fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

محاولات التمدد الإثيوبي في الصومال.. دلالات التوقيت والموقف المصري

89

محاولات التمدد الإثيوبي في الصومال.. دلالات التوقيت والموقف المصري

لقد خسرت إثيوبيا تعاطف كثير من دول القارة معها، نتيجة سياسات رئيس حكوماتها آبي أحمد؛ هذا الذي يعمل بالوكالة للغرب وإسرائيل على حدٍّ سواء لضرب استقرار بعض البلدان، حيث تُحركه قوى إقليمية ودولية لمحاولة زعزعة أمن واستقرار دول الشمال الإفريقي عامة، ومصر على وجه الخصوص.

لقد بات واضحًا أن اتفاق إثيوبيا مع “أرض الصومال” يُعدُّ جزءًا من لُعبة جيوسياسية إقليمية تديرها بعض القوى والأطراف الدولية عبر أجندة خبيثة ينفذها آبي أحمد في القرن الإفريقي.

وعلى ما يبدو أن آبي أحمد لم ينتبه أو يحاول مليًّا في تصرفاته تلك، أن مصر وإثيوبيا تقعان في قارة واحدة؛ لذا لم يحاول ومن سَبَقه في الحكم لإثيوبيا في التقارب مع دولة كبيرة في الشرق الأوسط؛ كـ “مصر” يمكن أن تمتد العلاقات بينهما لتكون مكسبًا لكلا الشعبين؛ اقتصاديًّا وتجاريًّا ودبلوماسيًّا أيضًا، بل ما يحدث هو العكس تمامًا في محاولة غير محسوبة لجرِّ القارة السمراء إلى حرب إقليمية حامية الوطيس.

في هذا التقرير لمركز “رواق” للأبحاث والدراسات، نُسلط الضوء على بعض النقاط المهمة، وهي:

لماذا اختارت إثيوبيا هذا التوقيت في إبرام صفقة مشبوهة مع أرض الصومال؟

هل تريد حقًّا تهديد أمن مصر انطلاقًا من الصومال؟

كيف يحاول آبي أحمد الهرب من صراعاته الداخلية على حساب مصر والأمن الإفريقي؟

 لماذا فشلت أديس أبابا في الاستيلاء على ميناء “عصب الإستراتيجي” في إريتريا؟

من يُموِّل الصفقة بين أرض الصومال وإثيوبيا التي تعاني أزمة اقتصادية طاحنة؟

ما الموقف المصري من الاتفاق المشبوه؟ وكيف سيكون الرد لحفظ الأمن القومي؟ هذا ما سنتعرف عليه في السطور التالية.

انشغال مصر والعالم بالحرب على غزة:

تحاول أديس أبابا عبر سياساتها إعادة نفس الكرّة من جديد بعد السد الإثيوبي، حيث انشغال مصر والعالم بالحرب على غزة والحرب الأوكرانية – الروسية، والقلق البالغ في منطقة البحر الأحمر جرَّاء تصرفات مليشيا الحوثي، في محاولة منها للتعدي على دولة ذات سيادة (الصومال)؛ الأمر الذي قد يجرُّ القارة رأسًا على عقب إلى حرب إقليمية عظمى لا يُحمد عقباها.

أرى أن سياسة آبي أحمد وفي هذا التوقيت خطأ بالغ وغير مدروس، واللعب بالنار، فإفريقيا تقع الآن بين سندان التوترات الدولية ومطرقة الصراعات الداخلية المشتعلة، فالوضع ملتهب للغاية ولا يتحمل مزيدًا من التوتر، حيث الحرب على غزة وفي الجنوب اللبناني، والأوضاع المتردية في السودان، وسوريا، فكُلها تصرفات إثيوبية تزيد الطين بلَّة وقد تُفضي إلى حربٍ إقليميةٍ حاميةِ الوطيس.

كما أن اختيار آبي أحمد لهذا التوقيت مرتبط بالأوضاع الجارية وانشغال العالم بالمواجهات مع الحوثي في البحر الأحمر، واستمرار حرب غزة، وتوسيع رقعة الصراع في المنطقة، لفرض حصوله على منفذ بالبحر الأحمر كأمر واقع دون مواجهات خصوصًا من الدولة المصرية المنشغلة بالأوضاع في غزة والقضية الفلسطينية.

لقد وصل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة، وذلك للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين؛ بالإضافة إلى بحث قضية الاتفاق الإثيوبي مع إقليم أرض الصومال الانفصالي المهدد للأمن المصري والعربي وأمن دول منطقة القرن الإفريقي، حيث جاءت زيارة الرئيس الصومالي إلى القاهرة استجابة لدعوة مصرية رسمية له من الرئيس السيسي، نقلها وفد رفيع المستوى زار مقديشو مؤخرًا.

وناقش الرئيس الصومالي مع الرئيس السيسي، التحركات العربية والمصرية لمواجهة المخطط الإثيوبي بإنشاء منفذ بحري وقوة عسكرية بحرية على البحر الأحمر؛ خاصة أنه يمس الملاحة البحرية ويهدد أمن واستقرار المنطقة، فضلًا عن مخالفته لقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار.

لماذا اختارت إثيوبيا هذا التوقيت؟

يرى سياسيون: أن آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا قد اختار هذا التوقيت؛ لأنه مرتبط بالأوضاع الجارية في المنطقة وانشغال العالم بالمواجهات مع الحوثي في البحر الأحمر، واستمرار حرب غزة، وتوسيع رقعة الصراع في المنطقة، لفرض حصوله على منفذ بالبحر الأحمر كأمر واقع دون مواجهات كما كان يعتقد.

آبي أحمد يحاول الهرب من صراعاته الداخلية:

وعزا سياسيون: أنه قد تورط في صراع مع المجموعات العرقية في بلاده، وهي: “أمهرة”، و”تيغري”، و”أورومو”، ويبحث عن مخرج، وما يقوم به هي محاولة للإفلات من محاولة اللعب على وتر المصالح القومية للبلاد، وحاجة إثيوبيا إلى منفذ في مياه البحر للخروج من المأزق الداخلي وتوجيه الإثيوبيين إلى معارك أخرى خارجية؛ بدلًا من سقوطه أمام المعارضة الداخلية.

ويضيف خبراء: آبي أحمد يؤكد دائمًا على ضرورة احتلال الموانئ الإستراتيجية على البحر الأحمر بأي وسيلة، إذ تحمل خطاباته رغبة ملحة في استئناف الحرب ضد إريتريا التي حرمته من ميناء عصب، وتؤكد أن الانتصار على الصومال وإريتريا وغيرهما من الطوائف، هو الحل الأمثل للتغلب على الأزمة السياسية المعقدة في إثيوبيا.

فوضى داخلية وفشل اقتصادي:

ويعزو خبراء بالقول: إن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في إثيوبيا تتعرض لضغوط كبيرة وتسبب أزمة لآبي أحمد، فعلى سبيل المثال: فإن 70% من مناطق أمهرة وأورومو خرجت عن سيطرته، والاقتصاد في حالة من الفوضى، والبطالة والفقر آخذان في الارتفاع، وأزمة تيغراي لم يتم حلها بعد، فضلًا عن استمرار سياسة الإقصاء والسيطرة على مجموعة عرقية واحدة، وهي: ثقافة سياسية فشلت مرارًا وتكرارًا، وسببت التوترات في منطقة القرن الإفريقي. (العربية).

لماذا فشل في الاستيلاء على ميناء عصب الإستراتيجي في إريتريا؟

ويُبرهن دبلوماسيون بذلك: أن اختيار آبي أحمد للصومال ليبحث فيها عن مغامرته الجديدة، جاء بعد فشله في الاستيلاء على ميناء عصب الإستراتيجي في إريتريا، وهو ميناء بحري ذو أهمية تاريخية كبيرة لإثيوبيا قبل حصول إريتريا على الاستقلال عام 1993؛ لذا يحاول البحث عن بديل يسهل الوصول إليه، واعتقد أن الضعف والانقسامات بين الصوماليين ستمكنه من تحقيق أحلامه، مضيفين: أن آبي أحمد أخطأ في تقدير قوة الشعب الصومالي وحماسته القومية، وتسبب في لفت انتباه الصوماليين لخطته المحتملة لضم ممر بين “زيلع” و”لغهاي” في أرض الصومال.

حيث إن هذه المنطقة التي يسعى آبي أحمد للاستيلاء عليها تقع بالقرب من زيلع، المدينة التاريخية المجاورة لجيبوتي، والواقعة في منطقة أودال، وهي أقرب رابط للحدود الإثيوبية مع أرض الصومال، ويتراوح طولها بين 60 و80 كم، وستتيح لإثيوبيا استكمال بناء ميناء تجاري وقاعدة بحرية، ما دفع دولا أخرى للانتفاض ضده دفاعًا عن مصالحها، مثل: إريتريا وجيبوتي، والسودان ومصر، وأثار انتباه العالم إلى تجدد الصراع في المنطقة وتأثيره المحتمل على الاقتصاد العالمي.

لماذا الدعم المصري للصومال؟

في تقديري: أن مصر لن تقف ثانيةً متفرجة البتة، أمام التمدد الأثيوبي المخالف للقانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، فمصر دولة كبيرة وقوية عسكريًّا، وهو ما تخشاه أديس أبابا، لذا فهي تختار التوقيت المناسب لها في التعدي على دول الجوار؛ سيما عندما تنشغل (دولة كبرى في المنطقة ومصر بالتحديد بقضايا داخلية أو خارجية، مثل: القضية الفلسطينية).

وأكد سامح شكري وزير الخارجية، خلال زيارته للعاصمة الأوغندية كمبالا للمشاركة في قمة دول عدم الانحياز، ولقائه مع القائم بأعمال وزير خارجية الصومال، علي محمد عمر، تضامن مصر مع الصومال ضد المحاولات الرامية لانتهاك سيادته وسلامة أراضيه، والتأكيد على الأهمية التي توليها مصر لأمن واستقرار الصومال، والاستعداد لتسخير القدرات والإمكانيات المصرية لمساعدة الصومال في بناء كوادره الوطنية وتنفيذ خططه التنموية ودعم استقراره. (العربية).

والأكيد أن مصر تحذر ولا تزال من مغبَّة السياسات الأحادية لإثيوبيا المخالفة لقواعد القانون الدولي، وكذا لمبادئ حسن الجوار، والتي تهدف للعمل على فرض سياسة الأمر الواقع دون الاكتراث بمصالح الحكومات والشعوب الإفريقية، والتأكيد على أن التطور الأخير بشأن إقليم أرض الصومال جاء ليثبت صحة وجهة النظر المصرية وأثر تلك التحركات والسياسات على استقرار الإقليم وزيادة حدة التوتر في العلاقات بين دُوله.

وقد وقع مذكرة تفاهم مع رئيس أرض الصومال، موسى بيهي عبدي في بداية يناير الماضي لتأجير قطعة أرض بطول 20 كم على طول ساحلها لإثيوبيا من أجل إقامة قاعدة بحرية، وزعم مكتب آبي أحمد في بيان أن الاتفاق يعزز الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية بين إثيوبيا وأرض الصومال، فيما قال عبدي: إن الاتفاق يتضمن اعتراف إثيوبيا بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة في المستقبل القريب. (العربية).

اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال:

فسَّر مختصون: أن إثيوبيا أبرمت في يناير الماضي 2024 اتفاقًا مبدئيًّا مع إقليم “أرض الصومال”، لكي تتمتع من خلاله أديس أبابا بموجبه بالوصول إلى البحر الأحمر تمهيدًا لإقامة قاعدة بحرية تجارية إثيوبية بالقرب من ميناء بربرة على مساحة 20 كم مربع لمدة 50 عامًا بحسب الاتفاق، مقابل اعتراف الحكومة الإثيوبية بـ”أرض الصومال” كدولة مستقلة، وحصول “أرض الصومال” على حصة قدرها 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية التي بلغت إيراداتها نحو 6.9 مليار دولار وفقًا لإحصاءات عام 2022. (الأهرام).

لُعبة جيوسياسية إقليمية تديرها أطراف إقليمية ودولية:

في تقديري: أن الاتفاق المزعوم يمثّل جزءًا من لعبة جيوسياسية إقليمية تديرها بعض الأطراف الإقليمية عبر وكيلها المتسلط آبي أحمد في القرن الإفريقي، ما يعني في رأيي وضع قواعد جديدة للعبة الإقليمية وإعادة هندسة المنطقة، بما يجعلنا أمام مخططات متعددة الأهداف تحاول العبث بأمن واستقرار القارة السمراء؛ وليست القلاقل في السودان ببعيد عما نتحدث.

حيث تحاول أديس أبابا بقيادة آبي أحمد تحقيق طموحها القديم لحماية مصالحها الحيوية، وإيجاد موطئ قدم إستراتيجي لها في المياه الدافئة، وفي الوقت نفسه، حماية مصالح هذه الأطراف الإقليمية، مما يثير مزيدًا من القلق والتوتر، وأيضًا التساؤلات حول دورها الحقيقي في تشكيل سياسة آبي أحمد الخارجية خلال السنوات الأخيرة منذ صعوده للسلطة في عام 2018.

من وجهة نظر سياسيين: إن هذه الخطوة تعتبر فصلًا جديدًا في سلسلة الأزمات الإقليمية المعقدة التي تشهدها المنطقة على مدار السنوات الماضية، في ظل المخاوف من تنامي التوترات السياسية بين دول المنطقة لا سيما الصومال وإثيوبيا، وانقسام دول المنطقة حول الموقف من الاتفاق الأخير الذي ربما يدفع نحو تقسيم دول المنطقة إلى دويلات متنازعة صغيرة غير قوية تعصف باستقرار المنطقة مثلما يحدث في أرض الصومال. (الأهرام).

وعلى ما يبدو أن توقيت الإعلان عن الاتفاق قد جاء مفاجئًا، في ضوء قصر الفترة الزمنية بين تصريحات آبي أحمد في أكتوبر 2023 حول ضرورة إيجاد موطئ قدم لبلاده في البحر الأحمر، والتي انطوت على تحذيرات بإمكانية مزاعم استخدام القوة في حالة فشل التفاوض مع دول المنطقة.

من يمول الصفقة بين أرض الصومال وأديس أبابا؟

الكثير يعلم جليًّا أن إثيوبيا تعاني أزمة اقتصادية طاحنة وحامية الوطيس، مما يعطي شكوكًا حول من يموّل هذه الصفقة المشبوهة من وجهة نظري، خصوصًا أنه قد تركز الاهتمام وقتها نحو إريتريا التي رفضت بدورها التهديدات الإثيوبية، ليسهم ذلك في تفاقم التوتر المكتوم بين زعيمي البلدين. ويعزز هذا الطرح إعلان “أرض الصومال” في عام 2022 إلغاء حصة إثيوبيا (19%) التي تضمنها الاتفاق الثلاثي الذي أُبرم في عام 2017 لتطوير ميناء بربرة بين إثيوبيا، و”أرض الصومال”، وشركة موانئ دبي العالمية.

حيث تحديات لوجستية قد واجهت أديس أبابا لتكملة المشروعات التي تربط الميناء بالداخل الإثيوبي، وهو ما يثير الشكوك حول مصدر تمويل هذه الصفقة؛ لا سيما أن إثيوبيا تعاني من أزمات اقتصادية هيكلية ومالية انتهت بإعلانها عن عدم قدرتها على سداد جزء من الديون المستحقة عليها، ما يعني أنها لا تمتلك القدرة المالية على تكلفة استئجار قاعدة عسكرية وتأسيس البنية التحتية الخاصة بها.

ويرى خبراء: أن الاتفاق المبرم مؤخرًا يتجاوز طرفيْه ليضم أطرافًا إقليمية وربما دولية أخرى تختفي عن المشهد لعدم تحفظ بعض الدول، وعلى رأسها: مصر، لكنها تديره برمته لتحقيق أهداف إستراتيجية خاصة بها، حيث لا يمكن إغفال أيضًا الأطراف التي ستتأثر بتداعيات هذا الاتفاق، مثل: الصومال ودول القرن الإفريقي التي تنظر إلى الاعتراف الإثيوبي بـ”أرض الصومال”، كسابقة قد تعزز عدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة خلال السنوات المقبلة.

تحديات دبلوماسية وأمنية في القرن الإفريقي.. ماذا بعد؟

يعد الاتفاق بين أرض الصومال وأديس أبابا بمثابة تحدٍّ دبلوماسي في منطقة القرن الإفريقي، سيما في ضوء المنافسات الإقليمية والدولية على المنطقة من أجل حماية مصالحها الإستراتيجية هناك، فهناك تنافس بين إثيوبيا وبعض القوى الإقليمية الأخرى، مثل: مصر والصين وتركيا، إلى جانب وجود العديد من القوى الفاعلة التي تمتلك استثمارات ضخمة في المنطقة؛ كمستثمرين رئيسيين في مجال الموانئ البحرية والبنى التحتية؛ الأمر الذي يسهم في تعقيد المشهد الإقليمي خلال الفترة المقبلة في ضوء تضارب المصالح الإقليمية والدولية إزاء توقيع الاتفاق الإثيوبي مع “أرض الصومال”.

ورغم تحفظ إثيوبيا في عهد ميلس زيناوي على منح “أرض الصومال” الاعتراف الرسمي بها، حتى إن زيناوي كان قد صرح أن أديس أبابا لن تتحرك في هذا الملف إلا بضوء أخضر غربي؛ بمعنى آخر: عقب الاعتراف الغربي والأمريكي بـ”أرض الصومال”؛ إلا أن آبي أحمد قد تجاوز ذلك ليبرم الاتفاق الأخير في مقابل الاعتراف الإثيوبي بـ”أرض الصومال”.

آبي أحمد يقدِّم تنازلات بحسب تقارير إثيوبية:

كما أن تطلعات آبي أحمد تأتي من منطلق أو ربما كان مضطرًا لذلك لدرجة أنه قدَّم تنازلات بحسب التقارير الإثيوبية؛ كونه قد فشل خلال السنوات الـ6 الماضية في إقناع أي دولة من دول المنطقة بالسماح له بتأسيس قاعدة عسكرية إثيوبية، ومنفذ بحري للبحر الأحمر عبر أراضيها، في الوقت الذي يجد موسى بيهي عبدي، رئيس إقليم “أرض الصومال”، في هذا الاتفاق فرصة كبيرة لانتزاع اعتراف إثيوبي قد يبني عليه خلال السنوات المقبلة في ملف الاعتراف الدولي بها. (الأهرام).

والأكيد في توقيت إبرام هذه الصفقة المشبوهة أنها تُعد مناورة من جانب كل من آبي أحمد وموسى عبدي لاستغلال فرصة انشغال المجتمع الدولي بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الشرق الأوسط وتبعاتها في المحيط الإقليمي، بجانب التوترات المتنامية في إقليم البحر الأحمر من قبل جماعة الحوثي اليمنية إلى جانب الاشتباكات العسكرية الإسرائيلية مع حزب الله في الجنوب اللبناني، وذلك بهدف تمرير اتفاقهما وتعزيز أجندتهما الإقليمية في القرن الإفريقي.

حيث إن تصرفات آبي أحمد غير مدروسة؛ إذ لا يفكر في تداعيات خطوته الأخيرة، سيما أن الأمر مرتبط بالإدراك الإثيوبي لأهمية البحر الأحمر بالنسبة للدولة الإثيوبية التي تعتبره يمثل حدودها الطبيعية، وتنظر إليه باعتباره مسألة حياة أو موت وقضية وجود بالنسبة لها، خصوصًا أنها تعاني من كونها دولة حبيسة منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو ما انعكس سلبًا على اقتصاد إثيوبيا وتجارتها الخارجية، وعلى نفوذها الإقليمي؛ الأمر الذي دفعها إلى تبني سياسات إقليمية من شأنها تعزيز ارتباطها بالموانئ البحرية في المنطقة، ولكنها قد تفضي إلى مزيد من القلق والتوتر الذي يهدد مصالح القارة وأيضًا مصالح القوى الدولية الأخرى.

حسابات إثيوبيا والأطراف المعنية:

فقد شكَّل التحول إلى دولة تمتلك منفذًا بحريًّا دائمًا على البحر الأحمر هاجسًا مستمرًا بالنسبة لإثيوبيا منذ استقلال إريتريا في عام 1993، والذي ارتبط بتصديرها رواية للمجتمع الدولي تتعلق بالمظالم التاريخية الواقعة عليها جراء كونها دولة حبيسة لا تمتلك منفذًا بحريًّا والضرورات الاقتصادية لذلك، واعتبارات الاستقرار الإقليمي في حالة استمرار حرمانها من الحصول على منفذ بحري في البحر الأحمر.

كذلك يحاول آبي أحمد جاهدًا بعد فشله الاقتصادي والسياسي الذريع داخليًّا، تعزيز شعبيته وتحسين صورته لدى الرأي العام في الداخل الإثيوبي، ولكنه في إطار سياق داخلي مضطرب أمنيًّا وسياسيًّا؛ بالإضافة إلى تهدئة الداخل الإثيوبي الذي يتسم بمزيد من التعقيد في ظل استمرارية النزاعات والصراعات العرقية والسياسية، لاسيما في إقليم أمهرة. (الأهرام).

الأمر الذي من شأنه في حال تنفيذ الاتفاق أن يسهم في تقليل اعتماد إثيوبيا على ميناء جيبوتي، وما يعنيه من تخفيف الأعباء الاقتصادية بما في ذلك أعباء الرسوم التي وصلت إلى ملياري دولار سنويًّا والتي شكلت عبئًا على ميزانية الدولة الإثيوبية التي تبلغ حوالي 14.7 مليار دولار، وتحدُّ من نمو حجم التجارة الدولية لإثيوبيا، كما تشير تقارير إلى خسارة إثيوبيا نحو 150 مليون دولار شهريًّا بسبب حرمانها من منفذ بحري على البحر الأحمر. (الأهرام).

لماذا ألغى الرئيس الصومالي الاتفاقية؟

من جهته: بادر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إذ وقع على قانون إلغاء الاتفاقية المبرمة بين حكومة إثيوبيا وإقليم أرض الصومال بشأن المنفذ البحري والذي وافق عليه مجلسا البرلمان الصومالي، حيث أكد الرئيس حسن شيخ إلى أن “هذا القانون هو الموقف الرسمي لجمهورية الصومال الفيدرالية، ورسالة قوية لكل من يريد الغزو البري والبحري والجوي للشعب الصومالي”.

كما دعا الرئيس الصومالي الشعب والمسؤولين إلى “تعزيز الوحدة في هذه المرحلة التاريخية، والفصل بين القضايا السياسية التي يمكن الاتفاق عليها والقضايا المصيرية التي تمس مستقبل أبنائنا ووجودنا” (صدى البلد).

وينص الاتفاق الملغي على منح إثيوبيا منفذًا على البحر الأحمر على طول 20 كم، لا سيما في ميناء بربرة لمدة 50 عامًا، كما يتيح استخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر نقل ما مقداره 305 -على الأقل- من التعاملات التجارية الإثيوبية مع جيبوتي، ما يمهد الطريق للدولة المحرومة من أي إطلالة بحرية للتجارة البحرية في المنطقة، بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر.

وتطل أرض الصومال على خليج عدن، وكانت انفصلت عن الصومال عام 1991، ولا تحظى باعتراف دولي.

“أرض الصومال” والنجاح الدبلوماسي الوهمي:

تحاول حكومة إقليم “أرض الصومال” منذ عدة سنوات عن مقايضة إستراتيجية بمنح امتيازات على ساحل البحر الأحمر تشمل إقامة قاعدة عسكرية على أراضيها، في مقابل نيل الاعتراف الدولي بها، لتحفز المجتمع الدولي تجاه قضيتها الممتدة منذ استقلالها من جانب واحد في عام 1991 عقب سقوط نظام سياد بري في الصومال. (صدى البلد).

كذلك أن “هارجيسا”، تحاول استغلال الاتفاق في إطار حاجة إثيوبيا لمنفذ بحري للاعتراف بها، ولكنه في تقديري اعتراف أحادي غير مُجدٍ، حيث ترى هارجيسا في صفقتها مع آبي أحمد بمثابة نجاح دبلوماسي لها على الصعيد الإقليمي، ربما قد يشكل دافعًا للمضي قدمًا نحو إقناع أطراف إقليمية ودولية أخرى بتبني نفس الموقف الإثيوبي، والاعتراف بها خلال المرحلة المقبلة.

وتنظر “أرض الصومال” للاتفاق باعتباره يضمن الحماية للإقليم من أي تهديدات إقليمية قد يتعرض لها، لا سيما من جانب الحكومة الصومالية المركزية، كما يمكن لهارجيسا تقديم نفسها كقوة استقرار إقليمي في المنطقة من خلال إطلاق إمكانياتها وإعادة تحديد دورها هناك، وذلك بدعم ومساندة إثيوبية، كما أن الاتفاق يحمل فوائد اقتصادية محتملة بما في ذلك حصة محتملة في الخطوط الجوية الإثيوبية، والاستثمار في البنية التحتية وتطوير الطرق والموانئ البحرية، إضافة إلى تعزيز صناعة السياحة في “أرض الصومال” اعتمادًا على الخطوط الجوية الإثيوبية.

وبرغم الانفراجة في العلاقة بين مقديشو وهارجيسا بعدما تم الاتفاق قبل أيام بوساطة جيبوتية على استئناف المفاوضات بين الطرفين لتسوية الخلافات بينهما والتي توقفت في عام 2020، إلا أن توقيع الاتفاق الأخير بين إثيوبيا و”أرض الصومال” هدد إقامة هذا الحوار، نتيجة الخلافات.

ويشير موقف مقديشو إلى تحول العلاقات مع أديس أبابا لتدخل مرحلة جديدة من التوتر والاضطراب بعد سنوات من الاستقرار خلال فترتي الرئيس السابق فرماجو ومنذ تولي الرئيس حسن شيخ محمود السلطة في البلاد، والذي اتهم أديس أبابا بالتورط في تعزيز الأفكار المتطرفة مثلما كان تدخل ميلس زيناوي، رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق، عسكريًّا في الصومال، الذي أنتج حركة الشباب المجاهدين، وذلك في إشارة إلى تورط إثيوبيا في زعزعة استقرار الصومال منذ سنوات، ما ينذر بتصعيد صومالي ربما يتطور إلى قطيعة مع الحكومة الإثيوبية خلال الفترة المقبلة.

الموقف المصري والحفاظ على الأمن القومي:

يرى عسكريون ومفكرون، ومنهم الإستراتيجي اللواء سمير فرج: أن مصر لديها 4 اتجاهات إستراتيجية، وأنه لأول مرة في التاريخ أصبحت الأربع اتجاهات مهددة في آن واحد. (سكاي نيوز).

يضيف عسكريون: أن الاتفاقية مثلت مشكلة كبيرة، مبينًا أن الصومال كانت دولة واحدة، ثم ظهر ما يسمى أرض الصومال وغير معترف بها دوليًّا، كما أن أرض الصومال نتاج حركات من الاستعمار الإنجليزي، مبينًا أن الاتفاق كان يساعد إثيوبيا ليكون لها منفذ على البحر الأحمر؛ بالإضافة إلى أنه اخترق سيادة وأمن دولة عربية، وهو ما مثَّل خطرًا كبيرًا مع بداية العام الجديد، كما أن إثيوبيا حاولت أن يكون لها منفذ على البحر الأحمر من خلال: جيبوتي وإريتريا، وفشلت.

وأشاروا إلى أن إثيوبيا بتلك السياسة فهي تهدد الأمن القومي العربي، ولذا كان لا بد من وجود تحرك عربي – عربي، بعد توقيع الاتفاق مع أرض الصومال غير المعترف بها دوليًّا، وأن ذلك مثَّل تهديدًا مباشرًا أيضًا لدولة الإمارات بشأن ميناء بربرة والتواجد فيه.

وقد عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل قاطع عن رفضه للاتفاق الذي وقعته أرض الصومال مع إثيوبيا، مؤكدًا رفض مصر التدخل في شؤون الصومال أو المساس بوحدة أراضيها.

وقد ذكر الرئيس السيسي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود: “فيما يتعلق بالاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا، تحدثنا عن أننا في مصر كان لنا موقف واضح تم تسجيله وصدر بيان عن وزارة الخارجية المصرية برفض هذا الاتفاق، ومن ثم نؤكد على رفض مصر التدخل في شؤون الصومال أو المساس بوحدة أراضيها”، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع أحد النقاط التي تم مناقشتها مع الرئيس الصومالي.

وأضاف “رسالتي لإثيوبيا لكي تحصل على تسهيلات من الأشقاء في الصومال وجيبوتي وإريتريا يجب أن يكون بالمسائل التقليدية المتعارف عليها، والاستفادة من الموانئ، وهذا إطار لا يرفضه أحد، ولكن محاولة القفز على أرض من الأراضي لمحاولة السيطرة عليها، لن يوافق أحد على ذلك”.

وتابع قائلًا: “الصومال دولة عربية ولها حقوق طبقًا لميثاق الجامعة العربية في الدفاع المشترك لأي تهديد لها، مؤكدًا بأن “مصر لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو يمس أمنها.. محدش يجرب مصر ويحاول يهدد أشقاءها خاصة لو أشقاؤها طلبوا منها التدخل”. (سكاي نيوز).

الخلاصة:

– نستخلص من هذا التقرير، أن مصر لم ولن تقبل بالعبث الإثيوبي مرة أخرى في منطقة القرن الإفريقي، خصوصًا التأكيد المصري بأن الصومال دولة عربية وعضو بالجامعة العربية، ومصر كقوة كبرى تتعامل من هذا المنطلق.

– كما أن من واجبات الدولة المصرية أن تُلبي نداء الأشقاء في المِحن، وهذا عهدها دومًا منذ قديم الأزل، سيما عندما زار الرئيس الصومالي مصر طالبًا العون والدعم المصري لموقف الصومال من اتفاق “أرض الصومال” غير القانوني مع أديس أبابا وهذا ما أكد عليه البرلمان الصومالي منذ أيام قليلة.

– إن قرار جامعة الدول العربية الرافض لهذا الاتفاق جاء ليؤكد على الموقف المصري لاتفاق إثيوبيا وإقليم أرض الصومال أو محاولة بناء أديس أبابا قاعدة عسكرية وتطوير ميناء على البحر الأحمر في الإقليم.

– وهو ما جعل كافة الدول العربية ترفض وتُدين أي مذكرات تفاهم تنتهك سيادة الدولة الصومالية، أو تحاول الاستفادة من هشاشة الأوضاع الداخلية الصومالية، كما تخوفت الدول العربية من خطورة تأثير تلك الخطوة على نشر الأفكار المتطرفة في وقت تقوم الدولة الصومالية بجهود ضخمة لمواجهتها، واستغلال تلك الأوضاع في استقطاع جزء من أراضي الصومال بالمخالفة للقانون الدولي.

– يحاول آبي أحمد الخروج من مأزق الظروف الاجتماعية والاقتصادية الطاحنة في إثيوبيا تلك التي تتعرض لضغوط كبيرة وإشغال المعارضة بحجة أنه عمل وطني واقتصادي كبير يعود بالنفع على الشعب.

– إن الاتفاق المزعوم بين زعيم أرض الصومال وآبي أحمد يمثّل جزءًا من لُعبة جيوسياسية إقليمية تديرها بعض الأطراف الإقليمية عبر وكيلها المتغطرس آبي أحمد في منطقة القرن الإفريقي.

– الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والصراع الداخلي مع شعب الأورومو في إثيوبيا يمثل ضغطًا كبيرًا وتلاحق آبي أحمد، والدليل أن حوالي 70% من مناطق أمهرة وأورومو خرجت عن سيطرة الدولة، والاقتصاد بات في حالة من الفوضى، بجانب ارتفاع البطالة والفقر.

– يعتبر الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا بالصفقة المشبوهة، كما أنها هي مناورة من جانب كل من آبي أحمد وموسى عبدي، لاستغلال فرصة انشغال المجتمع الدولي ومصر بالتحديد بالحرب الصهيونية على غزة.

– سياسات رؤساء حكومات إثيوبيا خلال السنوات الماضية تحاول جر إفريقيا إلى حرب إقليمية بزعم التنمية. نعم أديس أبابا دولة حبيسة وقضيَّة أن يكون لها منفذ على البحر الأحمر يمكن حلُّه بالاتفاق وليس بالقفز على سيادة الدول.

لقد بات واضحًا أن سياسة آبي أحمد تعمل بالوكالة لبعض الدول، ذلك أنه يعدّ أبرز الموالين للغرب وإسرائيل، حيث تحركه قوى دولية لنشر الفوضى ومحاولة زعزعة أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي عامة ومصر على وجه الخصوص.

– أخيرًا.. اختيار آبي أحمد للصومال جاء ليبحث فيها عن مغامرته الجديدة، لاسيما بعد فشله في الاستيلاء على ميناء عصب الإستراتيجي في إريتريا، وهو أمرٌ قد بات لافتًا ومرفوضًا للقادة العرب أو الإفريقيين، كما يُفقد الشعب الإثيوبي تعاطف دول القارة معه، إلا إذا جاء بقائد يُعلي ويحافظ على مصالح شعبه عبر احترام سيادة الدول المجاورة.

المصادر:

– العربية

– الأهرام

– صدى البلد

– سكاي نيوز

التعليقات مغلقة.