fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مقتل الظواهري… دلالة التوقيت والنتائج المتوقعة!

163

مقتل الظواهري… دلالة التوقيت والنتائج المتوقعة!

لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة العظمى الأولى على العالم في التسلح من ناحية القوة والعتاد العسكري؛ إلا أن هذه القوة يشوبها بعض اللغط الفكري والتنظيمي؛ خاصة وأن معظم الحيل والأفكار التي تتبعها المخابرات الأمريكية أصبحت مكشوفة للجميع؛ لأنها تمتاز بالتكرارية، فلم يمر وقت طويل على مقتل بن لادن وقد كان وقتها مليء بالصراعات في الداخل الأمريكي إبان حكم الرئيس أوباما.

وفي التوقيت الحاضر نجد أن “جو بايدن” الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية في مأزق مع جمهوره وشعبه في الداخل الأمريكي، فإذا بالكارت الأمريكي المتكرر يخرج إلى النور من جديد، ونسمع عن اغتيال قائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وليس هذا فحسب، بل نجد اللقاء المتكرر وهو خروج الرئيس بكلمته المعتادة: “لقد حققت القوات الأمريكية انتصارًا كبيرًا على الإرهاب بقتل الإرهابي الكبير قائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهري”، في إشارة إلى مؤيديه أنه يعمل على حل مشكلات العالم وصد الخطر ودفع التهديدات.

هذه الأسطوانة المشروخة كما يسميها البعض ما هي إلا تحسين صورة الرئيس العجوز أمام الداخل الأمريكي، ولكن العالم يعلم أن هذه التنظيمات والكتائب المسلحة والمنتشرة على مستوى العالم، ما هي إلا مرتزقة بتسريح من المخابرات الأمريكية ومَن شابهها في الإجرام العالمي، وبالتالي مقتل أيمن الظواهري لم يكن بعيد المنال عنهم، ولكن كان له توقيت، وفي الحقيقة ما هو إلا كارت سيلعب في وقت ما، ولكن كل له دوره.

السيناريو المرسوم من المخابرات الأمريكية:

شنت طائرة أميركية من دون طيار، يوم السبت 30 يوليو 2022، هجومًا على شرفة منزل في حي شيربور السكني الميسور بالعاصمة الأفغانية كابول؛ مما أسفر عن مقتل شخص وحيد على الشرفة على الفور(1)، ولا يختلف كثيرًا هذا النص عن نص مقتل أسامة بن لادن.

نجاح رمزي للعجوز الأمريكي:

وفي مقال رأي لحميد حكيمي نشر تحت عنوان: “استخدم بايدن قتل الظواهري من أجل الشعبية – لكن قد يكون لذلك عواقب غير مقصودة”، إن مقتل الظواهري يعتبر نجاحًا رمزيًّا لجو بايدن، الذي وصلت شعبيته إلى مستويات منخفضة للغاية في الفترة الأخيرة.

مضيفًا: أنه حتى قبل الانسحاب العسكري من أفغانستان، كان بايدن يحاول جاهدًا تجنب مناقشة البلاد في إطلالاته الإعلامية، ويشير إلى أنه يحاول الآن الاستفادة من اغتيال الظواهري لتقديم نجاح له في أفغانستان.

ويتابع الكاتب: أن مقتل الظواهري لن يغير طبيعة أي تهديد تواجهه الولايات المتحدة وأوروبا من أفغانستان تحت حكم طالبان، لكن العملية تؤكد بحسب قوله على مدى ضرورة ضمان عدم انزلاق أفغانستان إلى عدم الاستقرار التام وعدم نسيانها لدرجة أن توفر أرضية لاحتضان الإرهاب والجهاديين(2).

وفي هذا التوقيت نجد: أن مقتل الظواهري له عدة دلائل اعتمدت عليها تنفيذ العملية هذا التوقيت لا ينفك أبدًا عن إثبات أن أمريكا تعلم جيدًا تحركات الرموز الإرهابية، ولكنها تمنحهم حق التسريح إن لم يكن ذلك باتفاق بين الطرفين إلى حين انتهاء الدور، وهذا لا يعمم على الجميع.

دلالة التوقيت والإعلان عن مقتل شيخ القاعدة الظواهري:

ومن الدلالات التي يطرحها توقيت عملية قتل الظواهري: أنها ترتبط بالتفاعلات التي تجري سواء على الساحة الداخلية الأمريكية، أو على مستوى علاقات واشنطن مع حلفائها وخصومها في آنٍ واحدٍ، وهو على النحو التالي:

محاولة إثبات وجودية على الخارطة الدولية:

كان لافتًا أن مكافحة الإرهاب كانت أحد البنود الرئيسية التي تضمنها بيان قمة جدة للأمن والتنمية التي عقدت في 16 يوليو الفائت، بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، ضمن الجولة التي قام بها الرئيس الأمريكي في المنطقة، وشملت إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

وهنا فإن قتل الظواهري في هذا التوقيت يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تأكيد إصرارها على مواصلة دورها في الحرب ضد الإرهاب، والتزامها بالمعطيات التي تفرضها العلاقات الإستراتيجية مع شركائها الدوليين والإقليميين في هذا الصدد.

فرد عضلات على قدرة المخابرات الأمريكية بالوصول للأهداف الكبيرة:

تمثل عملية قتل الظواهري ضربة أمنية جديدة وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد نحو ستة أشهر على قتل زعيم تنظيم “داعش” أبو إبراهيم الهاشمي القرشي (فبراير 2022)، وهو ما يجعل الرئيس بايدن أول رئيس يتمكن من تصفية قيادات تنظيمي: “داعش” و”القاعدة” في العام نفسه، بالتوازي مع استهداف العديد من قيادات الصف الأول للتنظيمين خلال العام الجاري، على نحو يوحي بأن أحد أهداف العملية يتعلق بتأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت القوة الرئيسية في عملية مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي.

دعاية للرئيس ونظامه مع اقتراب التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي:

 تأتي عملية قتل الظواهري قبل ثلاثة أشهر من موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المقبل، حيث يتعرض الرئيس الأمريكي وإدارته لانتقادات قوية؛ بسبب تصاعد حدة الأزمة التي تسببت فيها الحرب الروسية -الأوكرانية، لا سيما على صعيد ارتفاع مستوى التضخم وزيادة أسعار الوقود.

رسائل تحذيرية للتنظيمات الإفريقية:

 تسعى الولايات المتحدة الأمريكية عبر قتل الظوهري في هذا التوقيت إلى محاولة ممارسة ضغوط على أكثر أفرع تنظيم “القاعدة” نشاطًا وفاعلية، وهو حركة “شباب المجاهدين” في الصومال، ولا سيما مع تصاعد العمليات الإرهابية التي تقوم بها الحركة خلال المرحلة الماضية سواء في الداخل الصومالي أو في بعض دول الجوار، وكان آخرها إثيوبيا، حيث حاولت الحركة التوغل داخل أراضي الأخيرة في 26 يوليو الفائت.

اقتراب نكبة إنسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان بالطريقة الخاطئة:

 تتزامن عملية استهداف الظواهري مع اقتراب حلول الذكرى الأولى لعملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في 31 أغسطس 2021، وهو ما يعني، في الغالب: أن الولايات المتحدة الأمريكية حرصت من خلال الإعلان عن قتل زعيم “القاعدة” على تأكيد أن الانسحاب العسكري لا يعيق عمليات مكافحة الإرهاب في أفغانستان(3).

مستقبل القاعدة:

يرى الدكتور عاصم الدفراوي الخبير السياسي والمتخصص في تحليل خطاب تنظيم القاعدة من برلين، أن القيادة الجديدة للتنظيم ستكون من أشخاص غير معروفين إلى حد كبير.

ورغم الضربات المتلاحقة للتنظيم الإرهابي؛ إلا أنه في رأي الدفراوي أن القاعدة لا تزال أقوى بكثير من “داعش” ولم تختفِ من على الخريطة على الرغم من سيطرة الأخير على المشهد الإعلامي لسنوات.

ويشير الدفراوي إلى أن تنظيم القاعدة لايزال قويًّا في مناطق، مثل: اليمن، ومنطقة الساحل والصحراء في إفريقيا، “لكن السؤال المهم الآن: هل يبقى أعضاء التنظيم في هذه الأماكن على ولائهم للقاعدة؛ خاصة وأن التنظيم في هذه المناطق قوي نسبيًّا؟”(4).

وتنظيم القاعدة في عهد الظواهري انتقل من حالة المركزية الصارمة التي كان عليها خلال فترة بن لادن إلى حالة من حالات التشظي، كما خرجت بعض المجموعات على قيادته كما حدث في الفرع السوري الذي فك ارتباطه به ممثلًا في جبهة النصرة”.

يضاف إلى ذلك: بعض المجموعات الأخرى التي التهمها (تنظيم داعش) الذي قد يمثل لهذه الجماعات سردية أكثر إلهامًا من سردية القاعدة؛ خاصة بعد إعلان ما يسمى بالخلافة في سوريا والعراق”.

الانطواء التنظيمي في إفريقيا:

يتوقع الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، منير أديب: أنه حال توجه قيادة القاعدة لإفريقيا، فالمرجح أن تنتقل لجماعة “أنصار الإسلام والمسلمين”، أو “القاعدة في المغرب الإسلامي”، أو حركة الشباب.

وذكر أديب بأن إفريقيا ليست جديدة على قيادة القاعدة، فمؤسس التنظيم أسامة بن لادن اتخذ من السودان مقرًّا له منذ عام 1991 حتى 1996، ويضاف لذلك: أن الدول الإفريقية المستهدفة الآن تعاني هشاشة كبيرة، وتحيط بها مناطق صحراوية يسهل التخفي والتهريب فيها.

سبب آخر يدفع القاعدة لترك أفغانستان، يواصل أديب، وهو ما أشار له تقرير وزارة الدفاع الأميركية بشأن عمليات مكافحة الإرهاب في أفغانستان، وهو أن طالبان تقيد حركة التنظيم.

ولا تدعم طالبان العمليات الإرهابية العابرة للحدود الشهيرة بها القاعدة؛ خاصة أنها ستجلب عليها مزيدًا من العقوبات الدولية(5).

الخلاصة:

هناك لغط كبير في أعمال المخابرات الأمريكية؛ خاصة وأن تحقيق أهدافها يتوافق دائمًا مع اقتراب انتخابات الداخل للولايات، وهذه الأهداف تستهدف إقناع الرأي العام بوجهة نظر بعينها، ونحن اليوم لا يخفى على أحدٍ ما يفعله العجوز الأمريكي بالدولة العظمى، وأفول الدور الأمريكي وتحجيم قدراتها وانشغالها في أوروبا مع خسارة شركائها في الشرق الأوسط وأسيا.

ولا ننسى ما فعله الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والذي يعتبر وصمة عار؛ خاصة مع تجميد أموال الأفغان، وبالتالي نحن أمام دولة المصالح الكبرى، وتنظيم القاعد من الممكن والمرجح توجهه إلى إفريقيا ليكمل أعمالها من هناك؛ خاصة أنها ليست المرة الأولى على إفريقيا لتكون مهد التنظيم.

ومن الواضح أن التنظيم يعاني الشيخوخة، وأن تنظيم داعش هو المسيطر على الساحة، ولكن نحن أمام سيناريوهات إفريقية ومسرح جديد لأعمال عنف متوقعة.

ولعل من أبرز المرشحين لقيادة تنظيم القاعدة هو سيف العدل الموجود داخل إيران؛ خاصة وأن طهران تعتمد في مواجهة أمريكا على فكرة بناء الأذرع، وبالتالي فهي لن تفرط في ذراع بهذه الأهمية بالنظر إلى ما تردد عن وجود علاقات ممتدة بين النظام الإيراني والقاعدة، حتى إنه قيل: إنه كان هناك شكل من أشكال التعاون وتبادل الخبرات في عمليات سبتمبر، وأن هناك خدمات قدمتها إيران للتنظيم حيث احتضنت أهم القيادات بعد خروجها من أفغانستان في أعقاب الاجتياح الأمريكي”.

أيديولوجية القاعدة ربما لا زالت هي الأكثر تماسكًا من أيديولوجية داعش، لكن الهيكل القيادي للتنظيم نفسه (القاعدة) ضعف على نحو بالغ.

1_ الاتحاد

2_ العربية

3_ الأهرام للدراسات

4_ D.W

5_ سكاي نيوز

التعليقات مغلقة.