بذكر أهمها، والتي واجهت فيها مقاومةٌ -أقرب ما تكون للشعبية- جيوشًا مكتملة ومجهزة، ونوضح كيف نجحت المقاومة في دحر الغزاة والمحتلين، وكيف سقطت الجيوش في نفس الفخ كل مرة.

تطور حروب المدن تاريخًا:

وضعت حرب المدن حدًّا أمام التفوق العسكري للجيوش المعاصرة المجهزة بأعتى أنواع الأسلحة وخاصة منها الجيوش الأجنبية المعتدية التي تسعى للاستعمار والاحتلال، كما في فيتنام وأفغانستان، والعراق وفلسطين، والشيشان، ومصر، وغيرهم، وقديمًا كانت حروب المدن تشهد تحصن المقاومة المحلية داخل جدران المدن لشهور وأكثر، والقيام بعمليات فدائية في معسكرات الجيوش المعتدية، ثم تطور الأمر إلى استقبال المقاومة للجيوش داخل المدن والتخلي عن التمسك بحصون المدينة؛ بسبب تطور تسليح الجيوش واعتمادها على المدفعية والتحول الذى تم في بنية الدولة الحديثة، وباتت المقاومة تُعد كمائن وخططًا تجعل كل بقعة داخل المدينة كابوسًا من الخسائر والضحايا؛ ما جعل حروب المدن تطور أكثر، فلجأت الجيوش الحديثة إلى الإبادة والقصف الجوي والتدمير قبل دخول المدينة، كما حدث في الحرب العالمية الثانية، وهو ما ردت عليه المقاومة ببناء الأنفاق لإنتاج وتحزين السلاح والانتقال فيما بينها من مكان إلى آخر والاحتماء بداخلها، وكذلك استخدام الأبنية المُهدَّمة للتحصن داخلها والهجوم على القوات المهاجمة.

ستالينجراد 1942:

 بدأت معركة ستالينجراد في أغسطس 1942، ووصفت بأنها سبب هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، حيث تجهز الجيش السوفيتي وتحصَّن داخل المدينة وحوَّل كل مكان بها لحصن دفاعي منتظرًا دخول الجيش الألماني الذي كان الأقوى في العالم وقتها، وبالفعل بعد دخول الجيش السادس الألماني ستالينجراد دون مقاومة وانتشر في عمق المدينة؛ فوجئ بالقصف من كل مكان، وتزايد عدد القتلى والمصابين، تزامنًا مع إغلاق مخارج المدينة وتم عزله في الداخل وقطع السوفييت عنه الإمدادات، وبقيت قوات الجيش الألماني في الداخل فريسة للسوفييت يصطادون منه بالعشرات يوميًّا؛ ما دفع الجيش الألماني إلى الاستسلام بعد أقل من شهرين، حيث إن قوات السوفييت كانوا يتلقون الإمداد والإسعافات وينقلون الجرحى عبر نهر الفولعا الذي كان خلفهم، أما جنود الجيش الألماني لم تأتهم إمدادات، ونفد منهم الطعام والذخيرة.

السويس 1973:

قبل الحديث عن المقاومة الباسلة في السويس ينبغي التنويه بأن الوضع على الجبهة بين الجيش المصري وجيش الاحتلال الإسرائيلي كان كالآتي؛ كانت دبابات ومدرعات ومدافع الجيش المصري وعشرات الآلاف من الضباط والجنود يتمركزون على الأراضي التي حرروها يوم السادس من أكتوبر، وعلى مدار أيام حتى يوم 22 أكتوبر عندما قررت الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقف إطلاق النار، والمسافة التي يقف عندها الجنود المصريين هي آخر مسافة تصل إليها صواريخ الدفاع الجوي المصري، إلا لواءين مدرعين إسرائيليين استطاعا اختراق منطقة وسط الجنود المصريين سميت بعد ذلك: بالثغرة؛ بسبب انقسام الجنود المصريين لقوتين تقدمت إحداهما عن تمركزها الرئيسي من أجل الضغط على إسرائيل وتخفيف الضغط عن القوات السورية، ووقتها عبرت القوات الإسرائيلية قناة السويس ودخلوا مدن القناة المصرية؛ خاصةً السويس على وجه التحديد، وبعد قرار وقف إطلاق النار حاول جيش الاحتلال السيطرة على مدن القناة وعلى رأسها: السويس؛ لهدف إستراتيجي واحد، وهو قطع الإمدادات عن الجيش المصري الذي يقف في نهاية الأراضي المحررة في سيناء ليسهل بعد ذلك العودة والقضاء على الجيش المصري هناك.

مقاومة السويس:

صباح يوم 24 تحرك الضابط الإسرائيلي إبراهام أدان بفرقة عسكرية مكونة من 3 ألوية مدرعة ولواء مشاء به 6 كتائب بجانب كتيبة مظليين، وكانت إسرائيل تتوهم أنها ستقدر على احتلال السويس بسهولة في أيام معدودة؛ لسببين: الأول: أن مدينة السويس لا يوجد بها قوات كافية، ولا أسلحة ثقيلة، وقوة جيش الاحتلال كانت كبيرة ومجهزة جيدًا. والثاني: أن الأسلحة الثقيلة والدبابات والمدرعات التي أرسلها الجيش المصري لحماية المدينة تم الهجوم عليها وتدمير جزء منها، وأسر الجزء الآخر؛ إلا أن ما كان ينتظر الجيش الإسرائيلي في السويس كان كبيرًا ومفاجئًا وسمي فيما بعد بكمين السويس.

فبالرغم من خلو مدينة السويس التي كان تعدادها 260 ألف نسمة من المواطنين؛ إلا أن هؤلاء السكان تم تهجيرهم بعد العدوان الثلاثي وحرب الاستنزاف؛ بسبب قصف إسرائيل للمدن الثلاث -السويس وبورسعيد والإسماعيلية-، إلا أن بضعة آلاف من الرجال الذين ظلوا في السويس كونوا بالتعاون مع الجيش والشرطة طوال سنوات حرب الاستنزاف المقاومة الشعبية في السويس والتي شاركت بالفعل في عمليات فدائية، وشهد يوم الـ24 من أكتوبر 1973 مع دخول 24 مدرعة ومثلهم من الدبابات والمدافع والأسلحة الثقيلة كمينًا محكمًا من المقاومة الشعبية في السويس بمشاركة عشرات من ضباط الجيش والشرطة استطاعوا في وقت قليل تدمير 40 دبابة ومدرعة من أصل 48، وقتلوا قادة هذه الدبابات باستخدام الأسلحة الصغيرة وقاذفات الآر بي جي 7، وصواريخ آر بي جي 43، والقنابل اليدوية.

وبعد انتهاء الكمين وقع جنود الاحتلال في المصيدة حيث واجهوا آلاف الطلقات والقذائف من كل مكان من داخل وخارج المنازل والأبنية، وخلال يوم وليلة تم حصار باقي القوات الصهيونية في المنازل وقسم الشرطة، وقررت الفرقة الإسرائيلية الانسحاب، ولكن ذلك أيضًا لم يكن سهلًا حيث اتخذت المقاومة المصرية مواقعها في الشوارع والطرقات وشرفات المباني، ومن يخرج من القوة الإسرائيلية كان مصيره القتل، ما دفع عدة جنود إلى الانتحار أو تسليم أنفسهم، واستطاع بعض الجنود الخروج من المدينة تحت حماية قصف المدفعية الإسرائيلية، وانتهت محاولة احتلال مدينة السويس بأكثر من 80 قتيلًا إسرائيليًّا، وقرابة 150 جريح بخلاف بعض الأسرى، وانسحاب القوى الإسرائيلية بالكامل، وحاولت إسرائيل تكرار احتلال السويس مرتين بعد ذلك؛ الأولى يوم 25 أكتوبر، والثانية يوم 28 أكتوبر؛ إلا أن شجاعة المقاومة المصرية سطَّرت الهزيمة الإسرائيلية في أراضي وشوارع السويس، ومنعت جنود الاحتلال من التفكير في ذلك، وتم وقف إطلاق النار يوم 28 أكتوبر.

مخيم جنين 2002:

مخيم جنين هو مخيم تم إنشاؤه عام 1953 من قِبَل منظمة الأونروا لإيواء مهجري النكبة ممَّن احتلت إسرائيل منازلهم عنوة بعد طردهم منها، ويقع المخيم غرب مدينة جنين التي تقع شمال الضفة الغربية وشمال كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعد ثاني أكبر مخيم في الضفة الغربية بعد مخيم بلاطة ويسكنه 14 ألف فلسطيني، تقريبًا، وتبلغ مساحته أقل من نصف كيلو متر مربع، وبسبب مشاركة المقاومة من داخل المخيم في الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى التي اندلعت في 28 سبتمبر عام 2000 وتوقفت فعليًّا في 8 فبراير 2005، دخلت دبابات ومدرعات الاحتلال الإسرائيلي مدينة جنين، وكذلك المخيم في إبريل عام 2002 وأعلنتهما منطقة عسكرية مغلقة ومنع الجميع من الوصول، وفرضت حظر تجوال ومارست كل أنواع الاعتداء على المدنيين والعزل داخل مخيم جنين، ومنعت دخول سيارات الإسعاف والعاملين في القطاع الطبي والإنساني من دخول المخيم، وقتلت أكثر من 52 فلسطينيًّا نصفهم تقريبًا من المدنيين بخلاف الجرحى، ودمرت أكثر من 150 منزل ومبنى، وارتكب القتل العشوائي واستخدمت الدروع البشرية والاعتقال التعسفي والتعذيب ومنع أي وسيلة علاج للجرحى ومنع دخول الإسعاف والإغاثة، وحاول تعقب أفراد المقاومة، إلَّا أن المقاومة داخل المخيم نجحت في قتل 23 جندي صهيوني وأصابت الكثير رغم كثافة جنود وآليات الاحتلال للمخيم وحصاره من الخارج، وبسبب شجاعة المقاومة ونجاحها في قتل عشرات من الميليشيات الصهيونية وإصابة العديد منهم باتت ذكرى المجزرة الصهيونية في المخيم تربط ببسالة المقاومة.

الفلوجة 2004:

تحولت الفلوجة من مدينة صغيرة تقع وسط العراق بمحافظة الأنبار غرب العاصمة بغداد، إلى أحد أشهر المدن التي أسقطت الجيش الأمريكي وأذلته، وفضحته أمام العالم في حرب أولى وثانية تضرع خلالها الرئيس الأمريكي جورج بوش من أجل نجاة جنوده من جحيم الفلوجة، فبعد الاحتلال الأمريكي للعراق يوم الـ9 من مارس عام 2003، شهدت العراق مجازر كثيرة بحق المدنيين العراقيين على يد القوات الأمريكية واستخدام لكافة الأسلحة المحرمة وسيطروا على كافة المدن تقريبًا؛ إلا أن الفلوجة كان لها رأيٌ آخر عندما  دخلتها القوات الأمريكية يوم 9 إبريل عام 2004 وبدأت تمارس البطش والعدوان ولم يقبل أهالي الفلوجة هذه الاعتداءات، وأدت 3 انتهاكات أمريكية متتالية إلى اشتعال المقاومة العراقية في الفلوجة وهذه الأحداث كالتالي:

– ضربت جندية أمريكية رجل مسن يبيع قنابل يدوية لصيد الأسماك عدة مرات بالحذاء، فما كان من الرجل الذي حركته كرامته إلّا أن دخل بيته وجاء ببندقيته وقتل الجندية فأمطرت الميليشيات الأمريكية الرجل بالرصاص وأردته قتيلًا.

– اختطاف جنود أمريكيين لفتاة عراقية من داخل حفل زفافها واحتجزوها عدة أيام.

– تمركز العديد من القوات العراقية أعلى أسح منازل الفلوجة.

هذه الانتهاكات الثلاث كانت سببًا رئيسيًّا في اشتعال المقاومة ورفع راية الجهاد في سبيل الله في المدينة التي لم يكن يتخطى سكانها 300 ألف عراقي من أهل السنَّة ضد العدوان الأمريكي، فاشتعلت المظاهرات والاشتباكات مع الميليشيات الأمريكية وقتل العشرات من أهالي الفلوجة، فانطلقت معركة الفلوجة الأولى باستهداف جنود الجيش الأمريكي عبر نصب كمائن مفخخة على الطرقات، وكانت البداية بقتل 4 جنود مرتزقة تابعين لشركة بلاك ووتر الأمريكية، بل وسحب أهالي الفلوجة الجثث المحترقة وعلقوها فوق الجسر الرئيسي فوق نهر الفلوجة، فحشدت الإدارة الأمريكية مئات من قوات المارينز على حدود المدينة فرد أهالي الفلوجة بالتجمع للمقاومة، وبدأت العشائر بقطع إمدادات الجيش الأمريكي وحاصروا القوات الأمريكية المهاجمة لها ونتج عن معركة الفلوجة الأولى مئات القتلى من الجيش الأمريكي بخلاف الآليات والعتاد، ولم يعترف الجيش الأمريكي إلا بـ 500 قتيل فقط، وطلب واشنطن هدنة بعد شهر من الحرب وكان هذا أكبر دليل على انتصار المقاومة في الفلوجة، ورغم الهدنة لم يتوقف الطيران الأمريكي عن قصف الفلوجة، وفي الـ7 من نوفمبر عام 2004 بدأ الجيش الأمريكي معركة الفلوجة الثانية باقتحام المدينة بريًّا بأكثر من 15 ألف من الكوماندوز، وقطعت المياه والكهرباء عن الفلوجَّة وكثَّفت من القصف الجوي على المدنيين -كما هو الحال بغزة اليوم- ورغم ذلك لم تستطيع القوات الأمريكية اقتحام المدينة فلجأت أمريكا للقنابل المحرمة دوليًّا، والقصف الصاروخي، وإلقاء الفسفور الأبيض، والقنابل الكيميائية والعنقودية، والقنابل النابالم وفائقة الوزن على المدنيين؛ ما أدى لمقتل وإصابة ونزوح الآلاف وتدمير المدينة بالكامل بنحو 90% من المرافق والبنية التحتية، وانتهت المعركة يوم 23 ديسمبر من نفس العام 2004، بتدمير المدينة بسبب مئات الصواريخ والقنابل المحرمة دوليًّا، ورغم دخول القوات الأمريكية المدينة استمرت المقاومة في الفلوجة وتركت آلاف القتلى من الأمريكان، واعترفت واشنطن بعد ذلك أن المقاومة في الفلوجة هي أقوى مقاومة واجهها الجيش الأمريكي منذ معركة هيوفي في فيتنام عام 1968.

مخيم جباليا 2004:

كعادة الاحتلال في تلقي الهزائم والخسائر من الفلسطينيين، تعرضت إسرائيل لهزيمة ثقيلة في معركة الدفاع عن مخيم جباليا التي دفعت إسرائيل للانسحاب من غزة، بعدما استهدف الاحتلال مخيم جباليا شمال قطاع غزة عام 2004، بأكثر من 100 دبابة وقصف جوي شرق المخيم، وقتل المدنيين في بيوتهم بالرصاص والقنابل للضغط على المقاومة، لوقف إطلاق صواريخ القسام والمقاومة، وخلال معركة استمرت 17 يومًا استخدمت المقاومة كل الوسائل المتاحة من عبوات ناسفة محلية الصنع، وصواريخ قصيرة المدى أسقط عبرها عشرات القتلى والجرحى من جنود الاحتلال، كما اقتحم موقع الإدارة المدنية للاحتلال وقتل قائد الحملة العسكرية على جباليا وخمسة آخرين، وإصابة آخرين بجروح مختلفة، بجانب سلسلة كمائن وتفجيرات تجاه ميليشيات الاحتلال، ونجحت المقاومة في تدمير أكثر من 22 دبابة، و31 جرافة، إضافةً إلى 18 ناقلة جند وجيب عسكري، وأجُبر أرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق على الانسحاب من قطاع غزّة بسبب الخسائر البالغة.

حرب غزة 2023:

باتت غزة أكبر مقبرة للمستعمرين والنموذج الأكثر نجاحًا وتميزًا في مواجهة جيش كامل التجهيزات والعتاد والآليات، وأحدث التكنولوجيا العسكرية، وأصبحت المدينة التي لا تتجاوز مساحتها 365 كيلو متر مربع المثال الأكبر في التاريخ لانتصار المقاومة على أحد أقوى الجيوش، وأضحى لها الدور الأكبر في حروب المدن، ورغم تحذير الغرب لإسرائيل من خسائر الاقتحام البري لقطاع غزة وتذكيرهم بخسائر أمريكا في الفلوجة؛ بجانب تمهيد إسرائيل للاقتحام البري بقصف القطاع بآلاف الصواريخ والقنابل الغبية، والمتفجرات المحرمة دوليًّا، مثل: الفسفور الأبيض، والقنابل كبيرة الحجم، وتدمرت غالبية القطاع؛ إلا أن الاحتلال تكبد خسائر مادية وبشرية وعسكرية وإعلامية فادحة خلال أكثر من 100 يوم على العدوان الصهيوني على القطاع.

ووفق تصريحات المتحدث الرسمي لكتائب عز الدين القسام “أبو عبيدة”، فإن المقاومة دمرت أكثر من 1000 قطعة وآلية حربية إسرائيلية؛ سواء من دبابات الميركافا فائقة التطور، والمدرعات والجرافات الضخمة، بجانب مئات القتلى من جنود العدو الصهيوني، ومقتل 532 ضابطًا وجنديًّا صهيونيًّا، وإصابة 2659 وفق الرواية الإسرائيلية منذ يوم  السابع من أكتوبر في عملية طوفان الأقصى وحتى اليوم 107 من العدوان، بجانب تأكيد إذاعة الجيش الإسرائيلي إصابة أكثر من 1600 جندي صهيوني بإعاقات شديدة، وأن 407 ضابطًا وجنديًّا يتلقون العلاج لإصابتهم بجروح خطيرة، وإصابة 692 بجروح متوسطة، و1562 بإصابات طفيفة، وبالطبع فإن الرواية الفلسطينية وهي الأكثر واقعية لاقترانها بعشرات المقاطع المصورة، تؤكد أن أعداد القتلى الإسرائيليين أكثر من ذلك بكثير.

ولم تتوقف خسائر إسرائيل منذ عدوانها على قطاع غزة على الأرواح والعتاد والأليات، حيث أظهرت مسودة لميزانية 2024 في إسرائيل أن عجز الميزانية من المتوقع أن يرتفع من 2.25% إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وقدر الأثر المالي للحرب بنحو 60 مليار دولار في الفترة 2023-2024، وذلك بافتراض انتهاء القتال المكثف في الربع الأول من العام، وتأتي التكلفة من أن كل يوم إضافي للعدوان يكلف الجيش الإسرائيلي نحو 272 مليون دولار، إذ يحصل كل جندي احتياطي على 82 دولارًا في اليوم وبلغ إجمالي هذه المدفوعات وحدها 2.5 مليار دولار، ومن المقرر أن يتم تعويض الشركات التي انخفض دخلها بشكل كبير بمبلغ 2.7 مليار دولار عن الأشهر الثلاثة حتى نهاية 2023، وتقدر بمستوطنات غلاف غزة بنحو 5.5 مليارات دولار، وعلى حدود لبنان تبلغ الخسارة المالية نحو 1.6 مليار دولار،  200 كما تدعم إسرائيل ماديًّا 200 ألف مستوطن من غلاف قطاع غزة الذين أُجلوا من مستوطناتهم بشكل يومي، كل هذه الخسائر ولم تحقق إسرائيل أيًّا من أهدافها المعلنة من العدوان المتوحش على القطاع ولا يزال 132 أسيرًا إسرائيليًّا محتجزين في غزة، بجانب انهيار شعبية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والخلافات التي تعصف بتماسك حكومة الحرب المصغرة، وفضح ضعف الجيش الإسرائيلي وحكومته واستخباراته، وآلياته العسكرية إعلاميًّا على مستوى العالم.

لماذا تنجح المقاومة في حروب المدن؟

عدد خبراء عسكريين سبل نجاح المقاومة في حروب المدن، وتحديدًا في الأمثلة السابقة وأرجعوها لعدة عوامل أبرزها: أن تكون المقاومة من أهل المدينة، وأن يحظوا بدعمهم، وأن يكون لديهم شبكة أنفاق وطرق للإمدادات لنقل الذخيرة والطعام والجرحى والأدوية، كما أن الأنفاق تحرم الجيوش من أسلحتها وأنظمتها وأنظمة مراقبتها الحديثة؛ بالإضافة إلى الإعداد الجيد من المقاومة مسبقًا لاستقبال الجيوش داخل المدن، واستدراج الدبابات وحصارها في أمان ضيقة لاستهدافها، استخدام أسلوب العصابات وتفرقة تجمعات الجيش داخل شوارع وأبنية المدينة، وهو ما رأيناه في الأمثلة السابق كلها تقريبًا، وأبرزها وأهمها: ما ظهر في قطاع غزة، وهو ما نلخصه في نقاط كالآتي:

– تستفيد المقاومة من أسلوب تدمير المدن بالقصف عن طريق الجو حيث تكون الجدران والمباني المدمرة حواجز طبيعية للاختباء والهجوم على المعتدين من مكان لمكان؛ بسبب معرفة أصحاب وأهل المدينة بتفاصيلها وشوارعها وهو ما يجهله العدو.

– معنويات المقاومة المرتفعة عامل حاسم في حروب المدن؛ لأنهم في وطنهم ولديهم ثقة ومميزات على عكس العدو الذي يجهل المكان الذي يسير فيه ولا يعلم من أين توجه له الضربات

– حروب المدن تحرم العدو من تأمين خطوط الإمداد بالمؤن والذخائر وتضع الكثير من العوائق والسواتر وتُصعب تأمين نقاط المراقبة، أما المقاومة فخزائنهم ممتلئة بالطعام والذخيرة داخل الأبنية أو الأنفاق، وفي الغالب تكون معدة لتكفي لأشهر.

-استفادة المقاومة في حروب المدن من الأزقة والعوارض والرمي من خلف زوايا المباني، وسرعة الحركة على عكس الجيوش التي تفقد ميزة امتلاكها للمدرعات والدبابات؛ لأن المقاتلين في الطرف المقابل يستطيعون مباغتتها من مسافات قريبة، من داخل المباني السكنية واستغلال نقاط الضعف الأخرى للآليات وتدميرها كما تفعل كتائب القسام في قطاع غزة.

– طاقم الدبابة له مدى رؤية محدد من الداخل، وزوايا عمياء تمنعه من تحديد الأهداف القريبة؛ لذا فهي تحتاج إلى قوات المشاة لحمايتها، وبالتالي تفقد الدبابات القدرة على الرؤية وتكون الدبابات والآليات والجنود غنيمة أمام صواريخ وقناصة قوات المقاومة.

– الأنفاق لها دور كبير في إلحاق الخسائر بالعدو وحماية المقاومة داخلها، وقدرتهم على استمرار أمد الحرب لأشهر، وهو ما يستنزف قدرات العدو المادية والبشرية والنفسية، وأفضل الأمثلة على ذلك خسائر العدو الصهيوني في قطاع غزة.

الخلاصة:

أحد أسباب كتابة هذا التقرير الإشارة إلى أن الغلبة والعداد الضخم ليس شرطًا للفوز في المعارك، وأن مقاومة قليلة بعتاد بسيط تستطيع هزيمة أعتى وأقوى الجيوش رغم الفارق الضخم في العدة والعتاد، وهو ما يوضح أن النصر من عند الله عز وجل بعد الأخذ بالأسباب والسبل التي تدحر الغازي المعتدي وتجعل منه مثالًا للسخرية وإهانته في أرض المعركة، وعدم الخوف من أي قوة مهما بلغت أو أي عتاد أيَّما كان، فإذا نظرنا إلى فيتنام الي قاومت بشراسة ومات من شعبها الملايين في مواجهة العدوان الأمريكي إلَّا أنها انتصرت في النهاية وباتت أول من هزم الأمريكان، وعلى دربها سارت الفلوجة في العراق والمقاومة في أفغانستان.

ورغم تعدد أمثلة المقاومة وقوتها وشراستها وذكائها؛ إلّا أن المقاومة الفلسطينية تكاد تكون النموذج المثالي للدفاع عن الأرض ومكافحة المحتل وقطع أيادي المستوطنين، فلم تمنعهم عقود من البطش والقتل والاستيطان والأسر من مواصلة الصمود، بل خططوا ونفذوا وأطلقوا في السابع من أكتوبر طوفان دمر سمعة إسرائيل، وقذف الرعب في قلوبهم، واستمروا لأشهر في قطاع غزة يدمرون مئات الدبابات والجرافات والمدرعات الأحدث عبر العالم؛ حتى باتوا خير مثال للمنعة والنضال، والجهاد في سبيل الله.

المصادر:

الشرق الأوسط- «حروب المدن» واستراتيجيات الجيوش: «فن» لا بد من تعلمه- 18 أغسطس 2022.

Bbc- حرب الشوارع: كيف غيرت مجرى الصراعات من ستالينغراد إلى ماريوبل؟- 31 مارس 2022.

روسيا اليوم- ما هو مصنع “آزوفستال” الذي أصبح محور القتال في ماريوبول؟- 18 مايو 2022.

ستب نيوز- الفلوجة أجبرت بوش على الصلاة.. خطف عروس وإهانة بائع قنابل وتلصص على النساء قلب العراق على رأس أمريكا!- 8 أغسطس 2020.

ستيب نيوز- الحروب داخل المدن تغيرت وإلى الأبد.. لا محرمات والقوة الغاشمة ليست كل شيء- 17 نوفمبر 2023.

الميادين- بين غزة وجنين.. مقاومة تسطر بطولات- 14 يناير 2023.

الجزيرة- مخيم جنين.. جغرافية خاصة في تاريخ ملتهب- 18 يوليو 2023

الجزيرة- العدوان على جنين.. ما أشبه الليلة بالبارحة- 5 يوليو 2023

Bbc -ماذا نعرف عن مدينة جنين ومخيمها؟- 3 يوليو 2023

الجزيرة- كيف صمدت الفلوجة؟- 3 أكتوبر 2004.

طريق الإسلام- ذكرى معركة الفلوجة وهزيمة أمريكا في العراق- 12 إبريل 2018.

الجزيرة- الفلوجة.. مدينة لم تنم منذ احتلال العراق- 14 يوليو 2015.

عربي 21- فلوجة المقاومة… لماذا يخشون ذكراها؟- 7 إبريل 2020.

الميادين- مدن القناة .. من الاحتلال إلى حظر التجوال- 28 يناير 2013.

الشرق الأوسط- مدن القناة الثلاث.. تاريخ من المقاومة والبطولات- 6 أغسطس 2015.

الميادين- في ذكرى حرب أكتوبر.. المقاومة الشعبية والجيش في حرب السويس كما رواها حافظ سلامة- 4 أكتوبر 2018.

عربي بوست- من بينها معركتا الفلوجة والموصل.. إليك أشهر حروب المدن عبر التاريخ-

 نوفمبر 2023.

الجزيرة- لماذا تعد حرب المدن من أصعب الحروب للمدرعات والدبابات؟- 3 نوفمبر 2023.

الجزيرة-حرب الشوارع.. الكابوس المرعب للقادة العسكريين – 21 نوفمبر 2016.

سكاي نيوز- تستمر الحروب ولا تموت المدن- 6 يناير 2024.

التعليقات مغلقة.