fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

وفاة إليزابيث الثانية بين استمرار القوة الناعمة وتهديد بقاء الملكية

54

وفاة إليزابيث الثانية بين استمرار القوة الناعمة وتهديد بقاء الملكية

عن عمر يناهز 96 عام ماتت الملكة إليزابيث الثانية معمرة ملوك المملكة البريطانية المتحدة حكمًا؛ ماتت تاركة خلفها إرثًا كبيرًا، ومسئولية شديدة بالنسبة للشعب البريطاني والمسئولين، ولكن قد رسمت الملكة قبل وفاتها بروتكولًا خاصًّا بعد وفاتها؛ سميت هذه الخطة “جسر لندن”، وهي عبارة عن شفرات للعائلة المالكة حتى لا يضيع الملك، ويذهب إرثهم كذلك حتى لا يحدث خلاف بين أبناء العائلة.

وقد استطاعت الملكة إليزابيت خلال فترة حكمها، خلق قوة ناعمة مؤثرة، ليس على مستوى المملكة المتحدة فقط، بل وعلى مستوى العالم؛ لا سيما وأنها جمعت بين دورين: دور رأس الدولة في الأساس، وكذلك زعيمة الأمة البريطانية.

وذلك كان واضحا من خلال أول بيان لها عندما اعتلت عرش المملكة المتحدة قائلة: “أتعهد أمامكم جميعًا أن حياتي كلها، قصرت أم طالت، ستكُرس لخدمتكم وخدمة عائلتنا الإمبراطورية العظيمة التي ننتمي إليها جميعًا”، وظلت هذه المقولة عالقة في أذهان المجتمع البريطاني؛ خاصة وأنهم يعملون وَفْق مصالحهم وأجنداتهم الاستعمارية والاقتصادية، فلا يهمهم الغير، وإنما ما يهمهم هو بريطانيا العظمى كما يدعون.

جدل بعد الوفاة:

تسببت وفاة الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، في مناقشات وجدل داخل المجتمع البريطاني حول الحاجة إلى نظام ملكي في البلاد؛ وذلك لمجموعة من الأسباب، من بينها أن خليفة العرش، ابنها الأكبر الأمير تشارلز الذي أُطلِق عليه اسم تشارلز الثالث، لا يتمتع بوضع مماثل وحضور وتأثير داخلي وخارجي، ولن يكون على الأرجح  بارعًا في استخدام القوة الناعمة للحفاظ على وحدة المملكة المتحدة ومكونات الإمبراطورية البريطانية، خلافًا لما كان عليه الحال خلال حكم المكلة الراحلة.

فبحكم توليها للعرش وبقائها في السلطة لفترة طويلة جدًّا، كانت إليزابيث الثانية تعكس أهداف بريطانيا، ووحدتها، ورحيل مثل هذه الشخصية أدَّى إلى نقاشات وجدل سيدومان لمدة طويلة حول ما بعد رحيل الملكة، حيث سيتم طرح الأفكار الجديدة، والتعبير عن مختلف الآراء بما يتعلق بمستقبل البلاد.

وفي إطار ذلك، ومن بين جملة الأفكار التي ستطرح، فمن المحتمل أن تكون هناك مقترحات وآراء تتعلق بالدرجة الأولى بالتخلي عن النظام الملكي بشكل تام؛ نظرًا لأن الأمير تشارلز وأحفاده لا يتمتعون بنفس المكانة، ونفس الأهمية  والهيبة التي كانت تتمتع بها الملكة إليزابيث الثانية.

 ويجب هنا كذلك الأخذ بالاعتبار المقولة السائدة في الشارع البريطاني في السنوات الأخيرة  بأن الملكية في بريطانيا أصبحت نوعًا ما بدائية(1).

التعامل الأمني سبب في اتساع الدائرة:

أثار التعامل الأمني مع الأشخاص -الذين يرفعون شعارات تطالب بإلغاء الملكية خلال تشييع الملكة- الكثير من ردود الفعل السياسية والإعلامية، ووصلت أصداؤها إلى البرلمان والحكومة.

وانتشر مقطع لشابٍ ينتقد الأمير أندرو خلال مرافقة الأخير لجثمان والدته، قبل أن يتم جره وبعنف من قبل أحد الأشخاص ويتم اعتقاله.

وفي المقابل: انتقد زعيم حزب العمال كير ستارمر هجوم البعض على أفراد الأسرة الملكية أو رفع شعارات تطالب بإلغاء الملكية خلال مراسيم نقل نعش إليزابيث الثانية، وصرح للإعلام بأنه “يجب على الناس احترام حالة الحزن التي يعيشها أفراد الأسرة الملكية، واحترام آلاف الأشخاص الذين يقفون ساعات طويلة من أجل تشييع الملكة”.

وراسل عدد من البرلمانيين رئيسة الحكومة ووزير الداخلية من أجل التوقف عن اعتقال الذين يرفعون شعارات مؤيدة للجمهورية، ومطالبين باحترام حرية التعبير، ولم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة؛ إلا أن تعامل الأمن مع هؤلاء ما زال صارمًا، ويتم سحب أي لافتة كتبت عليها شعارات لا تؤيد الملك الجديد أو الملكية(2).

أهمية عرش المملكة المتحدة:

يعتبر عرش المملكة المتحدة مهم للغاية؛ وذلك لأن الملكة إليزابيث ليست ملكة المملكة المتحدة فحسب، بل هي أيضًا ملكة 14 دولة أخرى، منها: كندا، إلى جانب دول أخرى عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ومنطقة البحر الكاريبي، والتي تُعرف باسم: “عوالم الكومنولث”، والتي يجب أن نفرقها عن “دول الكومنولث”، وهي مجموعة مكونة من 56 دولة كانت ذات يوم جزءًا من الإمبراطورية البريطانية، ولكن أغلبها لم يعد تابعًا للملكة، ولقد ورثت إليزابيث الثانية لقب رئيس الكومنولث من والدها، وقررت العمل به، ولهذا السبب عادةً ما يُنسَب إليها ’السقوط المدبر للإمبراطورية’ (أي: التحول طواعيةً من إمبراطورية إلى كومنولث.(3).

الملك الجديد:

تولى تشارلز فيليب العرش تلقائيًّا، وبالتالي فهو ملك جديد ورئيس دولة، وكذلك لـ15 دولة أخرى، بما في ذلك: أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، التي تعترف بملك (أو ملكة) بريطانيا كرئيس لها.

تشارلز الثالث قال في أول تصريح له في وقت سابق من هذا العام: إنه خلال عام 2022 سيواصل العمل مع الناس في جميع أنحاء العالم للدفاع عن القِيَم الثمينة التي يتكون منها المجتمع الحر؛ خاصة في سوريا وأفغانستان. وهكذا، يبدو أن الملك البريطاني الجديد أخذ على عاتقه العديد من المسؤوليات، سواء داخل بريطانيا أو في العالم الخارجي.

ومن هنا تبرز عدة تساؤلات حول التغيرات المحتملة في السياسة الخارجية لبريطانيا بعد وصول الملك تشارلز، والتغيرات التي قد تطرأ على المستوى الأوروبي، وتحديدًا في موضوع إمكانية انفصال أسكوتلندا عن بريطانيا، والدور المتوقع من بريطانيا في القارة الأوروبية، في خضم المتغيرات الدولية الأخيرة، والدور البريطاني في الملف السوري والشرق الأوسط؛ خاصة أنه يتزامن مع فوز ليزا تراس كرئيسة للحكومة البريطانية، خلفًا لبوريس جونسون(4).

قضايا كان يتحدث عنها ملك بريطانيا الحالي عندما كان أميرًا:

لدى الملك تشارلز سجل في الحقل العام يعود إلى 70 عامًا، وقد تعرض لفضائح عديدة، بما في ذلك انفصاله عن الأميرة ديانا، كما تبنَّى علنًا قضايا على غرار الدفاع عن صيد الثعالب، والطب البديل، والزراعة العضوية.

وقد أمضت صحيفة “غارديان” 10 سنوات في محاولة نشر مذكرات كتبها تشارلز إلى وزراء الحكومة؛ للضغط من أجل قضايا مختلفة، تتضمن ما سمي بـ”مذكرات العنكبوت”، كل شيء بدءًا من الطلب لإنهاء الصيد غير القانوني لسمكة باتاغونيا إلى الدعوة لزيادة عتاد القوات في العراق.

تحديات سيواجهها الملك:

قد يكون تشارلز ملك المناخ، لكن سيتعين عليه أيضًا أن يثبت النظام الملكي ضمن مكانة بريطانيا على الصعيد العالمي، فالملكية البريطانية مؤسسة سياسية، لكنها تعلو فوق المسائل السياسية، تأخذ العائلة المالكة هذا الأمر على محمل الجد، حتى عندما يستخدمون نفوذهم لمحاولة تحقيق أهداف بريطانيا فهم يشعرون أنه من المهم الحفاظ على استمرار نظام الحكم، وبالتالي، ثمة واجب تجاه الأمة والشعب البريطاني.

يتولى تشارلز أيضًا منصب رئيس الكومنولث، وهي مجموعة متباينة من الدول التي لا تربطها سوى علاقات غير وثيقة مع بريطانيا.

لقد استثمرت الملكة إليزابيث في دورها كقائدة للكومنولث، وفي نقله إلى تشارلز إشارة إلى أنها تريده أن يستمر، ولكن ثمة أيضًا الكثير من الحسابات التاريخية العالقة؛ خاصة عندما يتعلق الأمر بتاريخ بريطانيا الإمبراطوري وانخراطها في تجارة الرقيق؛ ولذا قررت بعض البلدان التي لا تزال تعترف بالنظام الملكي، مثل: بربادوس، مؤخرًا عزل إليزابيث كرئيسة للدولة، ومن المرجح أن تفعل ذلك دول أخرى، مثل: جامايكا.

ثم هناك مسألة بريطانيا نفسها؛ فقد لعبت الملكية دورًا تقليديًّا في تعزيز روابط «البريطانية»؛ أي: بين إنجلترا وأسكوتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية، ولكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أدَّى إلى توتر بعض العلاقات داخل المملكة المتحدة إذ أعاد إلى الواجهة مسألة استقلال أسكوتلندا.

إن تفكك الاتحاد ليس وشيكًا، وعلى الأرجح لن يحصل خلال عهد تشارلز، لكن سيتعين عليه التعامل معه، فإن هذه التحديات تتراكم في زمن تعصف بأوروبا حالة عدم استقرارٍ لم تشهدها منذ عقود(5).

رؤيته للإسلام والمسلمين:

وَفْق ما ذكرت الجزيرة في تقرير لها: إن الملك الجديد له علاقة حسنة بالمسلمين، وهذا ما ظهر من خلال علاقته مع الأقلية المسلمة في بريطانيا، وتحدثت كثير من التقارير عن تعلم الأمير تشارلز اللغة العربية من أجل فهم أعمق للإسلام.

وهذه بعض تصريحاته حول الإسلام:

“العالم الإسلامي هو القيِّم على واحد من أعظم كنوز الحكمة والمعرفة الروحية المتراكمة المتاحة للبشرية”.

وعند حديثه عن التغيرات المناخية قال تشارلز:

“لطالما علم الإسلام هذا، وتجاهُل هذا الدرس يعني التقصير في عقدنا مع الخالق”.

وخلال الحملة التي انطلقت ضد العديد من المؤسسات الخيرية المسلمة في بريطانيا بعد الأحداث الإرهابية في بداية الألفية الجديدة، كان الأمير تشارلز أول مَن تبرع لهذه المؤسسات لمنحها الحصانة والشرعية ضد الهجمات التي تلاحقها(6).

الخلاصة:

إن الوقت الراهن في أوروبا ليس كما كان عليه في عهد الملكة إليزابيث، ولكن التوقيت الحالي يعصف بأوروبا، ويجعلها تعيش في حالة من الترقب والقلق؛ نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، ورد الغرب عليه، وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وتكلفة المعيشة التي نتجت عن انتشار جائحة كورونا، وخروج المملكة المتحدة.

 ولكن في ظلِّ هذه التحديات، قد لا يتغير النظام الملكي البريطاني كثيرًا، أما الشكل الذي سيتخذه عهد الملك تشارلز، والقضايا التي سيناصرها، فسيحددها الضغط الذي سيواجهه للحفاظ على ارتباط البريطانيين بالنظام الملكي.

ومن هنا نحن أمام لعبة الريح كما يسميها الخبراء، فلدى الملك الجديد أجندات حقيقية، ولكنها بعيدة عن السياسة بالمرة، ولكن سنشاهد لعبة مصالح ومحاولة لاتخاذ دور الحياد؛ لعدم تحمل عواقب وخيمة في ظل ظروف متردية، وأحوال معقدة.

1_ الميادين

2_ الجزيرة

3_ المستقبل للأبحاث والدراسات

4_ الحل نت

5_ الإندبندت

6_ الجزيرة

التعليقات مغلقة.