fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مستقبل الصومال الغامض بعد انسحاب “أتميس”

59

مستقبل الصومال الغامض بعد انسحاب “أتميس”

تتابع الأحداث في دول القارة الإفريقية، خاصة بعد حالة الهرج والمرج التي يشهدها العالم، وتحكم الدول العظمى في مصالح الشعوب الضعيفة، وأصبح العالم اليوم محكومًا بلغة المصالح، ولا صوت يعلو فيه سوى صوت قانون الغاب، فلا مبادئ ولا عدالة تذكر، وهذا ما أوضحته الحرب في غزة بعد 7 أكتوبر، وما شاهدناه في أوكرانيا بعد الحرب الروسية، وأن العالم لا يعرف سوى لغة القوة؛ فهي الحاكمة والمنظمة لشئون العالم، وما سوى ذلك فما هو إلا شعارات.

وفي الصومال مشهد يتصدر الصحف والقنوات مع تخوف من حالة الدمار التي من المتوقع أن تشهدها البلاد بعد إعلان بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية بدء الاستعدادات لسحب 2000 جندي بحلول 30 يونيو 2024، واعتبرت البعثة: أن هذا الانسحاب التدريجي يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بسحب 2000 جندي ، وتسليم الأمن في المناطق المتفق عليها إلى قوات الأمن الصومالية؛ بالإضافة إلى أن مجلس الأمن الدولي، أعلن في عام 2023 عن تشكيل قوة جديدة تابعة للاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال، تتمثّل مهمتها في مكافحة حركة الشباب، على أن يتم خفضها تدريجياً إلى الصفر بحلول 31 ديسمبر 2024.

وحلَّت القوة التي يبلغ عدد أفرادها 20 ألف عسكري وشرطي ومدني وتحمل اسم أتميس محل القوة السابقة أميصوم، التي تولت في السابق مهمة الاتحاد الإفريقي في الصومال(1).

ووفقًا للجدول الزمني فقد بدأ العد التنازلي لنهاية مهمة قوة “أتميس” في الصومال، لتنطلق مرحلة جديدة، تتولى فيها قوات الدولة الواقعة في القرن الإفريقي المسؤولية بشكل كامل.

وسلمت “أتميس” 7 قواعد عمليات أمامية للحكومة المدعومة دوليًّا وأغلقت قاعدتين أخريين، في مسار من المخطط له أن يضع نهاية لعملية حفظ السلام التي تعتبر من بين الأطول في العالم، لتستلم القوات الصومالية مهمة تأمين البلاد والحرب على الإرهاب وبسط الأمن والاستقرار وحفظ السلام(2).

طلب صومالي لمجلس الأمن:

في 19 سبتمبر 2023، كتبت حكومة الصومال إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تطلب من أتميس بتفويض من مجلس الأمن إلغاء الانسحاب، وجاء في الرسالة التي وقعها حسين شيخ علي، مستشار الأمن القومي الصومالي، “هذا الطلب ينشأ من حاجتنا الملحة لمواجهة التحديات الكبيرة التي كشف عنها تقرير التقييم الفني المشترك، والذي يوضح آثارًا عميقة على عملية الانتقال الأمني في الصومال”.

وبناءً على ذلك، قالت مصادر لصحيفة “إيست أفريكان”: إن السلطات في مقديشو في تقييمها، تريد منع حدوث فراغ أمني يمكن تجنبه في بعض القواعد التي كانت قوات أتميس تخليها أو تغلقها، والتي تضمنت مؤسسات حكومية استراتيجية ومكاتب إقليمية(3).

قوة أمنية مصغرة:

وفي 19 فبراير 2024، أكد مستشار الأمن القومي حسين شيخ لوسائل الإعلام أن قوة متعددة الجنسيات أصغر حجمًا ستحل محل بعثة حفظ السلام الحالية التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال بحلول نهاية عام2024.

مهمة القوات الجديدة:

وستكون مهمة القوات الجديدة هي حماية البنية التحتية الرئيسية داخل الصومال والمناطق التي ستستخدمها قوات الأمن الصومالية كمراكز لوجستية، وكذلك حيث تتمركز الوكالات الدولية والسفارات الأجنبية وحواضر الولايات الفيدرالية.

كما أن القوات الجديدة لن تشارك في العمليات القتالية ضد حركة الشباب، وستتراوح أعدادها ما بين 3000 و8000، وستعمل بشكل وثيق مع عدد متساو من القوات الصومالية، بحيث تتولى الأخيرة المسؤولية عنها تدريجيًّا في غضون 12 شهرًا(4).

إنجازات وإخفاقات قوات حفظ السلام في الصومال:

يرى مراقبون: أن من أهم إنجازات القوات الإفريقية في الصومال إخراج حركة الشباب من العاصمة مقديشو عام 2011، وبسط نفوذ الدولة على إقليمي شبيلي السفلى والوسطى بعد أن كانت محاصرة في العاصمة، وهو ما مهَّد لاحقًا لتشكيل البرلمان وانتخاب الرئيس، وهو الأمر الذي خلق بيئة سياسية إيجابية؛ إضافة إلى توفير الحماية للمقار الحكومية والمرافق الرئيسية في مقديشو، مثل: المطار والميناء، وتدريب الشرطة الصومالية وتوفير ما يلزمها من معدات وأدوات.

أما في جانب الإخفاقات، فتركز أغلب التقارير والبحوث على عدم قدرة القوات الإفريقية على هزيمة حركة الشباب بالرغم من إخراجها من العاصمة وعدد من المدن؛ إضافة إلى عدم قدرتها على العمل كوحدة واحدة بسبب الخلافات بين قادة القوات التابعة للدول المساهمة في البعثة.

كما فشلت البعثة في إقناع النخب السياسية الصومالية بالمصالحة، وعجزت أيضًا عن حماية المدنيين في مناطق عملياتها بالرغم من وضع الاتحاد الإفريقي إستراتيجية لحماية المدنيين وقواعد الاشتباك الخاصة بحماية المدنيين(5).

دلائل تشكيل قوى متعددة الجنسيات:

هناك العديد من الدلائل التي ترسم صورة واضحة وراء تواجد هذه القوى المتعددة الجنسيات في الصومال، ولعل من أبرزها:

مخاوف من تصاعد التوترات الإثيوبية – الصومالية:

وخاصة في ظل غياب أي أفق للتوصل إلى تسوية أو تفاهمات بين الصومال وإثيوبيا بعد توقيع الأخيرة اتفاقًا مع أرض الصومال يسمح لها بإقامة قواعد عسكرية في موانئها البحرية. وقد لوح الصومال في 21 فبراير الجاري، بإجراءات صارمة لضمان سلامة وأمن مجاله الجوي، وأكدت ذلك هيئة الطيران المدني الصومالية، وقد جاء ذلك بعد عرقلة خدمات الحركة الجوية فوق المناطق الشمالية (أرض الصومال)، وهو الأمر الذي اعتبرته الهيئة مخالفًا لأنظمة الطيران المدني المحلية والدولية. وأعربت الهيئة عن قلقها من الاضطرابات التي أثارتها أرض الصومال في الحركة الجوية في المناطق الشمالية وتجاهلها التحذيرات.

منع حركة الشباب من استعادة سيطرتها في الصومال:

فبرغم دور بعثة “أتميس” في طرد حركة الشباب من العديد من معاقل ومناطق سيطرتها؛ إلا أن عناصر الحركة ومقاتليها يواصلون تكبيد القوات الصومالية خسائر كبيرة من خلال هجمات الكر والفر، ويبدو الجيش الصومالي عاجزًا عن حماية المنشآت والمصالح الأجنبية في وقت انشغاله بمطاردة حركة الشباب، حيث تخوض قواته حاليًا معارك عنيفة مع حركة الشباب في جنوب ووسط الصومال. ولا تزال الحركة تعتمد على التفجيرات الانتحارية وخاصة عبر السيارات المفخخة التي كثيرًا ما أودت بحياة العديد من المدنيين، ولا سيما في مقديشو.

وقد أطلقت الحركة خلال الأسبوع الأول من شهر فبراير الجاري عدة قذائف هاون على وزارة الدفاع الصومالية، وسقط بعضها داخل المجمع. وقالت الشرطة: إن إحدى قذائف الهاون أصابت منزلًا، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 11 آخرين. وخلال يناير الماضي، استولى المسلحون على موقع للقوات الحكومية في قرية كاد بمنطقة مدق بوسط الصومال، مع أنباء عن سقوط العديد من الضحايا من الجانبين.

مخاوف أفريقية من انهيار الأوضاع الأمنية بعد انسحاب “أتميس”:

 جاء الإعلان عن هذه القوات في الوقت الذي تستعد فيه بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) لإنهاء عملياتها في 31 ديسمبر 2023، لتنهي وجود قوة الاتحاد الإفريقي في الصومال بعد 17 عامًا من نشرها للمساعدة في طرد حركة الشباب، ودعم الحكومة الفيدرالية المعترف بها دوليًّا، حيث سلمت أتميس حوالي 7 قواعد عمليات أمامية للحكومة الصومالية، وانخفض قوام البعثة من 22 ألف جندي في بدايتها إلى حوالي 14 ألفًا حاليًا، ومن المتوقع أن يُغادر أربعة آلاف جندي في يونيو القادم.

 ويبدو أن ثمة مخاوف من تدهور الوضع الأمني بعد خروج هذه القوات، حيث لا يزال عديد من الخبراء والمراقبين يشككون في قدرة الجيش الصومالي على السيطرة على الأوضاع الأمنية بدون دعم من قوة “أتميس”(6 ، 7 ، 8).

سيناريوهات محتملة ردًّا على القوة الجديدة:

احتجاجات صومالية محتملة على تشكيل قوة دولية جديدة:

 يرجح أن يواجه نشر قوة متعددة الجنسيات رد فعل عنيف من بعض الصوماليين؛ الذين كانوا يأملون في رؤية القوات المسلحة للبلاد تتولى المسؤولية، وفي ظل الجدل الصومالي حول وجود قوات دولية في الصومال، ما بين قوى تؤيد وتطالب بالتمديد لبعثة “أتميس”، وقوى تطالب بانسحابها وتولي القوات الصومالية المسؤولية.

دور محدود للقوة الدولية المتعددة الجنسيات:

يرى مراقبون: أن القوة المتعددة الجنسيات ستكون أصغر من قوة أتميس، ويُقدر أن عددها يتراوح بين 3000 إلى 8000 وسيعملون بشكل وثيق مع عدد مماثل من القوات الصومالية التي ستتمركز معهم لتتولى في نهاية المطاف المسؤوليات الأمنية في الصومال منهم بعد 12 شهرًا، وأن دورها سيتركز على تأمين المنشآت الحكومية والدبلوماسية الرئيسية في البلاد، وقد جرت محادثات حول هذه القضية قبل قمة رؤساء دول الاتحاد الإفريقي الأخيرة التي عقدت في مقرها بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وحضرها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود.

التمديد المحتمل لبعثة الاتحاد الإفريقي “أتميس”:

فبرغم أن القوة المتعددة الجنسيات هي أفضل تجهيزًا بكثير من الجيش الصومالي، وبالتالي هي خيار أقوى لمحاربة حركة الشباب من قوات الأمن المحلية، لكن من الواضح أن دورها سيتركز على حماية المنشآت وليس الانخراط في عمليات قتالية ضد حركة الشباب، ومن ثم لا يستبعد مراقبون أن يتم التمديد لبعثة “أتميس” في الصومال، فلم يستبعد مستشار الأمن القومي حسين شيخ التمديد للبعثة، حيث أكد أنه سيتم إعادة تقييم دور البعثة بعد 12 شهرًا، مع خيار التمديد حسب الوضع الأمني في البلاد. ولم يذكر شيخ علي ما إذا كانت القوة المتعددة الجنسيات الجديدة ستضم أفرادًا من قوات أتميس الموجودة بالفعل في الصومال(9).

الخلاصة:

1_ على مستوى الساحة الصومالية، تتباين التقييمات والمواقف من العملية، فبعض المسؤولين في الحكومة الصومالية يؤكدون استعداد القوات الحكومية لتسلم المهام وقدرتها على بسط سيطرتها وتحكمها في كافة المسارات، بينما يتخوف بعض الساسة المعارضين من انهيار الأوضاع بمجرد اكتمال انسحاب القوات الإفريقية.

2_ على الرغم من الإعلان عن تشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات في الصومال، لكن يبدو أن دور هذه القوات سيكون محدودًا بحماية المنشآت والمصالح والبعثات الأجنبية.

3_ هناك تعزيز قوي لاحتمالات التمديد لبعثة الاتحاد الإفريقي “أتميس”، حيث لا يزال الجيش الصومالي غير قادر وحده على التصدي لمحاولات حركة الشباب استعادة سيطرتها؛ ناهيك عن استمرار التوترات الصومالية – الإثيوبية التي يمكن أن تتصاعد إلى اشتباكات مسلحة، وعلى الأقل بين القوات الصومالية الفيدرالية وقوات أرض الصومال، وهو ما يكرس حالة من عدم الاستقرار الذي تستغله حركة الشباب لاستعادة سيطرتها.

4_ هناك أهمية كبيرة للموقع الصومالي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وأخواتها، فهناك الأهمية الجيوإستراتيجية للصومال المشرف على كلٍّ من: المحيط الهندي، وخليج عدن، والبحر الأحمر، حيث يمثل بوابة مفتاحية إلى شرق وعمق القارة الإفريقية، ونقطة محورية في القرن الإفريقي الذي يشكل إحدى ساحات الحرب الباردة الحالية بين واشنطن ومنافسيها.

1_ الشرق الأوسط

2_ العين

3_ صدى البلد

4_ الحائط العربي

5_ الجزيرة

6_ مركز المستقبل للأبحاث والدراسات

7_ الحائط العربي

8_ الإندبندت

9_ العرب

التعليقات مغلقة.