fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

طوفان الأقصى.. قراءة في مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط

0 51

طوفان الأقصى.. قراءة في مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط

ضربة قوية تتعرض لها القوات العسكريَّة الأمريكية بالشرق الأوسط لأول مرة منذ بدء الحرب في قطاع غزة؛ جنود أمريكيون يُقتلون في هجومٍ جوي مباغتٍ، نُفِّذ عبر مسيرة استهدفت “البرج 22” القريب من قاعدة التنف العسكريَّة الأمريكيَّة التي تقع على مثلث حدودي إستراتيجي هو الأخطر بالشرق الأوسط، والدفاعات العسكريَّة الأمريكيَّة بالقاعدة تفشل في حماية الجنود الأمريكيين.

ليأتي الرد العسكري الأمريكي والذي وُصف بالضعيف من قِبَل الجمهوريين بالولايات المتحدة، ليستهدف جماعات وميليشيات مسلحة بسوريا والعراق، وَسَط سخطٍ عراقيٍ ومطالب بالانسحاب من العراق.

فما تفاصيل الهجوم الذي استهدف قاعدة “البرج 22” الأمريكيَّة؟ وكيف كان الرد الأمريكي على الهجوم والموقف العراقي؟ وهل تنسحب الولايات المتحدة من سوريا والعراق حقًّا؟ وهل تتجه الأمور في الشرق الأوسط نحو حرب كبرى بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وطهران وأذرعها من جهة أخرى؟

يركز موقع “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير عبر تحليلاته على بعض النِّقَاط المهمة حول الهجوم العسكري على قاعدة “البرج 22” الأمريكيَّة وتداعياته على أمن المنطقة، في هذه السطور الآتية.

تفاصيل الهجوم على قاعدة “البرج 22” الأمريكيَّة:

أول مرة يقتل فيها جنودٌ أمريكيون في هجمات على مصالح أمريكيَّة منذ بدء الحرب في قطاع غزة؛ طائرة كبيرة مسيرة دون طيار، ضربت قاعدة أمريكية على حدود الأرْدُن وسوريا، قتل على إثرها 3 جنود أمريكيين، كانوا موجدين في خيام القاعدة عندما استهدف الموقع؛ بينما نُقل 34 عسكريًّا أمريكيًّا إلى المراكز الطبية بالقاعدة، ويخضعون لرعاية طبية دقيقة إثر اشتباه بإصابات محتملة في الدماغ؛ ووقع الهجوم عبر مسيرة أطلقت من سوريا، لتشن هجومًا على موقع عسكري للولايات المتحدة، يسمى “البرج 22”. (بي بي سي عربية).

وقاعدة “البرج 22” هو موقع عسكري صغير، تتمركز فيه قوات أمريكيَّة شمال شرق الأرْدُن، وتضم قوات الهندسة والطيران والخدمات اللوجستيَّة والأمنيَّة الأمريكية، ويقع موقع قاعدة “البرج 22” بالقرب من قاعدة التنف العسكريَّة الأمريكيَّة الكبرى في جَنُوب شرق سوريا.

وعقب الهجوم، انتشرت عدة روايات في وسائل الإعلام عن الموقع الذي وقع فيه الهجوم؛ فواشنطن أعلنت أن الهجوم قد وقع بداخل الأراضي الأردنيَّة، في حين نفى الأرْدُن ذلك مؤكدًا: أن الهجوم وقع داخل الأراضي السوريَّة عند نقطة قريبة للغاية، تُعد التقاء للحدود السوريَّة العراقيَّة الأردنيَّة، لكنها تبقى خارج حدود الأرْدُن، وداخل الحدود السوريَّة. (بي بي سي عربية).

ووجه الأرْدُن أصابع الاتهام إلى الجماعات الإرهابيَّة المتطرفة، ونتيجة لذلك التخبط؛ طُرحت عدة تساؤلات عن الموقع المستهدف وعلاقته بقاعدة التنف العسكريَّة الأمريكيَّة بسوريا. وسريعًا وجه الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أصابع الاتهام إلى الميليشيات المسلحة في سوريا والعراق المدعومة من قبل طهران وتوعد بالرد على الهجوم، وتصاعدت أصوات الجمهوريين بالولايات المتحدة، والتي تدعو إدارة بايدن إلى استهداف إيران بشكل مباشر ردًّا على الهجمات.

ورغم إصابة العشرات من الجنود الأمريكيين في هجمات متنوعة على القواعد الأمريكيَّة في الشرق الأوسط منذ بدء حرب غزة؛ إلا أن تلك الهجمات لم تسبب أضرارًا تذكر وفقًا للبنتاغون، فمنذ منتصف أكتوبر الماضي 2023م، كان هناك أكثر من 150 هجومًا، استهدف القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في سوريا والعراق؛ إلا أن هذا الهجوم الذي يمثل المرة الأولى التي يُقتل فيها جنود أمريكيون، يُعد تصعيدًا خطيرًا من قِبَل إيران وميليشياتها في الشرق الأوسط.

إضافة إلى ذلك: فإن التخبط بين رواية الأرْدُن والولايات المتحدة، حول موقع القاعدة التي تعرضت للهجوم، إذا ما كان بداخل الأراضي الأردنيَّة، أم كان هجومًا استهدف قاعدة التنف العسكريَّة الأمريكيَّة بالأراضي السوريَّة، والتي تُعد إحدى أكثر القواعد العسكريَّة الأمريكيَّة تطورًا في سوريا؛ قد طرح تساؤلات كثيرة حول قاعدة التنف وقاعدة “البرج 22″، والوجود العسكري الأمريكي بسوريا والعراق.

قاعدة التنف العسكرية الأمريكيَّة بسوريا:

حيث يرى البعض: أن الهجوم استهدف قاعدة التنف العسكرية الأمريكيَّة داخل الأراضي السورية، وأن الولايات المتحدة تحاول إخفاء حقيقة فشل دفاعاتها الجوية في قاعدة التنف “المتطورة”، من رصد المسيرة وتدميرها قبل وصولها للموقع المستهدف؛ إذ ووفقًا لتحقيق أعدته منصة إيكاد في أغسطس الماضي 2023م، أوضح أن الولايات المتحدة قامت بتعزيز قاعدة التنف العسكريَّة بسوريا بعتادٍ عسكري إضافي متطور، وتوسيع القاعدة وتطويرها، في الفترة بين يونيو 2022م وأغسطس 2023م.

إضافة إلى ذلك، فقاعدة التنف العسكريَّة الأمريكيَّة، واحدة من القواعد العسكريَّة الأمريكيَّة الكبرى بالمنطقة؛ وتقع على المثلث الحدودي الرابط بين الحدود السورية والعراقية والأردنية، وينتشر بداخلها مئات الجنود الأمريكيين؛ إضافة إلى جنود من جنسيات أخرى تتبع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي بسوريا والعراق.

كما تضم القاعدة بعضًا من الأسلحة الأحدث والأكثر تطورًا لدى الولايات المتحدة، من مدرعات وقاذفات وراجمات وصواريخ، ومضادات طيران وطائرات مقاتلة، ومناطيد تجسس دقيقة ورادارات متطورة؛ ما يُظهر بوضوح أن الولايات المتحدة تسعى لإخفاء حقيقة فشلها، في اعتراض دفاعاتها الجوية بقاعدة التنف، للطائرة المسيرة التي قتلت 3 جنود أمريكيين؛ عبر الإعلان عن أن الموقع المستهدف خارج قاعدة التنف، ووقع بداخل الأراضي الأردنيَّة، وهو قاعدة “البرج 22” الأمريكيَّة.

وبغض النظر إن كانت طهران تقف خلف الهجوم كما تقول واشنطن، أم لا عِلاقة لها بالهجوم كما تقول طهران، فإن حقيقة الأمر تبقى: أن من يعرف تفاصيل وإحداثيات قاعدتي التنف و”البرج 22″ هم قلائل، وبالطبع على رأسهم الميليشيات التابعة لإيران بسوريا والعراق؛ لأن قاعدة “البرج 22” الأمريكية بالأردن تحيطها الكثير من السرية، ويتمحور دورها حول الدعم اللوجستي لقاعدة التنف الكبرى في سوريا.

وتحتوي على 350 من عناصر الجيش الأمريكي والقوات الجويَّة؛ إذ إن مقر حامية التنف الواقعة داخل الأراضي السورية من الحدود مع الأرْدُن؛ كانت بحاجة إلى قاعدة إمداد خارج الحدود السورية. (بوابة الشروق).

فكانت قاعدة “البرج 22″، قريبة جدًّا من التنف، ولكن داخل حدود الأرْدُن، ومع الحاميَّة العسكرية الأمريكيَّة الصغيرة الموجودة فيها لطالما كانت قاعدة “البرج 22″، على مقربة من القوات الأمريكيَّة بالتنف لدرجة أنها من الممكن أن تساعد في دعمها، وفي نفس الوقت بإمكانها مواجهه الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة، والسماح لقوات التحالف الدولي بمراقبة خلايا تنظيم داعش.

قاعدة التنف الأمريكيَّة بسوريا وعلاقتها بهجوم قاعدة “البرج 22”:

وإن كان الهجوم قد استهدف قاعدة “البرج 22” الأمريكيةَّ بالأراضي الأردنيَّة وفقًا للرواية الرسميَّة الأمريكيَّة والتي نفتها الأرْدُن، فإن الهجوم عليها يُعتبر تهديدًا للوجود العسكري الأمريكي في قاعدة التنف بسوريا، وذلك رغم وجود عدد من القواعد العسكرية الأمريكيَّة الأخرى المنتشرة بالأراضي السورية.

حيث تذكر التقارير الإعلامية أن عددها يصل إلى 28 قاعدة، من بينها 24 قاعدة عسكرية، و4 نِقَاط وجود في عدة مناطق سورية، داخل مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطيَّة المدعومة من واشنطن، وخارجها. (معهد العالم للدراسات)؛ إلا أن قاعدة التنف تشكل ثقل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، ولتوضيح أهمية قاعدة التنف الأمريكية بسوريا، وفهم أسباب استثنائها من قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، الذي أصدره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018م.

ولتكن البداية من تاريخ التأسيس الفعلي لقاعدة التنف، وذلك في العام 2016م، حيث تم اختيار موقعها الذي يقع على تقاطع المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، ولتقع في أرضٍ تتبع إداريًّا محافظة حِمص السورية.

ورغم ما يقوله معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إنها تضم ما بين 100 إلى 200 من العسكريين الأمريكيين؛ إلا أن تقارير أخرى تؤكد بأن الأعداد أكبر بكثير، خاصة مع وجود جنود بريطانيين، ومن دول أخرى عدَّة مشاركة بالتحالف. (الجزيرة).

مهام قاعدة التنف الأمريكية بسوريا:

ومنذ تاريخ إنشاء القاعدة عام 2016م، والتوسعات المستمرة التي تشهدها قاعدة التنف؛ سرعان ما حولت هدف الموقع من قاعدة تدريب لجماعات من المعارضة السوريَّة المسلحة بهدف محاربة داعش إلى قاعدة لمراقبة أنشطة إيران بسوريا، وقطع نقل إمدادات الأسلحة من إيران إلى سوريا ومقاتلي حزب الله اللبناني.

باعتبار أن القاعدة تقع على واحدة من الطرق السريعة بين بغداد ودمشق، وهكذا منحت قاعدة التنف القوات الأمريكية، إمكانية استخدام راجمات هيمارس الصاروخية المتطورة وغيرها من الأسلحة الحديثة، وكذلك إرسال الطائرات المسيرة بالمنطقة، مع جعل هذه القاعدة مرتكزًا وقاعدة انطلاقٍ وتحركٍ بريٍ في أي وقت يتطلبه الأمر، حال تزايد تهديد الميليشيات الإيرانية أو حزب الله للنفوذ الأمريكي في سوريا.

ونظرًا لإمكانية وصول الإمدادات الأمنة لها من العراق والأردن، نتيجة لموقعها الإستراتيجي على المثلث الحدودي العراقي الأردني السوري؛ لذا فإنَّ هذه القاعدة تمنح القوات الأمريكيَّة المتمركزة فيها بحسب مراقبين، مساحة للمناورة داخل سوريا بأكثر من جهة، وحتى خارجها إن لزم الأمر.

كما أن الولايات المتحدة، تستخدم القاعدة لإقناع الأرْدُن أنها توفر الحماية لها وتخدم المصالح الأردنيَّة، رغم المخاوف الأردنيَّة من تهديد تراه دائمًا في مخيم الركبان. (سكاي نيوز عربية).

حيث تجمع آلاف النازحين والمهجَّرين من جرَّاءِ الحرب على داعش، ولم يسمح لهم الأرْدُن بدخولهم إلى أراضية، فبقوا عالقين قرب قاعدة التنف، التي تؤكد التقارير الأمريكية -الصادرة مؤخرًا- أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تفكر أبدًا بالانسحاب منها؛ لأن من شأن هذه القاعدة الحفاظ على موطئ قدمٍ أمريكي جَنُوب سوريا، فإن كان ما تعلنه واشنطن من احتفاظها بالوجود العسكري الأمريكي في سوريا هو محاربة الإرهاب، فإن الجميع يعلم بأن الأهداف تتعدد وتكثر وتتنوع وفقًا لمصالح الولايات المتحدة ونفوذها المستمر في المنطقة.

الهجوم يحمل رسائل للوجود الأمريكي في المنطقة والرد الأمريكي عليه:

وعلى الرغم من أن الهجوم قد استهدف قاعدة “البرج 22″، بالأراضي الأردنية؛ إلا أنه يعتبر تهديدًا للقوات الأمريكيَّة الموجودة بسوريا والعراق، وتصعيدًا خطيرًا في المنطقة؛ إذ ترى واشنطن أن لديها مصالح متعددة في كلٍ من: سوريا والعراق والشرق الأوسط عمومًا، وعلى رأسها: دعم مصالح الكيان المحتل سياسيًّا واستخباراتيًّا وعسكريًّا، في حين لا تخفى إيران وميليشياتها رغبتها بإخراج القوات الأمريكيَّة من المنطقة.

ولذلك كان الرد الأمريكي على الهجوم عبر سلسلة من الغارات شنتها القوات الجويَّة الأمريكيَّة بدءًا من 2 فبراير 2024م، استهدفت مواقع لميليشيات مسلحة في كلٍ من سوريا والعراق، وشملت المنشآت المستهدفة مراكز عمليات القيادة والسيطرة، ومراكز الاستخبارات، والصواريخ والقذائف، ومخازن المسيرات؛ بالإضافة إلى مرافق الخدمات اللوجستيَّة، وسلسلة إمدادات الذخائر التابعة للجماعات المسلحة. (المصري اليوم).

وأفاد مسؤولون أمريكيون: أن الضربات أصابت 85 هدفًا في سبع منشآت، ثلاثة في العراق وأربعة في سوريا، باستخدام 125 صاروخًا موجَّهًا بدقة.

في حين قال مسؤولو أمنٍ عراقيين: إن ست غارات جوية استهدفت عددًا من المواقع في العراق؛ وشملت المواقع المستهدفة، مقر قوات الحشد الشعبي في عكاشات، مما أسفر عن مقتل 16 مقاتلًا من الحشد؛ إضافة إلى ثلاثة منازل تستخدمها ميليشيات حزب الله العراقيَّة في محافظة الأنبار.

بينما أعلنت وسائل الإعلام السورية: أن الضربات الأمريكية استهدفت عددًا من المواقع في المناطق الصحراويَّة السورية والحدود السورية العراقية، وقد قُتل ما لا يقل عن 23 مسلحًا في الغارات الجوية في سوريا بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. (المصري اليوم).

وفي الولايات المتحدة: رأى أعضاء الحزب الجمهوري الأمريكي أن الرد العسكري على الهجوم جاء متأخرًا وضعيفًا؛ ما مكن الميليشيات المستهدفة من الاستعداد المسبق للضربات الأمريكيَّة، عبر إخلاء مواقعها، وسحب تشكيلاتها المسلحة.

وبالنظر إلى الزخم الإعلامي الذي سبق الضربات الأمريكية، وتصريحات “حسين الموسوي” المتحدث باسم ميليشيا النجباء العراقيَّة، عن أن الولايات المتحدة قصفت أهدافًا ومواقع خالية؛ إضافة إلى تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين بأن تأخر الرد الأمريكي على مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، إلى أن الجيش الأمريكي كان في انتظار الظروف الجوية الملائمة لتنفيذ الضربات الجوية لضمان إصابة الأهداف المحددة بدقة، ولتجنب وقوع ضحايا أبرياء على الرغم من أن القاذفات الأمريكيَّة تستطيع حمل ذخائر بعيدة المدى دقيقة، وغير دقيقة التوجيه، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أرادت توجيه الضربات العسكرية لحفظ ماء الوجه بعد استهداف قواعد الولايات المتحدة أكثر من 150 مرة، منذ بَدْء الحرب في قطاع غزة ومقتل 3 من جنودها، ولا ترغب في التصعيد مع إيران وميليشياتها في المنطقة.

غضب عراقي ومطالب للأمريكان بالانسحاب من العراق:

عقب الضربات الأمريكيَّة نفى “باسم العوادي”، الناطق باسم الحكومة العراقية، في بيان له وجود تنسيق مسبق للهجوم الأمريكي، واصفًا الإعلان الأمريكي بالادعاء الكاذب الذي يهدف إلى “تضليل الرأي العام الدولي، والتنصل من المسؤوليَّة القانونيَّة لهذه الجريمة المرفوضة وفقًا لجميع السنن والشرائع الدولية”.

وصرح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأنه يريد “خروجًا سريعًا ومنظمًا” لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من بلاده؛ وأضاف السوداني في حُوَارٍ مع وكالة رويترز للأنباء: “لنتفق على إطار زمني (للانسحاب) يكون سريعًا حتى لا نطيل أمد الوجود الأمريكي وتبقى الهجمات مستمرة”، مشيرًا إلى أن الطريقة الوحيدة لتفادي حدوث تصعيد إقليمي هو وقف الحرب في غزة.

وقد تعالت داخل العراق أصوات تطالب منذ سنوات بانسحاب جميع القوات الأجنبيَّة من العراق؛ فقد أفادت تقارير صحفية غربية منها مجلة “فورين بوليسي”، التي نشرت تقريرًا نقلًا عن مصادر في الخارجيَّة الأمريكيَّة ووزارة الدفاع.

يؤكد أن واشنطن تدرس إمكانية سحب قواتها بشكل كاملٍ من سوريا والعراق؛ لأن إدارة الرئيس بايدن لا تري ضرورة لإبقائها هناك، وأن أمريكا لم تعد مهتمة بالانتشار العسكري في كلٍّ من: سوريا والعراق، في ظل صراعها مع روسيا والصين؛ إذ يكلف الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة مبالغ هائلة. (روسيا اليوم).

إلا أن البيت الأبيض نفى أن يكون لدية أي خطط لسحب القوات الأمريكية من سوريا والعراق رغم ما تردد عن ذلك في تقارير إعلامية، وعلى النقيض تمامًا من تقرير مجلة “فورين بوليسي” فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أكد أن بلاده ستواصل مهمتها المعلنة في سوريا، وهي دعم قوات سوريا الديموقراطيَّة في محاربة تنظيم داعش.

وحقيقة الأمر: فإن الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، يهدف إلى ضمان أمن الكيان المحتل، ونفوذ الولايات المتحدة بالمنطقة؛ عبر نشر وتأجيج الفتن والصراعات، وخلق حالة من عدم الاستقرار في كلٍ من: سوريا والعراق؛ لضمان استمرار الصراعات وعدم استقرار المنطقة؛ ما سيساهم في تأسيس تحالفات تجمع بين واشنطن وجماعات سياسية وعسكرية في سوريا والعراق، كالجماعات الكردية المسلحة في انتهاج أمريكي لنفس السياسة الإيرانية اتجاه الدول والشعوب العربية.

هل تشتعل حرب بين طِهران وأذرعها من جهة وواشنطن وتل أبيب؟

بالنظر إلى القدرات العسكريَّة الإسرائيليَّة، فقد أظهرت تل أبيب مؤخرًا أنها تمتلك قوة تتسم بالبطش الشديد؛ وما فعلته بقطاع غزة مؤخرًا يعتبر تهديدًا للعديد من المدن العربية كبيروت وغيرها.

وهذا ما أعلنه الإسرائيليون أنفسهم حينما هدد وزير دفاعهم “يوآف غالانت” بتحويل بيروت إلى غزة جديدة، ووسع تهديده هذا، ليشمل كل من يهدد وجود إسرائيل على حد وصفة؛ ولكن أثبت واقع ما يجرى في قطاع غزة، أن البطش الشديد قد لا يثمر عن نتائج كبيرة، بل قد يظهر عجزًا عن تحقيق أي هدف.

أما بالنسبة للأمريكيين فوفق ما أظهروا مؤخرًا؛ فإن بأيديهم أوراقًا عدة ومصادر وقدرات وإمكانات هائلة، فالولايات المتحدة قوة عظمى، وتتمثل إمكاناتها في قواعد عسكرية متناثرة في الشرق الأوسط، يضاف إليها بوارج وسفن حربية وحاملات طائرات تجوب بحار المنطقة.

هذا فضلًا عن تحالف كبير يجمع الأمريكيين وقوات سوريا الديموقراطيَّة، والعديد من الجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة؛ يضاف إلى ذلك: علاقاتهم القوية بالعديد من دول المنطقة والتي بعضها يستضيف العديد من القواعد العسكريَّة الأمريكيَّة على أراضيه، وأيضًا التحالفات الدوليَّة العالميَّة، والتي يؤسسها الأمريكيون لضرب هذا أو ذاك، كالتحالف الدولي للقضاء على داعش أو تحالف الرخاء لضرب الحوثيين.

أما ما يتعلق بإيران؛ فالحقيقة إن بيد إيران قدرات عسكريَّة كبيرة أيضًا، فهي تستحوذ على الحصة الأكبر من الميليشيات المتناثرة في العالم العربي من طهران إلى بيروت وحتي صنعاء، كما تملك حرسًا ثوريًّا في كلٍ من عواصم النفوذ.

وهذا فضلًا عن الموالين لها في أنظمة الحكم في كلٍ من: بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت؛ فالنظام الإيراني يتبع نهجًا إمبراطوريًّا استعماريًّا في الأراضي العربيَّة، وإذا خاضت طِهران حربًا فستكون قادرة على إشعال كل الخطوط، وفتح جبهات متعددة على الأراضي العربية.

وحقيقة الأمر: على الرغم من وجود العديد من الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى؛ إلا أن إيران لن تضُرَّ بالمصالح الأمريكيَّة والإسرائيليَّة في المنطقة.

وكل ما تركز عليه إيران، هو التوسع في الأراضي العربية، والسيطرة على الموارد، وتأسيس ميليشيات ترعى المصالح الإيرانية في البلاد العربية الخاضعة “للاحتلال الإيراني” بشكل غير مباشر؛ فإيران لم تخض أي مواجهة عسكريَّة مع إسرائيل في حين خاضت العديد من الدول العربية طوال القرن العشرين، العديد من الحروب والمواجهات العسكريَّة مع إسرائيل، واستطاعت الدول العربيَّة تحقيق العديد من المكاسب، لكن الحرب الإيرانيَّة الإسرائيليَّة الأمريكيَّة هي إعلاميَّة فقط، وأسلحتها الشعارات ليس أكثر.

الخلاصة:

– منذ بَدْء الحرب في قطاع غزة في 7 من أكتوبر الماضي 2023م، تعرضت القواعد العسكرية الأمريكية للعديد من الهجمات، بلغت أكثر من 150 هجومًا، ولكن هجوم قاعدة “البرج 22” يُعد الضربة الأكبر للقوات الأمريكيَّة، حيث قتل 3 جنودٍ أمريكيين وأصيب 37 جنديًّا آخرين نتيجة الهجوم، وعقب الهجوم على القاعدة سادت وسائل الإعلام العالمية حالة من التخبط حول الموقع المستهدف بالتحديد؛ إذ كان قاعدة “البرج 22” بالأراضي الأردنية كما يقول البيت الأبيض، أو قاعدة التنف العسكرية بالأراضي السورية كما يقول الأرْدُن حيث يرى البعض أن الرواية الأردنيَّة صحيحة وأن الموقع المستهدف هو قاعدة التنف بالأرضي السورية، وتحاول واشنطن إخفاء حقيقة فشل دفاعات قاعدة التنف العسكرية المتطورة، من التصدي للطائرة المسيرة التي استهدفت الجنود الأمريكيين، ولكن تبقى هذه مجرد تكهنات.

– قاعدة التنف العسكريَّة واحدة من أكبر القواعد العسكريَّة الأمريكيةَّ بالشرق الأوسط، وتضم العديد من التكنولوجيا العسكريَّة الأمريكيَّة المتطورة، وجنودًا من عدة جنسيات أجنبية، وتأسست القاعدة الأمريكيَّة العام 2016م، وبالرغم من دورها المُعلن في محاربة تنظيم داعش؛ إلا أن واشنطن تستخدم القاعدة في مراقبة أنشطة إيران، وخطوط الإمدادات العسكرية القادمة من إيران إلى ميليشياتها في سوريا ولبنان، والهجوم على قاعدة “البرج 22” يمثل رسالة من قبل أذرع إيران إلى الوجود الأمريكي في قاعدة التنف، ويُعد فشلًا استخباراتيًّا أيضًا؛ لذلك كان الرد الأمريكي بضرب عدة مواقع لميليشيات إيرانية في كلٍ من سوريا والعراق.

– على الرغم من الغضب العراقي جراء الضربات العسكريَّة الأمريكيَّة التي استهدفت فصائل لميليشيات الحشد الشعبي ومطالبات بغداد لواشنطن بالانسحاب من العراق؛ إلا أن الولايات المتحدة، لديها العديد من المصالح والتحالفات في كلٍّ من: سوريا والعراق والشرق الأوسط عمومًا، ولا تخطط للانسحاب من المنطقة حسب ما أفاد البيت الأبيض.

المصادر:

بي بي سي عربية

الجزيرة

بوابة الشروق

معهد العالم للدراسات

سكاي نيوز عربية

الشرق

المصري اليوم

روسيا اليوم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.