fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

إقليم دارفور.. مخيمات النزوح وحكايات الجوع والمرض والحرمان بين الماضي والحاضر

0 36

إقليم دارفور.. مخيمات النزوح وحكايات الجوع والمرض والحرمان بين الماضي والحاضر

رغم ثرواته الكثيرة وموقعه الفريد وما يحويه باطنه من ذهب ومعادن، إلَّا أن إقليم دارفور يعاني سكانه منذ أكثر من 4 عقود تقريبًا من كافَّة أشكال المعاناة والألم، حتى بات الإقليم أحد أبرز رموز المأساة والنزوح وتكرار مشاهد الموت جوعًا وأحداث الفوضى والقتل، فقديمًا ثار الإقليم المنسي على حكومة البشير في الخرطوم بسبب أوضاعه الاقتصادية المعدومة، وكانت النتيجة حربًا طاحنة وإبادة جماعية وعمليات قتل وانتهاكات واغتصاب، وحتى الاستعباد والاختطاف تعرَّض لها سكان القرى الريفية في الإقليم، وظل أنين الفقر والعدم ونقص أبرز الخدمات والاحتياجات الإنسانية: كالغذاء والماء وانتشار الأمراض والأوبئة سمات أساسية للإقليم، وما لبثت حدة الأزمة أن تنفرج عام 2018.

توالت الأزمات التي زادت من سوء الأوضاع مثل ثورات السودانيين على عمر البشير حتى سقوطه ومن بعدها وباء كورونا، واليوم يعيش إقليم دارفور غرب السودان أسوأ أوضاعه، حيث يحاصر العنف والقتال وعدوان ميليشيات الدعم السريع سكان مخيمات الإقليم، ومن الجهة الأخرى: يفتك بهم الجوع والعطش والأوبئة ومن يسعى منهم للهرب والنزوح خارج الإقليم داخليًّا أو خارجيًّا يواجه السرقة والنهب والتعذيب والاغتصاب والقتل إن لزم الأمر، ولذلك سنحاول في إيجاز التعريف بالإقليم وخيراته الوفيرة وأبرز ما تعرض له من عدوان ومأسي القتل والنزوح والجوع والمرض التي يعيشها اليوم.

نزاع دارفور 2003:

بعد النزاعات المحلية بين القبائل في الإقليم ومواسم الجفاف التي كانت تضرب الإقليم، تمردت حركتان في الإقليم هما: “جيش تحرير السودان وجبهه العدل والمساواة”، وشنت الحركتان مطلع 2003، هجمات على أهداف حكومية في الخرطوم، متهمين عمر البشير وحكومته باضطهاد وتهميش ذوي الأصول الإفريقية السوداء لحساب ذوي الأصول العربية في دارفور، وردت الحكومة على العنف بعنف أكبر وحشدت ميليشيات لمواجهة الحركتان، ومن ضمن هذه الميليشيات التي كونتها الحكومة ما يعرف إلى اليوم بـ”الجنجويد” وهي قوات عربية تركب الخيل والجمال وارتكبت عشرات المجازر والاغتصابات والعنف في الإقليم، واستمر الصراع في إقليم دارفور أكثر من 10 أعوام تسببت في نزوح أكثر من 2.7 مليون سوداني بعيدًا عن ديارهم داخل القرى الريفية التي تعج بالثروات، وسكنوا مخيمات قرب مدن دارفور الرئيسية، كما استطاع 360 ألف سوداني اللجوء إلى تشاد وسكنوا 13 مخيم شرق تشاد، وعام 2008 قدرت الأمم المتحدة أن 300 ألف سوداني قد قتلوا جراء الحرب في دارفور وتعرضوا إلى إبادة جماعية وإن كانت الحكومة في الخرطوم لا تقصد الإبادة إلّا أن الميليشيات فعلت ذلك بقرى دارفور.

وتؤكد جمعية دارفور الأهلية وجود دلائل قوية بأن آلاف الأطفال والكبار تم إجبارهم على التحول إلى عبيد وخدم في الإقليم، وأن ميليشيات الجنجويد شاركت في عمليات اختطاف استهدفت نساء وأطفالًا من الناطقين بغير العربية سواء ممن يتم الإغارة على قراهم أو ممن يعثر عليهم مختبئين في البراري بسبب قصف قراهم، حيث يتم جمعهم النساء والفتيات ويتعرضن للاغتصاب أو الزواج عنوة والعمل كخدم في المنازل، ويعمل الرجال الذين اختطفوا قسرًا في مزارع يملكها ويديرها الجنجويد، وأن قرى دارفور تعرضت إلى تطهير عرقي، واعترفت الحكومة السودانية بوجود حوالي 14.000 حالة اختطاف بين الأعوام 1983 – 2005 بسبب الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وفي مارس 2009، اتهمت المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني السابق عمر البشير بجريمة الإبادة، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في دارفور، وإشرافه على محاولات إزالة مجتمعات الفور والمساليت والزغاوة المحلية أصحاب الأصول الإفريقية، وطبقًا لتقديرات الأمم المتحدة في يونيو 2007 تعرضت واحدة من كل ست قوافل إغاثة في دارفور للاختطاف بجانب اختطاف 132 من العاملين تحت تهديد السلاح، وتم نصب الكمائن لـ 35 عربة إغاثة إنسانية ونهبها، وأُجبِرت وكالات الإغاثة على تجميد عملياتها.

دارفور اليوم:

أحرقت ميليشيا الدعم السريع منذ بداية التمرد منتصف أبريل 2023 قرى بأكملها في إقليم دارفور غرب السودان، وتحذر وكالات الإغاثة من أن الإقليم يعيش كارثة إنسانية، وبسبب جرائم الميليشيا وانتشار النهب وتدمير البنية التحتية الحيوية حُرم آلاف النازحين في المخيمات من الغذاء والمياه النظيفة والدواء، وتعيش الولايات الخمسة في فوضى وحتى في حالات الهدنة لم يتوقف القتال في دارفور، لدرجة أن بعضهم ممن لم يتمكن من الفرار من الحرب، حفروا خنادق حول أحيائهم ووضعوا حواجز لإبعاد مقاتلي الميليشيا عن منازلهم، ومثال على حرق القرى: قرية أبو آدم القريبة من نيالا شمال ولاية جنوب دارفور، قد تم تدميرها وحرقها بالكامل، ويمكن رؤية ذلك من الفضاء، كما تتسم قرى دارفور بقطع الكهرباء والاتصالات، وتقتحم الميليشيا القرى بالعربات والدرجات النارية وتنهب المرافق الصحية والمدارس والمساجد ومنشآت المنظمات غير الحكومية، وكل ما يمكن للمدنيين استخدامه والمتاجر ومنازل بعينها، وكذلك سرقة الأدوية والمستلزمات من المستشفيات والصيدليات، ويضطر آلاف النازحين لانتظار المساعدات لأيام، ويقول العديد من السكان: إن المقاتلين الذين ينهبون ويحرقون هذه المدن، هم على صلة بقوات الدعم السريع التي تعود جذورها إلى دارفور.

جرائم السرقة ونهب الممتلكات بالقوة وإحراق القرى دعا حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي سكان الإقليم إلى حمل السلاح، وحماية أنفسهم وممتلكاتهم من ميليشيا الدعم السريع، مطالبًا الفصائل المسلحة بالدفاع عن السكان ومساعدتهم في حماية أنفسهم، وتؤكد مارثا أما أكيا بوبي، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون إفريقيا: أن العنف يتفاقم حتى بات الإقليم يعيش كارثة إنسانية تثير مخاوف من تكرار الفظائع التي ارتكبت عام 2003، حيث تؤكد مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين باستمرار العنف الجنسي والتعذيب والقتل التعسفي، وابتزاز المدنيين، واستهداف مجموعات قبلية بعينها أدى إلى مقتل الآلاف -بمن فيهم والي ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر- على يد ميليشيا الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، كما فتحت الأمم المتحدة تحقيق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ولاية غرب دارفور، عقب اكتشاف مقابر جماعية لـ87 فرد من قبيلة المساليت، على يد ميليشيات الدعم السريع.

مأساة الجوع:

تتأسف الأمم المتحدة على موت الأطفال داخل المخيمات، وفي الشوارع، وحتى في المستشفيات؛ بسبب الجوع ونقص الأدوية وسوء التغذية الحاد بجانب حرق مخيمات للنازحين بالكامل، وأن قرابة 10 أطفال يموتون من الجوع يوميًّا في إقليم دارفور، وأن الماء والطعام أشياء نادرة بسبب الحرب والنزوح، وتوقف أشكال الحياة في الإقليم، وأضحت مشاهد البحث عن بقايا الطعام في صناديق القمامة اعتيادية حتى أُعلن وفاة مجموعة فتيات بالإقليم بعد ما أكلن طعامًا فاسدًا من القمامة، فيما تواجه مخيمات النازحين مجاعة كبيرة وعجزًا عن توفير الطعام بسبب توقف المساعدات الغذائية لأكثر من عام كأحد آثار الحرب وجرائم ميليشيا الدعم السريع المتمردة، ويعيش أكثر من مليون نازح داخل مخيمات الإقليم من أصل 9 مليون سوداني يسكنون دارفور.

وأكدت منظمة أطباء بلا حدود أن طفلًا إلى طفلين يموتون كل ساعتين في مخيمات دارفور بسبب الجوع وانتشار الأوبئة، وأن الأطفال الذين يعانون سوء تغذية حاد قد يموتون في غضون 3 إلى 6 أسابيع إذا لم يحصلوا على علاج، وقال المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للأغذية شرق إفريقيا، مايكل دانفورد: إن الأمم المتحدة لا تستطيع إعلان المجاعة في السودان بسبب أزمة في البيانات اللازمة لتأكيد معدلات الجوع، وأنها لا تستطيع الوصول سوى لنحو 10% فقط من المحتاجين للمساعدات، وأن آلاف المزارع الصغيرة قد هُجرت من قبل أصحابها بسبب فرارهم من القتال، كما انتشرت حالات الملاريا والكوليرا والحصبة والإسهال وسوء التغذية بين النازحين وموت الأطفال؛ بسبب أمراض يمكن الوقاية منها بالكامل لو توافرت الموارد الكافية.

ويؤكد نشطاء وصحفيين سودانيين: أن ميليشيا الدعم السريع تقوم بعمليات غسيل أموال وتجارة العملة وتهريب المخدرات والسلاح، ونهبت وسرقت البنوك، واستهدفت بالأساس الاقتصاد السوداني، وتُهرب موارد السودان وثرواته عبر الحدود لمحاولة شلِّه اقتصاديًا، وأن إقليم دارفور يشهد مأساة كبيرة بسبب جرائم ميليشيا الدعم السريع من سرقة واغتصاب وقتل، وتهجير قسري، بجانب عدم دخول أي مساعدات لولايات ومخيمات إقليم دارفور منذ شهر مايو الماضي 2023، بعد تمرد الميليشيا في إبريل.

وأكدت الأمم المتحدة أن نحو 48 مليون سوداني من بينهم 18 مليون طفل، في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، وأن نسبة من يستطيعون تأمين وجبة غذاء واحدة يوميًّا لا تتجاوز 5% من السودانيين، وأن الصراع تسبب في مأساة إنسانية بالغة ونزوح جماعي غير مسبوق لأكثر من 10 ملايين شخص داخليًّا يعيش معظمهم في مدارس ومبانٍ مهجورة في ظروف مُفجعة، وأن الحرب تسببت حتى الآن في مقتل الآلاف بينهم 15 ألفًا في دارفور وحدها بحسب تقرير الأمم المتحدة.

الخلاصة:

رغم ثروات دارفور الضخمة والمتنوعة؛ إلا أن الإقليم يعيش مأساة مستمرة ومتزايدة منذ عقود بدأت بالجفاف منذ سبعينيات القرن الماضي، مرورًا بالخلافات والصراعات العرقية على موارد الإقليم في ظل غفلة أو نسيان الحكومة السودانية عن تنمية وتطوير الإقليم، وما أن دخل عام 2003 شهد الإقليم مجازر ومذابح لم يرها من قبل، وتشرد مئات الآلاف كلاجئين لتشاد وتهجَّر أضعافهم كنازحين بعيدًا عن قراهم في مخيمات داخل مدن الإقليم، واليوم بسبب ميليشيات الدعم السريع وجرائم الحرق والقتل ونهب المؤسسات العامة والخاصة والعنف والاغتصاب يعيش إقليم دارفور أحد أكبر الكوارث الإنسانية في العالم، وأوضاع غذائية وصحية تفوق المأساة.

مصادر:

السودان اليوم- ثروات تحت أرض الصراعات في دارفور: انتعاش اقتصاد الحرب-22 يوليو 2022.

المرسال-هل الثروات الطبيعية في السودان هي سبب الصراع.. أم الصرع هو سبب تهريبها- 9 أغسطس 2022.

سبوتنيك عربي -ما الدوافع الحقيقية وراء استمرار العنف الدموي في دارفور؟- 13 إبريل 2023.

DW- العنف في إقليم دارفور – خلفيات الصراع وأسبابه- 29 أبريل 2022.

الأمم المتحدة- مقالة توضيحية: كيف أصبحت دارفور كارثة إنسانية وأزمة حقوقية كارثية؟- 15 ديسمبر 2023.

BBC- اشتباكات السودان: أزمة في دارفور بعد تدمير “كل ما يمكن للمدنيين استخدامه”- 29 مايو 2023.

الجزيرة- دارفور- 19 نوفمبر 2014.

BBC – دارفور: الصراع المنسي- 7 سبتمبر 2016.

BBC – اشتباكات السودان: حاكم إقليم دارفور يحث المواطنين على التسلح للدفاع عن الأرواح والممتلكات- 28 مايو 2023.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.