fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

زيارة أردوغان وعودة العلاقات المصرية التركية بين الواقع والمأمول

64

زيارة أردوغان وعودة العلاقات المصرية التركية بين الواقع والمأمول

بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة في زيارة قصيرة للمرة الأولى بعد سنوات من الخلاف، بات لسان حال الكثيرين -وفي مقدمتهم المصريون- يردد: “كيف وماذا سوف تستفيد مصر من عودة العلاقات مع تركيا؟”، ولعل هذا السؤال مغزاه: أن الجميع أضحى يعلم أن تركيا تتقرب من مصر بعد ما أجهضت القاهرة مخططات أنقرة في ليبيا، كما أن رغبة تركيا في دخول منتدى غاز المتوسط ستكون عبر بوابة القاهرة، وبالتالي فإن أهداف تركيا من عودة العلاقات مع مصر تكاد تكون معلومة، ولذلك سنحاول في هذا التقرير توضيح المكاسب التي من المنتظر أن تجنيها مصر من هذا التطور في علاقات البلدين، والحقيقة فإن طي صفحات الخلاف فيما بين مصر وتركيا وبدء تحالف فيما بينهما سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا سيعود على البلدين، وتحديدًا مصر بمكاسب جمَّة على كافَّة الأصعدة.

سمات مشتركة:

يجمع مصر وتركيا عدة سمات مشتركة، أبرزها: الدين والتاريخ، ولا ننسى كون مصر كانت جزءًا من الخلافة العثمانية في القسطنطينية -إسطنبول حاليًا- لمدة ثلاثة قرون، كما أن الدولتين عضوتان كاملتان في منظمة الاتحاد من أجل المتوسط، ويجمعهما اتفاقية تجارة حرة، وتعد مصر أكبر شريك تجاري لتركيا في القارة الإفريقية، كما أن تركيا أكبر الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية خلال العام 2023 بقيمة 2 مليار و943 مليون دولار، واتفاقية التجارة الحرة بين القاهرة وأنقرة تعفي الصادرات الصناعية المصرية لتركيا من الرسوم الجمركية والضرائب بجانب تطبيق معدلات الخصم على قائمة منتجات تصل تدريجيًّا إلى الإعفاء الكامل، وتواجه البلدتان المسلمتان اليوم تحديات كبيرة –وإن كانت تحديات القاهرة أكبر وسط التوتر الحدودي حول القاهرة في فلسطين والسودان وليبيا، وأزمة سد النهضة والبحر الأحمر-؛ ولذلك فإن التعاون فيما بينهم على مختلف الأصعدة يعني مساحة أكبر من التحرر والخروج من الضغط، وتوفير فرص لمواجهة العقبات الإقليمية والجيوسياسية، مثل: العدوان على غزة، ومحاولات إسرائيل والغرب لتصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وكذلك أزمة باب المندب والبحر الأحمر والأوضاع في ليبيا والسودان، وأمنيًّا وعسكريًّا يستطيع التحالف بين البلدين أن يجعل منهم أكبر مصدر للتصنيع العسكري المشترك في الشرق الأوسط، ويخرجهم أكثر من التبعية للغرب أو الشرق إلى شبه الاستقلال العسكري، ويؤدي التبادل التجاري إلى تعزيز اقتصاد الدولتين.

الاقتصاد:

يواجه البلدين ضغوط اقتصادية قوية وإن كانت التحديات التي تحيط بمصر أشد وطأة في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، والتي أبرزها: أزمة باب المندب والبحر الأحمر التي جاءت بعد أزمة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، وباتت مصر اليوم تواجه مشكلة كبيرة في نقص العملة، وبالتالي ارتفاع التضخم واستمرار ارتفاع أسعار السلع، ويكمن الحل الجذري للأزمة في زيادة الإنتاج المحلي ومضاعفة الصادرات إلى العالم الخارجي واستقدام مزيد من العملة إلى البلاد، ولعل تركيا أحد الفرص من أجل تحقيق هذا الغرض، حيث سجلت صادرات تركيا 255.81 مليار دولار عام 2023 وتستهدف رفع صادراتها إلى 400 مليار دولار ويأتي هذا تزامنًا مع حقيقة أن مصر في قائمة أكبر 20 دولة مستوردة للسلع التركية في عام 2022، بينما لا تأتي مصر ضمن قائمة أكبر 20 دولة تستورد منها تركيا، وإذا كانت قيمة التبادل التجاري بين البلدين تزيد على 7 مليارات دولار في عام 2022، فإن ذلك لا يمثل سوى ما يزيد بقليل على 5% من إجمالي تجارة مصر الخارجية التي تقترب من 130 مليار دولار في العام المالي 2021/2022.

أما تركيا فقيمة التجارة السلعية لها مع مصر لا تمثل سوى 1.13% من إجمالي تجارتها السلعية مع دول العالم والتي بلغت 617 مليار دولار بنهاية 2022، وبالتالي فإن زيادة الاستثمار بين البلدين والتبادل التجاري سيقدم لمصر عدة مزايا، أبرزها: زيادة الصادرات المصرية للخارج، وزيادة التبادل التجاري، وفتح أسواق جديدة بتكاليف أرخص إلى الاتحاد الأوروبي، وتعني كل هذه المزايا إنتاجًا مصريًّا محليًّا أكبر، وفرص عمل أكثر، وزيادة العملات الأجنبية.

ويؤكد مصطفى دنيزر رئيس مجلس الأعمال التركي المصري، أن حجم الاستثمارات التركية في مصر بلغ 3 مليارات دولار، وتوفر 70 ألف فرصة عمل بشكل مباشر ونحو 100 ألف فرصة عمل بشكل غير مباشر، مع تحقيق عائد إجمالي بقيمة 1.5 مليار دولار سنويًّا، وأن حجم التجارة بين البلدين بدأ في الارتفاع مع اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع مصر عام 2007، ليصل الآن إلى 10 مليارات دولار، وأشار إلى أنه من الممكن أن يصل حجم التجارة بين البلدين إلى 20 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة في ظل فرص تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعي المسال، والطاقة النووية والمتجددة، والحديد الصلب، والمنسوجات والملابس الجاهزة، والأدوات المنزلية، والإنشاءات والبناء، ووجود أكثر من ٧٠٠ شركة ومصنع تركي، وشركات مصرية مساهمة باستثمارات تركية تتعدى ٢ مليار دولار.

اتفاقية التجارة الحرة:

تسمح اتفاقية التجارة الحرة للصادرات الصناعية المصرية حق الوصول الكامل والفوري للسوق التركية الكبيرة وتُسهِّل الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي، من خلال دمج الصناعات التركية والمصرية، وتمكين المصدرين المصريين من الاستفادة من تجربة تركيا في الاتحاد الأوروبي، وبناءً عليه تحقق اتفاقية التجارة الحرة عدة مزايا تجارية، أهمها:

-إزالة القيود المفروضة على تجارة السلع بما في ذلك المنتجات الزراعية.

– إنشاء بيئة مناسبة لجذب المزيد من الاستثمارات.

– توفير منافسة تجارية عادلة بين الدولتين.

– تسهيل الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، كما أن اتفاقيات التجارة الحرة بين مصر وإفريقيا مثل اتفاقية الكوميسا تُسهِّل الوصول إلى المستثمرين الأتراك.

– يستهدف خلال السنوات الخمس القادمة النهوض بحجم التجارة الثنائية من 10 مليار دولار حاليًا إلى 20 مليار دولار، مع بحث إمكانية استخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية في الفترة المقبلة لخفض الطلب على الدولار في البلدين لمعانتهما من نقص العملة الأجنبية.

التعاون العسكري:

نجحت مصر قرابة العشر سنوات الماضية في تخطي عتبات كبيرة في تنويع مصادر سلاحها عسكريًّا، وأتمَّت عدة صفقات ضخمة في كافَّة الأسلحة البحرية والجوية والبرية، ولم تعد رهينة للسلاح الأمريكي، كما تميزت مصر السنوات الماضية بإنتاج أسلحة ثقيلة ومتطورة محليًّا، وهو الأمر الذي نجحت فيه تركيا أيضًا، إلا أن أنقرة استطاعت اقتحام صناعة المسيِّرات الحربية والمقاتلات الجوية من الجيل الخامس الحديث وهو ما ينقص القاهرة في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها العالم من التسليح وتحديدًا التصنيع العسكري المحلي، لسببين: الأول: هو احتكار دول بعينها للتصنيع العسكري المتقدم محليًّا، وهم: أمريكا روسيا والصين وفرنسا تقريبًا، والاحتكار هنا يظهر في المقاتلات والمسيرات الحربية؛ خاصةً الحديثة منها. والثاني: حرب أوكرانيا ومن بعدها العدوان على غزة وما كشفته الأزمتين من أهمية لسلاح الجو والمسيِّرات على حساب الأسلحة التقليدية الثقيلة، مثل: الدبابات والمدرعات؛ ولذا تتسارع دول العالم نحو تصنيع وامتلاك المسيِّرات والمقاتلات الجوية، وبعد نجاح تركيا في إنتاج الطائرات بدون طيار “بيرقدار تي بي 2” التي حققت نجاحات في سوريا وليبيا أرمينيا، وكذلك نجاح أنقرة في إنتاج مقاتلة الجيل الخامس الحديثة “كان”.

رأت مصر ضرورة الاستفادة من التكنولوجيا التركية سواء في المقاتلات أو المسيِّرات أو حتى أنواع طائرات إف 16 التي تمنعها واشنطن عن القاهرة، وستحصل عليها أنقرة من الولايات المتحدة مقابل موافقتها على دخول السويد لحلف الناتو، وحققت أنقرة مبيعات لافتة من المسيرة التي بدأت تطويرها في 2007، وأعلنت شركة “بايكار” المنتجة للمسيرة مبيعات بقيمة 1.18 مليار دولار عام 2022، وهي الأولى في تاريخ صناعة الدفاع التركية، وتعد طائرة بيرقدار TB2 التركية من أفضل الطائرات من دون طيار في العالم من حيث الاستخدامات المتعددة، حيث إنها تأتي بطول 6.5 متر وعرض 12 مترًا، وقدرة على التحليق بحمولة تصل إلى 650 كجم كحد أقصى، ومدى يصل إلى 150 كم، وبسرعة تصل إلى 70 عقدة (130 كم في الساعة) وقدرة على الطيران لمدة تصل لأكثر من 24 ساعة من دون توقف، وعن الطائرة المقاتلة من الجيل الخامس “كان”، هي من الطائرات الحربية غير المرئية، وطول جناحيها 14 مترًا، وارتفاعها 6 أمتار، وطولها 21 مترًا، تصل سرعتها القصوى إلى 2205 كم، وتعمل على ارتفاعات تزيد عن 16 كم، ويمكنها حمل أسلحة داخل الجسم وتوفر هجوم إستراتيجي جو جو، وجو أرض، وبالتالي فإن التعاون العسكري بين مصر وتركيا كفيل بتطوير قوة البلدين عسكريًّا في جميع أنواع الأسلحة بداية من الأسلحة البرية الثقيلة، مثل: الدبابات والمدافع والمدرعات، والمقاتلات، والغواصات والسفن الحربية، وحاملات الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، وحتى الأسلحة الخفيفة، مثل: الذخائر بأنواعها والصواريخ؛ مما قد يدفع بالبلدين لمجاورة الدول الكبرى المهيمنة على التصنيع العسكري عالميًّا.

السياسة والأمن:

نجحت مصر السنوات الماضية في الخروج الجزئي من العباءة الأمريكية وتعزيز علاقتها السياسية بروسيا والصين وكوريا الجنوبية، وعدة دول أوروبية، مثل: فرنسا واليونان وألمانيا وإيطاليا، وانتهجت سياسة تحجيم الأعداء وزيادة الأصدقاء، انفتحت القاهرة على العديد من الدول الإفريقية وقدمت للكثير منهم الدعم وأقامت عدة مشروعات قومية، مثل: سد تنزانيا؛ ولذلك فإن التقارب المصري التركي سيضيف فرصًا أكبر للقاهرة نحو قرار سياسي أكثر تحررًا في مواجهة قضايا الشرق الأوسط؛ سواء في غزة أو ليبيا أو السودان، وكذلك في البحر الأحمر وحل أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، كما أن التقارب نحو تركيا يعد خطوة مهمة نحو تنويع مصادر مصر الاقتصادية والعسكرية، وعدم الرضوخ لقبضة أي من المعسكرات سواء الشرق -روسيا والصين- أو الغرب -أمريكا وأوروبا-، حيث يؤكد الباحث السياسي المختص بالشأن التركي محمود علوش، أن المشكلات التي تتعرض لها مصر بحاجة إلى تغيير أنواع الإستراتيجية والتكتيك، مضيفًا: “مصر في دائرة نار كاملة في السودان وليبيا، والبحر الأحمر وغزة، ولا بد من التخلص من هذه المشكلة بتوسيع العلاقات والصداقات والاستراتيجيات، وهو ما يحصل الآن مع تركيا، وأن إصلاح العلاقات وبناء دبلوماسية القادة بين أردوغان والسيسي يخلقان بيئة أكثر مناسبة لمساعدة البلدين في إدارة الأزمات الإقليمية”.

وقال رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي: إن هذا التطور المتلاحق في مسار العلاقات المصرية التركية سيكون له الكثير من الانعكاسات الإستراتيجية، من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة المشتعلة، ومحاولة الوصول إلى بعض الحلول لموضوعات أصبح شبه مزمنة في المنطقة، موضحًا أن الهدف الرئيسي والإستراتيجي هو التعاون، كما يشدد السفير محمد حجازي على أن خطوات التقارب المصري التركي مهمة ومُلحة للغاية؛ بسبب التطورات الجارية في المنطقة والتي تُحتِّم على الدول الكبرى فيها، مصر وتركيا والسعودية وغيرهم بحث الوصول لتوافق، مشيرًا إلى ملف ليبيا وغاز المتوسط وأزمة السودان الصومال، وسد النهضة والتصنيع العسكري المشترك، وخاصةً الطائرات المقاتلة والمسيرات، ويشير الدكتور محمد الزواوي المحاضر بمعهد الشرق الأوسط بجامعة صقاريا التركية، إلى أن التوافق التركي المصري في قضايا ليبيا وغاز المتوسط سيعود على القاهرة بتخفيف الحمل الليبي ولو قليلًا، وإضافة مئات الكيلو مترات إلى الحدود البحرية المصرية، مضيفًا أن تجاهل إسرائيل وقبرص واليونان لمصر والشروع في عمل خط أنابيب يصل إلى إيطاليا، وتجاهل طموحات القاهرة بأن تكون مركزًا لتسييل الغاز بالمنطقة، ما دفع القاهرة نحو تركيا، باعتبار أن هناك بنية تحتية جاهزة لتصدير الغاز إلى تركيا انطلاقًا من القاهرة، بعد ما احترمت مصر حدود الجرف القاري لتركيا، وهو ما أشادت به أنقرة معلنة إمكانية التفاوض والتوقيع على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع مصر.

الخلاصة:

بعد هذا السرد الذي قدمناه لا نريد أن نوهم القارئ، بأن حل جميع مشكلات مصر في عودة العلاقات مع تركيا؛ بالطبع لا، ولكن نريد أن نوضح أن وصول العلاقات بين مصر وتركيا إلى درجة التحالف في مجالات عدة؛ خاصةً السياسي والاقتصادي والعسكري، يكفل لمصر كثير من المنافع والفوائد الثمينة -ولتركيا أيضًا-، ولعل أهمها وأبرزها: تحرر أكثر للقاهرة نحو الخروج من الضغوط الحالية داخليًّا وخارجيًّا، كون أنقرة همزة وصل أكبر وأسرع بين الشرق الأوسط وعواصم أوروبا تحديدًا في التبادل التجاري، كما أن التكامل العسكري بين البلدين سيُكمل ما ينقُص كليهما ويدفع البلدان إلى مكانة عسكرية أكبر كثيرًا من منزلتهم الحالية، كما أن هذه العلاقات تستطيع تسوية الأوضاع في ليبيا ودعم ضغوط مصر لوقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة ومقاومة مخططات الغرب.

مصادر:

إندبندنت عربية- صفقة المسيرات هل تخدم التطبيع بين مصر وتركيا؟- 15 فبراير 2024.

سكاي نيوز- أردوغان: صادرات تركيا في 2023 بلغت 255.8 مليار دولار- 2 يناير 2024.

سكاي نيوز- أردوغان والسيسي.. “مسائل كبرى” حاضرة على طاولة تركيا ومصر- 14 فبراير 2024.

روسيا اليوم- تركيا تعلن نجاح أول تحليق للطائرة المقاتلة “كان”- 21 فبراير 2024.

الفتح – تعليق رئيس جهاز الاستطلاع المصري الأسبق على تزويد أنقرة للقاهرة بمسيِّرات قتالية- 21 فبراير 2024.

الحرَّة- مؤشر علاقة “بالمسيّرات القتالية”.. ما الذي تغيَّر بين مصر وتركيا؟- 5 فبراير 2024.

I24 news- تحليل :السيسي وأردوغان .. عندما تتصالح المصالح- 16 فبراير 2024.

الجزيرة- ما آفاق التعاون الاقتصادي بين مصر وتركيا بعد عودة العلاقات؟- 18 إبريل 2023.

BBC- مصر وتركيا: ماذا وراء عودة العلاقات بين البلدين عقب فوز أردوغان بفترة رئاسية جديدة؟- 31 مايو 2023.

TRT عربي- التصنيع العسكري التركي وأفق الاستقلال والتأثير- 27 مايو 2022.

التعليقات مغلقة.