fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مشروع الضبعة النووي… مخاوف وتدابير وفوائد جَمَّة تجنيها مصر

130

توليد الطاقة أو الكهرباء عبر مفاعلات الطاقة النووية يعد أكبر مصدر طاقة نظيف في العالم، حيث لا تترك انبعاثات، وتعمل لسنوات دون تزويدها بالوقود، وتوفر فرص عمل كثيرة، كما أنها صديقة للبيئة وتساعد بشكل إيجابي في قضية المناخ، ولتلك الأسباب والكثير من السمات والفوائد، لطالما كانت تحلم مصر بدخول العالم النووي؛ سواء في شكله السلمي لإنتاج الكهرباء والطاقة، أو في شكله الأصعب وهو العسكري، وطرقت مصر عِدَّة أبواب ودروب لتحقق هدفها منذ الستينيات رغم الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العسيرة، ولم يكتب للمحاولات المصرية النجاح آنذاك لأسباب عدة، ولعل على رأسها: الحرب مع العدوي الصهيوني، وتركيز مصر وقتها على مشروعات وأهداف أخرى أبرزهم السد العالي وتأميم قناة السويس.

ومنذ عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وتسعى مصر لدخول عالم الطاقة النووية؛ إلَّا أن الظروف الداخلية لمصر، وكذلك المستجدات الإقليمية والدولية حرمت مصر من تحقيق ذلك الهدف سنوات تلو الأخرى، تنقَّلت فيها مصر ما بين روسيا والولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، مثل: فرنسا، وحتى أستراليا؛ لتحقق ذلك الهدف، ولتطمئن على الموقع المناسب لإقامة أول مفاعل للطاقة النووية في مصر، ورغم مرور عقود والضغوط الدولية لمنع مصر من امتلاك هذا النوع القوي والنظيف من الطاقة لم تنسَ القاهرة هدفها، بل تصمم على تحقيقه.

تاريخ من المحاولات:

سعى رؤساء مصر بشكل متتابع من أجل إنشاء مفاعل نووي مصري، وقامت السياسة العامة المصرية منذ عام 1955 وحتى اليوم وَفْقًا لتقرير هيئة الاستعلامات المصرية بالخطوات التالية:

– في عام 1955 تشكيل “لجنة الطاقة الذرية”.

– في يوليو 1956 توقيع عقد الاتفاق الثنائي بين مصر والاتحاد السوفيتي بشأن التعاون في شئون الطاقة الذرية وتطبيقاتها.

– في سبتمبر عام 1956 وقَّعت مصر عقد مفاعل الأبحاث النووي الأول مع الاتحاد السوفيتي بقدرة 2 ميجاوات -مفاعل أنشاص-.

– 1967 تحويل لجنة الطاقة الذرية إلى مؤسسة الطاقة الذرية، ودخل مفاعل أنشاص العمل في سنة 1961.

– توجهت مصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات نحو الولايات المتحدة الأمريكية بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد لبناء عشر محطات نووية مصرية من خلال شركة وستنجهاوس الأمريكية، ولكن واشنطن لم تلتزم، فتوجَّه السادات إلى فرنسا ولم تقدم جديدًا نحو إنشاء المفاعل.

– الرئيس محمد حسني مبارك اختار منطقة الضبعة لإنشاء أول المحطات النووية، ولكن بسبب حادث مفاعل تشرنوبل تم إلغاء المشروع، وفي عام 2007 أعلن مبارك استئناف البرنامج النووي المصري في الضبعة دون جديد؛ بسب الخلاف على منطقة الضبعة.

– عام 2009 تعاقد نظام مبارك مع شركة أسترالية لمراجعة الدراسات الخاصة بالمشروع ومدى ملاءمة منطقة الضبعة للمفاعل النووي، وبالفعل أقرت أستراليا وهيئة المحطات النووية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، موقع الضبعة وأكدوا أنه مناسب.

الضبعة:

أكدت الدراسات المحلية والدولية: أن مدينة الضبعة أفضل موقع تملكه مصر لإقامة مفاعل للطاقة النووية، ووَفْقًا للهيئة العامة المصرية للاستعلامات، اختارت شركة سوفراتوم الفرنسية في ثمانينيات القرن الماضي 23 موقعًا كأفضل المناطق لإنشاء مفاعل نووي، وكانت الضبعة في مقدمة تلك المواقع، كما أيدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية موقع مدينة الضبعة، مؤكدة أنه ملائم وآمن، وقريب من تبريد المفاعل؛ بالإضافة إلى أنها أرض بعيدة عن حزام الزلزال، وتبعد 60 كيلومتر من التجمعات السكانية.

وبعد سنوات طويلة من المحاولة تحرك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبناء أول مفاعل مصري للطاقة النووية، وسلم موقع المفاعل للقوات المسلحة عام 2013 لإعداده وتجهيزه وتشييد مباني للعاملين بالمشروع والإدارة وبرج الأرصاد لقياس درجات الحرارة والرطوبة، واتجاهات الرياح، وأجهزة قياس المياه الجوفية والزلازل والتيارات البحرية، وإمداد خطوط الغاز، والمياه والكهرباء، والاتصالات، وتشير الهيئة العامة للاستعلامات في تقريرها أنه بعد انتهاء القوات المسلحة من الإنشاءات والتجهيزات المطلوبة؛ وقَّع الرئيس السيسي عام 2015 مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبناء أول مفاعل مصري للطاقة النووية بمدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح شمال مصر، وتقوم شركة روساتوم النووية الروسية ببناء المشروع النووي الذي يضم   مفاعلات نووية، بمشاركة ثلاث شركات مصرية في إنشاءات المفاعل، ووفقًا لسكاي نيوز عربية فهم شركة بتروجيت لتنفيذ مجمع الأعمال لبناء منشآت الموقع، وشركة “حسن علام” لإنشاء القاعدة الأساسية ومبانٍ وهياكل قاعدة أعمال الحفر التابعة للمفاعل، وشركة المقاولون العرب على لبناء التسوية الرأسية للأقسام أرقام 1 و5 و8، لتنفيذ مشروع محطة الضبعة النووية.

مراحل مشروع الضبعة النووي:

وَفْقًا لتقرير الهيئة العامة للاستعلامات وإعلان شركة روساتوم النووية الروسية، فإن مراحل مشروع الضبعة النووي ستكون كالآتي:

– إنشاء محطة تضم 4 مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 1200 ميجاوات بإجمالي قدرات 4800 ميجاوات بتكلفة إجمالية 20 مليار دولار.

– مفاعل الضبعة من الجيل الثالث، وهي الأعلى في معايير الأمان، وستقوم ببنائه شـــركة الطاقة الذرية الروسية Rosatom، كما تمول روسيا 85% من تكلفة المشروع في صورة قرض تسدده مصر، والنسبة الباقية يمولها القطاع الخاص المصري.

– المفاعل بكامل إنشاءاته ومكوناته ملك لهيئة الطاقـة النوويـة المصرية التابعـة لـوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة.

– مشروع الضبعة النووي يتم على 3 مراحل رئيسية في المرحلة الأولى الأعمال التحضيرية، والتي بدأت منذ ديسمبر 2017، والمرحلة الثانية بدأت منتصف عام 2022، وتشمل إذن الإنشاء وأعمال البناء، وتدريب العاملين والاستعداد لاختبارات ما قبل التشغيل، وتستمر 5 أعوام ونصف، والمرحلة الثالثة ومن المتوقع أن تبدأ عام 2027، وتشمل الحصول على إذن إجراء الاختبارات وبدء التشغيل الفعلي، وتستمر 11 شهرًا.

مخاطر وتدابير:

تحاول القاهرة وموسكو اتخاذ تدابير أمنية كبيرة في إنشاء مشروع الضبعة النووي، ووضع معايير في البناء من حيث تفادي الحوادث ودرجة التأمين، والحفاظ على البيئة، والتغلب على المخاوف في حالة حدوث تسرب إشعاعي، من أن يمتد إلى كافة أنحاء مصر؛ بسبب الرياح الشمالية الغربية، وطبيعة التربة الجيرية في الساحل الشمالي المصري، ويؤكد نائب رئيس هيئة المحطات النووية السابق علي عبد النبي لسكاي نيوز أن هدف معايير الأمان في المفاعلات النووية، تحقيق ظروف التشغيل المناسبة ومنع الحوادث النووية، وحماية العاملين في المحطة؛ وحماية البيئة المحيطة بها من مخاطر الإشعاع، لافتًا إلى عدة تدابير يتم اتخاذها لتجنب أي حوادث في المفاعلات النووية كالآتي:

– إدخال تعديلات جوهرية على معايير الأمان النووي للمحطات، في ظل وجود خبرة لا تقل عن 60 عامًا في عمل المحطات النووية وصيانتها.

–  “الدفاع في العمق”، بحيث تكون جميع أنظمة الأمان مستقلة، ومتكررة، ومتنوعة في التصميم، مع أنظمة أمان متعددة تكمل السمات الطبيعية لقلب المفاعل.

– المفاعلات النووية مصممة بطبقات من أنظمة الأمان المتكررة؛ بمعنى يوجد نظام التبريد الرئيسي، ونسخة احتياطية له، ونسخة احتياطية للنسخة الاحتياطية، ونسخة احتياطية للنسخة الاحتياطية، وما إلى ذلك.

– ابتداء من الجيل الثالث من المفاعلات النووية، أصبحت السمات العامة لمعايير وأنظمة الأمان النووي موحدة، سواء كانت مفاعلات شرقية أو غربية.

– الاعتماد على الأنظمة السلبية، والتي لا تحتاج لطاقة كهربائية لتشغيلها؛ وكذلك وجود “وعاء احتواء”، لحماية الجزيرة النووية من الزلازل والسونامي، وسقوط الطائرات والفيضانات، والعواصف الشديدة.

– وجود “مصيدة قلب المفاعل”، والتي لها دور كبير في تحقيق أعلى درجات الأمان للمفاعل النووي.

– مصيدة قلب المفاعل” تقوم على أنها حاجز لمنع انتشار المواد المشعة في البيئة المحيطة، وحصرها في حالة حرارية، وحالة طور محكومة حتى اكتمال التبلور.

– مصيدة قلب المفاعل تعتبر أحد الأجزاء الرئيسية في المحطات النووية، وتعبر عن اتباع أعلى معايير الأمان النووي في نظم الأمان “السلبي”، مثل مقاومة الزلازل والقدرة على الصمود في مجابهة الأحمال الهيدروديناميكية والصدمات “الأحمال الديناميكية”.

– التقاط المواد المنصهرة وتحتفظ بها، وتعمل على تبريدها، وتمنع وصولها إلى جوف الأرض، أي: الوصول للبيئة المحيطة بالمحطة النووية.

– مصيدة قلب المفاعل تحافظ بشكل آمن على المواد المنصهرة داخل مبنى المفاعل “وعاء الاحتواء”، وهو مبنى شديد الإحكام، لمنع تسرب المواد المشعة إلى البيئة المحيطة.

– يتمتع المفاعل بنظام حماية مزدوج لاحتواء المواد المشعة داخل المفاعل حتى إذا حدث فشل في أنظمة الحماية الداخلية.

فوائد تجنيها القاهرة من مفاعل الضبعة النووي:

الحصول على الطاقة النظيفة وتوليد الكهرباء الرخيصة دون نضوب أول عوائد محطة الطقة النووية وفقًا لما أوردته سكاي نيوز البريطانية في تقريرها، بجانب إضافة بديل قوى لإنتاج الطاقة غير إنتاج الكهرباء من النقط والغاز وطاقة المياه، وزيادة العلاقات المصرية مع قوى دولية، مثل: روسيا، وامتلاك مصر لتكنولوجيا الطاقة النووية، وتستخدمها في المجالات العلمية والطبية والزراعية والصناعية، والتغذية؛ لزيادة الإنتاج النباتي والحيواني، وفوائد أخرى كالآتي:

– نقل التكنولوجيا النووية للمصانع المصرية، وستكتسب شركات المقاولات المصرية خبرات كبيرة في تنفيذ مشروعات المحطات النووية.

– توفير الغاز الطبيعي المصري لأجيال وسنوات أكثر.

– توفير العملة الصعبة نتيجة التقليل من حرق الغاز الطبيعي في محطات إنتاج الكهرباء.

– إنتاج كهرباء يعتمد عليها في التنمية المستدامة والربط الكهربائي بدول أوروبا والسعودية ودول الخليج ودول إفريقيا.

– توفير فرص كبيرة لتوظيف العمالة المصرية المؤقتة خلال مدة تنفيذ الوحدات النووية، والعمالة الدائمة أثناء تشغيل وصيانة وتأمين الوحدات النووية، وإحداث تطوير مجتمعي في الضبعة ومحافظة مطروح، وأعلنت شركة روساتوم تدرّب ما يقرب من 2000 شخص على مجال التشغيل والصيانة للعمل في المشروع، وأكثر من 10 آلاف عامل.

– حماية مصر من التقلبات التي تحدث بالمصادر الأحفورية للطاقة، مثل: الغاز، والنفط.

– التولد المستمر للطاقة لأغراض للتنمية المستدامة؛ إذ تعمل المحطة لنحو 92 بالمائة من عدد ساعات العام.

– بإمكان مصر استرداد قيمة تنفيذ المشروع خلال 15 عامًا الأولى من التشغيل.

– تصل نسبة إنتاج الكهرباء من تلك المحطات إلى نحو 9 بالمائة من إجمالي الطاقة المنتجة بالبلاد وَفْق التقارير الروسية والمصرية التي أوردتها عن المشروع، ومنها: تقرير الهيئة العامة للاستعلامات.

الخلاصة:

ما سعينا في هذا التقرير إلى إبرازه: أن الطاقة النووية مهمة للغاية، وحاولت مصر كثيرًا الحصول عليها؛ إلًا أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية بالإضافة لسياسة الغرب بقيادة واشنطن في منع مصر من امتلاك تلك التكنولوجيا أخَّرت تلك الخطوة، واليوم بعد ما بدأ المشروع بالفعل وتسير خطواته ولو بشكل متدرج وغير سريع، ورغم مخاطر المشروع النووي السلمي، فإن مصر وروسيا تقوم بالعديد من التدابير لمنع أي كوارث أو حوادث في المفاعل النووي بالضبعة، لتجني القاهرة فوائد جمَّة مِن مشروعها النووي في الضبعة.

المصادر:

– الهيئة العامة للاستعلامات – مشروع محطة الطاقة النووية في الضبعة – 30 نوفمبر 2022.

– سكاي نيوز – بالتعاون مع روسيا… خطوة مصرية نحو تحقيق “الحلم النووي” – 20 يوليو 2022.

– سكاي نيوز – خطوة روسية نحو مستقبل مصر النووي… 100 عام من الطاقة – 5 سبتمبر 2022.

– سكاي نيوز – محطة الضبعة النووية… ما أبرز الفوائد التي تجنيها مصر؟ 15 مارس 2023.

– سكاي نيوز – القاهرة وموسكو… روسيا تبدأ إنتاج معدات محطة الضبعة النووية – 11 يونيو 2022.

التعليقات مغلقة.