fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

المعادلة الصعبة… لماذا يضغط الغرب لتقليص العلاقات “التركية – الروسية”؟

80

المعادلة الصعبة… لماذا يضغط الغرب لتقليص العلاقات “التركية – الروسية”؟

تثير العلاقات “التركية – الروسية” حالة من القلق والخوف لدى المجتمع الغربي؛ خاصة في ظل الظروف العالمية، والتي تأثرت بسبب الحرب الواقعة بين أوكرانيا وروسيا، وتنامي الخلاف بين الدب الروسي ودول الغرب التي دائمًا تعمل لمجرد مصالحها، وعلى هذا تنامت أصوات غربية تنادي بعرقلة المسيرة والطريق بين الجانبين: الروسي والتركي.

ومن أكثر المخاوف الغربية من هذه العلاقة: قلقهم من احتمال تطوره إلى صيغ سياسية في ظل محاولات روسيا لفرض أجندتها في عدة أزمات دولية.

وفي الوقت ذاته ستعمل تركيا التي تتحرك بنزعة استقلالية بشكل أكبر مما سبق، على ضبط علاقاتها وفق مصالحها السياسية والاقتصادية، وهو ما يستدعي منها حسابات دقيقة في ظل السياسات الدولية المعقدة.

وعلى الرغم من أن الموقف التركي الحالي حساس للغاية؛ إلا أن أردوغان يحاول التحرك بتوازن حساس لمواصلة علاقته مع الغرب، وفتح الآفاق أمام العلاقة الروسية، وذلك كله أثناء اشتعال النار الروسية – الأوكرانية؛ خاصة بعد ما أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تركيا “شريكًا موثوقًا” فيما وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن علاقات بلاده بالدب الروسي بـ”التحالف الإستراتيجي والمهم”.

العلاقات التركية الروسية:

اتسمت العلاقات التركية – الروسية عبر التاريخ بالتنافس والصراع في عدة ساحات شملت البلقان والبحر الأسود والقوقاز، وقد تواصل التوتر بين البلدين عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث طلبت موسكو من أنقرة منحها مدينة قارص شرق الأناضول وإعادة النظر في اتفاقيات العبور بمضيقي البوسفور والدردنيل؛ مما دفع تركيا، في عام 1952 للانضمام إلى حلف الناتو للاحتماء به من التهديدات السوفيتية، وظلت أنقرة خلال حقبة الحرب الباردة تتحرك ضمن الإستراتيجيات الغربية ليقتصر دورها على العمل كحاجز أمام تمدد موسكو نحو البحار الدافئة بالتوازي مع إهمال ساحات التأثير التاريخية في البلقان وآسيا الوسطى وشمال إفريقيا(1).

ولكن في الوقت الراهن نجد انخراط أنقرة مع موسكو في عدة مجالات مع تعهد أردوغان وبوتين بتعميق تعاونهما، خصوصًا في التجارة والطاقة، بعد اجتماعهما الثنائي في مدينة سوتشي الروسية لعام 2010، وقتها تم تأسيس مجلس التعاون التركي – الروسي رفيع المستوى، وقد شهد المجلس 4 لقاءات في كلٍّ من: روسيا وتركيا، وقد عُقد الاجتماع الخامس في أنقرة في الأول من ديسمبر 2014 حيث حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برفقة 10 من الوزراء الروس في رغبة مشتركة بتعزيز العلاقات اقتصاديًّا، ومن وقتها أصبحت العلاقات التركية مع روسيا مرة أخرى تحت الضوء.

وقد تعمَّقت العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين تركيا وروسيا، وبالأخص في مجال نقل الطاقة وإن ظل التنافس بينهما قائمًا في العديد من الملفات، مثل: سوريا وليبيا وقبرص، وإقليم ناغورني قرة باغ، لكن ظلَّت تلك الخلافات ضمن مساحة مقبولة من الطرفين، وهو ما كفل لهما التجاوز السريع لأزمة إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية في عام 2015 قرب الحدود السورية؛ حيث عادت العلاقات الوثيقة مجددًا وبالأخص بعد وقوف بوتين بجوار الرئيس التركي في وجه الانقلاب العسكري، عام 2016، ومن ثَمَّ انتقل التعاون بين البلدين إلى مربع العلاقات العسكرية مع شراء أنقرة، في عام 2019، لمنظومة الدفاع الجوي الروسي إس400 رغم التهديدات والعقوبات الأميركية بخصوص إتمام تلك الصفقة(2).

وقد وضع الغزو الروسي لأوكرانيا تركيا بين فكي كماشة في ظل تمتعها بعلاقات قوية مع طرفي المعادلة المتناحرة؛ سواء كانت أوكرانيا أو روسيا، ومع هذا لم تنخرط تركيا في فرض أية عقوبات اقتصادية على روسيا على خلفية دورها في انفصال لوغانسك ودونيتسك بشرق أوكرانيا.

ولم يقتصر دورها على التوقف عن أية عقوبات، بل انخرط البلدان “روسيا – أوكرانيا” معًا في مشروع خط أنابيب “السيل التركي” الذي دخل مرحلة التشغيل بنقل الغاز من روسيا إلى تركيا والبلقان، بعيدًا عن أوكرانيا التي ظلَّت لسنوات تنفرد بخط المرور الأساسي للغاز الروسي إلى أوروبا.

مواطن الخلاف بين البلدين:

يوجد عدة قضايا تختلف بشأنها المواقف الروسية والتركية، منها: الأزمة في سوريا، فهي تعارض روسيا بشدة إسقاط نظام الأسد في سوريا، وترى أنه صاحب السيادة والشرعية وترفض أي تدخل عسكري لإزاحته، وفيما يتعلق بتركيا فإن روسيا تعارض وتحذر تركيا باستمرار من عملية دعم المعارضة السورية.

وتقف روسيا سندًا دوليًّا للنظام السوري، وترى أن الأسد هو رئيس منتخب وتعمل على عدم تبني أي قرار ضده في مجلس الأمن، وقد صوَّتت روسيا بالفيتو ثلاث مرات لحماية النظام السوري(3).

ويقابل التدخل في سوريا الأزمة القبرصية حيث تدعم روسيا حكومة قبرص اليونانية ضد قبرص التركية، لأسباب استثمارية، وقد رحبت موسكو بضم قبرص اليونانية للاتحاد الأوروبي، ولكن عبء العلاقة الروسية بقبرص اليونانية لا يبدو أنه يثير قلقًا تركيًّا كبيرًا، بل على العكس أصبح وضع قبرص المتدهور اقتصاديًّا يعتبر أحد أسباب حماس روسيا المتزايد للاستثمار في تركيا(4).

ويوجد عدد آخر من المشكلات في البلقان والقوقاز كالمواقف المختلفة تجاه كوسوفا وجورجيا والدعم الروسي لأرمينيا في صراعها مع أذربيجان التي تدعمها تركيا، وخلافات متعلقة بإمدادات الطاقة من وسط آسيا، لكن هذه المشكلات لا تبدو عائقًا كبيرًا أمام الحوار الثنائي وتكوين العلاقة الإستراتيجية.

مواطن الاتفاق الروسي – التركي:

إن انشاء التعاون بين كل من روسيا وتركيا، وبخاصة في مجالات الاقتصاد والأمن والطاقة سيخلق حالة إيجابية تحالفية بين البلدين، وهو أمر ضروري لإقامة علاقة صحية.

الغاز:

لا يُعَد الغاز الطبيعي الروسي أهم قضية في العلاقة مع تركيا فحسب، بل إن العديد من دول المنطقة يُعطي أهمية لموضوع الغاز فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا، وبفضل مواردها الطبيعية الغنية؛ فإن اقتصاد روسيا يمنحها المزيد من فرص التجارة الخارجية كل عام، حيث إن جزءًا كبيرًا من صادراتها في الأشهر الـ11 الأولى من عام 2016 الذي وصل إلى 225 مليار دولار كان في معظمه من  الغاز الطبيعي والنفط والمعادن الثقيلة الأخرى.

النووي:

أما في مجال الطاقة النووية؛ فإن روسيا واحدة من أهم القوى في العالم في هذا المجال، ويرجع ذلك إلى مواردها الطبيعية، وكذلك مع تجربتها النووية الموروثة من الاتحاد السوفياتي في السنوات الأخيرة، وكان هناك نطاق كبير من أرضيات التعاون بين روسيا وتركيا في مجالات الطاقة النووية، ونقل الغاز الطبيعي الروسي.

وقد تم البدء في الخطوات الأولى للتعاون مع روسيا في هذا المجال بالاتفاق الذي وقع عليه وزراء الطاقة في البلدين في عام 2010، وبعد هذه الخطوة وُقِّع على اتفاق بين قادة الدولتين لإقامة تعاون في المنشأة النووية، وفي إطار المشروع أيضًا، أُرسِل مرشحون من المهندسين الأتراك إلى روسيا للمشاركة في محطة أكويو للطاقة النووية، وأُعِدَّت البنية التحتية القانونية اللازمة للمرفق النووي في تركيا.

وقد تحوّلت تركيا إلى مجال الطاقة النووية لأسباب من قبيل الحدِّ من الاعتماد الخارجي على الطاقة، والتقليل إلى أدنى حد من التأثير البيئي لإنتاج الطاقة، وتوفير احتياجات البلد من الطاقة بموارد موثوقة(5).

الأمن:

تسببت الحرب الأهلية في سوريا والأزمة السياسية في أوكرانيا في إشغال جدول أعمال السياسة العالمية لبضع سنوات، وبالتالي تقع مسؤولية الأمن الإقليمي لحوض البحر الأسود والشرق الأوسط وجنوب القوقاز تحت مسؤولية روسيا وتركيا، ومن ثم فإن العلاقات الثنائية، وكذلك سياسات البلدين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحل المشكلات السياسية في هذه المناطق.

السياحة:

وثمة موضوع مهم آخر في العلاقات بين تركيا وروسيا هو السياحة، ولإعطاء تعريف أوضح، فإن الملايين من السياح الروس الذين يفضلون تركيا لقضاء عطلة كل عام هم عنوان مهم في علاقات أنقرة مع الكرملين.

التجارة:

وعلى الرغم من أن جزءًا كبيرًا من تجارة تركيا مع روسيا قد تم من خلال استيراد تركيا من الغاز الطبيعي؛ فإنه ينبغي اعتبار أن الواردات والصادرات غير هذا المبلغ تصل إلى مليارات الدولارات، وبالتالي تعتبر روسيا واحدة من الشركاء التجاريين الرئيسين لتركيا(6).

قلق غربي:

ذكرت صحيفة فايننشال تايمز في بعض أعدادها أن حكومات الغرب تشعر بقلق متزايد إزاء تنامي العلاقات الاقتصادية بين تركيا وروسيا، وحذرت مِن أن تركيا قد تواجه ردًّا عقابيًّا إذا ساعدت روسيا على تفادي العقوبات؛ خاصة بعد إعلان أردوغان وبوتين تعزيز التعاون في النقل والزراعة والشؤون المالية، وصناعات البناء والتشييد، وقتها قال ستة مسؤولين غربيين للصحيفة إنهم قلقون بشأن هذا الإتفاق.

وذكر مسؤول من الاتحاد الأوروبي لصحيفة فاينانشيال تايمز: إن الاتحاد الأوروبي يراقب التعاون التركي الروسي “عن كثب”، معربًا عن قلقه من أن تركيا أصبحت “بشكل متزايد” منصة للتجارة مع روسيا، كما اتفقا على تحويل جزء من مدفوعات الغاز الروسي إلى عملة الروبل، حسبما ذكرت رويترز أيضًا.

وقال مسؤول آخر للصحيفة ذاتها: “إن سلوك تركيا تجاه روسيا “انتهازي للغاية”، ونحن نحاول أن نجعل الأتراك ينتبهون لمخاوفنا”(7).

الملخص:

إن المقاربة بين الجانبين: “التركي – والروسي” هي مقاربة صعبة ومقلقة للجانب الغربي؛ لأن تركيا تعتبر منفذًا مهمًّا للدب الروسي، والتي من خلاله تسعى إلى مزيد من التملص من العقوبات الغربية؛ خاصة وأن تركيا تسعى للتمرد على الاتحاد الأوروبي والخروج عن سيطرته، وذلك واضح من خلال التعاملات الأخيرة بين الجانبين.

بالإضافة: أن الجانب التركي يبذل قصارى جهده لتحقيق معادلة موازنة من التقارب بين جميع الأطراف الدولية، كذلك تعمل على تحقيق مصالحها المختلفة في الأمن والطاقة من خلال العمل مع روسيا.

كذلك تقوم أنقرة بإرسال رسائل دبلوماسية وسياسية لواشنطن والعالم الغربي بخسائرهم الإستراتيجية والدولية والجيوسياسية، كذلك قدرة الجانب التركي على إيجاد البدائل، مع العمل على عدم اندلاع أي أزمة في ظل الحاجة إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي من أجل تطبيق الخطط المتعلقة بالمكانة الدولية والاقتصاد والطاقة، وهو ما يحتم الحفاظ على التوازن وتحسين العلاقات مع دول المنطقة والاتحاد الأوروبي بالدرجة الأولى.

وتظل الحقيقة المُرَّة والصعبة: أن واشنطن تشعر بالقلق البالغ من السياسة التركية الحالية لعدة أسباب، منها: اختلاف الرؤى حول التعامل مع الأوضاع في سوريا والعراق، وتقارب تركيا من روسيا اقتصاديًّا، ومحاولات تركيا لملء الفجوة التجارية التي حدثت بعد العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي مؤخرًا على روسيا.

1 –  الجزيرة

2 –  مركز الجزيرة للأبحاث

3 –  روسيا اليوم

4 –  العربي الجديد

5 –  رؤيا التركية

6 –  بي بي سي

7 –  أحوال تركية

التعليقات مغلقة.