fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تسريب الامتحانات… لماذا تعجز الحكومة عن مقاومة الظاهرة؟

222

تسريب الامتحانات… لماذا تعجز الحكومة عن مقاومة الظاهرة؟

تسريب الامتحانات ليس مجرد مشكلة تعليمية، بل هو خطر حقيقي يهدد تطور المجتمع ويحول دون بناء جيلٍ واعٍ ومؤهلٍ، وهي ظاهرة تعاني منها العديد من الدول، وتعتبر مصر واحدة من البلدان التي تواجه هذه المشكلة بشكل خاص؛ إذ إن تسريب الامتحانات يضعف مكانة المدرسين والمؤسسات التعليمية، حيث يفتقد الطلاب إلى قدرة المدرسين على تأهيلهم وتقييمهم بشكل عادل؛ لذلك فإن مواجهة هذه الظاهرة المدمرة تتطلب إرادة صارمة وتحركًا فوريًّا من قِبَل جميع الأطراف المعنية للقضاء على هذا الوباء التعليمي، وتوفير بيئة تعليمية عادلة ونزيهة للجميع.

وفي السطور التالية، يعكف مركز “رواق” على تحليل فشل الحكومة المصرية في مواجهة ظاهرة تسريب الامتحانات، وتسليط الضوء على العوامل والأسباب التي تسهم في استمرار هذه الظاهرة؛ فضلًا عن تحديد التداعيات السلبية لتسريب الامتحانات على النظام التعليمي، وعلى المجتمع ككل، ثم نقدِّم التوصيات والمقترحات التي تساعد في التغلُّب على الظاهرة.

تاريخ تسريب الامتحانات في مصر:

ويعكس تطور هذه الظاهرة حدوث تغيرات في البيئة التعليمية، والعوامل المؤثرة على النظام التعليمي في مصر، فيما يلي نظرة عامة على تاريخ تسريب الامتحانات وتطوره في مصر:

في عام 1960م وقام بهذه الواقعة حينئذٍ صاحب مطبعة الامتحانات، لصالح لاعب كرة قدم بأحد الأندية الشهيرة، مساء ليلة الامتحان، وحينها قررت الحكومة إعادة جميع الامتحانات بعد هذه الواقعة بشهر، والحكم بعد ذلك على صاحب هذه المطبعة بالسجن المشدد 7 سنوات، وفي عام 1967، قامت الإذاعات الإسرائيلية الناطقة بالعربية ببث امتحانات الثانوية العامة مباشرة على الهواء، وتعرض حوالي 200 ألف طالب لمفاجأة غير متوقعة عندما تبيَّن أن أسئلة الامتحان متطابقة مع ما تمَّ بثه عبر الإذاعات الإسرائيلية، و تكرر الأمر في اليوم التالي واتسعت رقعة وصول الأسئلة للطلاب، فقام مجلس الوزراء بعقد اجتماع طارئ قرر فيه إلغاء الامتحانات و تأجيلها لوقت لاحق، ومنذ ذلك الوقت تم اعتبار امتحانات الثانوية العامة في مصر مسألة أمن قومي، وتقرر طبع الامتحانات تحت إجراءات أمنية مشددة(1).

ومع بداية الثمانينيات بدأت حالات تسريب الامتحانات في مصر تتزايد بشكل ملحوظ، وفي هذه الفترة زادت القصص والتقارير عن تورط بعض المسؤولين، وبعض والمدرسين في تسريب الأسئلة وبيعها للطلاب، ومع التطور التكنولوجي وانتشار وسائل الاتصال الحديثة تطورت طرق تسريب الامتحانات في مصر، وأصبح من الممكن نشر الأسئلة عبر الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي؛ مما أدَّى إلى زيادة تعقيد المشكلة وصعوبة اكتشاف التسريبات.

من الثانوية إلى الإعدادية:

وشهدنا مؤخرًا وقائع تسريب طالت امتحانات الإعدادية في أكثر من محافظة؛ إذ تقوم مجموعات الغش على مواقع التواصل الاجتماعي – خاصة التليجرام- يوميًّا بـتسريب امتحانات الصف الثالث الإعدادي 2023، وقد تكررت الواقعة في محافظات: الدقهلية، المنيا، الشرقية، الإسكندرية، وغيرها من المحافظات(2).

تكرار وقائع الغش جعل وزارة التربية والتعليم تقرر تغيير آلية وشكل الامتحانات بدءًا من العام المقبل، كما اتخذت الوزارة حزمة من القرارات التي تساعدها في منع أو وقف عملية التسريب.

ومن بين هذه القرارات ما يلي:

  • امتحانات الصف الثالث الإعدادي ستتم بنظام البوكليت بداية من العام المقبل ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤؛ حرصًا على عدم تداول ورقة الأسئلة.
  • يحتوي ظرف أسئلة امتحانات الصف الثالث الإعدادي على ٢٠ ورقة أسئلة يفتح فقط داخل اللجنة لمنع الغش والتداول، وتخصيص علامة مائية تخص كل إدارة تعليمية.
  • يمنع اصطحاب الهواتف المحمولة للمراقبين والملاحظين، وكل القائمين على امتحانات الصف الثالث الإعدادي داخل اللجان الامتحانية.
  • زيادة إجراءات منع اصطحاب الطلاب للهواتف المحمولة في لجان امتحانات الصف الثالث الإعدادي (3).

الأسباب التي تعرقل جهود الحكومة في مواجهة ظاهرة تسريب الامتحانات؟

تكرار ظاهرة تسريب الامتحانات وفوضى الغش الجماعي على مدار سنوات، يجعل الجميع يتساءل: لماذا تعجز الحكومة عن حل الأزمة؟ والحقيقة الواضحة: أن الإجابة عن هذا التساؤل تتمثَّل في مجموعة من الأسباب التي تعرقل جهود الحكومة في هذا الصدد، ويسرد مركز “رواق” أهم تلك الأسباب فيما يلي:

  1. ضعف تشريعات وسياسات مكافحة الفساد في التعليم؛ فقد يكون هناك نقص في التشريعات المحددة التي تنظِّم وتحدد الجرائم المتعلقة بتسريب الامتحانات، وتحمي حقوق الطلاب والنزاهة التعليمية؛ لذلك يجب وجود قوانين صارمة وواضحة تحظر تسريب الأسئلة وتحمي عملية التقييم.  
  2. ضعف الرقابة الداخلية على الامتحانات؛ إذ يواجه النظام التعليمي في مصر تحديات في الرقابة الداخلية على العمليات التعليمية؛ مما يؤدي إلى سهولة تجاوز القوانين وعدم تطبيق العقوبات على المتسببين في تسريب الامتحانات.
  3. ضعف آليات التبليغ والشكاوى، قد يكون هناك ضعف في آليات التبليغ والشكاوى المتاحة للطلاب والمعلمين للإبلاغ عن حالات التسريب والفساد في التعليم؛ لذلك يجب أن تكون هناك آليات فعالة وآمنة للإبلاغ عن حالات التسريب، وضمان حماية المبلغين واتخاذ إجراءات فورية ضد المخالفين.
  4. تورط بعض المسؤولين والمدرسين في تسريب الأسئلة؛ فقد أثبتت التجربة أن المسؤولين عن التسريب قد يكونون من صفوف المراقبين أو المدرسين أو بعض المسؤولين عن تنظيم عملية الامتحانات.
  5. تحديات التكنولوجيا؛ إذ تقدم التكنولوجيا فرصًا جديدة لتسريب الأسئلة من خلال الوسائط الرقمية، مثل: الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن لمَن يقوموا بعملية التسريب أن يستخدموا الوسائل الإلكترونية أو التطبيقات الحديثة في نشر الأسئلة بشكل غير قانوني وواسع الانتشار(4).

أثر تفشي الظاهرة مجتمعيًّا:

بدورها تؤكِّد بثينة عبد الرؤوف -الخبيرة التربوية-: أن ظاهرة تسريب الامتحانات ليست جديدة على المصريين، موضِّحة أننا نعاني بشكل أو بآخر من الظاهرة، ومِن فوضى الغش حتى قبل ظهور الإنترنت وقبل وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن بعض المناطق الريفية في مصر كانت تشهد عمليات الغش الجماعي بإشراف من أولياء الأمور أنفسهم، حتى ترسَّخت هذه الظاهرة، وأصبحت آفة من آفات المجتمع.

وأوضحت عبد الرؤوف لـ”مركز رواق للدراسات”: أن الكثيرَ مِن الآباء والأمهات أصبحوا لا يهتمون بمسألة تعليم أبنائهم بقدر اهتمامهم بحصولهم على درجات ومجاميع عالية، موضحة: أن هذا الفكر هو أحد الأسباب التي رسَّخَت وساعدت على نشر الفساد، وجعل مسألة الغش تبدو مسألة طبيعية يدعمها الأهالي، بل ويدعمها بعض المدرسين حتى أصبحت مشكلة من مشكلات المجتمع.

وأكدت الخبيرة التربوية: أن الفشل في مواجهة ظاهرة تسريب الامتحانات، يضر بالمنظومة التعليمية ويهددها.

موضحة: أن مِن ضمن الأهداف الرئيسية للامتحانات هو التعرف على المستوى العلمي ومستوى القدرات لكل طالب، وهو الأمر الذي لن يتحقق في حال حدوث التسريب وعمليات الغش جماعي.

موضحة: أن الغش يؤدي إلى أن تتساوى كل درجات الطلاب أو تتقارب من بعضها البعض، ومن ثم نفشل في تحديد المتوفقين أصحاب المجاميع الحقيقية؛ مما يمثِّل خطرًا على العملية التعليمية.

ونوهت عبد الرؤوف: إلى أن التسريب والغش يحول دون معرفة القدرات الحقيقية للطلاب؛ الأمر الذي يؤثر سلبًا في المنظومة وفي بناء شخصية الطالب المجتهد، بعد أن يكتشف أن مجهوده ذهب هباءً، وتساوى في المجموع مع طالب آخر لم يبذل مجهودًا، لكنه استطاع الغش، بل الأغرب أن بعض الطلاب المجتهدين يحصلون على درجات أقل من الذين ارتكبوا جريمة الغش.

مشيرة إلى أن ذلك قد يؤثر نفسيًّا في شخصية الطالب الذي قد يصاب بالإحباط أو قد يلجأ إلى “الفهلوة والأساليب غير الأخلاقية”؛ ما يعني أن المسألة مدمرة للمجتمع، وللعملية التعليمية، وللمستقبل كذلك، بل إن المسألة لها تأثير سلبي على بناء الشخصية وعلى العلاقات الاجتماعية فيما بعد؛ خاصة عندما يكون هناك تأييد مجتمعي ومن أولياء الأمور لهذه العملية غير الأخلاقية.

التوصيات والحلول المقترحة:

أما عن التوصيات والحلول المقترحة، فتشير الخبيرة التربوية إلى أن الوزارة عليها أن تدرك: أن عملية التسريب لا تتم قبل بدء اللجنة أو الامتحان، بل تبدأ أثناء استلام أو نقل أو توزيع الأسئلة، ومِن ثَمَّ فعلى الحكومة أن تشدد عملية الرقابة أثناء هذه المراحل والضرب بيد مِن حديد على يد معدومي الضمير، تجنبًا لحدوث التسريب والانتشار السريع للامتحانات بعد تصويرها.

وشددت عبد الرؤوف على ضرورة ابتكار طرق جديدة لمقاومة الغش والتسريب، مشيرة إلى أن القائمين على عملية الغش يبتكرون طرقًا جديدة للغش، وبالتالي علينا أن نبتكر طرقًا جديدة للمقاومة.

وأوضحت: أن طرق مقاومة الغش عديدة؛ قد تكون من بينها: تغيير نظام الامتحانات، مثلما صرَّحت وزارة التربية والتعليم التي قالت: إنها سوف تغيِّر نظام امتحانات الشهادة الإعدادية من نظام الورقة العادية إلى نظام البوكليت.

موضحة: أن النظام الأخير سيصعب من عملية الغش؛ لأن تصوير ورقة واحدة ونشرها أسهل بكثير من تسريب البوكليت، مبينة أهمية أن نحاول وضع العراقيل والعوائق أمام الطرق المستخدمة في الغش والتسريب كآليات لمواجهة هذه الظاهرة.

توصية أخرى تراها الخبيرة التربوية قد تساعد في التصدي لظاهرة تسريب الامتحانات والغش، مفادها: أن تلجأ الوزارة إلى طرق غير تقليدية في تقييم الطلاب، مبينة أهمية أن يكون هناك جزء كبير من عملية التقييم متعلِّقًا بالأنشطة التي يقوم بها الطالب داخل المؤسسة التعليمية ومدى التزامه، ومشاركته بشكل إيجابي في العملية التعليمية، مؤكدة: أن هذه الدرجات ستكون هي الحاسمة في عملية التقييم؛ خاصة عندما لا نولي اهتمامًا أكبر بالحفظ وبما يكتبه الطالب في الورقة مقارنة بمدى استيعابه للمعارف والأنشطة التي يتلقَّاها داخل المدرسة، وبمدى تطور شخصية الطالب نفسه، لكنها ترى أن هذا التقييم يحتاج إلى الارتقاء بمستوى المنظومة التعليمية أولًا، وبمستوى المدرسين.

تعديل الجانب السلوكي للمجتمع:

تعديل الجانب السلوكي للمجتمع لمواجهة ظاهرة الغش يتطلب جهودًا متعددة من الجهات المعنية، بما في ذلك المؤسسات التعليمية، والأهالي، والمجتمع بشكل عام.

وفيما يلي بعض الحلول التي يمكن اعتمادها:

  1. التوعية والتثقيف: تعزيز الوعي بأخلاقيات العمل، وأهمية النزاهة والنجاح الشخصي المبني على الجدارة والمجهود الصادق، وتنظيم حملات توعية عامة تستهدف الطلاب، والمعلمين، وأولياء الأمور، والمجتمع؛ لتسليط الضوء على الآثار السلبية للغش وتعزيز القِيَم الأخلاقية.
  2. تعزيز القيم الأخلاقية والمسؤولية الفردية: تشجيع تنمية القيم الأخلاقية، مثل: النزاهة، والأمانة، والاحترام، والمسؤولية الاجتماعية في برامج التعليم والتثقيف؛ بالإضافة إلى تعزيز ثقافة المسؤولية الفردية والعمل الجاد لتحقيق النجاح بشكل شريف وبدون اللجوء إلى الغش.
  3. تعاون بين المؤسسات التعليمية والأهل: تعزيز التواصل والتعاون بين المؤسسات التعليمية، وأولياء الأمور لمتابعة تقدُّم الطلاب، ورصد أي تحولات سلوكية غير ملائمة، وقد يكون ذلك من خلال تنظيم ورش عمل وندوات تثقيفية لأولياء الأمور حول أهمية القيم الأخلاقية ودورهم في تعزيزها لدى أبنائهم.
  4. تطوير برامج الأخلاق والقِيَم في المناهج الدراسية: يجب تضمين مواد تعليمية تركز على الأخلاق والقيم في المناهج الدراسية لبناء وتعزيز السلوك الصالح والنزاهة.

هذه الحلول تسعى لتعزيز الوعي والمسؤولية الفردية والمجتمعية في مواجهة ظاهرة الغش، وتشجيع بناء مجتمع يرتكز على النزاهة والجدارة في التحصيل العلمي والعمل الشخصي.

الخلاصة:

  • ظاهرة تسريب الامتحانات والغش هي ظاهرة قديمة وليست حديثة، لكنها زادت خلال الآونة الأخيرة؛ نظرًا لتضافر عوامل وأسباب عِدَّة، أهمها: ضعف الرقابة الداخلية على الامتحانات؛ بالإضافة إلى تطور وسائل التكنولوجيا المستخدمة في عملية التسريب والغش.
  • على الحكومة أن تعرف نقاط الضعف التي يستغلها القائمين على عملية التسريب، ومِن ثَمَّ العمل على معالجة هذه النقاط والتخلص منها.
  • التهاون في مواجهة الغش وتسريب الامتحانات، له تداعيات سلبية كثيرة على المنظومة التعليمية، وعلى بناء الشخصية لدى الطالب بل وعلى العلاقات الاجتماعية فيما بعد.
  • الحكومة تبذل جهودًا كبيرة في التصدي لعملية الغش، لكن يبدو أن هذه الجهود غير كافية؛ لذلك يجب على الحكومة البحث عن طرق غير تقليدية لإجراء عملية تقييم الطلاب، كما يجب عليها التطوير من شكل وهيئة الامتحانات ومواكبة الوسائل الحديثة، وذلك لقطع الطريق على الفاسدين والمسربين للامتحانات.
  • يجب العمل على تعديل الجانب السلوكي للمجتمع، وذلك من خلال تعزيز القيم الأخلاقية التي تبيِّن عدم مشروعية الغش.

المصادر:

  1. موقع “انفراد”، تعرَّف على بداية وقائع تسريب امتحانات الثانوية العامة في مصر، تاريخ النشر: 18 أغسطس 2016م.
    1. جريدة الأسبوع، تسريب امتحانات «الإنجليزي والهندسة والدراسات» للصف الثالث الإعدادي 2023، منشور بتاريخ 22 مايو، 2023 م.
    1. صدى البلد، تداول امتحانات الصف الثالث الإعدادي 2023 على تليجرام يثير الجدل | والتعليم تلجأ للبوكليت، منشور بتاريخ 20/ مايو/ 2023.
    1. موقع “اليوم السابع”، مقال بعنوان: “تسريب الامتحانات في مصر… ضعف التشريعات وعجز الرقابة”، تاريخ النشر: 25 إبريل 2022.

التعليقات مغلقة.