fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

نتائج الانتخابات التايوانية وموقعها من الصراع الجيوستراتيجي بين أمريكا والصين

78

نتائج الانتخابات التايوانية وموقعها من الصراع الجيوستراتيجي بين أمريكا والصين

فاز مرشح الحزب الحاكم الديموقراطي لاي تشينغ تي في الانتخابات الرئاسية التايوانية، والتي كانت في الـ13 من يناير لعام 2024، وهو ما كان متوقعًا، وكان معاكسًا للرغبة الصينية، فيما كان مؤيدًا للتخطيط الأمريكي في المنطقة، وهو ما أثار حالة من الاستياء والغضب لدى الجمهورية الصينية الشعبية، فيما رحبت به الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بالنظر إلى المشهد السياسي التايواني بالكامل، نجد أن الحزب الديموقراطي الحاكم في تايوان خسر أصوات الأغلبية في البرلمان التايواني، فيما سجل حزب الكومينتانغ حضوره في البرلمان بنسبة 52 مقعدًا من إجمالي مقاعد البرلمان التايواني والمحددة بـ113 مقعدًا، وبهذه النتيجة يكون حزب الكومينتانغ هو حزب الأغلبية البرلمانية في البلاد، بينما جاء في المرتبة الثانية بعد حصوله على 51 مقعدًا، وتلاه حزب الشعب التايواني في المرتبة الثالثة بـ8 مقاعد، كما دخل البرلمان مرشحان مستقلان مقربان من حزب الكومينتانغ.

مع العلم أن الشعارات الانتخابية والتي كان يطلقها حزب الكومينتانغ القومي الصيني تحت عنوان: (إذا كنت تريد السلام فاختر حزب الكومينتانغ، وإذا كنت تريد الحرب فاختر الحزب الديمقراطي التقدمي)، وهو ما كانت تأمله الصين الشعبية، ولكن بالنظر والتمعن في سياسة لاي تشينغ تي فإنه من المتوقع أن يسير على نهج سلفه الرئيسي التايواني السابق تساي إنغ وين، والمتمثلة في التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإدارة الأزمات والتوترات الصينية التايوانية.

وبهذه النتيجة وبالنظر في تسلسل الأحداث في تايوان وانقلاب موازين القوى نجد أن الرئيس لاي تشينغ تي سوف يلجأ إلى محاولات التوصل إلى نقطة التقاء بين الحزب الديموقراطي وبين حزب الكومينتانغ الشعبي، وهما الحزبان الرئيسان في الدولة، وذلك من أجل الوصول إلى تمرير القوانين التي يريدها.

جذور الخلافات الصينية التايوانية:

يعود سبب التوتر القائم منذ عقود بين البلدين، إلى أن الحكومة الصينية ترى تايوان مقاطعة منشقة ستصبح في النهاية جزءًا من البلاد مرة أخرى، وبالعودة إلى البداية فإن جزيرة تايوان ظهرت للمرة الأولى في السجلات الصينية في عام 239 بعد الميلاد، حين أرسل إمبراطور صيني قوة استكشافية لاستكشاف المنطقة، وهو ما تستخدمه بكين كورقة لدعم مطالبتها الإقليمية بضم تايبيه.

وبعد فترة وجيزة نسبيًّا من الاستعمار الهولندي للجزيرة (1624-1661)، كانت تايوان تُدار من قبل أسرة تشينغ الصينية من 1683 إلى 1895، وهو ما يحلم به التنين الصيني في الوقت الراهن ومع تنامي قوته العسكرية والاقتصادية(1).

أهمية الاستقلال بالنسبة لتايوان:

قد أشعل اتفاق تجاري مثير للجدل حركة “سنفلاور” الاحتجاجية عام 2014، حيث احتل الطلاب والنشطاء البرلمان التايواني، احتجاجًا على ما وصفوه بنفوذ الصين المتزايد على تايوان.

ومن الناحية الرسمية، لا يزال الحزب الديمقراطي يفضل الاستقلال الرسمي النهائي لتايوان، بينما يفضل حزب الكومينتانغ إعادة التوحيد مع البر الرئيسي في نهاية المطاف.

وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته الحكومة التايوانية في مارس 2021، أن غالبية التايوانيين يدعمون حاليًا نهج حكومة الحزب الديمقراطي التقدمي في “حماية السيادة الوطنية”، ويقول الكثيرون: إنهم يشعرون بأنهم تايوانيون وليسوا صينيين.

وفي انتخابات عام 2020، فازت تساي بعدد قياسي من الأصوات بلغ 8.2 مليون صوت؛ الأمر الذي نظرت إليه الغالبية العظمى على أنه ينم بصورة أو بأخرى عن ازدراء لبكين(2)، ولكن نحن اليوم أمام تغير في المعادلة وفي النتائج، وهذا ما يعني أن الصين كانت تعمل بجهد كبير وعالي لتحقيق مكاسب على أرض الواقع وفي التصويت الأخير، حيث سجل حزب الكومينتانغ حضوره في البرلمان بنسبة 52 مقعدًا من إجمالي مقاعد البرلمان التيواني والمحددة بـ113 مقعدًا، وبهذه النتيجة يكون حزب الكومينتانغ هو حزب الأغلبية البرلمانية في البلاد، بينما جاء في المرتبة الثانية بعد حصوله على 51 مقعدًا، وتلاه حزب الشعب التايواني في المرتبة الثالثة بـ8 مقاعد، كما دخل البرلمان مرشحان مستقلان مقربان من حزب الكومينتانغ؛ بالإضافة إلى فوز لاي تشينغ تي برئاسة تايوان(4).

لاي تشينغ تي انفصالي خطير:

في الفترة التي سبقت الانتخابات، نددت الصين مرارًا وتكرارًا بالمرشح الرئاسي الأبرز في تايوان، ووصفته بأنه انفصالي خطير، ورفضت دعواته المتكررة لإجراء محادثات معها(5).

الموقف الصيني من النتيجة الانتخابية:

في تعليقها على نتائج الانتخابات التايوانية، أعلنت الحكومة الصينية رفضها لأي نشاط انفصالي يستهدف استقلال تايوان، مؤكدة عدم قبول أي تدخل خارجي، ورأت الصين أن فوز “لاي تشينغ تي” لن يؤثر على الشكل الأساسي للعلاقات عبر المضيق.

من جهة أخرى: أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية “هوا تشون ينغ”، بعد الانتخابات التايوانية أن قضية تايوان تعتبر قضية داخلية للصين بغض النظر عن التطورات السياسية في الجزيرة، وأضافت أن الحكومة الصينية تلتزم بمبدأ “صين واحدة” وتعارض أي محاولة للاستقلال أو أي توجهات انفصالية.

بالإضافة إلى ذلك، وجهت وزارة الخارجية الصينية رسالة للمجتمع الدولي من خلال المتحدث الرسمي، حيث أكدت على أنها تعتقد أن المجتمع الدولي سيظل ملتزمًا بمبدأ “صين واحدة”، كما شددت على التفهم والدعم للقضية العادلة للشعب الصيني في معارضته لأي أنشطة انفصالية تهدف إلى “استقلال تايوان” والسعي لإعادة التوحيد الوطني(6).

موقف الولايات المتحدة:

قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان أمس (السبت): الولايات المتحدة تهنئ د. لاي تشينغ – تي على فوزه في الانتخابات الرئاسية بتايوان، كما نهنئ شعب تايوان على إظهاره قوة نظامهم الديمقراطي القوي والعملية الانتخابية مرة أخرى(7).

سبب الاهتمام المتزايد بتايوان:

يتلخص الجواب في أربعة أحرف لاتينية، وهي: تي أس أم سيé (TSMC). ، ويختصر هذا الرمز اسم “شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات” (Taiwan Semiconductor Manufacturing Company)، ومقرَّها في هسينشو، حيث يتم إنتاج نسبة كبيرة من أشباه الموصلات في العالم.

وتعمل الشرائح الدقيقة الموجودة في الهواتف الذكية وأجهزة الحواسب المحمولة والسيارات والثلاجات وأجهزة التلفزيون وأنظمة الأسلحة الرقمية فقط باستخدام أشباه الموصلات تلك.

وتقول الخبيرة في الشؤون الصينية سيمونا غرانو، من جامعة زيورخ إنه “يضاف إلى ذلك الموقع الجغرافي الإستراتيجي لتايوان في وسط سلاسل التوريد العالمية وطرق التجارة البحرية”. ويشكّل الحفاظ على الوضع الراهن في تايوان، بالنسبة لهذه الخبيرة، أهمية مركزية لتحقيق “الاستقرار العالمي”(8).

تداعيات محتملة:

تزايد التحديات المحلية:

 سوف تؤثر نتيجة الانتخابات على أولويات السياسة الداخلية، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالعلاقات عبر المضيق، والدفاع الوطني، والسياسات الاقتصادية، والإصلاحات الاجتماعية؛ فعلى الرغم من فوز الحزب الديمقراطي التقدمي، فإنه بسبب انخفاض حصته من الأصوات وفقدان السيطرة على الهيئة التشريعية.

كذلك أصبحت الحاجة إلى التعاون مع أحزاب المعارضة أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي التقدمي للتنقل عبر هيئة تشريعية منقسمة .

تزايد التجاذب بين واشنطن وبكين:

 سوف تؤثر نتائج الانتخابات على علاقات تايوان مع الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية، وخاصة الولايات المتحدة، وبما أن الولايات المتحدة هي الشريك العسكري الرئيسي لتايوان، فإن استمرار حكم الحزب الديمقراطي التقدمي قد يؤثر على الديناميكيات الإقليمية؛ خاصة في سياق العلاقات الأمريكية الصينية.

إذ تعتبر وضعية تايوان من أكبر القضايا الخلافية في المنافسة بين الصين والولايات المتحدة الداعم العسكري الرئيسي للجزيرة؛ إذ تنوي واشنطن إرسال “وفد غير رسمي” إلى تايوان بعد التصويت.

وفي الوقت نفسه شدد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” على أن الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان، كما هنأ وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” الرئيس التايواني الجديد “لاي” مشيدًا بصلابة النظام الديمقراطي في الجزيرة، لكنه أكد أيضًا التزام واشنطن بالحفاظ على السلام والاستقرار عبر المضيق والحل السلمي للخلافات بعيدًا عن الإكراه والضغوط .

ومن ثم، فإنه على الرغم من عدم مرور وقت طويل على احتفال واشنطن وبكين بعودة قنوات التواصل بينهما، وتبادل الزيارات الرسمية، فإن من المتوقع أن تستمر تايوان بوصفها ورقة ضغط أمريكية على بكين؛ حيث تأمل واشنطن أن يؤدي احتمال مشاركتها إلى ردع العدوان الصيني.

في المقابل: قد تستخدم الولايات المتحدة أيضاً نفوذها لتشجيع الحوار السلمي بين تايوان والصين(9).

مخاوف من تأثر التجارة العالمية والاقتصاد:

إن التداعيات الاقتصادية ممكنة؛ حيث إن السياسات الاقتصادية والعلاقات التجارية في تايوان قد تتأثر بالاستجابة الدولية للانتخابات، وأي تحولات في العلاقات عبر المضيق قد تؤثر على الديناميكيات الاقتصادية العالمية؛ فثمة مخاوف من أن تواصل بكين سياسة الضغط الاقتصادي على النظام الجديد في تايوان، وتتراجع عن بعض التخفيضات الجمركية على بعض المنتجات التايوانية، وهي سياسات سيكون لها انعكاسات على الاقتصاد والتجارة العالمية(10).

التحول في خريطة القوى السياسية:

يبدو أن تجربة تايوان الديمقراطية تتجه نحو مزيد من النضج، فبعد نحو ثلاثة عقود من أول عملية انتقال ديمقراطي للسلطة، جاءت نتائج انتخابات 2024 لتضع طرفًا ثالثًا على خريطة القوى السياسية في تايبيه؛ إذ تمكن حزب شعب تايوان، الذي يخوض الانتخابات الرئاسية لأول مرة من إثبات قدرته على إضفاء مزيد من الزخم على التفاعلات السياسية، وهو ما قد يغير المعادلة السياسية في تايوان على المدى الطويل بما يتجاوز فكرة تبادُل المواقع بين الحزبين الكبيرين، إذ يمكن لحزب شعب تايوان أن يقوى ويتحول بمرور الوقت إلى منافس حقيقي يمكنه الفوز بمنصب الرئاسة.

وقد منحت نتائج انتخابات اليوان التشريعي الحزب ميزة إضافية؛ إذ ستصبح مقاعده وازنة وستؤدي دورًا رئيسيًّا في ترجيح كفة طرف على حساب الآخر في ظل غياب الأغلبية البرلمانية؛ وبالتالي فإن حاجة الحزبين الكبيرين له داخل أروقة البرلمان سوف تزداد، ما يزيد من حيويته ودوره المؤثر في السنوات الأربع المقبلة.

التوجه نحو تعزيز الهوية التايوانية:

تشير نتائج الانتخابات، كما يروج لذلك الحزب الديمقراطي التقديمي، إلى رغبة الناخب التايواني في فرض الهوية التايوانية بعيدًا عن الصين، وهو ما يتماشى مع الاتجاه العام السائد خلال السنوات الماضية، إذ تراجعت نسبة المواطنين الذين يفضلون “التوحيد” مقابل زيادة الأصوات الداعمة لمبدأ “استقلال” تايوان أو الحفاظ على الوضع الراهن، مثلما كشفت عنه استطلاعات الرأي المتوالية التي تجريها جامعة تشينجتشي الوطنية، إذ كانت نسبة سكان تايوان الذين وصفوا أنفسهم بأنهم تايوانيون أقل من 18% فقط في عام 1992، ولكن هذه النسبة قد ارتفعت كثيرًا بحلول عام 2023 لتبلغ 63%؛ ما يشير إلى أن الاتجاه العام لحوالي ثلثي عدد سكان تايوان أكثر ميلًا للابتعاد عن الصين(11).

الخلاصة:

لا شك أنه وفي ظل هذه الأزمات والصراعات الأمريكية – الصينية تتنامى حدة الصراعات، والتحديات الداخلية والخارجية، وهي أشد من تلك التي تعرض لها الحزب ذاته في عهد ولايتي تساي، خاصةً مع صعود المعارضة التي تؤيد الصين بشدة وتختلف مع لاي أيديولوجيًّا لدرجة كبيرة، وهو ما قد يكون مكلفًا لحكومة لاي وسيطرته على أركان الدولة نفسها قبل التطرق للصراعات الخارجية مع الصين.

وهذا الانقسام الداخلي من شأنه أن يعرقل سياسات لاي على الصعيد الداخلي، ومن شأنه أن يفتح مجالًا للصين لاستغلال المعارضة لصالحها، وإن كان يهدف بشكل أساسي إلى خلق تصدعات داخلية في صفوف السلطة ومن ثم الشعب، أو للضغط على حكومة لاي لتقديم بعض التنازلات التي لم يكن ينوي الرئيس الجديد الإقدام عليها.

1_ الشرق

2_ بي بي سي

3_ القاهرة الإخبارية

4_ القاهرة الإخبارية

5_ العربي

6_ المركز المصري

7_ الشرق الأوسط

8_ SWI swissinfo.ch 

9_ إنتررجورنال

10_ مركز رع للدراسات

11_ مركز المستقبل

التعليقات مغلقة.