fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

المجتمع الرقمي ومكافحة الفساد

165

«مواجهة الفساد» والفصل بين مقدم الخدمة والمواطن للقضاء على أي شبهة فساد، هي أحد الأهداف الرئيسية من أعمال «التحول الرقمي» الذي تنادي به الحكومة خلال المرحلة الراهنة، والذي يعد استكمالًا لرؤية وزارة التنمية الإدارية سابقًا في عهد الرئيس الأسبق مبارك، والتي كان يقودها الوزير د. أحمد درويش.

فعلى الرغم من المشكلات المتراكمة داخل الجهاز الإداري للدولة منذ سنوات طويلة، إلا أن تحديث أنظمة الخدمات الحكومية وقدرة المواطن في الحصول على هذه الخدمات عن طريق شبكة الإنترنت أو بأي شكل من الأشكال الإلكترونية من الممكن أن يساهم بشكل ما في الحد من أعمال الفساد والرشوة التي كانت متبعة في أماكن كثيرة داخل المجتمع المصري لحصول المواطن على حقه في الخدمات الحكومية.

فمن خلال جلسات مؤتمر الشباب الأخير الذي عقد في جامعة القاهرة تم الإعلان عن مشروع المجتمع الرقمي وذلك من خلال التعاون بين عدة جهات حكومية مختلفة، حيث اتفق الدكتور محمد معيط وزير المالية، والدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على التنسيق والتعاون بين الطرفين وكافة الوزراء والجهات الأخرى بالدولة بهدف تطوير منظومة العمل الحكومي من أجل تطوير الأداء والحد من أي شكل من أشكال الفساد داخل الجهات الحكومية.

هو ما أكد بشأنه وزير الاتصالات أن استخدام الحلول التكنولوجية جاء لتمكين قطاعات الدولة المختلفة من تنمية موارد الدولة الاقتصادية، فضلًا عن دورها في مكافحة الفساد، مؤكدًا أن الوزارة على استعداد لتقديم خبراتها وكافة الإمكانات في إطار التعاون والتنسيق مع مؤسسات الدولة المختلفة من أجل توفير بنية أساسية ومعلوماتية مؤمَّنة لمشروعات الدولة وأيضًا كافة مشروعات الحكومة التي تساعد على تحقيق التحول إلى المجتمع الرقمى، وتعزيز الشمول المالي.

3 عناصر لتحقيق هذا التحول

يؤمل العديد من الخبراء أن مشروع المجتمع الرقمي قد يكون أحد أهم أدوات مكافحة الفساد الذي تستهدفه الحكومة خلال المرحلة الراهنة، من خلال الفصل بين مقدم الخدمة والمواطن، وبالتالي القضاء على أي شبهة في التعاملات التي تتم بين الطرفين، ولضمان تحقيق أهداف المشروع يستلزم توافر ثلاثة عناصر أساسية:

  • خدمات الحكومية الإلكترونية
  • التجارة الإلكترونية
  • المدفوعات الإلكترونية

فهؤلاء العناصر الثلاثة إذا تم تنفيذها سيتحقق حلم التحول الرقمي، إضافة إلى أن القضاء على الفساد ليس في عملية الرشوة فقط بل في إدارة منظومة العمل بالكامل، وتقليل الموارد المهدرة نتيجة للاستخدامات التقليدية غير المتطورة، وبالتالي الحفاظ على المال العام في الكثير من الجهات الحكومية.

ومن المعلوم أن مصر بها نحو 1150 خدمة حكومية تتطلب هذه الخدمات آلاف المشروعات، وبالتالي توفير فرص العمل للشركات والعمالة، وأن التحول الرقمي ليس مجرد ميكنة أو تطوير للأجهزة فقط بل هي عملية مستمرة تتطلب التحديث المستمر وتدريب العمالة، والمتابعة الدورية لما يتم تطويره من خدمات حكومية [1].

وفي هذا الإطار طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتفعيل “المجلس الأعلى للمجتمع الرقمي” في مؤتمر الشباب في العام الماضي ، بما يساهم في إنشاء كيان منظم لتداول البيانات والمعلومات إلكترونيًا ورسم السياسات والأولويات اللازمة لتنفيذ تلك المنظومة، خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي، و7 محافظين.

والمجتمع الرقمي هو عبارة عن إنشاء حكومة إلكترونية على الإنترنت، يستطيع المواطن من خلالها الحصول على الخدمات المقدمة من الحكومة إلكترونيًا، بدلًا من الذهاب للمصالح الحكومية. وبالفعل صدر قرار إنشاء المجلس الأعلى للمجتمع الرقمي من رئيس مجلس الوزراء السابق إبراهيم محلب في يونيو 2015م .

وبحسب القرار، يترأس المجلس رئيس الوزراء، ويضم في عضويته كل من وزير الدفاع ووزير الاتصالات وتكنولوجيات المعلومات، والتنمية المحلية، والتخطيط، والداخلية، والعدل، والنائب العام، ورئيس جهاز المخابرات العامة، ويكون وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري مقررًا للمجلس.

ويختص المجلس بوضع المنظومة المتكاملة لبناء وإرساء قواعد إنشاء كيان قومي للمجتمع الرقمي ورسم السياسات والأولويات، وللمجلس أن يستعين بمن يرى الاستعانة بهم من الخبراء والأجهزة الأمنية ويعرض المجلس تقريرًا شهريًا على رئيس الجمهورية بنتائج أعماله واجتماعاته.

وفي إطار تحديد مدى استفادة المواطن من المجتمع الرقمي، يقول د. عبد الرحمن الصاوي (أستاذ الاتصالات بجامعة حلوان)، إنه بموجب تفعيل هذا المجتمع يستطيع المواطن دفع الضرائب على الإنترنت، ورفع الدعاوى القضائية بدلًا من الذهاب إلى المحاكم، وحجز التذاكر أيضًا، وتحصيل مرتبات الموظفين عبر البنوك، والتقديم للمدارس كذلك.

وهو ما قد أشار إليه العرض الذي تم تقديمه من هيئة الرقابة الإدارية خلال جلسات مؤتمر الشباب الأخير بعدم حاجة المواطن إلى استخراج بعض الأوراق والمستندات عن أداء أو التقدم لبعض الخدمات نتيجة توافرها على النظام الإلكتروني من خلال الرقم القومي للمواطن.

وأكد أن تفعيل المجلس الأعلى للمجتمع الرقمي من شأنه تقليل الفساد ومنع الرشاوي التي يحصل عليها الموظفون نتيجة إنجاز مصالح المواطنين، ويعتبر أكبر عائق أمام تفعيل المجتمع الرقمي هم الفاسدون والمرتشون.

ويهدف المجلس إلى إنشاء كيان منظم لتداول البيانات والمعلومات إلكترونيًا؛ يسهل الوصول إلى الخدمات الحكومية، وخفض الزمن المطلوب لتأديتها، وتقليل عدد الزيارات للجهات الحكومية المختلفة، وتأكيد مبادئ الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد بشكل عملي، حسب قرار إنشاء المجلس في 2015م [2].

تجارب ناجحة

هناك طريقة ناجعة لمكافحة الفساد .. هذا أمر مؤكد، وثمة دول عدة ابتُليت بالفساد طويلًا وتعافت منه، لأن قادتها لم يتردّدوا في اتّخاذ القرارات الجريئة والحازمة والحاسمة.

  • منذ خمسين يومًا فقط أقدم رئيس تنزانيا، جون ماغوفولي، على فصل نحو 10 آلاف موظف حكومي بعد أن كشفت عملية تحقُّق وتدقيق أجريت في أنحاء البلاد عن وجود آلاف الموظفين بشهادات مدرسية وجامعية مزوّرة ، وكان الرئيس ماغوفولي قد بدأ بعد انتخابه في تشرين الأول 2015م عملية منظمة لإطاحة كبار الفاسدين أولًا، فأقال عدة مسؤولين بارزين، بينهم رئيس جهاز مكافحة الفساد ورئيس مصلحة الضرائب ومسؤول بارز في السكك الحديد ورئيس هيئة الموانئ.
  • جمهورية جورجيا لها تجربة ناجحة للغاية في مكافحة الفساد، فبعدما كانت من أكثر الدول فسادًا، شأنها شأن العراق والسودان والصومال وليبيا، صارت الآن تحتلّ المرتبة 11 بين الدول الأقل فسادًا، متقدمة على النرويج وفرنسا وهولندا وسويسرا وبريطانيا والنمسا. السرّ يكمن في أن قيادتها تبنّت استراتيجية فعالة لمكافحة الفساد، وكانت النتيجة أن البنك الدولي أفاد بأنّ نجاح جورجيا في مكافحة الفساد قد حطّم أسطورة أن “الفساد هو ثقافة”، حيث أثبتت أنها يمكن أن تُحقِّق نجاحًا في هذا المجال في فترة قصيرة من الزمن بإرادة سياسية قوية وبتحرك فعال من الحكومة. ومن أهم ما قامت عليه هذه الاستراتيجة اعتماد الشفافية في التعاملات والإجراءات الحكومية.

وعلى الرغم من أن مشروع المجتمع الرقمي من المشروعات القومية الطموحة إلا أن هناك العديد من المشكلات سواء التقنية أو البشرية التي تواجه هذا المشروع و من هذه:

  • العقبات عدم وجود قواعد بيانات كاملة بدرجة عالية من الموثوقية نظرًا لتشتت كثير من بيانات المواطنين لدي العديد من الجهات الحكومية.
  • بعض تلك البيانات قائمة على تقديرات إحصائية أكثر منها بيانات مسحية.
  • منهجية كثير من المؤسسات الحكومية في التعامل مع تلك البيانات باعتبارها أمن قومي (بمفهوم فضفاض وواسع جدًا على غير حقيقته) وهو ما يمثل عقبة حقيقية أمام إتاحة تلك البيانات للمواطنين والجهات المختلفة المفترض أن تقدم الخدمات الحكومية الإلكترونية.
  • تحقيق قدر كاف من الشفافية من أجل مواجهة الفساد من خلال قوانين يتم فيها تفعيل النصوص الدستورية التي تكفل الحقّ في الوصول إلى المعلومات بحريّة والحقّ في نشر المعلومات.
  • تأهيل و تثقيف و رفع كفاءة العناصر البشرية سواء المسئولين أو العاملين على تقديم الخدمات الإلكترونية للمواطنين بما يساهم في زيادة احتماليات نجاح هذا المشروع وعدم تكرار تجربة وزارة التنمية الإدارية السابقة.

[1] اليوم الجديد

[2] مصراوي

التعليقات مغلقة.