fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مشاكل الثروة الحيوانية في مصر ومقترحات العلاج

103

يعاني قطاع الثروة الحيوانية في مصر نتيجة الإهمال، بالرغم من أنه يُعد عصب اقتصاد كثير من المحافظات المصرية، كما أنه مصدرًا مهمًّا للدخل القومي؛ مما تسبب في لجوء الكثير من أصحاب هذا النشاط إلى تغيير نشاطهم، نتيجة تدني بعض الخدمات والمقومات، ومنها ضعف التركيب الوراثي لبعض السلالات، وسوء عوامل التغذية بالطرق الصحيحة والعلمية، كذلك وقف التعيينات من الأطباء البيطريين منذ تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي أدى إلى تراجع نصيب الفرد من الإنتاج الحيواني في مصر إلى نحو 8 كجم وفق إحصائية خلال عام 2022.

تعتبر اللحوم الحمراء هي أحد المكونات أو المحركات الرئيسية للسوق المصرية، ومع أي ارتفاع أو انخفاض يمكن الحكم على القوة الشرائية للمواطنين ومدى قدراتهم، ذلك أن اللحوم الحمراء ومنتجاتها المختلفة هي أهم السلع على مائدة المصريين.

ومع عدم وفرة الأعلاف المركز وغيرها والعجز الشديد في أعلاف الفول الصويا والذرة، ساهم في الضغط على تراجع الإنتاج في الثروة الحيوانية فى مصر وما تمر به خلال تلك الفترة الراهنة، حيث الارتفاع المتباين في أسعار اللحوم الحمراء بكافة القرى والمراكز والمحافظات؛ إذ ارتفع سعر اللحوم إلى مستويات قياسية تجاوزت 250 جنيهًا و300 جنيهًا للكيلو في بعض الأماكن الأخرى، منذ يناير 2023.

إن قطاع الثروة الحيوانية يعد من أهم وأبرز القطاعات الأسرع نموًّا بين قطاعات الاقتصاد الزراعي سواء المحلي أو العالمي؛ ذلك أنه يسهم وَفْق خبراء واقتصاديين بنسبة تتراوح بين 20 و40% من إجمالي الناتج الزراعي في أي دولة ومنهم مصر، كما أن للثروة الحيوانية أهمية كبرى في توفير فرص مهمة للتنمية الزراعية المستدامة وتحقيق مكاسب على صعيد الأمن الغذائي، ومساعدة الأسر على الصمود في مواجهة التغيرات المناخية.

في هذه السطور يسلِّط مركز “رواق للأبحاث” الضوء على العوامل التي أثَّرت في تراجع الثروة الحيوانية في مصر… أسبابها وتداعياتها وما طرق علاجها وكيفية توفير البروتين اللازم للمواطن وطرق النهوض بالقطاع الحيواني في مصر؟

تأثير الأعلاف على الثروة الحيوانية في مصر:

إن من أبرز مشكلات تراجع الثروة الحيوانية في مصر هو عدم توافر أعلاف؛ كالذرة الصفراء والفول الصويا مما نتج عنه ارتفاع في أسعار العلف بالأسواق، وبالتالي ترتب عليه ارتفاع في أسعار اللحوم؛ لا سيما أن تكاليف التغذية في مجال الإنتاج الحيواني وفق اقتصاديين، تمثل ما بين 60 إلى 70% من التكاليف المتغيرة.

وبناءً عليه تعتبر أزمة العلف من أهم العوامل التي تؤثر في استمرار وتطوير عملية التربية والرعاية فى الإنتاج الحيواني؛ ذلك أن زيادة أسعار الأعلاف يقلل من ربحية المربي نفسه وتضرره وهذا ما حدث بالفعل خلال الآونة الأخيرة في ظل الصراع الدولي؛ لذا يلجأ المربي مجبرًا إلى الأعلاف التقليدية، مثل: المخلفات الزراعية كالتبن وعروش الخضر، ومخلفات القصب والفاكهة، وهذه الأشياء لا يستفاد منها بالقدر المطلوب، وبالتالي لا ينتج عنها معدل جيد من اللحوم.

حجم الاستيراد من الخارج:

إن مشاكل الثروة الحيوانية في مصر ليست وليدة اللحظة أو هذا العام فقط أو نتيجة للصراع الدولي والإقليمي، لكنها مشاكل ممتدة لسنوات طويلة لعدم الرؤية ووضع الخطط قصيرة وبعيدة المدى للنهوض بالثروة الحيوانية، وبالتالي أصبح الاستهلاك المحلي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد الذى يصل حاليًا إلى 60٪؛ رغم أن مصر تمتلك ما يزيد على 18 مليون رأس ماشية من الأبقار والجاموس والأغنام والماعز والإبل.

كما أن مشاكل الثروة الحيوانية لم تقف عن حدود توافر الأعلاف، بل إن مشكلة نفوق أعداد كبيرة من الماشية قبل نحو 7 سنوات أو أكثر قد تسببت في تراجع كبير فى معدلات الانتاج، بالتزامن مع ظهور أمراض أخرى أضرت بالثروة الحيوانية؛ كالوادي المتصدع والحمى القلاعية وغيرها من الأمراض الوبائية (اليوم السابع).

مساعد وزير الزراعة للطب البيطري:

قال اللواء دكتور إيهاب صابر -مساعد وزير الزراعة لقطاع الشئون البيطرية- في تصريح لـ”رواق للأبحاث”: إن قطاع الثروة الحيوانية يواجه تحديات كبيرة للغاية في هذه المرحلة الراهنة، ولكن هناك توجيهات من القيادة السياسية ووزير الزراعة السيد القصير بدعم المربين وتوفير الأعلاف والأمصال التي تواجه أمراض الحمى القلاعية والوادي المتصدع.

لفت إلى أنه خلال العام الماضي تم تحصين نحو مليون ونصف المليون رأس ماشية ضد الوادي المتصدع مجانًا في المرحلة الأولى، كما أنه جاري العمل على توفير الأعلاف المركزة التي تساهم في زيادة معدلات الإنتاج من اللحوم والألبان على حدٍّ سواء، مؤكدًا: أننا بحاجة إلى التوسع بشكل حثيث فى المساحات المزروعة من فول الصويا والذرة للنهوض بقطاع الثروة الحيوانية في مصر.

وكشف مساعد وزير الزراعة للطب البيطري، إلى أن إجمالي الماشية التي تم تحصينها حتى الآن نحو 3.5 ملايين رأس ماشية ضد مرضي الحمى القلاعية بالمحافظات.  

مشروع المليون رأس ماشية:

وفى سبيل ذلك، بدأت الدولة خطة محكمة للنهوض بالثروة الحيوانية شملت عددًا من المحاور، أهمها: إعادة إحياء مشروع البتلو بقروض ميسرة، وذلك للمساهمة فى توافر اللحوم بكميات أكبر من الوضع الحالي، كما تم البدء فى تعظيم الإنتاج المحلى من اللقاحات والأمصال البيطرية لتقليل الاعتماد على الاستيراد، والبدء في مشروع تربية المليون رأس ماشية ليتوج هذه الجهود بعد سنوات طويلة من الانتظار.

أكدت وزارة الزراعة أنها تسعى إلى توفير اللحوم الحمراء بكميات أكبر فى الأسواق مما يساهم فى خفض أسعارها وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مشيرة إلى أنها ليست مسئولة عن تسعير اللحوم، ولكنها تعمل على زيادة عدد رؤوس الماشية التى يتم تربيتها من خلال التوسع فى إصدار تراخيص مزارع الإنتاج الحيوانى والتى تخطت حاجز الـ 40 ألف مزرعة خلال الفترة الماضية بفضل التسهيلات الجديدة أمام المستثمرين والمربين واللجوء إلى نظام “الشباك الواحد” لسرعة إنهاء الإجراءات.

أوضحت: أن هناك خطوات جادة بجانب المشروع القومي لإحياء البتلو، حيث كان يتم ذبح 550 ألف رأس من البتلو سنويا على وزن 80 إلى 120 كجم تقريبًا وبنسبة تصافي أقل من 50٪ ليعطى كمية من اللحوم تعادل 27500 طن تقريبًا، ولكن بتطبيق القرار الوزاري الذي يمنع ذبح البتلو وتسمين العجول إلى وزن 400 كجم على الأقل فى هذه الحالة يكون نسبة التصافى فيها فى حدود 60٪، وبالتالى نفس عدد الرؤوس 550 ألف رأس أصبح ينتج كمية من اللحوم تعادل 132 ألف طن تقريبًا، أي: خمسة أضعاف ما كان يتحصل عليها من ذبحها بتلو.

سهولة ترخيص الحظائر:

وأشارت الوزارة إلى أنه جاري رفع كفاءة حظائر المواشي؛ سواء كانت تسمين أو حلاب من خلال تيسير إجراءات الحصول على تراخيص التشغيل مع الإلتزام بكافة معايير الأمن والأمان الحيوي داخل وحول المزارع، وبالتالي رفع كفاءة تلك الأنشطة والمشروعات مما ينعكس بلا شك على رفع معدلات أداء الحيوانات المزرعية داخلها.

أشارت الوزارة إلى أن المشروع في خطته يعادل تربية 4.5 مليون رأس ماشية، وذلك من خلال مشروع لتحسين السلالات المحلية المصرية وَفْقًا لمنظومة التلقيح الاصطناعي لهذه السلالات واستيراد عجلات عشار لضخها فى الأسواق المحلية وفقًا للاشتراطات التى حددتها الوزارة، وأوضحت أن المشروع يعتمد على عناصر أساسية هى إنشاء مراكز صغيرة لتجميع الألبان وتجميع هذه الكيانات للتوجه نحو التصدير، إنشاء نقاط للتلقيح الاصطناعي للحيوانات تحت العشار، بجانب التوسع فى العيادات البيطرية وتوفير التمويل اللازم من خلال البنوك الوطنية لتنفيذ المشروع (أخبار اليوم).

ما خطط الدولة الماضية والمستقبلية؟

على مدار الـ 8 سنوات الماضية، شهد القطاع الزراعي دعمًا من القيادة السياسية، ونهضة لتحقيق تنمية متوازنة ومستدامة، وذلك إيمانًا من الدولة بأن لكل مواطن على أرض هذا الوطن العظيم الحق في الحصول على احتياجاته من الغذاء الآمن والصحي والمستدام.

وقد كلفت القيادة السياسية، وزارة الزراعة بوضع خطة لتعزيز وتنمية الثروة الحيوانية، لتحسين سلالات قطعان الأبقار والجاموس المحلية، وتمصير السلالات المتخصصة فى إنتاج الألبان واللحوم ذات الإنتاجية العالية والمتأقلمة مع الظروف المصرية، مع زيادة الإنتاجية من الألبان واللحوم؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقليل فجوات الاستيراد، وتدعيم ورفع مستوى معيشة صغار المربين والمزارعين، لكنها بحاجة إلى المتابعة والرقابة على أرض الواقع.

كما وجهت الحكومة بإجراء حصر شامل للثروة الحيوانية فى كل أنحاء الجمهورية؛ بهدف التخطيط وتحديد الاحتياجات من اللحوم وإدارة ملف الاستيراد، من خلال تحديد أعداد العجول الذكور وحساب الناتج المحلى منها وتحديد الكميات المسموح باستيرادها بما يحقق التوازن المطلوب.

خطة توزيع الأمصال:

أعلنت الوزارة أنه يتم تحديد وتخطيط كميات الألبان المنتجة، من خلال تحديد أعداد الإناث وأعمارها وسلالاتها وأماكن تمركزها؛ لربطها بسلاسل القيمة ومراكز تجميع الألبان. ورسم خريطة توزيع الثروة الحيوانية؛ بهدف تحديد أماكن تمركز السلالات المحلية والمستوردة، وتحديد احتياجاتها، ورسم خريطة الاحتياجات من الرعاية البيطرية، ومن الأمصال واللقاحات، بما يسهم في توزيعها على أماكن تمركز الثروة الحيوانية، وبما يساعد في تخطيط توزيع الأمصال واللقاحات اللازمة للتحصين قبل المواعيد بوقت مناسب، وتحديد احتياجات صغار المربيين الأولى بالرعاية في القرى وتوابعها من الخدمات التمويلية والتأمينية وأساليب التربية والرعاية؛ بهدف مساعدتهم على زيادة الإنتاجية وتحسين مستوى دخولهم استهدافًا لحياة كريمة لهم.

كذلك العمل على رفع كفاءة بعض الوحدات البيطرية وتدعيمها بالأجهزة اللازمة، وتطوير مراكز التلقيح الاصطناعى التابعة لوزارة الزراعة (وتشمل عدد 4 مراكز في: العباسية – العامرية – سخا – بني سويف)، وتوفير احتياجاتها من الأجهزة.

كذلك تجهيز أكثر من 630 نقطة تلقيح اصطناعي جديدة بالقرى؛ بهدف الوصول إلى صغار المربين وتدريب وإعداد ملقحين اصطناعيين، وإكسابهم الخبرات اللازمة لنشر الوعى والإسراع في تنفيذ الخطة وتدريب صغار المربين على برامج التغذية والرعاية للقطعان، بما يتناسب مع نوعية السلالات والغرض من التربية.

تعداد رؤوس الماشية خلال 2020:

بدوره، أكد وزير الزراعة: أنه تم حصر وترقيم الثروة الحيوانية ولأول مرة حصرًا ميدانيًا في عام 2020، خلصت إلى إعداد قاعدة بيانات تشتمل على توزيع رؤوس الثروة الحيوانية وأنواعها على محافظات الجمهورية، وتم تحديث البيانات في 2022 حيث وصل عدد رؤوس الثروة الحيوانية 7.5 مليون رأس من الأبقاء والجاموس فقط بزيادة قدرها مليون رأس ماشية.

ولفت وزير الزراعة إلى أنه بلغ إجمالي المستفيدين من المشروع القومي لإعادة احياء البتلو حوالى 42 ألف مستفيد بمعظم محافظات الجمهورية بعدد رؤوس ‏تصل إلى 475 ألف رأس، وبإجمالي تمويل تجاوز 7.3 مليار جنيه بسعر فائدة مدعومة تصل إلى 5%، كذلك تم اطلاق مشروع تحسين السلالات عالية الإنتاجية، وتطوير البنية الأساسية اللازمة لتنفيذ التلقيح الإصطناعي، وإنشاء عدد (632) نقطة تلقيح اصطناعى بالوحدات البيطرية.

أهمية قاعدة البيانات:

وأضاف: إن الوزارة أعطت الرعاية البيطرية دعم غير مسبوق من حيث توفير الأمصال واللقاحات المطلوبة للتحصينات ضد الأمراض الوبائية في موعدها حيث أدى وجود قاعدة بيانات إلى إمكانية تحديد المحافظات التي بها كثافة في الثروة الحيوانية وتوفير احتياجاتها مبكرًا.

أشار الوزير إلى أن عدد مراكز تجميع الألبان التى تم تطويرها حتى الآن بلغ 230 مركزًا؛ بالإضافة إلى إنشاء عدد 41 مركز تجميع ألبان جديد، ضمن المبادرة الرئاسية حياة كريمة ليصبح لدينا عدد 271 مركزًا تجميع ألبان مطور (المال).

الخلاصة:

نستخلص من هذا التقرير، الآتي:

– لا بد من بذل كل الجهود وتسخيرها من الجهات المعنية لزيادة المساحات المنزرعة من المحاصيل المنتجة للأعلاف، سواء من الذرة الصفراء أو الفول الصويا أو الشعير، بجانب العلف الأخضر (التقليدي).

– ضرورة عودة دور بنك الائتمان الزراعي إلى سابق عهده، وإقراض المُربين والفلاحين بقروض حسنة دون فائدة، مما يعود بالنفع على توفير البروتين الحيواني للمواطنين، من جهة وما ينتج عنه من ألبان من جهة أخرى، بجانب تقليل الاستيراد من الخارج بالعملة الصعبة؛ خصوصًا إذا كانت تلك اللحوم المستوردة أقل نفعًا وفائدة من اللحوم المحلية (البلدي).

– أن يقوم مركز البحوث الزراعية والقطاع الحيواني بوزارة الزراعة بدورهما؛ لمعرفة واستنباط أفضل أنواع الأعلاف الأكثر تركيزًا للماشية، والتي تنتج لحوم بدرجات أعلى من الأعلاف التقليدية.

– إحياء المشروع القومي للبتلو بشكل فعلي وحقيقي على الأرض، كما يمكن توزيع بقرات حلوب مستوردة تدرّ أكثر من 30 كيلو من اللبن يوميًّا، من قبل الجمعيات التعاونية، وَفْق ما ذكره لنا الراحل رئيس الجمعية العامة للإصلاح الزراعي منذ مدة قريبة.

– العمل على سرعة تحسين سلالات رؤوس الماشية المحلية من خلال المراكز المتخصصة، كذلك الاهتمام بالرعاية البيطرية مع مزارع الماشية وصغار المربين وتقديم البرامج التوعية والتثقيفية للمربي.

– يجب أن نعلم جيدًا أن عدم دعم المُربين بشتى الطرق المختلفة؛ سواء في توفير الأعلاف المركزة وتوفير مستلزمات الإنتاج للمصانع، كذلك نزول الإرشاد البيطري شهريًا أو كل فترة للمتابعة، يُعد إهمالًا بصحة المواطن والنشء الصغير من جهة، واستمرارًا للضغط على الاستيراد من اللحوم الأقل جودة من المنتج المحلي وإرهاق الخزانة العامة من جهة أخرى.

– وبالأخير ضرورة وقف الذبح خارج المجازر، حيث من شأنه أن يؤثر على معدل إنتاج اللحوم؛ نظرًا لذبح العجول الصغيرة التي لا تتجاوز 100 كجم، مقارنة بالذبح الرسمي لعجول تزن من 300 إلى 400 كجم.

المصادر بالترتيب:

– اليوم السابع.

– أخبار اليوم.

المال.

التعليقات مغلقة.