fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

طريق الحرير… مبادرة الحزام والطريق وتحولات الاقتصاد العالمي

134

طريق الحرير… مبادرة الحزام والطريق وتحولات الاقتصاد العالمي

الصين تنفض الغُبار عن طريق الحرير القديم بعد أكثر من ستة قرون؛ لتُقام على أنقاضه جسور تربط العالم؛ أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، يهدف إلى الهيمنة الاقتصادية العالمية، وربط العالم بالصين؛ رسم للدول النامية طريقين لا ثالث لهما، أما النهضة أو الخضوع لسطوة المديونية؛ مبادرة الحزام والطريق الحل الأخير لإفراغ المخازن الصينية من المنتجات؛ خريطة اقتصادية عالمية جديدة بزعامة بكين بدأت بالتشكل، فهل بدأت ملامح قوة الصين الوهمية بالسيطرة على أمريكا والعالم؟

يركز موقع “رواق” للأبحاث والدراسات في هذا التقرير عبر تحليلاته وتوقعاته في بعض النقاط المهمة حول مبادرة الحزام والطريق الصينية الجديدة، وكيف ستستفيد الدول النامية من هذا المشروع؟

طريق الحرير الجديد:

عالم جديد تلعب فيه الصين دور البطولة بعد أكثر من 600 عام؛ يعد أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، شريان مُتشعب من السكك الحديدية والمرافق والمناطق الصناعية، الهدف منها ربط الصين بالعالم أجمع، لتسهيل نشر وتوزيع منتجاتها إلى كل الأسواق في كل القارات، بداية من آسيا وأوروبا الى أفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطي، تشارك في هذا المشروع 123 دولة، إلا أن روسيا وباكستان هما أبرز الداعمين، إلى جانب المملكة المتحدة وتركيا واليونان. (بي بي سي عربية).

بداية مبادرة الحزام والطريق:

يظن الغالبية أن بداية المضُي في المشروع كانت في 2013م، مع إعلان الرئيس الصيني لذلك، ولكن الأصح أن إحياء طريق الحرير القديم بدأت منذ بداية التسعينيات، وتحديدًا مع بداية العمل على الجسر الأوروبي الأسيوي، بهدف وصل الصين وروسيا وكازاخستان وأيضًا منغوليا وألمانيا عبر سكك حديدية، وليست الصين الوحيدة التي فكرت في مشروع إعادة إحياء طريق الحرير، فقبلها كانت اليابان وبعدها أمريكا وآخرها الهند، ولكن الصين هي الوحيدة التي تجاوزت التصريحات إلى مستوى الفعل والإحياء الفعلي للمشروع.

واليوم باتت خطة المشروع واضحة تمامًا؛ إذ يغطي 66 دولة في 3 قارات، هي آسيا وأوروبا وإفريقيا، وقسم تنفيذه إلى ثلاث مراحل، مناطق محورية، ومناطق للتوسع، ومناطق فرعية، كما سيتم التنفيذ على فرعين اقتصاديين، الطرق البرية، أي: الحزام، والطرق البحرية، أي: الطريق، حيث يشمل الأول على 6 ممرات موزعة على جميع القارات، بتكلفه ضخمة للمشروع ليست بالملايين ولا المليارات، وإنما بالتريليونات حيث بلغت توُقعات تكلفته 8 تريليونات دولار، حتى إنه منذ وضع حجر الأساس فقط استثمرت الصين 80 مليار يورو، وتمتعت بقروض قد بلغت قيمتها 265 مليار يورو.

مبادرة الحزام والطريق خطة بكين للهيمنة العالمية:

وإن كان دور الطريق التاريخية القديمة منحصرًا في مدِّ جسور التبادل التجاري والثقافي فقط، فمبادرة الصين الجديدة تجاوزت ذلك وداعمته بدور سياسي مباشر، فبحسب الاقتصاديين والسياسيين؛ فإن مشروع الطريق والحزام، هو أهم خطوات الصين في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي، ووضع حدٍّ لامتداد قوة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أعلنه الرئيس الصيني علنًا في أحد تصريحاته، عندما قال: “هي إستراتيجية صينية ضد تحرك الولايات المتحدة الأمريكية شرقًا نحو آسيا”.

بل واعتبر الرئيس الصيني أن مصالح الدول الآسيوية باتت متشابكة، وهو ما يضعنا مباشرة أمام تشكل مجتمعي ذي مصير مشترك، وبداية تشكل الخطوط الأولية لخريطة جديدة للنظام الاقتصادي العالمي، تكون فيه الصين قوته المركزية.

ماذا تستفيد الصين وبقية الدول النامية من مبادرة الحزام والطريق؟

لو بحثنا عن ما ستحققه الصين مِن كلِّ هذا، وكذلك بقية الدول ومنها العربية، فإننا سنلخص الإجابة في بضعة أسطر؛ شبكة من الأسواق الدولية للمنتجات الصينية، التي لم يعد لها مكان في السوق المحلية الصينية الضخمة، وبالتالي زيادة الطلب على منتجات الصين من الصناعات الثقيلة: كالإسمنت والحديد الصلب، والألمنيوم والزجاج، والتي لا تزال تعاني من ركود في التسويق؛ بسبب الإنتاج الفائض وغير المستغل، وهو ما يؤكده الفارق بين إنتاج الفولاذ الذي بلغ مليار طن، والاستهلاك الداخلي منه الذي لا يتجاوز 8 مليون طن فقط.

أما بقية الدول، فتنزانيا مثلًا؛ يتم العمل على تحويل إحدى مدنها الساحلية، إلى ميناء سيصبح أكبر موانئ القارة الأفريقية.

باكستان ستستفيد من مد السكك والقطارات والطرق السريعة ونقاط إنتاج الطاقة، إلى جانب تعديل مرفأ جوادر على بحر العرب، وهو ما سيؤمن الطريق لواردات النفط الصينية من الشرق الأوسط. (مونت كارلو الدولية).

الشرق الأوسط ومبادرة الحزام والطريق:

تعد منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق في مشروع مبادرة الحزام والطريق. منذ إنشائها في عام 2013م، حظيت مبادرة الطريق والحزام باهتمام بالغ من قبل دول العالم، ولما كان الشرق الأوسط غني بالطاقة، فتكمن مصلحة بيكين الرئيسة في الشرق الأوسط في استمرار الحصول على موارد الطاقة، فالنمو الثابت والملفت الذي شهدته الصين منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي أدى إلى تزايد حاجاتها إلى الطاقة، كما زادت أهمية النفط بالنسبة للصين منذ عام 1995م بكثرة، كما أن الشرق الأوسط من أهم مناطق العالم بالنسبة للغاز المسال، وهو ذو أهمية بالنسبة للصين. حيث اتجهت الصين إلى استيراد الغاز من الشرق الأوسط.

المصالح الصينية في الشرق الأوسط:

المصالح الصينية في الشرق الأوسط كثيرة ومتشعبة، ويأتي في مقدمتها توليد فرص استثمار جديدة، وتحصيل عقود مشاريع بنية تحتية للشركات الصينية؛ بالإضافة إلى كسب حصة في السوق لمنتجاتها، فالشرق الأوسط بالنسبة للصين يعتبر ساحة لتحقيق كثير من الرؤى الإستراتيجية واختبار الأطر التكتيكية؛ ذلك أنه في حده الأدنى منطقة نفود بعيدة عن الجوار الآسيوي تمكن من المناورة والمساومة وليس التصادم والمنافسة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بل قد يوحي بشكل من التعاون المرحلي كمدخل لإطار إستراتيجي.

تستورد الصين أكثر من نصف احتياجاتها من النفط من دول الخليج العربي، وتستورد ثلث ما تحتاجه من الغاز الطبيعي من دولة قطر تحديدًا، وكلها دول شرق أوسطية؛ ولذلك أسست شركات الطاقة الصينية الرئيسية موانئ كأقدام لها للإمداد من الشرق الأوسط، حيث تمتد شركات الطاقة الصينية الشرق أوسطية إلى مشروعات البتروكيماويات والغاز الطبيعي ومشاريع التكرير في الصين نفسها.

وتعمل الصين بجهد كبير لتعزيز نفوذها السياسي من باب تقوية الشراكات الاقتصادية، والمساهمة في تطوير البنيات التحتية للدول العربية؛ لذلك شهد هذا العقد ازديادًا في حجم التجارة بين الصين ودول منطقة الشرق الأوسط، حيث ارتفع لنحو %600، وبلغت الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط أكثر من 160 مليار دولار عام 2016م.

ويمكن القول بأن مبادرة الحزام والطريق هي بمثابة رؤية إستراتيجية لدور الصين في النظام العالمي، ويؤكد المشروع على تطوير دبلوماسية جديدة للصين ذات طابع اقتصادي عالمي يتناسب مع مكانتها بوصفها قوة كبرى، وتقديم الصين لنفسها كبديل في مجال التنمية الاقتصادية في مقابل تركيز الولايات المتحدة والدول الأوروبية على الأمن، ومراعاة المصالح المشتركة لدول العالم.

إفريقيا ومبادرة الحزام والطريق:

يزداد التنافس الدولي على إفريقيا ويكتسب أبعادًا إستراتيجية جديدة؛ فهي تختزن حوالي %12 من احتياطي النفط العالمي، ونحو %10 من إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي العالمي، ناهيك عن المواد الطبيعية التي يزخر بها باطن القارة، ولم تعد القوى المتنافسة التقليدية، بل دخلت قوى صاعدة جديدة إلى المنطقة كالصين والهند واليابان. وباعتبار الصين قوة صاعدة جديدة كان من الطبيعي أن تصبح الساحة الإفريقية تجسيداً للمشروع الإستراتيجي الصيني، أو جزءًا مما يسمى: «الحلم الصيني»، وتدرك بكين أهمية العلاقات مع دول إفريقيا؛ ولذا تسعى جاهدة لإنجاح هذه التجربة بوصفها نموذجًا يقوم وفق رؤية بكين على أساس الاحترام والمساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

ومن خلال السنوات العشرين الماضية شهدت العلاقات الصينية – الإفريقية تطورات غير مسبوقة في تاريخها الحديث والمعاصر. وعلى الرغم من أن وجود الصين في إفريقيا قديم منذ الستينيات من القرن الماضي، فإن حجم هذه العلاقات وطبيعتها قد تغير بشكل متسارع منذ بداية تسعينيات القرن الماضي. وهذا التسارع في العلاقات جاء لمواكبة الصعود الصيني المتسارع على الساحة الدولية على كلٍّ من الأصعدة الاقتصادية والسياسية.

مدى استفادة مصر من مبادرة الحزام والطريق:

وحول استفادة مصر من مبادرة “الحزام والطريق” الصينية الجديدة، يرى اقتصاديون، أن العالم يقوم على ثلاث ركائز في الوقت الراهن هي: “التكنولوجيا والثروات، والمال”، وأن الصين تمتلك الكثير من التكنولوجيا مثل العديد من الدول المتقدمة.

وبحسب الاقتصاديين: فإنه في الوقت الذي تمتلك فيه الصين التكنولوجيا، فإن مصر تمتلك الكثير من الثروات، منها: الذهب والغاز والبترول في الصحراء الغربية.

وأضافوا: إن التعاون المصري الصيني تنبع أهميته من توجُه الصيني نحو إفريقيا؛ خاصة أن الطريقة القديمة التي كانت تتعامل بها الصين في إفريقيا وهي: البيع المباشر لبعض المنتجات أصبحت غير مجدية، حيث تتجه الآن للاستثمار الفعلي في إفريقيا، وهو ما يجعل مصر في دائرة الأهمية كونها بوابة إفريقيا، كما أنها الأنسب للاستثمار في الوقت الراهن.

أشاروا إلى أن الصين يمكن أن تدخل مصر بالتكنولوجيا الحديثة، فيما تشارك مصر بالثروات الهائلة الموجودة لديها، فضلًا عن التشريعات وتهيئة البنية التحتية وتشريعات الاستثمار وكل ما يمثل تسهيلات في إطار التعاون الاستثماري.

وتقول تقارير: إن الصين تشارك بقوة في المناطق الاستثمارية الواعدة منها محور قناة السويس؛ إضافة إلى أن مصر موقعة على عدد كبير من الاتفاقيات المتعلقة بالتبادل التجاري مع الدول الإفريقية والأوروبية والعربية، وهو ما يتيح الاستفادة من الإعفاءات المتضمنة في الاتفاقيات مع هذه الدول.

من ناحيته: قال السفير محمد عبد الغفار رئيس المجلس الاقتصادي الإفريقي، إن طريق الحرير ينبع من البحر المتوسط ويأخذ مساره التاريخي من اليونان حتى أقصى الجنوب، وأنه يعمل على انتعاش التجارة البينية في العالم بشكل كامل.

وأضاف: إن معبر قناة السويس يمثِّل أهمية كبيرة كونه طريق المجرى القديم.

ويرى أن مبادرة الحزام المعنية بالتنمية حول ضفتي الطريق تمثل أهمية كبيرة، من خلال البنية الأساسية القوية للدول العربية والتي تعمل على توطين صناعات لسد الطلب على التجارة التي تمر عبر الطريق، وأن مصر هي أكثر استفادة؛ خاصة أنه المنفذ للعديد من الدول الإفريقية.

مشروع مارشال الأمريكي:

استنادًا على تحليلات الخبراء؛ فإن هذه المبادرة الصينية “الحزام والطريق” هي خطة طبق الأصل من خطة مرشال الأمريكية، من حيث الاهتمام بالطموحات الجيواستراتيجية للدولتين، فقط مع اختلاف في الأزمنة؛ فأهداف الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين، باتت نفسها أهداف الصين، ولكن في القرن الواحد والعشرين.

وللذين يتساءلون خطة مارشال؛ هي ذاك المشروع الأمريكي الاقتصادي، الذي وضع للدفع بأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والمعروف بقُبلة الحياة لأوروبا؛ إلا أن الاختلاف الوحيد أو لنقل: الاختلاف الجوهري بينهما: أن مشروع “الحزام والطريق” لا يرتكز على الاستثمار الأجنبي المباشر؛ بل يعتمد في الأساس على القروض، فلماذا أثارت هذه النقطة بالذات انتقادات لاذعه، وصلت إلى حدِّ التوُقع بفشله قبل اكتماله؟

إنقاذ أم فخ من الديون الصينية؟

في السنوات الأخيرة، ازداد نفوذ الصين العالمي، بعد أن صارت من أكبر الدائنين؛ يأتي ذلك تحديدًا بعد تقديمها لقروض مالية ضخمة لحكومات آسيوية وإفريقية، وكذلك أوروبية، ومع البحث اكتشفنا أن غالبية الأموال تم الضخ بها إلى دول تنتمي إلى مبادرة الحزام والطريق، تحت مسمى: إنقاذ مالي لدول المشروع الصيني.

ووصلت هذه الديون إلى مئات المليارات من الدولارات لفائدة 22 دوله نامية، التي واجهت عراقيل في تسديد نفقاتها على البنى التحتية لفائدة مبادرة طريق الحرير، وتصدرت الأرجنتين قائمة هذه الدول، تليها باكستان ثم مصر. (سكاي نيوز عربية).

مديونية ثقيلة؛ أثقلت بها الصين عاتق الدول الفقيرة، بمنحها قروضًا تصل نسبة فائدتها إلى 5% مقابل 2% لفوائد صندوق النقد الدولي.

دبلوماسية الصين الناعمة:

تكون الصين من خلال هذه القروض، ومن خلال دبلوماسيتها الناعمة، قد نجحت في فرض هيمنتها السياسية تدريجيًّا، بداية من وعود التنمية إلى القروض طويلة المدي، وأخيرًا التحكم باقتصاد هذه الدول، وبسط نفوذها.

توقعات بفشل مشروع مبادرة “الحزام والطريق”:

ومن هنا، وضع المحللون توقعاتهم بفشل مبادرة الحزام والطريق، ومن أبرز الأسباب لتوقعاتهم هذه، هي في الأساس ما سيشهده الاقتصاد الصيني ذاته، من تأثيرات بسبب الدعم الذي يتم تقديمة لدول الحزام؛ ومن جهة أخرى، لا يمكن أن نتغاضى عن الفساد المالي لهذه الدول التي تقدم لها هذه المساعدات؛ زد على ذلك غياب الاستقرار السياسي في أهم محطاته، وهي: أفغانستان، والتي تعتبر من أصعب وأخطر المناطق التي سيمر فيها وجوبًا طريق الحرير.

من جهة أخرى: هناك المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، التي تترصد الصين، وبدأت في الكشف عن مخالبها للتصدي لما يعتبرونه مدًّا صينيًّا بريًّا بحريًّا؛ ولعل أبرز دليل على ذلك، اجتماع مجموعة الدول السبع، ومناقشته لخطة جمع 600 مليار دولار لتمويل البني التحتية بالدول النامية، كنوع من المواجهة غير المباشرة لمشاريع الصين، ليس هذا فقط؛ الأخطر من ذلك في توقعات الخبراء، هي أهداف الصين التي تواريها في الخفاء، ألا وهي الهيمنة العسكرية؛ إذ أنشأت الصين قاعدتها العسكرية في جيبوتي، وما زالت تخطط لقاعدة عسكرية أخرى بالشرق الأوسط، تحديدًا على البحر الأحمر، وكل ذلك تحت عله أنها مشاريع تأتي في إطار مشروع الحزام والطريق لا غير.

طريق الحرير القديم:

والآن وبعد أن تعرفنا على مشروع طريق الحرير الجديد، سنتعرف بشكل مختصر عن طريق الحرير القديم، حيث إنه من المهم أن ندرك أهميته التاريخية.

هي شبكة من الطرق البرية والبحرية، يتجاوز طولها 10 آلاف كيلومتر، ربطت الصين بأوروبا مرورًا بالشرق الأوسط؛ بفضلة تطورت عديد الحضارات على جانبيه، منها: الصين والكوريتين واليابان، وحتى القرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية. (مركز البيان للدراسات).

وبالرغم من اسمه؛ إلا أن التجارة لم تقتصر على الحرير، فمثلًا كان للورق والبارود تأثير أكبر؛ ذلك لأن كان للورق دورًا مهمًّا في التوثيق والمعرفة، والبارود أثر على شكل الصراعات؛ دون أن ننسى طبعًا بهارات وتوابل الشرق، ودورها في استحداث طرق الطهي الجديدة.

لم يكن طريق الحرير ممرًّا لتبادل البضائع فقط؛ وإنما الأديان والفلسفات والعلوم الحديثة المختلفة، لكنه من جهة أخرى، كان طريقًا ناقلًا للأمراض والأوبئة، وأشهرها: الطاعون، عندما تفشى في آسيا وأوروبا آنذاك.

وعن سبب الانقطاع عن استخدام طريق حيوية بهذه الدرجة، سنقول: إنها -وباختصار- الحروب والدولة العثمانية؛ ففي 1453م قطع العثمانيون التجارة مع الغرب، وأغلقت تلك الطرق تدريجيًّا، وبدأ الأوروبيون في البحث عن بدائل وطرق تجارية أخرى، يسوق الأوروبيون من خلالها بضائعهم.

في الجانب الآخر: فتح العثمانيون القسطنطينية، وفرضوا هيمنتهم التجارية على المنطقة، ومِن ثَمَّ على منطقة البحر الأسود، واستغلوا سيطرتهم على مضيق الدردنيل للاستغناء نهائيًّا عن طريق الحرير التاريخي أمام الأوروبيين.

وبدأ العثمانيون تبادلاتهم مع دولة المغول في الهند، التي تمر فقط عبر المحيط الهندي؛ الأمر الذي عرقل التجارة العالمية على أوروبا، ولكن الأوروبيون واصلو البحث عن ممرات أخرى رسموها عبر البحار، وسرعان ما حلت محل التجارة البرية المعتادة، عرف بعصر الاستكشاف الذي أنتهى بدورة إلى غزو العالم الجديد للأمريكيتين، وتطور ليكون استعمارًا أوروبيًّا لغالبية مناطق العالم.

الخلاصة:

– إن مباردة الحزام والطريق هي إعادة إحياء طريق التجارة الدولية القديم؛ “طريق الحرير” الذي كان يبدأ من الصين ويمر باليابان وشبه الجزيرة الكورية، مرورًا بآسيا الوسطي والشرق الأوسط وأوروبا.

– تحظى مبادرة الحزام والطريق على دعم كبير من العديد من الدول، على رأسها: كازاخستان وروسيا ودول الخليج والدول العربية؛ لما يحمله هذا المشروع الصيني الضخم، من خطط تنموية في الدول التي سيمر من خلالها.

– إن للصين أهدافًا أخرى غير معلنة وراء مبادرة الحزام والطريق؛ إذ يرى بعض المحللين: أن المشروع الصيني الجديد، يشبه إلى حد ما خطة “مارشال الأمريكية” للسيطرة الاقتصادية وفرض النفوذ على الساحة الدولية.

– مبادرة الحزام والطريق ليس مُعبدة بالورود، فالولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها داخل مجموعة السبع الصناعية الكبرى، تسعى إلى مواجهة النفوذ الصيني وعرقلة المشروع، وقد طرحت الولايات المتحدة مشاريع بديلة في خطوة لمواجهة النفوذ الصيني الصاعد على الساحة الدولية.

– إن دول الشرق الأوسط وإفريقيا ستستفيد بشكل كبير من مبادرة الحزام والطريق؛ بسبب الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية غير المستغلة التي تتمتع بها هذه الدول.

– مشروع “مبادرة الحزام وطريق” بشكل كبير سيفشل بسبب اعتماده إلى حدٍّ كبير على منح قروض إلى الدول التي تقع في مسار المشروع، بدلًا من الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر في هذه الدول؛ أضف إلى ذلك: ما تشهده أفغانستان من صراعات داخلية، إذ يمر طريق الحرير الصيني الجديد وجوبًا بالأراضي الأفغانية، بسبب موقعها الجغرافي واتصالها بدول آسيا الوسطى.

– كما أن منح الصين قروضًا للدول النامية التي ستكون عاجزة عن السداد، سيجعلها رهينة للهيمنة الصينية على قراراتها السياسية، وهو ما يُعتبر تحدٍّ آخر للمشروع الصيني.

المصادر:

سكاي نيوز عربية

مونت كارلو الدولية

بي بي سي عربية

مركز البيان للدراسات والتخطيط

التعليقات مغلقة.