لماذا تطرق مصر أبواب القرن الإفريقي وتكثِّف علاقتها مع الصومال وإريتريا؟
لماذا تطرق مصر أبواب القرن الإفريقي وتكثِّف علاقتها مع الصومال وإريتريا؟
الخطر الإثيوبي المتصاعد بعد بناء سد النهضة دون أدنى مراعاة لاحتياطات البناء والمشاكل الفنية التي قد تؤدي لكارثة إنسانية في حالة انهياره، ومن بعدها العدوان الإثيوبي على سيادة الصومال باعترافها بشرعية وسلطة المتمردين على أراضي صومالي لاند، إلى جانب كشف نيات آبي أحمد التوسعية في موانئ جيبوتي وإريتريا، هو ما دعا مصر إلى التحرك الفوري لمواجهة أطماع إثيوبيا ومن يقف خلفها أو يدعمها لإثارة التوتر في القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
ولذلك سعت القاهرة مبكرًا إلى تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، والذي يضم “السعودية ومصر، وإريتريا، والصومال وجيبوتي والأردن واليمن”؛ كما حرصت مصر على مواصلة التصدي للجشع الإثيوبي بتنمية علاقتها التاريخية بكلٍّ من الأشقاء في الصومال وإريتريا.
ولذا في هذا التقرير سوف نسعى إلى بيان علاقات مصر والصومال وإريتريا التاريخية، وتوضيح دور القاهرة في التصدي للاعتداءات المخططة على البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي وباب المندب، وحماية الأمن القومي المصري -الذي تواصل أديس أبابا استهدافه- بدحر الإرهاب المتفشي في القرن الإفريقي والدول السابق ذكرها، ودعم الدول الثلاث عسكريًّا واقتصاديًّا.
علاقات تاريخية:
جمعت مصر بالصومال وإريتريا علاقات تاريخية على كافة المستويات لعقود وقرون من الزمان. حيث اتسمت علاقات مصر والصومال بالتعاون والوحدة والتبادل الاقتصادي والمساندة في وجه الاستعمار البريطاني حتى فازت مقديشيو بالاستقلال عام 1960. ودعمت مصر الصومال لإنهاء القتال بين أبنائها في الحرب الأهلية التي انتهت عام 1991. وأخيرًا، كان صد العدوان الإثيوبي على أراضي صومالي لاند المغتصبة، إلى جانب تاريخ حافل بالتعاون الاقتصادي والتعاضد الدبلوماسي الذي راح ضحيته قنصل مصر في الصومال محمد كمال الدين صلاح الذي انتهت خطواته لدعم استقلال وبناء الصومال بالاغتيال. كما أرسل الأزهر الشريف العديد من البعثات الدعوية لنشر تعاليم الإسلام الصحيح في ربوع الصومال. وشيدت القاهرة مدارس مصرية في مقديشيو وأرسلت مئات المعلمين إلى هناك، بجانب جهود مصر لبناء جيش صومالي قوي داخل البلد الذي يشارك مصر الموقع الإستراتيجي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب ومنطقة القرن الإفريقي وحدود الصومال الممتدة على منابع نهر النيل.
أما إريتريا، فكان لمصر جهود كبيرة في دعم وتأييد ثورتها منذ الأربعينيات واختيرت القاهرة مقرًّا لتأسيس جبهة التحرير الإريترية في يوليو 1960 حتى نالت إريتريا الاستقلال الوطني عام 1993. وساعدت الدبلوماسية المصرية إريتريا في الحرب الحدودية مع إثيوبيا بين عامي 1998-2000؛ كما تشارك إريتريا مصر والصومال الموقع الفريد على منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، بالإضافة إلى ما يجمع الدول الثلاث من وحدة الدين واللغة والتاريخ والأهداف والمصالح المشتركة. ومن هنا، جاء دور مصر لمؤازرة أشقائها الصوماليين والإريتريين ضد الأطماع الإثيوبية في موانئ مقديشو وبربرة وبوصاصو وكسمايو في الصومال، وميناء مصوع وعصب في إريتريا.
إثيوبيا:
تصاعد العداء الإثيوبي تجاه مصر منذ الشروع في بناء سد النهضة دون الإذعان بالحفاظ على الحقوق التاريخية والقانونية لمصر والسودان كدولتي مصب، وعدم الانصياع لمحاولات القاهرة والخرطوم المكثفة لاقتراح بدائل أمام أديس أبابا لتنمية بلادها، أو حتى الالتزام بفترات زمنية أكبر لملء السد للحفاظ على حصتي البلدين من المياه. يوضح مقاصد إثيوبيا للإضرار بمصر على وجه التحديد؛ لأن السودان أقل ضررًا لما لديها من فائض من المياه الجوفية والأمطار؛ كما أن نيات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لوضع يده على موانئ إريتريا والصومال والتحكم في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وبالتالي التأثير على حركة التجارة وقناة السويس باتت مكشوفة. كما أن الاعتداءات الإثيوبية المستمرة تأتي بسبب غض الطرف الدولي عن جرائمها، وهذا إن لم تكن بدعم غربي مباشر يرى فيها وكيلًا إفريقيًّا يهدد مصالح مصر وأشقاءها في القارة السمراء عبر تهديد المصالح المائية ونشر الإرهاب في الصومال وإريتريا والسعي لتواجد فعال في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
وهذه المخططات تدعمها وتشترك فيها -للأسف- دولًا عربية وإسلامية؛ كما تفعل الإمارات في السودان، وتدعم ميليشيا إرهابية في مواجهة شرعية الدولة وجيشها. وهو ما تعيه مصر جيدًا بأنه رغم تكالب الضغوط من كافة الاتجاهات، فعليها أن تواجهها جميعًا بدقة وحسم في آنٍ واحد.
ومن هنا جاء التحرك المصري للانخراط بشكل أكبر في علاقات أكثر قوة مع الصومال وإريتريا لقطع الطريق على الجانب الإثيوبي ومن يدفعه لتهديد الأمن القومي المصري ومصالحه الإستراتيجية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي. وهو ما عبرت عنه مصر صراحةً بأنه لا يمكن على الإطلاق القبول بأي تواجد لأي دولة غير مشاطئة بالبحر الأحمر عسكريًّا أو بحريًّا.
رد الفعل المصري تجاه الحركات الإثيوبية:
ردت القاهرة على تعديات إثيوبيا داخل الأراضي الصومالية وأطماعها داخل القرن الإفريقي، باستقبال حسن شيخ محمود الرئيس الصومالي وقدمت لبلاده كل أوجه الدعم. ووقعت مصر اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال وأرسلت قوات مسلحة إلى الصومال ضمن قوات إفريقية، إلى جانب طائرات ومساعدات حربية. وتمنح الاتفاقية مصر حرية إرسال قوات عسكرية إلى الصومال بدعوى التدريب، أو إنشاء قاعدة عسكرية على شواطئ الصومال التي تسعى إليها إثيوبيا. وتم إطلاق خط طيران مباشر بين مصر والصومال وافتتاح السفارة المصرية في مقديشيو، بالإضافة إلى الكثير من الزيارات المتبادلة. كما استقبل الرئيس السيسي نظيره الإريتري في القاهرة واتفقا على تنشيط التجارة والاستثمار المتبادل، وشددا على ضرورة حماية البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي وسيادة دولة الصومال على شواطئها. كما نظمت الخارجية المصرية لقاءً ثلاثيًا مع الجانب الصومالي والإريتري لتعزيز التعاون فيما بينهم لتحقيق الأمن وبناء السلام في الصومال ومساعدتها للقضاء على الإرهاب وبسط سيطرة الدولة على كامل أراضيها ومشاركة مصر في بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم واستقرار البلاد.
التعاون الثلاثي بين القاهرة ومقديشيو وأسمرة:
بعد استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993، تحولت إثيوبيا إلى دولة حبيسة دون أي سواحل بحرية. حيث فقدت مينائي عصب ومصوع الذين أصبحا ميناءين إريتريين. وتعتمد إثيوبيا منذ استقلال إريتريا وحتى اليوم على جيبوتي لمرور الصادرات والواردات من وإلى البلاد، مقابل 1.5 مليار دولار سنويًّا. وبعد توقيع مذكرة تفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي في 1 يناير 2024، لاستخدام 20 كم من سواحل ميناء بربرة الصومالي المطل على خليج عدن والبحر الأحمر لـ50 عامًا، مقابل منح أرض الصومال الانفصالي 20% من أسهم الخطوط الجوية الإثيوبية، وإقامة طرق وسكك حديدية، والاستفادة من كهرباء سد النهضة، وأعلن وقتها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن الاتفاق سيفتح الطريق أمام تحقيق تطلع إثيوبيا إلى تأمين وصولها إلى البحر الأحمر؛ ولذلك، كان من الطبيعي تدخل مصر بعد فضح نيات إثيوبيا وتطلعاتها للاعتداء على أراضي دول منطقة القرن الإفريقي وثرواتها وسواحلها وتهديد المنطقة بما فيها البحر الأحمر وقناة السويس؛ بالإضافة إلى العدوان السافر على حقوق مصر والسودان في مياه النيل المتمثل في سد النهضة. ونستطيع توضيح أسباب الخطوات المصرية والتعاون الثلاثي بين القاهرة ومقديشيو وأسمرة عبر النقاط التالية:
– اتفاق إثيوبيا مع إقليم صومالي لاند بجانب أطماع إثيوبيا في موانئ الصومال وإريتريا تهديد مباشر للأمن القومي المصري؛ حيث يسمح بتواجد إثيوبيا عسكريًا عند مدخل مضيق باب المندب المؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس. وهو ما يعني مزيدًا من أدوات الضغط ضد مصر في أزمة سد النهضة.
– وجود القوات المصرية في الصومال ومن بعدها إريتريا يحمي الأمن القومي المصري، ويمنح القاهرة ورقة ضغط عسكرية ضد إثيوبيا.
– التدخل المصري في منطقة القرن الإفريقي بات ضرورة بعد مصادقة جنوب السودان على اتفاقية “عنتيبي”.
– اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والصومال قد تكون خطوة أولية لترسيخ الوجود العسكري المصري في منابع النيل لمواجهة تهديد سد النهضة أو إقامة أي سدود مستقبلية على النيل.
– تعاون مصر وإريتريا مع الصومال يدعم وحدة وسيادة وسلامة أراضيها ويؤكد رفض العدوان الإثيوبي على أراضي صومالي لاند.
– تعميق للتعاون والتحالف في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر ضد الأطماع الإثيوبية.
– يوصل رسائل واضحة لإثيوبيا بأن أراضي الصومال وشواطئ البحر الأحمر أمن قومي مصري لن تستطيع أديس أبابا العبث به.
– يعكس أهمية منطقة القرن الإفريقي ورغبة مصر في حماية المصالح الإستراتيجية المرتبطة بالبحر الأحمر وأراضي الأشقاء.
– التعاون يشكل جبهة مضادة في قضية الصومال ومنطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر وغيرها من القضايا المرتبطة بالإقليم.
– التعاون يدعم تعزيز مؤسسات الدولة الصومالية لبسط سيطرتها على أراضيها لمواجهة الإرهاب، وتمكين الجيش الفيدرالي الصومالي للتصدي للميليشيا التي يدعم الغرب وجودها لتكون هناك حاجة للقوات الإثيوبية.
– خطوة أظهرت جدية الأطراف الثلاثة في وجود تحالف إستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي وباب المندب والبحر الأحمر، وبالتالي يكون من السهل البناء عليها.
– تمهيد لتعاون أكبر سياسيًا وتجاريًا وزراعيًا وعسكريًا يسهم في مواجهة مختلف الصعوبات في الإقليم.
– القرن الإفريقي وباب المندب امتداد للأمن القومي المصري على شواطئ البحر الأحمر.
– دعم القاهرة لمقديشيو يعني تحقيق هدفين: الأول القضاء على الإرهاب، والثاني وقف التغول الإثيوبي على الأراضي الصومالية.
– الصومال وإريتريا في حاجة إلى خبرات في مكافحة الإرهاب لمواجهة انتشار الميليشيات، وهو ما يتوافر لدى مصر.
الخلاصة:
بجانب المخاطر التي تواجهها مصر على حدودها الشرقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى حدودها الغربية في ليبيا؛ بالإضافة إلى قضية مياه نهر النيل بعد إنشاء سد النهضة والوصول للملء الخامس دون الاعتراف بحقوق مصر المائية، ومن ثم حرب السودان جنوب مصر، كان لا بد أن تتدخل القاهرة بثقلها لتواجه الأطماع الإثيوبية في موانئ الصومال وإريتريا، وخاصةً أن كلا الدولتين يطلان على منطقة القرن الإفريقي وباب المندب مرورًا بشواطئ البحر الأحمر وصولًا إلى قناة السويس.
كما أن التعنت الإثيوبي المتواصل والمتصاعد والمتعنت ضد الأمن المائي المصري وكشف جشع آبي أحمد في موانئ البحر الأحمر وفي موطئ قدم له كجندي غربي في المنطقة، كان لا بد من مواجهته بالخطوات التي اتخذتها مصر بالتعاون مع الصومال وإريتريا في ظل تعقد موقف اتفاقية عنتيبي، وبالتالي: فإن الوجود المصري العسكري في منطقة القرن الإفريقي ومنابع النيل إلى جانب الوجود الاقتصادي والتجاري أضحى ضرورة ملحة لحماية الأمن القومي المصري ومصالح المصريين. ولذلك، فإن التعاون بين القاهرة ومقديشيو وأسمرة واتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والصومال خطوة إيجابية نحو ذلك الطريق.
مصادر:
الهيئة الوطنية للإعلام – مصر والصومال.. علاقات وثيقة وتاريخ حافل – 21 يناير 2024.
اليوم السابع – مصر والصومال.. علاقات تاريخية متميزة – 9 يونيو 2022.
الجزيرة – اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال.. هل يشعل آبي أحمد القرن الإفريقي؟ – 11 يناير 2024.
الجزيرة للدراسات – مذكرة تفاهم بين صومالي لاند وإثيوبيا: الحيثيات والتبعات – 9 يناير 2024.
المعهد المصري للدراسات – قاعدة عسكرية مصرية في أرض الصومال: المحددات والأبعاد – 11 أغسطس 2020.
سكاي نيوز – ما أهداف الاتفاق العسكري بين الصومال ومصر؟ – 15 أغسطس 2024.
الأهرام – تحالف مصر والصومال وإريتريا – 13 يناير 2025.
الهيئة الوطنية للإعلام – قمة أسمرة الثلاثية.. مصر والصومال وإريتريا معًا لمواجهة التوترات – 11 أكتوبر 2024.
سكاي نيوز – اجتماع وزاري مصري صومالي إريتري.. ماذا نتج عنه؟ – 11 يناير 2025.
الشارع السياسي – اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والصومال: الدوافع والتحديات – 29 يوليو 2024.
النشرة البريدية
كن على اطلاع بأحدث الدراسات والمقالات والفعاليات الفكرية