fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

التقارب الإيراني السوداني وآثاره على العلاقات داخليًّا وإقليميًّا

0 33

التقارب الإيراني السوداني وآثاره على العلاقات داخليًّا وإقليميًّا

توترات في العلاقات أودت إلى القطيعة  بين البلدين استمرت حتى وصلت إلى 8 أعوام، إنها العلاقات السودانية الإيرانية، والتي حضرت على الطاولة مؤخرًا، ووجدنا عودة في العلاقات الثنائية بين الخرطوم وطهران، حتى تبادل الزيارات الدبلوماسية كانت حاضرة على تسلسل العلاقة بين البلدين مؤخرًا، إلى أن تم استقبال طهران إلى وزير الخارجية السوداني علي الصادق علي، وتصريحات البلدين بالترحيب والإشادة بعودة العلاقات بين الطرفين.

عاد التعاون العسكري بين السودان وإيران بعد أشهر من استئناف العلاقات بينهما بصورة رسمية في أكتوبر 2023، عقب 8 سنوات من القطيعة، ورفع اتفاق السعودية وإيران بوساطة صينية الحرج عن الخرطوم باستئناف علاقتها مع طهران، بعد أن بادر السودان بقطع علاقته مع الجمهورية الإسلامية إثر اقتحام السفارة السعودية فيها في يناير 2016.

وتزامنت عودة العلاقات بين طهران والخرطوم بحرب الجيش السوداني في حربه مع قوات الدعم السريع، ويعتقد مراقبون أن هذه الخطوة ستثير مخاوف بعض دول الخليج والولايات المتحدة، في ظل بحث إيراني عن موطئ قدم في البحر الأحمر، والتغلغل في القرن والساحل الإفريقي انطلاقًا من السودان؛ بالإضافة إلى قدوم إيران بخطوة استباقية ببداية العلاقات بتزويد الجيش السوداني بطائرات مسيرة إيرانية.

تاريخ العلاقات بين طهران والخرطوم:

إن تاريخ العلاقات السودانية الإيرانية قديم، ولكن هذا التاريخ مر بالعديد من المواقف والتي تحكم فيها الجذب والشد بين الطرفين؛ خاصة منذ قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وقد شاركت طهران السودان تحت حكم جعفر نميري، كغيرها من الدول العربية، في دعم العراق عسكريًّا خلال سنوات الحرب العراقية – الإيرانية.

وفي عام 1986 وبعد الانتخابات التي أسفرت عن عودة الحكم المدني في السودان، اتجه رئيس الوزراء آنذاك، الصادق المهدي، للتقارب مع إيران عبر إجراءات متعددة تضمنت زيارته العاصمة طهران.

وعلى الرغم من أن السنوات الأولى لنظام الإنقاذ في السودان لم تشهد استئنافًا لمسار التقارب مع إيران، فإنه وبمرور الوقت بدأت العديد من المؤشرات في الظهور على السطح لتؤكد سعي الجانبين لبناء علاقات قوية لم تقتصر فقط على تبادل العلاقات الدبلوماسية، وإنما امتدت لتشمل ترتيبات أمنية وعسكرية؛ خاصة في فترة التمدد الإيراني بمنطقة الساحل الغربي للبحر الأحمر.

وفي إبريل 1997 وقع البلدان أكثر من 30 اتفاقية تتراوح بين المشاريع المشتركة، والتدريب المشترك، وتأهيل وتدريب ضباط الجيش السوداني وجهاز الأمن والمخابرات في طهران.

وفي مارس 2008 وقعت الدولتان اتفاقية للدفاع المشترك، تتضمن تنسيقًا دفاعيًّا متقدمًا، وجهودًا مشتركة لتعزيز الأمن والسلام في منطقة القرن الإفريقي، وارتبط السودان قبل قطع العلاقات بروابط جيدة بإيران؛ خاصة في المجال العسكري، حيث كانت السفن الإيرانية كثيرًا ما ترسو في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، لكن في عام 2014 بدأت العلاقة بين البلدين في التراجع، خاصة بعد مواجهة السودان أزمة اقتصادية خطيرة ونأت طهران بنفسها عن الخرطوم، حيث فشل في توفير مكاسب اقتصادية كبيرة للسودان، وذلك قبل أن ينخرط السودان في العام التالي في دعم العملية العسكرية السعودية في اليمن.

وقطعت السودان علاقاتها مع إيران على خلفية التدخلات الإيرانية في المنطقة على أسس طائفية واعتداءاتها على سفارة وقنصلية السعودية في طهران في عام 2016.(1،2،3،4).

الدبلوماسية الخارجية للمجلس الانتقالي:

من ضمن ما فكرت فيه حكومة الفترة الانتقالية بالسودان منذ تأسيسها من المجلس العسكري بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، والمدني بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، هو إعادة النظر في علاقات البلاد الخارجية، وترميم الدبلوماسية السودانية بعد ما أصابها خلال ثلاثة عقود، من استعداء للدول في مختلف الاتجاهات، مما أفقد الدبلوماسية السودانية المرونة المطلوبة للتعامل مع التشابكات الدولية، والإقليمية، ولكن لما يحيط بالعلاقة مع إيران من حساسية إقليمية، فكان لا بد من أن تحمل مسوغات تتعلق بمراعاة أمن واستقرار دول المنطقة قبل الشروع في استعادتها، لذلك كانت الخطوة باتفاق السعودية وإيران بوساطة الصين على استئناف العلاقات، وما تبعها من فتح سفارات البلدين ممهداً لطريق إعلان الخرطوم(5).

المصالح تحكم عودة العلاقات:

يشير مسار استئناف العلاقات السودانية – الإيرانية من جانب إيران إلى أهداف عدة، أبرزها:

أولًا: بينما شهد عهد الرئيس السابق حسن روحاني فتورًا في العلاقات الخارجية، مع كل جهود وزير خارجيته محمد جواد ظريف الدبلوماسية، لكن كبلها النظام بالتركيز على قاعدته السياسية في مرحلة ما بعد الثورة “لا شرقية ولا غربية”، ولكن منذ أن تسلم الرئيس إبراهيم رئيسي السلطة عام 2021 اختارت القيادة الإيرانية ترسيخ نهجها في السياسة الخارجية، بالتخلي عن تلك القاعدة، ولكن تبدو حتى الآن الخيارات ضعيفة أمام طهران فزار رئيسي ضمن رحلاته الخارجية وتعزيز العلاقات مع روسيا والصين ودول أمريكا اللاتينية، كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا، وثلاث دول أفريقية هي كينيا وأوغندا وزيمبابوي في يوليو الماضي، كما قام وزير خارجيته بزيارات إلى مالي وتنزانيا وجنوب إفريقيا والنيجر، وإذا كانت كل هذه الدول تربطها علاقات جيدة مع إيران، فإن تجسير العلاقات مع السودان يصب في المنظومة الإفريقية كمحاولة لتوسيع العلاقات السياسية.

ثانيًا: موقع السودان ضمن منطقة القرن الأفريقي، التي يحيط بها البحر الأحمر من الشمال الشرقي، ونهر النيل غرباً، وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة الجنوب الشرقي. وعلى رغم التعقيدات الأمنية والسياسية في المنطقة إضافة إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية، فإن علاقات القوى الدولية والإقليمية خلال العقدين الماضيين أُسست على مدى تأثير هذه المنطقة.

ثالثًا: برز السودان قبل قطع العلاقات كنقطة جذب للتنقيب عن النفط من قبل الصين وبمشاركة إيران، كما يمكن أن يمثل مدخلًا لطهران إلى حقول نفطية أخرى مُكتشفة حديثًا في إثيوبيا وكينيا وأوغندا وتنزانيا والصومال، ويتوقع أن تطرح إيران خططًا للاستثمار في البنية التحتية في مشروع إعادة الإعمار بعد الحرب السودانية فيما يتعلق بالموانئ والسكك الحديد وخطوط الأنابيب، وغيرها.

رابعًا: ستتيح استعادة العلاقات مع السودان لإيران الفرصة لتحسين استراتيجيات التنويع الاقتصادي لديها، وبحسب مسؤولين إيرانيين فإن صادرات بلادهم إلى القارة الإفريقية زادت بنسبة 100 في المئة خلال العام الماضي، مما يمكنها من تقليص اعتمادها على النفط من خلال الاستثمار في الأسواق الأفريقية، بالترويج لمشاريعهما والاستثمار بعمق في السودان، وإضافة إلى المزيج القوي من المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية من المرجح أن تسعى طهران إلى التنافس على السلطة والنفوذ في القرن الإفريقي مستقبلًا(6).

مخاوف إقليمية وحالة من الترقب:

أما بالنسبة لدول الخليج فلن تقبل عودة العلاقة بين الخرطوم وطهران؛ لأن الوجود الإيراني في البحر الأحمر يُهدد الحدود الغربية لهذه الدول، فيما سيُحاول السودان الحصول على دعم عسكري إيراني مقابل محاولات طهران “استرداد الثمن تمدداً في نفوذها، الأمر الذي سيثير، على الأرجح قلق مصر والولايات المتحدة”.

بيد أن إيران كانت تتوقع استئناف العلاقات مع السودان، وتعول عليها لأسباب عدة، غير مكترثة بالعلاقة النامية بين الخرطوم وتل أبيب، فطهران تنظر إلى السودان بشكل جيوسياسي إستراتيجي، من واقع اهتمامها بالحصول على موطئ قدم في سواحل البحر الأحمر ليس بعيدًا عن قناة السويس وسيناء وسواحل غزة ولبنان، وهي المسارات التي كانت تسمح لها بإرسال شحنات أسلحة إلى القطاع من السودان طوال سنوات، ما أدى إلى هجمات إسرائيلية على شرق السودان في مارس 2009، وعلى مصنع اليرموك في الخرطوم في 2012، تبعاً لتقارير غربية”.

وطهران التي تمتلك حصة في منجم لليورانيوم في ناميبيا، ويتراجع مخزونها، ربما تنظر بعين المصالح لهذا المعدن في السودان مستقبلًا، وسط تقارير تتحدث عن وجوده في دارفور، كما تسعى أيضًا إلى إيجاد موطئ قدم راسخ لها في إفريقيا في ضوء التنافس الأميركي الروسي الصيني الفرنسي الخليجي على هذه المنطقة”.

كما الولايات المتحدة والدول الأوروبية لم يعد يساورها القلق بشأن السودان منذ أن استبدل الرئيس السابق عمر البشير “المعسكر الذي يتموضع فيه” عام 2018، ولم يعد السودان منذ ذلك الوقت جزءًا من طريق تهريب الأسلحة (إيران – غزة)، حيث كانت تتم عمليات التجميع والشحن في السودان(7).

مكاسب سودانية تحت وطأة الحرب المشتعلة:

سرعان ما تكشف أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران، هدفه الأول لدى الجانب السوداني هو إمداده عسكريًّا في مواجهة خصمه اللدود “الدعم السريع”، وقد لاقى بغيته بالفعل وظهر هذا في رصد تغير موازين القوى لصالح الجيش خلال معركة أم درمان، ففي 8 فبراير 2024، نشرت الصفحة الرسمية للجيش السوداني عبر “فيسبوك” مشاهد مصورة للبرهان، وهو يتفقد المواقع الأمامية للقوات المسلحة بمنطقة أم درمان، وكان في استقباله مجموعة من جنرالات الجيش على رأسهم عضو مجلس السيادة الانتقالي، ومساعد القائد العام، الفريق أول ركن ياسر العطا.

وأراد البرهان أن يبعث رسائل طمأنة للمواطنين، فوقف وسط جنوده في أم درمان وخطب فيهم مؤكدًا: أن “القوات المسلحة والشعب في خندق واحد لاستئصال سرطان المليشيا المتمردة ومرتزقتها”.

السؤال الذي طرح نفسه وقتها أمام هذا التقدم للجيش، هو عن العامل الفارق الذي رجح كفة القوات المسلحة في هذه المعركة.

جاءت الإجابة في التقرير الذي نشرته وكالة “بلومبيرغ” الأميركية في 24 يناير الثاني 2024، وذكرت فيه أن “أقمارا اصطناعية التقطت صورا لطائرة من نوع (مهاجر 6) الإيرانية، في قاعدة خاضعة لسيطرة الجيش شمالي الخرطوم، ونقلت الوكالة عن ثلاثة مسؤولين غربيين، طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم لكشفهم عن معلومات حساسة، أن الجيش السوداني تلقى شحنات من طائرة (مهاجر 6)، وهي مسيرة ذات محرك واحد تم تصنيعها في إيران.

وذكرت أن الطائرة “تحمل ذخائر موجهة بدقة”، فيما أكد محللون فحصوا صورا للأقمار الاصطناعية “وجود الطائرة من دون طيار في البلاد، فيما كشف رئيس مشروع نزع السلاح في “منظمة باكس” الهولندية، “ويم زوين نبرغ”، أن “من بين الأدلة التي تثبت وجود (مهاجر 6) في السودان، صور الأقمار التي التقطت المسيرات في قاعدة وادي سيدنا الجوية (الخاضعة لسيطرة الجيش)”.

ووفقًا لبلومبيرغ فإن “مهاجر 6 قادرة على شن هجمات (جو-أرض) والحرب الإلكترونية، والاستهداف المباشر في ساحة المعركة”(8).

تداعيات محتملة:

إن تقارب الخرطوم مع طهران سيكون له تأثير على مواقف القوى الإقليمية والدولية حيال الحرب الدائرة حاليًا في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كما يبدو واضحًا أن الجيش السوداني يريد إيصال رسائل إلى العديد من الدول في المحيط الإقليمي والدولي، يبرهن فيها أنه لديه بدائل في الأزمة الحالية يمكن أن يعدل بها إلى حد ما في عملياته العسكرية ضد قوات الدعم السريع، وأن يحقق فيها مكاسب على مستوى العمليات العسكرية التي تدور في كل من الخرطوم وبعض ولايات دارفور، وذلك بانفتاحه على حليف إقليمي قوي يتمتع بخبرة ممتدة في دعم حلفائه الإقليميين عسكريًّا بالعتاد العسكري والخبرات التي يمكن أن تشكل عاملًا لتغيير توازن القوى القائم في ساحات القتال في الوقت الراهن.

فعمليًّا يمكن لإيران أن تمد الجيش السوداني بعتاد عسكري مؤثر يساعد المؤسسة العسكرية في الصمود لفترة أطول في الحرب واستنزاف الخصم، كما يمكن أن تسعى إيران لاستعادة حضورها القوي في السودان والمنطقة التي تمتد بطول الساحل الشرقي لأفريقيا، حيث يساعد التقارب الأخير مع السودان طهران على إعادة تموضعها في منطقة شرق إفريقيا، التي تمتلك فيها إيران حضورًا عسكريًّا عبر الحوثيين في اليمن، فضلًا عن تاريخ قريب من العلاقات القوية مع عدد من دول المنطقة، مثل: إريتريا وكينيا وجزر القمر، فضلًا عن بعض الأطراف الفاعلة في الصومال.

بل وحتى يمكن أن يتحول السودان لمركز للنشاط الإيراني في وسط القارة حتى غربها، وفي منطقة البحيرات وصولًا إلى جنوب القارة، خصوصًا أن إيران تسعى جاهدة لتنشيط استراتيجيتها تجاه القارة في إطار مواجهة العزلة المفروضة عليها من الغرب(9).

الخلاصة:

في ظل السياق الإقليمي المعقد القائم في الوقت الراهن، فإن إيران سوف تحرص على استغلال كافة الفرص السانحة من أجل استعادة نفوذها في إفريقيا الذي فقدت بعضًا منه خلال السنوات الأخيرة، ولا شك أن السودان هي واحدة من أبرز الدول التي يبدو أن إيران سوف تسعى من خلالها لتعزيز حضورها واستعادة نفوذها المتراجع في شرق أفريقيا، وهو ما يمكن أن يحمل تداعيات ممتدة على التوازنات القائمة في كل من الشرق الأوسط والقارة الإفريقية؛ إلا أن معظم المخاوف الآن تأتي من عودة تلك العلاقات باعتبار أن البحر الأحمر حاليًا هو مياه مشتعلة وساخنة جدًا بالنزاع والاضطراب.

وقد يتخوف الغرب والخليج العربي من احتمال تمدد إيران على الساحل الغربي للبحر الأحمر؛ إذ إن السودان لديه 800 كيلومتر على البحر الأحمر، وتمتاز بموانئ طبيعية عديدة تسمح برسو بواخر ومراكب كبيرة دون أي تدخل بشري، وقد تم استخدامها في العديد من الأزمات خلال القرن العشرين والتاسع والثامن عشر؛ ولذلك فإن هذه المخاوف لها ما يبررها تمامًا حسب الشواهد التاريخية لهذه السواحل.

ومن الممكن تصور المشهد عندما نتخيل ما يمكن أن تفعله أي قوة تتحرك بدون موانع على سواحل منفتحة مثل هذه، وفي ظل الأزمة اليمنية وتصاعد التوتر بسبب اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال والاحتشاد العسكري الأمريكي الأوروبي قد يتسبب بدخول إيران بالعديد من الأزمات، إذا لم تحسن حكومة السودان إدارة هذا الملف بحكمة وحنكة تجنبها الانزلاق والغرق في هذه المياه المشتعلة أصلًا.

1_ الجزيرة

2_ المركز المصري للفكر والدراسات

3_ المستقبل للأبحاث والدراسات

4_ الشرق الأوسط

5_ بي بي سي

6_ الإندبندت

7_ الشرق

8_ الاستقلال

9_ المركز المصري للفكر والدراسات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.