fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الشمال السوري.. مأساة النازحين بين الجوع وعدوان عصابات إيران ونظام بشار الأسد

0 46

الشمال السوري.. مأساة النازحين بين الجوع وعدوان عصابات إيران ونظام بشار الأسد

تتفاقم مأساة السوريين حينًا بعد الآخر، وتزامنًا مع الذكرى الـ13 للثورة السورية على نظام بشار الأسد تسعى الأمم المتحدة لجمع مساعدات بـ4 مليارات دولار من أجل السوريين بشكل عام، وفي مقدمتهم: النازحون شمال غرب سوريا الذين تزيد أعدادهم عن 6 مليون نازح يعيشون معاناة بالغة في كافة مناحي الحياة؛ فالجوع ينتشر بين المخيمات أو ما تبقى من منازل والفقر، وغلاء الأسعار بات سمة أساسية للحياة هناك، وبجانب شح الطعام والدواء وحتى المياه النظيفة تنتشر العصابات والعنف، ومرتزقة الهجرة عبر البحر إلى دول أوروبا، والسوريين في الشمال يكاد ينعدم بينهم الأمن والتعليم، فالأطفال إما يعملون بأجور زهيدة للغاية لتحصيل الأموال لمساعدة أهاليهم، أو يتعرضون للقتل والخطف والاستغلال كمواد تجارب لاختبار المخدرات أو لسرقة أعضائهم وبيعها على يد ميليشيات إيران، وأضحى واقع الشمالي السوري ينحصر داخل الصراع اليومي من أجل العيش ومواصلة الحياة بأي طريقة ممكنة؛ بالإضافة إلى العدوان الإيراني المستمر على حياة السوريين رغم الفاجعة التي حلت بهم والتي كانت إيران أيضًا أحد المتسببين فيها، حتى أضحى الشمال السوري شرقًا وغربًا أكبر أزمة نزوح في العالم، وأحد أكبر كوارث العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

الجوع:

وجَّه آدم عبد المولى المنسق المقيم في سوريا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مناشدة لجمع أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات المنقذة للحياة لأكثر من 10 ملايين سوري، قائلًا: “الأزمة السورية لا تزال واحدة من أكثر الأزمات فتكًا بالمدنيين في العالم والوضع في سوريا بات غير مسبوق ولا يمكننا تجاهله، ونحو 16.7 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية وأكثر من 7 ملايين نازح داخلي”، وبالنظر إلى أوضاع ملايين النازحين في الشمال السوري، سنجد أن غالبيتهم من النساء والأطفال في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة ومستمرة وفق الأمم المتحدة، بعد ما انخفض الدعم الأممي وبات لا يكفي إلَّا ربع أعداد النازحين فقط بمقدار وجبة واحدة يوميًّا لغير القادرين على البقاء، وتشهد أسعار الطعام والدواء والمياه ارتفاعًا كبيرًا، ولمجاراة ارتفاع الأسعار يعيش النازحون وأطفالهم يومًا طويلًا من العمل لشراء الطعام، وأعداد غفيرة لا تأكل إلا وجبة واحدة أو بقايا طعام إن وُجدت.

ويؤكد مارتن جريفيث منسق شئون المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة: فشل الأمم المتحدة في أداء مهمتها تجاه سكان شمال سوريا، مشددًا على أن معاناة النازحين في الشمال السوري من ويلات الحرب ومعدلات غير مسبوقة من الفقر والحرمان وانهيار البنية التحتية وانتشار الكوليرا والجوع.

وتقول إيديم وسورنوفي: مديرة العمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن 5.7 ملايين سوري يحتاجون إلى دعم غذائي عاجل، وأن 200 ألف طفل يعانون سوء تغذية حاد بجانب عدم وجود تطعيمات لمليون طفل دون سن الخامسة، كما صرَّح مدير منظمة عفرين لحقوق الإنسان إبراهيم شيخو بأن حال المخيمات في الشمال السوري كالموت البطيء؛ هذا بجانب شح الدواء ومواد التدفئة في مواجهة البرد والأمطار الغزيرة في الشتاء والصقيع القارس الذي يجتاح المخيمات، ولا يجد النازحون سوى مخلفات القمامة وأغصان الأشجار لحرقها والتدفئة بها؛ إضافة إلى معاناة دفع إيجار الخيام الذي يتخطى 130 دولارًا للخيمة الواحدة، وللعلم فإن عشرات الآلاف من النازحين يعيشون في المدارس والمساجد؛ خاصةً بعد زلزال شرق المتوسط.

الدواء والتعليم:

في الشمال السوري تنتشر الأمراض والأوبئة، مثل: الكوليرا وأمراض نقص التغذية بسبب شح الطعام والمياه النظيفة، ولا يتوافر الدواء إلّا عبر طريقتين: الأولى من خلال شراء الدواء بأسعار باهظة  لا يستطيع تحملها النازحين، والثانية عبر مساعدات الأمم المتحدة التي ترسل كميات سنوية من الدواء.

والغريب هنا: أن عصابات إيرانية تسرق الدواء الأممي، وتعيد عرضه على النازحين بأسعار خيالية ولا يصل لأيدي المسئولين عن المخيمات والمنظمات الإغاثية إلا القليل، أما عن التعليم فعشرات المدارس تُستخدم لإيواء آلاف الأسر المشردة، كما أدى زلزال شرق المتوسط لنقص حاد أو شبه ندرة المدارس، ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة -يونيسف- يحتاج 3.7 مليون طفل لمساعدة إنسانية مستمرة، ويفقد 1.9 مليون طفل حق التعليم ويحتاج أكثر من مليون طفل في سن المدرسة إلى دعم تعليمي.

الأنقاض والغلاء:

بجانب المأساة التي يعيشها سكان إدلب والنازحون في المخيمات، فإن حلب تواجه نفس الكارثة تقريبًا في ظل عودة قوات بشار الأسد للسيطرة على محافظة حلب منذ بداية عام 2017 التي تستبيح السوريين هناك وتمارس جرائمها فيهم وكأنها تنتقم منهم بسبب ثورتهم، وهذا الانتقام يتضح في مشاهد أحياء وقرى حلب التي تظهر وكأنها مدينة حرب بسبب تراكم آلاف الأطنان من الأنقاض في الشوارع والأحياء والمنازل الفارغة المهجورة، والدمار الهائل في المنشآت السكنية والخدمية، وغياب الخدمات عن كل أحياء حلب تقريبًا؛ خاصة في حلب الشرقية وانقطاع الكهرباء أغلب أوقات اليوم، بجانب الأنقاض التي خلَّفها الزلزال والتي لم تتحرك حكومة بشار الأسد لإزالتها، ويلحق الدمار بالمدارس والطرق والجسور، كما تواجه مدن وقرى حلب معاناة الغلاء وارتفاع الأسعار،والاختفاء المتكرر للسلع وارتفاع أسعار صرف الدولار لأكثر من 16 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، ولا يستطيع سكان حلب سوى شراء الخضراوات إلا بالحبة الواحدة وليس بالكيلو بسبب ارتفاع الأسعار وتحكم النظام السوري في أسعار المواد الغذائية؛ بالإضافة إلى شح المواد النفطية في محطات الوقود.

شرق سوريا:

الوضع في مخيمات وملاجئ شرق سوريا ومناطق سيطرة الأكراد ليس أفضل حالًا من معاناة النازحين شمال غرب سوريا “سواء في حلب أو إدلب”، ويعيش آلاف النازحين ظروف بائسة ونقص حاد في تأمين المأوى والغذاء والمياه والدواء والرعاية الصحية والتعليم وحتى الصرف الصحي، وبسبب نقص كافَّة متطلبات الحياة في المخيمات يرفض المعنيين قبول أي نازحين جدد، كما أن عدوان نظام بشار الأسد والحكومة التركية المتبادل سواء في مواجهة بعضهما البعض أو ضد الأكراد شمال شرق سوريا، أدى إلى نزوح الآلاف من منازلهم واستخدام المدارس كملاجئ وتعطيل التعليم، وبسبب احتلال تركيا لبعض من مناطق شمال شرق سوريا ومواجهاتها مع نظام بشار والأكراد، نزح مئات الآلاف إلى محافظة الحسكة وزاد عدد سكانها إلى أكثر من مليونين حتى باتت تواجه نقصًا حادًّا في الطعام والمياه، ولا تتلقى عشرات المخيمات في شرق سوريا أي دعم رسمي من الأمم المتحدة، وتنتظر المخيمات فقط دعم الجمعيات الخيرية، ويستخدم بشار الأسد بعض المدارس شرق سوريا كقواعد عسكرية أو سجون، ويعيق وصول أي دعم رسمي أو دولي إلى مخيمات الشمال الشرقي، مثلما تعيق روسيا كثيرًا من الدعم إلى شمال غرب سوريا -وتسرق ميليشيات إيران كثير من الدعم المتجه إلى شمال غرب سوريا ولا يصل للنازحين منه القليل الذي يصل-.

إيران وبشار وتجارة المخدرات:

تزداد تجارة المخدرات في الشمال السوري بشكل مكثف سواء في الشمال الغربي الذي يكتظ بأكثر من 6 مليون نازح في إدلب وحلب ومحيطهم، أو في الشرق السوري ومناطق سيطرة الأكراد، وهنا تتجه أصابع الاتهام إلى بشار الأسد وحكومته وميليشيات إيران، والاثنان يستغلان الأطفال لصناعة وترويج وبيع المخدرات، ويتضح ذلك جليًّا عبر تفشي مهنة “الحوّاج” وتعني جامع الخردوات والبلاستيك من الأحياء والمناطق الشعبية، وباتت هذه المهنة أحد أهم الطرق لبيع المخدرات، ولا يقف الأمر عند استغلال الأطفال لبيع المخدرات، بل تقوم الميليشيات الإيرانية والحكومية التابعة لبشار الأسد بخطف الأطفال والمراهقين من الفئات الأكثر فقرًا وفي ظروف غامضة واستخدامهم كحقول تجارب لاختبار المخدرات بعد صنعها وقبل ترويجها وبيعها، حيث تكرر اختطاف أطفال ومراهقين، وبعد مدة تظهر جثثهم ويُكتشف أنهم قد ماتوا نتيجة تجارب للعقاقير المخدرة أجراها عليهم مسؤولون عن إنتاج المخدرات تابعون للحرس الثوري الإيراني، ففي فبراير الماضي 2024 اختفى أطفال غرب مدينة دير الزور كانوا يعملون لدى أحد تجار المخدرات الذي يغطي نشاطه بصفة تاجر خردوات ويدير شبكة مؤلفة من 70 طفلًا، وبعد البحث عُثر على طفلين بحالة صحية حرجة إلى مستشفى السلوم بدير الزور، وفارق ثلاثة منهم الحياة بسبب جرعة عالية من المخدرات، وتقوم ميليشيات طهران ونظام بشار باستخدام الأطفال والمراهقين في إنتاج وبيع المخدرات، بل وتهريبها عبر الحدود لتمويل أنشطتهم، وبسبب ذلك مات بالفعل عشرات الأطفال والمراهقين، ولا تزال عائلات شمال سوريا يبحثون عن أطفالهم.

وفي نوفمبر الماضي 2023، اختفى عشرات الأطفال عقب ذهابهم في رحلة ترفيهية ينظمها المركز الثقافي الإيراني للأطفال إلى مدينة ألعاب تدعى حديقة “كراميش”، وكان معظم الضحايا الأطفال يعملون في مهنة “الحوّاج” وتخضع هذه المهنة لتنظيم من سلطات الأمر الواقع، وهي الميليشيات الإيرانية والميليشيات المحلية التابعة لها، وتنقسم مدينة دير الزرو على سبيل المثال إلى 5 قطاعات، يدير كل قطاع شخص محلي يعمل لديه ما لا يقل عن خمسين طفلًا من أبناء النازحين في تجارة المخدرات، ومديرو هذه القطاعات من المجرمين ومروجي المخدرات المعروفين في المدينة، ويرتبطون بمسؤولين إيرانيين محددين، يشرفون على عملهم بشكل مباشر، كما يشرف على هذه المجموعات الحرس الثوري الإيراني، وتقوم الميليشيات بإجراء اختبارات وتجارب المخدرات على الأطفال في مراكز طبية مصغرة ومجهزة في المربع الأمني الإيراني.

الهجرة إلى أوروبا:

منذ بداية عدوان نظام بشار الأسد وأعوانه الإيرانيون والروس على الشعب السوري، بدأت أعداد الباحثين عن الهجرة عبر أوروبا في التزايد المستمر، وهنا يبدأ النازحون مأساة وأنين من نوع آخر، والبداية في جمع الأموال عبر أي طريق لسدادها لعصابات الهجرة، وبعدها تأتي مرحلة الغرق ومواجهة الموت بين أمواج البحر المتوسط أو الوقوع في أيدي قوات خفر السواحل لدول أوروبا ومن يوفق في النهاية للوصول يكون قد فقد أقاربه أو أحدهم، ويبدأ معاناة جديدة حيث شهور أو سنوات من المحاولات والعمل والكد من أجل إقامة وتقنين أوضاع يسمح له بممارسة حقه في الحياة.

الخلاصة:

بات شمال سوريا من شرقه إلى غربه عنوانًا بارزًا للألم والعذاب البطيء، فلا يوجد أي مورد متاح سوى المعاناة، وكل نازح مطلوب منه أن يوفر الطعام والمياه إلى زوجته وأبنائه، وإلى كل من يعيش معه داخل خيمته، هذا إن كان يملك خيمة من الأساس، وإن توفر الطعام فهو وجبة واحدة، وعلى الجميع أن يحذر من تناقل عدوى الكوليرا أو نزلات البرد الشديدة بسبب الأمطار والثلوج والصقيع القارس في الشتاء التي يلزمها مورد للدفء، وهنا لا يجد النازحون سوى القمامة لحرقها والتدفئة عليها، وإن نجح النازحون في تخطي هذه المراحل فعليهم مواجهة جرائم ميليشيا إيران وبشار الأسد، والحذر من تجنيد أطفالهم في تجارة المخدرات أو اختطافهم لسرقة أعضائهم أو وضعهم داخل معامل ومختبرات لتجربة المخدرات المصنوعة محليًّا عليهم، وكأن النازحين شمال سوريا يعيشون لعبة الموت، ولكن في الواقع! ومن ينجو من مرحلة تفاجئه أخرى؛ إلا أن اللعبة هنا لا نهاية لها إلا بالموت الحقيقي أو الهرب إلى الخارج بعد نزيف المآسي، وفقدان الأحبة في عرض البحر.

مصادر:

العربية- الأمم المتحدة تسعى للحصول على مساعدات بـ4 مليارات دولار لسوريا- 22 مارس 2024.

العربية- الغلاء يكوي أطفال سوريا.. ويحرم الآلاف من التعليم- 22 أغسطس 2023.

بي بي سي- الأزمة السورية: 12 عامًا من الهزات الارتدادية الإنسانية- 15 مارس 2023.

العربية- أنقاض تتراكم منذ سنوات وغلاء يكوي حلب.. الحياة لم تعد بعد- 12 فبراير 2024.

العربي الجديد- شتاء السوريين… غلاء وجيوب خاوية- 2 ديسمبر 2023.

TRTعربي- كيف أصبح برد الشتاء عنوانًا لقهر النازحين السوريين؟-1يناير 2021.

الجزيرة- النازحون السوريون 2021.. أرقام كارثية تكشف حجم المأساة- 5 يناير 2021.

الأمم المتحدة- مفوضية اللاجئين تحذر من صعوبات شديدة ستواجه العائلات النازحة هذا الشتاء- 11 نوفمبر 2022.

هيومان رايتس واتش- شمال شرق سوريا: آلاف النازحين يعيشون في ظروف بائسة- مايو 2023.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.