fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الجيش الإثيوبي وإعادة التسليح.. الدوافع والمتغيرات!

59

الجيش الإثيوبي وإعادة التسليح.. الدوافع والمتغيرات!

يعرف الجيش الإثيوبي بما يسمى قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، وهذا الجيش مر بالعديد من التشكيلات العسكرية حتى إلى ما هو عليه من قوة عسكرية في نظره، وهذه القوة بنيت على العديد من القواعد الراسخة التي لا يمكن قراءة المشهد الإثيوبي دون وضعها بعين الاعتبار، فمنذ السبعينيات وبداية سيطرة المجلس العسكري المؤقت على مفاصل الحكم في الدولة الإثيوبية، وما بعدها من فترات حاضرة في الذاكرة الإثيوبية جعلت من الجيش الحاكم الأول في البلاد والقوة القادرة على تسليح نفسها بأكثر الأسلحة فتكًا، والتي تحتاجها البلاد للدفاع عن نفسها بمنظورها هي.

ولا بد أن يكون حاضرًا في المشهد العسكري الإثيوبي قوة العلاقة بينه وبين الدول العظمى، وعلى سبيل المثال: علاقته بالدب الروسي، والولايات المتحدة الأمريكية، ومؤخرًا علاقته الوطيدة بالكيان الإسرائيلي المحتل للدولة الفلسطينية، كما نرى في المرحلة الأخيرة السعي الحثيث من الجيش والحكومة الإثيوبية وراء تعظيم قدرات سلاح الجو الإثيوبي؛ بالإضافة إلى محاولاتها لخلق منفذ بحري لها لحماية مصالحها البحرية.
الجيش الإثيوبي:

إن قوات الجيش الإثيوبي والتي تسمى بـ “قوة الدفاع الوطنية الإثيوبية” تحتفظ بتعداد عسكري ليس بالقليل وسط جيوش الجوار؛ إذ يبلغ التعداد الحالي للقوات العاملة في الجيش الإثيوبي نحو 162 ألف مقاتل، ولا يوجد في الجيش الإثيوبي ما يسمى بقوة الاحتياط، ولكن تبلغ القوة البشرية الصالحة للتعبئة العامة 25 مليون مواطن فيما يبلغ تعداد السكان 108 مليون مواطن (1،2).

توزيع التشكيلات العسكرية:

يتكون الجيش الإثيوبي من فرعين رئيسيين يقوم عليهم الجيش الإثيوبي والقوة الوطنية، وهما: القوات الجوية، والقوات البرية، ونظرًا لعدم وجود منفذ بحري لهذا البلد الحبيس لا يوجد عنده قوات بحرية(3).

القوات البرية:

يتجاوز عدد سكان دولة إثيوبيا الـ 108 ملايين نسمة، ويصلح للخدمة العسكرية في إثيوبيا 25 مليون نسمة ويصل إلى سن التجنيد سنويًّا 1.9 مليون شخص، وتتكون قوات الجيش الإثيوبي من 162 ألف جندي ولا توجد لديهم قوات احتياطية.

وتمتلك القوات البرية الإثيوبية 514 قطعة مدرعة، منها 400 دبابة و114 ناقلة جند مدرعة، وبالنسبة إلى الدبابات، تمثل دبابات “تي 72” عماد هذه القوة، بنحو 300 دبابة من هذا النوع، منها 200 دبابة جديدة دخلت الخدمة في العام 2013، بموجب صفقة تم توقيعها في العام 2011 بقيمة مائة مليون دولار، وذلك ضمن خطة تطوير قوتها المدرعة من نوعي “تي 62″ و”تي 55”.

أما بالنسبة إلى المدفعية وراجمات الصواريخ، فيمتلك الجيش الإثيوبي بين 850 و900 قطعة، تتنوع بين مدفعية الميدان والمدفعية الذاتية الحركة والمدفعية الصاروخية والهاون، من بينها 57 مدفعًا ذاتي الحركة عيار 155 ملم، من أنواع “تايب 88 صيني الصنع – أم 109 أميركي الصنع – ميستا وفوزيدكا روسيي الصنع”؛ بالإضافة إلى ذلك 185 وحدة مدفعية صاروخية من عياري 107 و122 مللم، والبقية تعود إلى أنواع متعددة من مدفعيات الميدان الروسية والأميركية من عياري 122 و130 ملم، ومدافع الهاون من أعيرة 60 و81 و107 و120 ملم(4،5).

القوات الجوية:

تشمل قوات الدفاع الجوي الإثيوبي على مناطق عسكرية متمثلة في 4 مناطق، وهي:

1_ المنطقة المركزية.

2_ المنطقة الشرقية.

3_ المنطقة الشمالية.

4_ المنطقة الغربية.

وكل منطقة من هذه المناطق تضم فرقة مدرعات واحدة من القوات البرية بالإضافة إلى ما بين 4 أو 6 فرق مشاة مساندة للقوات الجوية؛ هذا بالإضافة إلى قوة دعم إستراتيجي وعسكري متمركزة في العاصمة وبصفة دائمة، وهذه القوة تتكون من عدد 4 فرق مشاة ميكانيكية، و6 ألوية متخصصة(6).

وفي تصريح لقائد القوات الجوية الإثيوبية، يلما ميرداسا، قال: إن أديس أبابا تعمل على بناء الموارد البشرية والمؤسسات التي تمكنها من امتلاك “سلاح جو يتناسب مع عظمة إثيوبيا، وأن القوات الجوية الإثيوبية تقوم بالأنشطة المختلفة الخاصة بتحقيق هذا الهدف.

وتمتلك إثيوبيا 89 طائرة حربية من طرازات متنوعة تجعلها في المرتبة رقم 71 عالميًّا، وفقًا لقائمة موقع “غلوبال فاير بور” الأميركي، والتي تضم 145 دولة في 2023(7).

القوات البحرية:

تسعى إثيوبيا جاهدة بكل ما أوتيت من قوة إلى امتلاك منفذ بحري خاص بها؛ إلا أن هذا المطلب تكلفته كبيرة، ومع هذا ستظل قضية الموانئ البحرية في القرن الإفريقي ذات أولوية إستراتيجية بالنسبة للنظام الحاكم في إثيوبيا، فهي جزء من إستراتيجية وطنية صدرت في عام 2015، ومثلت أحد الإصلاحات الاقتصادية الرئيسية لآبي أحمد منذ صعوده للسلطة في عام 2018.

ويبدو أن أديس أبابا ترغب في الاعتماد على نفسها في تطوير علاقاتها مع موانئ القرن الإفريقي دون أي وسيط أجنبي لكونها مصلحة مصيرية بالنسبة لها، وتفاديًّا لممارسة أي ضغوط دولية أو إقليمية عليها مستقبلًا، وإن كانت هي لا تمتلك القدرة المادية لتطوير الموانئ البحرية مقارنة بالقوى الدولية الفاعلة؛ إلا أنها في نفس الوقت تدعم بعض المساعي الإقليمية لا سيما الخليجية لتجديد وتطوير أداء بعض الموانئ البحرية في المنطقة، مثل: بربرة ومومباسا وبورتسودان للاستفادة من الطفرة التي تشهدها البنية التحتية لتلك الموانئ في خدمة أهدافها الإستراتيجية بتعزيز ارتباطها بها خلال المرحلة المقبلة.

ومن المتوقع أن تسعى إثيوبيا إلى نسج شبكة إقليمية من الموانئ البحرية في القرن الإفريقي ترتبط بها سعيًا إلى تنويع خياراتها الإستراتيجية وعدم الاعتماد بشكل كلي على ميناء واحد، وذلك لاعتبارات جيوسياسية مرتبطة بتعزيز النفوذ الإثيوبي في المنطقة(8).

دوافع التسليح الإثيوبي:

تسعى الدولة الإثيوبية وبخطوات متسارعة في عملية تسليح شاملة، ولعل الجيش الإثيوبي لديه بعض الدوافع التي دفعته إلى هذه ولعل أهمها:

تأمين الداخل الإثيوبي:

تعمل إثيوبيا على صد أي محاولة اضطرابات داخلية محتملة، وهذا يفسر السعي الإثيوبي نحو شراء الطائرات بدون طيار وتنوع مصادرها،  خاصة بعد استخدامها في القتال ضد القوات المتمردة، مثلما فعلت في عام 2021 عندما قامت أديس أبابا باستخدام طائرات بدون طيار من طراز بايراكتار، ضد قوات تحرير شعب تيجراي.

الطموح الإثيوبي والرغبة في تعزيز المكانة الإقليمية:

فمن الواضح أن مشروع آبي أحمد الاقتصادي، ورغبة في تعزيز المكانة الإقليمية للدولة الإثيوبية، يشكل قوة ضاغطة على الحكومة الإثيوبية التي تدرك أن تحركاتها غير المحسوبة سواء اتفاقها مع أرض الصومال، كذلك إصرارها على التحرك الفردي فيما يتعلق بسد النهضة، تظل محاطة بمهددات دول الجوار أو الدول المتضررة.

التشبيك الدولي:

من الواضح أن العلاقات الاستراتيجية التي ينفذها رئيس الوزراء الإثيوبي مع قوى العالم الكبرى، والدولة ذات المصلحة ستنعكس على مشروعة العسكري، وبالتالي فإن آبي أحمد يدرك الاضطرابات في الشرق الأوسط ستنعكس عليه إيجابيًّا، وهو يؤكد حرصه على تنوع مصادر تسليح جيشه خلال النصف الثاني من عام 2023.

تحديث القوات الجوية الإثيوبية:

وفقًا لما رصدته صفحات التواصل الاجتماعي الإثيوبية، تلاحظ استعراض أديس أبابا حصولها علي المقاتلات الروسية الثقيلة من طراز “سو-30” في حفل أقيم لتسليم هذه المقاتلات بشكل علني، وبعد هذه الصفقة، يرى بعض المراقبين أن التطور الحادث في سلاح الجو الإثيوبي، جعل القوات الجوية الإثيوبية إحدى الأسلحة الرئيسية للجيش الإثيوبي التي تلق اتهام واسع من قبل إدارة رئاسة الوزراء الإثيوبية، خاصة وأنها أصبحت تحتل المرتبة الـ 72 بين أضخم القوات الجوية في العالم، والمرتبة الـ 11 في إفريقيا.

المسح الشمل لقدرات القوات الجوية لأديس أبابا في عام 2024، ووفقًا لموقع جلوبال فاير بور الأمريكي، يشير إلى أنها تتكون من 91 طائرة حربية منها، 23 مقاتلة حربية، و10 طائرات نقل عسكري، و27 طائرة تدريب، و31 مروحية بينها 6 مروحيات هجومية، وتشكل المروحيات 32% من حجم القوة الجوية الإثيوبية، تليها طائرات التدريب بنحو 28%، ومن ثم المقاتلات بنحو 24%.(9).

شواهد إثيوبية:

التعاون الإسرائيلي – الإثيوبي:

وقع الكيان الإسرائيلي مع دولة إثيوبيا في العام 2017 اتفاقًا يمنح الأخيرة رخصة تصنيع العربات الإسرائيلية المدرعة “ثاندر”، ويشمل الاتفاق جمع 75 عربة من هذا النوع محليًّا(10).

التعاون الروسي – الإثيوبي:

عرضت إثيوبيا أسلحتها وأنظمتها الدفاعية الحديثة خلال عرض عسكري لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، وقد كشفت عن إضافة جديدة إلى ترسانتها وهو نظام الحرب الإلكترونية Krasukha-4 (EW) من أصل روسي، وهو دليل على أن اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين روسيا وإثيوبيا في 2021، تمت في إطار منتدى التعاون العسكري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتضمنت الاتفاقية تزويد قوات الدفاع الوطني الإثيوبية بعدد من المعدات الروسية(11).

التعاون العسكري الإثيوبي – التركي:

 في 8 يوليو 2022، وصل وفد برئاسة أركان قوات الدفاع الوطني الإثيوبية المشير “برهانو جولا” إلي تركيا للمشاركة في التمرين العسكري EFES2022 الذي نظمته الحكومة التركية، ويعد هذا التدريب أحد أكبر التدريبات العسكرية التي تجريها القوات المسلحة التركية، وفي 19 مارس من نفس العام، وافق مجلس الوزراء علي مشروع قانون بشأن اتفاقيات التعاون العسكري مع أنقرة، ويتضمن ذلك اتفاقيات التدريبات العسكرية المشتركة والتعاون في مجال مكافحة القرصنة.

وقد وقعت تركيا وإثيوبيا في 18 أغسطس2021، اتفاقية الإطار العسكري،  وتعد هذه الاتفاقية واحده من الثلاث اتفاقيات الموقعة بين البلدين، والتي تمكن الضباط الإثيوبيون من تلقي التدريب في المدارس العسكرية التركية، وقام الضباط الأتراك بتدريب نظرائهم الإثيوبيين في مواقعهم العسكرية؛ إضافة إلى تمكن البلدين من إجراء مناورات عسكرية مشتركة، وتضمنت الاتفاقيات بجانب التدريبات العسكرية المشتركة، بناء الصناعات الدفاعية ومنع الهجمات السيبرانية، وحفظ السلام، والتعاون المالي العسكري، وحملات مكافحة القرصنة(12).

عودة التعاون بين إثيوبيا والاتحاد الأوروبي:

في أكتوبر 2023، التقي مفوض الاتحاد الأوروبي بمسئولين من الحكومة الإثيوبية، وتعهد بتقديم دعم بقيمة 680 مليون دولار من الاتحاد، وتتجه هذه الخطوة نحو تطبيع العلاقات بين البلدين، وأكدت مفوضة الاتحاد “جوتا اوربيلاينن” خلال مشاركتها في الاجتماع الوزاري لمبادرة القرن الإفريقي في أديس أبابا، على أن إثيوبيا شريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي.

مشيرة إلى اتخاذ خطوات مهمة نحو توقيع البرنامج الإرشادي متعدد السنوات لتعاونهم الثنائي،  حيث يركز هذا البرنامج علي ثلاث قضايا وهي: الأجندة الخضراء، والتنمية البشرية، وبناء السلام(13).

الخلاصة:

لا شك أن الدولة الإثيوبية هي دولة مضطربة، ودائمًا معها مشاكل إما في الداخل الإثيوبي أو في الخارج خاصة مع دول الجوار، وبالتالي هذه الدولة تعلم علم يقين حجم التحديات والمخاطر التي وصعت نفسها فيها، وبالتالي تعمل جاهدة على التسليح القوي وبناء قوة عسكرية لفرض سيطرتها وتنفيذ طموحاتها وأجنداتها، كما أن لطموحاتها مؤيدين كثر من دول الخارج والمؤثرين بقوة في القرن الإفريقي.

كما أن ظاهرة التحديث المشهودة لها عبر وسائل الإعلام المختلفة والمواقع العسكرية، بجميع التشكيلات العسكرية الإثيوبية، لها مبرراتها كما ذكرنا، وقد تتسع خلال المدة المقبلة من منطلق الطموح المتزايد لآبي أحمد، وإدراكه بوجود مهددات لأمنه القومي.

1_ سي إن إن

2_ سبوتنك

3_ ويكبيديا

4_ الجزيرة

5_ المرصد

6_ مركز رع للدراسات والأبحاث

7_ الميادين

8_ مركز الأهرام للدراسات

9_ مركز رع للدراسات

10_ المنتدى العربي للدفاع والتسليح

11_ سبوتنك

12_ الشرق

13_ مونت كارلو الدولية

التعليقات مغلقة.