fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

هل مصر قادرة على تكرار تجربة النمور الآسيوية؟

42

تعد تجربة النمور الآسيوية واحدة من أهم التجارب الفارقة في التاريخ الحديث؛ لذا حظيت هذه التجربة بالعديد من البحث والتحليل على أمل استنساخ التجربة وتكرارها في مناطق أخرى من دول العالم؛ إلا أن ذلك لم يحدث حتى هذه اللحظة، ومع ذلك هناك العديد من الدول التي تمني نفسها بتكرار تلك التجربة الفريدة، أو -على الأقل- الاقتباس منها بالقدر الذي يمكنه التغيير من الملامح الاقتصادية لبلدانهم ودولهم.

ومصر واحدة من الدول التي تسعى أيضا للارتقاء باقتصادها، وتحقيق معدلات تنموية أفضل، لذلك شهدت الآونة الأخيرة توجيه مطالب برلمانية للحكومة من أجل تكرار تجربة النمور الآسيوية والاستفادة منها، ولكن ما الذي يحول دون البلدان المختلفة -ومنهم مصر- وبين تكرار هذه التجربة مرة أخرى؟ وهل مصر قادرة على تكرار النموذج الآسيوي، وأن تنجح فيما فشل فيه الآخرون؟

مَن هم النمور الآسيوية؟

قبل أن نستعرض أو نناقش مدى قدرة مصر على تكرار تجربة النمور الآسيوية أو الاقتباس منها، يجب علينا أولًا أن نعرف مَن هم النمور الآسيوية، وكيف نجحوا وحققوا تلك التجربة الفريدة التي تتناقلها الألسنة قبل الكتب.

يُقصد بالنمور الآسيوية: تلك الدول الأربعة التي حققت نجاحًا اقتصاديًّا فريدًا، وتحولت من الانهيار والفشل إلى قمة النجاح، وتلك الدول هي بالترتيب: ” سنغافورة – وتايوان – وهونج كونج – وكوريا الجنوبية”؛ إلا أن هناك مَن يُضيف إليها دولا آسيوية أخرى، مثل: ماليزيا، والفلبين، وإندونيسيا؛ بسبب الطفرة الاقتصادية التي حققتها تلك البلدان، لكن الأشهر والأصح هو اقتصار المصطلح على الدول الأربعة الأولى، بينما يطلق على الدول الأخرى مصطلح: “النمور الشابة”، أو “أشبال النمور”.

وظهر مصطلح “النمور الآسيوية” للمرة الأولى منذ نحو 30 عامًا أو أكثر، وأطلق على كلٍّ من: سنغافورة، وتايوان، وهونج كونج، وكوريا الجنوبية، بعد أن نجحت هذه الدول في تحقيق قفزة اقتصادية كبيرة في مدة لا تزيد عن 25 عامًا(1).

بينما يطلق مصطلح: “أشبال النمور”، أو “النمور الشابة” على الدول الآسيوية التي سارت على نفس النهج الاقتصادي للنمور الآسيوية، والمقصود بأشبال النمور هي: الخمس دول التالية: “إندونيسيا، وماليزيا، والفلبينن وتايلاند، وفيتنام” (2).

نقطة انطلاق النمور الآسيوية:

في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي انتهت في سبتمبر عام 1945، كانت معظم اقتصاديات دول العالم تعاني من أضرار الحرب، وتبحث عن حلول تساعد في تعافي الاقتصاد، ولم يكن الحال مختلفًا كثيرًا بالنسبة للنمور الآسيوية التي لم تنتهِ الحرب لدى بعضها بانتهاء الحرب العالمية الثانية؛ إذ كانت هناك الحرب التي اندلعت في شبه الجزيرة الكورية بين عامي: 1950-1953م(3).

وبعد استقرار الأوضاع نسبيًّا كانت البداية ونقطة الانطلاق، حيث سارعت الدول الآسيوية إلى تبني خطة تنمية نجحت من خلالها في تحويل الانهيار إلى نجاح ملموس، وتبنت مبدأ التنوع الاقتصادي والعمل على جذب الاستثمارات المختلفة، فضلًا عن الاستثمار في دعم وتطوير بنيتها المختلفة؛ فأنشأت الموانئ والمطارات وغيرها من المرافق؛ بالإضافة إلى دعم الاستثمار في المواطن وفي التعليم، إلى أن وصلت تلك البلدان إلى ما هي عليه الآن.

وأصبحت تلك الدول على رأس الدول الآسيوية المتوقع لها أن تحتل المراكز الخمسة الأولى على قائمة أكبر اقتصادات العالم من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2024، متخطية بذلك القوى الاقتصادية الأوروبية، وفقًا لتوقعات أصدرها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي(4).

 عوامل نجاح النمور الآسيوية:

بالطبع، هناك عدة عوامل ساعدت النمور الآسيوية على الصعود إلى قمة الاقتصاديات الكبرى في العالم، ولم يكن الأمر عشوائيًّا أو متروكًا عبثًا، بل كانت هناك مجموعة من العوامل التي بُني نجاحها علي وقت ومكان اجتمعت فيه عوامل قلما تتكرر، ونشير إلى أبرز هذه العوامل فيما يلي:

  1.  وضع خطط طويلة المدى متبوعة برقابة دائمة مكثفة لخطوات التنفيذ، والخروج من دائرة الخطط العشرية “التي تستغرق عقدًا كاملًا أو عقودًا من الزمن” لخطط ربع سنوية معززة بالتقييم الدائم والتعزيز المستمر الذي يحول دون تراكم الأزمة اقتصاديًّا، إذ في تراكم الوقت تتمثل صعوبة إيجاد الحلول بعد تفاقم الوضع.
  2. وجود حدود مفتوحة بلا قيود وبلا احتياج أعلى من إطارها الأشمل من الدول المجاورة.
  3. انخفاض الدَّين الخارجي لدى هذه الدول الآسيوية.
  4. 4-    توافر العمالة الرخيصة.
  5. وجود برامج تعليميه واسعة النطاق شملت كل المجتمعات.
  6. تنوع القاعدة الاقتصادية لدى هذه البلدان التي اتجهت بعد الزراعة إلى صناعات حديثة، وتصدير كل ما يمكن .
  7. التركيز علي الربحية العالية والانتاج المتنوع الضخم.
  8. القضاء علي الفساد جنبًا إلى جنب مع الانفتاح علي الجميع من خلال إدارة رشيدة.
  9. التنويع الاقتصادي الذي لا يتكئ على مصدر وحيد من مصادر الاقتصاد، إلى تعزيز الصناعة بالتكنولوجيا والمعرفة البشرية.
  10. التركيز على التصنيع والتصدير للدول الثرية، وفي نفس الوقت المحافظة على فائض تجاري مع تلك الدول.
  11. إزالة العقبات التي تمنع استقطاب الاستثمارات الخارجية، وتحقيق مركز متقدم في مفهوم الحرية الاقتصادية.
  12. الاستثمار في المواطن نفسه ورفع مستواه التعليمي والاقتصادي على وجه الخصوص(5) و(6).

مصر والاقتباس من تجربة النمور الآسيوية:

تجربة النمور الآسيوية ونجاحها جعل الأمل يلمع في عيون كافة الدول؛ لذا تعددت المطالب والدعوات في مختلف الدول للاقتباس من هذه التجربة، وبالنسبة لمصر فها هي دعوة برلمانية أطلقها وكيل لجنة الإسكان، النائب طارق شكري، يطالب من خلالها الحكومة المصرية بالعمل على عقد شراكة إستراتيجية مع الدول التي يطلق عليها “النمور الآسيوية”، مؤكدًا أن تلك الدول وصلت لمرحلة من الرخاء الاقتصادي الذي جعلها تقود الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن.

وأوضح شكري في بيان صحفي: أن تجربة النمور الآسيوية والنجاحات التي حققتها جعلت الدول صاحبة الاقتصاديات الناشئة تنظر إليها نظرة تقدير، وتمني النفس بالاستفادة منها والسير على نهجها، مؤكدًا: أن تلك التجربة ما زالت تبهر الجميع إلى الآن؛ لدرجة أنه يتم تدريسها في مناهج الجامعات والمعاهد المختلفة(7).

العوائق التي تحول بين مصر وبين تجربة النمور الآسيوية:

أما عن قدرة استفادة مصر من تجربة النمور الآسيوية؛ فقد بيَّن الدكتور محمود غيث، رئيس الجمعية المصرية للتخطيط: أن الأوضاع الحالية لمصر لا تمثِّل أفضل حاله لتنفيذ الأسس التي انطلق منها النمور، حتي إن العمالة الرخيصة الكثيفة التي لدى مصر، ليست مدربة، بل هي كم دون كيف؛ بالإضافة إلى وجود عراقيل أخرى تمنع مصر من تكرار التجربة وعلى رأسها حجم المديونية وفرص السداد، موضحًا: أن إيجاد فائض يسمح بتنميات كبيرة أصبح مهمة مستحيلة؛ خاصة في ظل حرب واسعة النطاق، ووباء يعلو ويهبط دون استيعاب لموجاته .

وأوضح غيث في تصريحات صحفية: أن الفساد الإداري ضرب جذوره في مصر، وأن فرص اجتثاثه محدودة، بل وبدائله ليست لها طاقه كافية، حتى إن البدايات التي شهدتها الإدارة والتنسيق التنفيذي ليست كافية، كما يرى أن الوقت والمكان وكل العوامل لا تتوفر بالقدر الكافي لتكرار التجربة، أو -على الأقل- تصدير كل شيء يمكن تصديره.

وأكد غيث: أن مصر في حاجة لبرامج خاصة جدًّا تتناسب مع إدارة أزمات كبرى خارجية، وتقطع الروابط اللازمة للانفتاح علي المحيط الخارجي المثقل بصراعات معقدة طويلة المدى، كما يرى أن مصر في حاجة إلى إدارة أزمات على أعلى المستويات، واستقطاب كوادر خارجية وداخلية، وخبراء من فئة ممتازة؛ لعبور أزمتنا الاقتصادية مع أمل في انفراجة في العوامل الخارجية.

وأفاد رئيس الجمعية المصرية للتخطيط: أن الاستفادة من التجربة وتكرارها يحتاج إلى دعم داخلي من الرأسمالية الوطنية، والتوسع في دور مركز طاقة عالمي؛ بالإضافة إلى عقد شراكات دولية تحول قناة السويس إلى محور تنموي واسع النطاق(8).

الخلاصة:

تعتبر تجربة النمور الآسيوية تجربة ناجحة، وقد أثبتت فاعليتها في العديد من المواقف، ويمكن الأخذ عنها والاقتباس منها كما حدث مع بعض الدول الآسيوية المجاورة لتلك النمور، حيث حققت تلك الدول التي سارت على نفس النهج الاقتصادي للنمور ونسخت من تجربتها نجاحًا ملحوظًا، وأطلق عليها: “أشبال النمور” في دلالة واضحة لمدى نجاعة التجربة الأصلية.

تجربة النمور الآسيوية وأشبالها تنفي الرأي الذي يقول: إن التجربة غير قابلة للتكرار، ما يعني أن مصر -إذا توافرت لديها الإرادة الحقيقية-؛ فإنها قادرة على نسخ التجربة والاستفادة منها، لكن ذلك لا ينفي أن مصر بحاجة إلى إزالة العديد من العوائق والعراقيل أولًا.

ولكي تنجح مصر في مساعيها: يجب عليها أولًا أن تقضي على الفساد الإداري وإرثه الثقيل، كما يجب أن تتبنى مصر إصلاحات اقتصادية تؤدي في الأخير إلى خفض معدلات الدَّين الخارجي إلى نسب تسمح لمصر بتطبيق النموذج الاقتصادي للنمور الآسيوية وأشبالها.

ويعد حجم الديون المصرية أبرز التحديات التي تعرقل مصر عن تكرار تجربة النمور الآسيوية؛ إذ تضاعف حجم الديون 5 مرات مقارنة بما كان عليه قبل 10 سنوات فقط، حيث وصل حجم الدين الخارجي لمصر نحو 157.8 مليار دولار، بينما اقترب حجم الدين المحلي من 5 تريليونات جنيه بحسب تقرير البنك المركزي المصري لشهر سبتمبر 2022م(9).

كما يعد الفساد الذي توارثته مصر عبر الإدارات المتعاقبة أحد العراقيل التي تصعب من فرص مصر استنساخ تجربة النمور؛ إذ تراجعت مصر في الترتيب العالمي بمؤشر الشفافية الدولية في مكافحة الفساد واحتلت المركز 130 من بين 180 دولة، وقد تراجعت 3 مراكز عما كانت عليه في عام 2021م(9).

لذلك إن لم تتبنَّ مصر سياسة جديدة في التعامل مع ديونها بشكل أفضل، وإن لم تتبنَّ سياسات أكثر شفافية وجدية في مكافحة الفساد؛ فإن فرص مصر لن تكون كبيرة حال فكَّرت في استنساخ تجربة النمور الآسيوية.

مصادر تم الاستعانة بها:

  1. ملاحق المدى
  2. الموسوعة الحرة “ويكيبيديا”

3- أرقام

4- جريدة عمان

5- الموسوعة الجزائرية للدراسات

6- مباشر السعودية

7- الشروق

8- الفتح

9- الجزيرة

10- البوابة

التعليقات مغلقة.