fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مصير الانتخابات العراقية… تهديدات الطائفية وانتفاضة الشعب

119

مصير الانتخابات العراقية… تهديدات الطائفية وانتفاضة الشعب

تزداد الأزمة العراقية يومًا بعد يوم في ظل الحكم الطائفي والفعلي الموجود على أرض الواقع، فالشيعة سرطان الدول وداء العصور، وقد استفحل الداء حتى بات من الواضح أن الأزمة صارت معقدة، والسؤال المشهور في الأوساط الشرق أوسطية هو إلى أين تتجه الأزمة العراقية والصراع الحالي بها؟

وقد واكب المشهد العراقي الحالي دعوات المتظاهرين والتيار الصدري بتغيير جذري في المشهد السياسي العراقي، بداية من الدستور ثم إلى النظام الحاكم للدولة، والذي لا بد وأن يعتمد على رئيس بدلًا من البرلمان، وصولًا إلى حل البرلمان العراقي وإجراء إنتخابات تشريعية مبكرة.

الأزمة العراقية من البدايات:

شهد العراق سلسلة من أعمال العنف أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 20 شخصًا، بعد اشتباكات بين أنصار التيار الصدري من جهة، وقوات الأمن وأنصار تحالف الإطار التنسيقي من جهة أخرى، هذه الاشتباكات جاءت عقب إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر اعتزاله الحياة السياسية.

ولعل البدايات كانت عندما تم تشكيل الانتخابات المبكرة في أكتوبر 2021 وهي نقطة تحول مفصلية في العراق، وكانت الخامسة منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وقد قالت السلطات العراقية: إن تلك الانتخابات المبكرة جاءت استجابة لمطالب المحتجين عام ،2019 والتي أدت إلى الإطاحة بالحكومة، وأسفرت الانتخابات عن فوز التيار الصدري، بحصوله على 73 مقعدًا من مجموع 329 مقعدًا في البرلمان، لكن هذا الفوز لم يمكن الكتلة الصدرية من تشكيل حكومة أغلبية لوحدها، وكان لا بد من تحالف لتشكيل حكومة ائتلاف وطنية، لكن في بلد تحكمه المحاصصة على أساس طائفي؛ زاد عدم التوصل إلى اتفاق من تعقيد المشهد، وكان المعتاد في الدورات السابقة أن تتوافق أحزاب الأغلبية الشيعية لتشكيل حكومة، وَفْقًا للعرف المتبع منذ أول انتخابات أجريت بعد الإطاحة بالنظام السابق، يكون فيه رئيس الوزراء شيعيًّا، ورئيس الجمهورية كرديًّا، ورئيس البرلمان سنيًّا.

وخروجًا عن المعتاد شكَّل التيار الصدري تحالف “إنقاذ وطن” مع ائتلاف سني والحزب الديمقراطي الكردستاني، ورشح محمد الحلبوسي رئيسًا للبرلمان والسياسي الكردي هوشيار زيباري رئيسا للجمهورية، وجعفر محمد باقر الصدر رئيسًا للحكومة، لكنه لم يتمكن من تشكيل حكومة؛ لأن الأسماء التي اقترحها واجهت اعتراضات من قبل ائتلاف “الإطار التنسيقي” الشيعي المنافس، الذي يضم فصائل مدعومة من إيران وتحالف رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

ولطالما أصر زعيم التيار مقتدى الصدر على تشكيل حكومة “أغلبية وطنية” بينما يريد قادة الإطار التنسيقي العودة إلى أسلوب التوافق المتبع في الدورات السابقة، وفي 12 يونيو2022، استقال نواب الكتلة الصدرية، بإيعاز من زعميها، بعد تعثر تشكيل الحكومة.

وأجرى الإطار التنسيقي مباحثات مع الأكراد والسنة لتشكيل الحكومة، واختار بتاريخ 26 يوليو / تموز الماضي، محمد شياع السوداني، مرشحًا لرئاستها، لكن أنصار الصدر، ورفضًا لترشيح السوداني الذي يعتبرونه من الموالين للمالكي، اقتحموا في 30 يوليو2022، مبنى البرلمان واعتصموا داخله مما أشعل فتيل احتجاجات مضادة، وفي العاشر من أغسطس2022، أمهل الصدر مجلس القضاء الأعلى أسبوعًا واحدًا لحل البرلمان لإنهاء المأزق السياسي، لكن المجلس قرَّر أنه يفتقر إلى السلطة للقيام بذلك.

وفي 23 أغسطس 2022 امتد اعتصام أنصار الصدر إلى مبنى مجلس القضاء للتأكيد على المطالبة بحل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية مبكرة.

وقد اندلعت اشتباكات بين أنصار التيار الصدري من جهة، وقوات الأمن ومناصري الإطار التنسيقي المناوئ لمقتدى الصدر من جهة ثانية، أسفرت عن وقوع عدد من الضحايا(1).

رأي الدستور العراقي من المطالب الصدرية:

حلَّ البرلمان نفسه بنفسه يكون وَفْق المادة 64 من الدستور التي تنص على أن هذا المجلس يحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، أي: نصف العدد الكلي زائد واحد.

ويُحدد الخبير القانوني علي التميمي طريقتين لذلك: الأولى: بطلب تحريري من ثلث أعضاء المجلس إلى رئيس مجلس النواب موقع من 110 نواب، والأخرى بطلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية.

غير أن “التميمي” يؤكد أن الطريقة الثانية لحل المجلس تم استثناؤها كون الحكومة الحالية لتصريف أعمال ولم تشكل من البرلمان، أي: لا يحق لرئيسي الجمهورية والوزراء تقديم الطلب المشترك وَفْق قرار المحكمة الاتحادية 121 لسنة 2022(2).

أما الذهاب إلى الحالات الشاذة أو الطارئة كإنهاء عمل البرلمان وحله، والاستمرار في عمل حكومة تصريف الأعمال، فأمر قد يفتح الباب أمام تعقيدات تنفيذية وتشريعية عدة، ويسهم في تواصل التعقيد السياسي واستمرار انسداده، بل قد يفضي في النهاية إلى مرحلة نهاية النظام، كون أركانه وسلطاته لم تعد تمتلك شرعية للاستمرار، فيكون الاعتراض عليه متاحاً للجميع.

ويظل المسار الأفضل هو تشكيل حكومة، واتفاق القوى السياسية لتحديد موعد انتخابات مبكرة أخرى، وإجراء تفاهمات وحوارات والخروج باتفاقات عن شكل وطبيعة النظام السياسي بعد انتهاء الانتخابات وعرض النتائج، وكيفية التصرف والتعامل أمام الاستحقاقات الانتخابية المقبلة(3).

طريق مسدود وبوادر بانتفاضة شعبية:

يرى مراقبون وسياسيون في بغداد أن العملية السياسية الهشة، والصراع السياسي بين الأحزاب الطائفية الحاكمة، وصلت إلى الطريق المسدود بحسب تعبير المحلل السياسي العراقي/ جمعة عبد الله، وقد أصبح مستقبل هذه الأحزاب الطائفية في  مهب الريح، أمام التذمر الشعبي العارم والغليان المتصاعد الذي يهدد بالانفجار البركاني، وقد يقلع هذه الأحزاب الطائفية في أية لحظة.

ويشير المحلل السياسي جمعة عبد الله، إلى أن نظام الحكم الطائفي، لم يجلب للعراق على مدى 19 عامًا مضت سوى الخراب والأزمات، وسيطرت  الفساد السياسي والمالي على الدولة، والآن أصبح يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتلوح في الأفق بوادر انتفاضة شعبية عارمة، أقوى من انتفاضة  اكتوبر 2019 ، التي صدَّعت  جدران الحكم الطائفي، وأصبح  آيل الى السقوط.

ومن المتوقع أن تعود اليوم الى الواجهة بوادر الهبة البركانية العارمة، في الشوارع والساحات؛ لأن الوضع والظروف لم تعد أن تطاق، وأن البركان الشعبي قد ينفجر ويغير المعادلة  كليًّا.

ويقال: إن السياسة العراقية غالبًا ما تصل إلى نقطة اللا عودة قبل أن تقرر الأطراف المعنية حلَّ خلافاتها خلف الأبواب المغلقة، وليس من المستبعد حدوث اتفاق بين المعسكرين، وتكليف «رئيس وزراء توافقي، لا يزال السيناريو الأكثر إمكانية للتحقق»(4).

سيناريو محتمل:

تتعدد السيناريوهات التي يتوقعها الباحثون في الشأن السياسي العراقي، ولا سيما أن الخلاف بين الأطراف المتخاصمة وصل مرحلة عض الأصابع، في مشهد يعيد العراق إلى بداية تكوين العملية السياسية في البلاد، وما شابها من مؤشرات سلبية في اعتماد المحاصصة السياسية بين المكونات؛ إضافة إلى الثغرات القانونية التي أفرزها الدستور العراقي المقر عام 2005.

فيرى المحلل السياسي فتاح الشيخ: أن الانتخابات المبكرة الجديدة، ستجري وَفْق رغبة الصدر؛ إما بحكومة تصريف الأعمال برئاسة الكاظمي، أو بحكومة انتقالية، لكن بشرط أن يرأس تلك الحكومة شخصية وسطية ليست خاضعة لـ “الإطار”(5).

أما رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، فيرى أن هناك 3 سيناريوهات، حيث يتمثَّل الأول بانسحاب مرشح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني من الترشح لرئاسة الوزراء، وتقديم بديل آخر قد يرفضه التيار الصدري إذا ما كان متحالفًا مع الإطار التنسيقي.

وعن ثاني السيناريوهات، يضيف الشمري في حديثه للجزيرة نت: أنه يمكن للإطار التنسيقي التخلي عن قوته السياسية كما فعل التيار الصدري، ويكون ذلك من خلال اختيار تشكيلة وزارية بعيدة عن المحاصصة، تعمل على تهيئة الأجواء لانتخابات تشريعية مبكرة.

لافتًا إلى أن السيناريو الأخير يتمثَّل في الإبقاء على الحكومة الحالية لتصريف الأعمال مع التوجه لانتخابات مبكرة، وهو ما يرفضه الإطار التنسيقي(6).

الخلاصة:

أن المشهد العراقي هو عبارة عن غضب حقيقي للفقراء يوظفه السياسيون كما يشاءون، وأن التيار الصدري يعتلي السلم التوظيفي لأوضاع المواطنين؛ خاصة وأن هناك طبقة سياسية احتكرت السلطة والمال والامتيازات والمناصب، لكن هؤلاء الغاضبين المظلومين هم نموذج ظاهر في المجتمع العراقي، ولا تقول قيادتهم ما برنامجهم للوصول الى تحقيق الأهداف.

وبالنسبة للأوضاع السياسية والحل فهو متمثل فيما إذا تعاونت الكتل الكردية والسنية والمستقلون مع الكتلة الصدرية، فإن بإمكانها تشكيل الحكومة دون عوائق، فالقوى المسلحة لا تستطيع أن تقف بوجه هذه الكتل المدعومة بالقانون ومؤسسات الدولة والمجتمع العراقي والدولي.

1_ بي بي سي_ العراق: ما أهم فصول الأزمة التي تعصف به؟ ومن أبرز اللاعبين السياسيين فيها؟_

2_ الجزيرة_دعا لحل البرلمان العراقي وانتخابات مبكرة.. ما سيناريوهات رد قوى الإطار الشيعي على مطالب الصدر؟_ حسن بابان

3_ إندبندت_ هل الانتخابات العراقية ممكنة في ظل حكومة تصريف الأعمال؟

4_ الغد_العراق على أبواب التغيير.. وترقب لسيناريو «انتفاضة شعبية»_ فتحي خطاب

5_ شبكة الحل_ العراق.. انتخابات مبكرة بحكومة تصريف أعمال؟_ علي الكرملي

6_ الجزيرة_ هذه أبرز سيناريوهات التصعيد بين التيار الصدري والإطار التنسيقي بالعراق_ أحمد الدباغ

التعليقات مغلقة.