الثروات غير المكتشفة في القطب الشمالي وأسباب الصراع المتوقع بين القوى الكبرى

الثروات غير المكتشفة في القطب الشمالي وأسباب الصراع المتوقع بين القوى الكبرى

تعجُّ الدائرة القطبية، أو منطقة القطب الشمالي، بالثروات الهائلة المعدنية والطبيعية، خصوصًا كنوز الذهب الأسود “الغاز والنفط”. وبالتالي، قد تصبح المعركة الكبرى القادمة بين القوى العظمى، في ظل ما يشهده العالم الآن من صراعات وحروب غير مباشرة ذات طابع عالمي، ستكون كلمة السرّ فيها هي حروب النفط في هذه المنطقة الجليدية المهمة حول العالم.

في هذا التحليل بمركز “رواق” للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، وربما سيكون للمركز السبق في تسليط الضوء على هذه الثروات، وإلقاء الضوء على عدة نقاط مهمة؛ وهي: قراءة في الثروات غير المكتشفة في القطب الشمالي، والتي قد تكون من أسباب المعركة القادمة بين القوى الكبرى، الحفر ومخاطر تلوث الصفائح الجليدية القطبية، التنقيب في شمال ألاسكا وخطره على التسرب النفطي، رؤية مستقبلية حول صراع الدب والنسر والتنين على ثروات القطب الشمالي.

يواجه القطب الشمالي تحديات في أعمال التنقيب عن النفط والغاز، في ظل قضايا جارية حول ما إذا كان يمكن لشركات الطاقة التنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي. ويلجأ نشطاء البيئة لمقاضاة الحكومة النرويجية عند المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ لأنها تسمح بالتنقيب، في حين ينظر إليها على أنها حالة اختبار لمقدار الموارد الطبيعية في المنطقة التي يمكن استغلالها.

ونظرًا لأن القطب الشمالي عبارة عن بحر في الغالب، فلا توجد معاهدة دولية تحمي بيئته من التنمية الاقتصادية، كما هو الحال في القطب الجنوبي. ويعني الاحتباس الحراري أن المزيد من الجليد الذي يغطي أقصى شمال العالم قد ذاب، مما يجعل الحفر أسهل. (الرياض).

وحول قضية محكمة النرويج، فمنذ عام 2016، منحت النرويج -أكبر منتج للنفط في أوروبا الغربية- عددًا من التراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في بحر بارنتس داخل الدائرة القطبية الشمالية. وفي عام 2021، رفع ستة شبان نرويجيين ومجموعتين بيئيتين، غرينبيس نورديك وأصدقاء الأرض الشباب، قضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد سياسة الحكومة النرويجية.

الحفر ومخاطر تلوث الصفائح الجليدية القطبية:

وفي ظل ما تقدموا به مؤخرًا، فقد جادل النشطاء بأن “من خلال السماح بالتنقيب الجديد في أزمة مناخية، فإن النرويج تنتهك حقوق الإنسان الأساسية”. ويقولون: إن الحفر في القطب الشمالي يمكن أن يلوث الصفائح الجليدية القطبية، ويسبب ذوبانها بمعدل أسرع.

ويطالب النشطاء النرويجيون الستة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بحظر الحفر في بحر بارنتس، حيث يحاول النشطاء الستة حظر التنقيب عن النفط والغاز في البحار القطبية الشمالية بالنرويج. قد استشهدوا بالمادة الثانية من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تحمي الحق في الحياة، والمادة الثامنة، التي تحمي الحق في الحياة الأسرية والمنزل. (الرياض).

ويقول النشطاء: من خلال الشكوى، قد تكون لدينا فرصة لوقف هذا التنقيب عن النفط الكارثي. وقال لاسي إريكسن بيورن، وهو ناشط من السكان الأصليين لشعب سامي في شمال النرويج: إن الحفر قد يضر بمصايد أسماك القطب الشمالي، ويعرض أسلوب حياتهم للخطر.

ورفضت ثلاث محاكم نرويجية قضيتهم، لكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تأخذ الأمر على محمل الجد، وطلبت من حكومة النرويج الدفاع عنها. وفي 26 أبريل، ردت قائلة: إن النرويج تتعاون بالفعل مع الجهود الدولية للتصدي لتغير المناخ، وتهدف إلى تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050. وقالت: إنه سيكون من الضار للمجتمع النرويجي كبح إنتاج النفط والغاز قبل توفر المزيد من الطاقة المتجددة الموثوقة.

حيث تدرس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان جعل هذه “قضية تأثير”، مما يعني أن حكمها في هذه القضية يمكن أن يشكل سابقة لقضايا مماثلة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. وإذا فعلت ذلك، فقد تصدر حكمًا في الأشهر القليلة المقبلة. وتعمل شركات النفط الروسية في القطب الشمالي منذ أكثر من عقد. وقبل عامين، كان هناك تسرب نفطي كبير في منطقة القطب الشمالي. (الرياض).

التنقيب في شمال ألاسكا وخطره على التسرب النفطي:

أرشيفية من منطقة القطب الشمالي

وتقترح الولايات المتحدة الأمريكية السماح لشركات النفط بالتنقيب في شمال ألاسكا، على الرغم من التسرب النفطي الضخم لشركة إكسون فالديز في ألاسكا في عام 1989. وتتمتع جميع البلدان التي لها أراضي في الدائرة القطبية الشمالية بحقوق فوق قاع البحر بالقرب من شواطئها، ويمكنهم أيضًا إنشاء مناطق اقتصادية خالصة، تمتد حتى 200 ميل بحري (370 كيلومترًا) من الشاطئ.

وفي هذه المناطق، فإن الدول الأعضاء أو المشاركة لهم الحق في صيد الأسماك، وبناء البنية التحتية، واستخراج الموارد الطبيعية. ويمكن للبلدان توسيع هذه المناطق، إذا تمكنت من إظهار أن كتلها الأرضية تذهب إلى عمق البحر. في حين، يوجد حاليًا نزاع حول من يمتلك سلسلة جبال تحت البحر بطول 1070 ميل (1721 كم) تسمى لومونوسوف ريدج، والتي تمر عبر القطب الشمالي.

وتدعي كلٌّ من كندا وروسيا وغرينلاند أنها ملكهم. ومن ينجح في النهاية يمكنه أيضًا المطالبة بمساحة 55000 ميل مربع من البحر حول القطب الشمالي. وفي عام 2007، أثار المستكشفون الروس انزعاج جيرانهم في القطب الشمالي من خلال رفع علمهم الوطني في قاع البحر في القطب الشمالي. ويستخدم النشطاء البيئيون المحاكم بشكل متزايد لإجبار الحكومات والشركات على اتخاذ خط أكثر مراعاة للبيئة.

وفي العام الماضي، أخبرت محكمة هولندية شركة الطاقة رويال داتش شل أنه بحلول عام 2030 يجب أن تكون انبعاثاتها أقل بنسبة 45% من مستويات 2019 -وهو خفض أكبر بكثير مما كانت الشركة قد بدأت به-. وفي عام 2018، أمرت المحكمة العليا في كولومبيا الحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف إزالة الغابات في غابات الأمازون المطيرة، قائلة: إنها تحرم الأطفال من الحق في بيئة صحية.

النرويج والتنقيب في مساحة غير مستكشفة في القطب الشمالي:

من جهتها، تتمسك النرويج بهدف الحفر في القطب الشمالي. وستقدم حكومة النرويج تراخيص جديدة للنفط والغاز في مساحة غير مستكشفة سابقًا في القطب الشمالي، بعد أن أضافت حصصًا في 31 منطقة استكشاف في بحر بارنتس، يقال: إنها مجاورة للمناطق الناضجة التي تم حفرها في الماضي.

إلى ذلك، زادت روسيا مبيعاتها من الغاز الطبيعي المسال المنقول بحرًا، ويرجع الفضل في ذلك في الغالب إلى مصنع يامال للغاز الطبيعي المسال الذي تديره شركة نوفاتك في القطب الشمالي. ووفقًا للهيئة الحكومية روسستات، ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي المسال في روسيا بنسبة 10% تقريبًا إلى 29.7 مليون طن في الربع الأول 2023. (الرياض).

صراع الدب والنسر والتنين على ثروات القطب الشمالي:

ترامب وبوتين

ليس مستبعدًا البتّة أن تشهد منطقة القطب الشمالي خلال العقدين المقبلين، صراعًا جديدًا بين الولايات المتحدة وروسيا والصين على الثروات الطبيعية، حيث تعوم منطقة القطب الشمالي، والتي يعيش بها نحو 4 ملايين نسمة، وتطل عليها دول النرويج والسويد وأيسلندا في أوروبا، وكندا وروسيا وجزء من ألاسكا في الولايات المتحدة الأمريكية، على ثروات ضخمة تقدر بـ35 تريليون دولار. (العين الإخبارية).

كما تقدر ثروات القطب الشمالي بنحو 90 مليار برميل من النفط، ما يعادل 15% من حجم احتياطيات العالم، حيث يضم بحر بارنتس المتواجد في الشمال الشرقي من النرويج والجزء الأوروبي من روسيا الذي يحتوي على أكثر من 60% من احتياطيات النفط غير المكتشفة. كما تحوي 17 تريليون قدم مكعب من الغاز، أي 30% من الاحتياطي العالمي؛ كما تحوي كميات هائلة من النيكل والألماس والزنك، وهي مواد تستخدم في صناعات مختلفة، من بينها الصناعات العسكرية.

وبحسب بيانات رسمية، فإن ثلث موارد روسيا من الصيد البحري يأتي من منطقة القطب الشمالي الغني بالأسماك؛ لذلك، من المتوقع أن يذوب جليد منطقة القطب الشمالي بحلول عام 2050، وهذا يقلص مسافة النقل البحري بين شانغهاي ونيويورك لمدة تقدر بسبعة أيام، بعدما تظهر ممرات مائية جديدة وطرق شحن بعد ذوبان الجليد.

لا سيما وأن أكثر من نصف سواحل القطب الشمالي هي أراضي روسية يعيش فيها مليونا شخص، أي نصف سكان هذه المنطقة. وإلى جانب روسيا، تطل الولايات المتحدة وغرينلاند التابعة للدنمارك على القطب الشمالي، بالإضافة إلى كندا وأيسلندا. (العين الإخبارية).

حيث تعتمد روسيا على الممر الشمالي الشرقي لربط أوروبا بآسيا عبر سيبيريا، وأقامت العديد من القواعد العسكرية والعلمية هناك. وعلى إثر التحركات الروسية، فقد أبدى ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، في 26 أغسطس / آب 2022 انزعاجه بالقول: إن روسيا أنشأت قيادة جديدة في القطب الشمالي، وفتحت المئات من المواقع العسكرية الجديدة، من العصر السوفيتي السابق في القطب الشمالي، بما في ذلك المطارات والموانئ المائية العميقة.

وتعتبر الصين نفسها دولة شبه قطبية، وأن تعداد سكانها يشكل خُمس سكان العالم، وبالتالي فلها الحق في خُمس الثروات الطبيعية في القطب الشمالي.

روسيا تستهدف ثروات القطب الشمالي بأكبر كاسحة نووية:

ومنذ مطلع يناير / كانون الثاني 2023، أعلنت وزارة الموارد الطبيعية الروسية أن احتياطياتها من النفط في منطقة القطب الشمالي تبلغ نحو 7.3 مليار طن، وتم اكتشاف 37 حقلًا تتضمن رواسب هيدروكربونيات، و130 حقلًا لرواسب المعادن الصلبة في المنطقة.

وتتوقع موسكو ارتفاعًا في موارد الذهب بمقدار 158 طنًّا، والنحاس بمقدار 1.3 مليون طن، والزنك بمقدار 2.4 مليون طن، والرصاص بمقدار مليون طن، والفضة بمقدار 2.5 ألف طن، والهيدروكربونات بمقدار 4.3 مليار طن من الوقود المرجعي، وذلك خلال الفترة 2022 / 2023.

ووفق تقارير دولية، فإن حقل “بريرازلومنويه” يعتبر أول حقل بحري في القطب الشمالي يتم فيه إنتاج النفط التجاري في روسيا. وهو ما صرح ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي، نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022 بأن بلاده ستكون قادرة على إنتاج ما لا يقل عن 490-500 مليون طن من النفط خلال العام الجديد 2023.

ووفق وكالة “تاس” الروسية، فمن الممكن أن موسكو ستنتج مثل هذه الكميات حتى في ظل الحظر النفطي الجديد الذي فرضه الاتحاد الأوروبي في الخامس من ديسمبر/كانون الأول، وبعد إجراء مماثل بشأن المنتجات النفطية يبدأ العمل به في الخامس من فبراير. كما قد فرضت دول الاتحاد الأوروبي حدًا أقصى على أسعار النفط الروسي المنقول بحرًا عند 60 دولارًا للبرميل. (العين الإخبارية).

ثروات القطب الشمالي محط أطماع الدول الكبرى:

ليس غريبًا أن تكون ثروات القطب الشمالي محط أطماع للقوى الكبرى بلا استثناء، ولما لا وفيه من الكنوز الطبيعية الضخمة للغاية. حيث قد عقد المجلس القطبي العالمي اجتماعًا وزاريًا في كيرونا في السويد يوم 15 من شهر مايو الماضي. وهذا المجلس هو الهيئة التي تأسست لتيسير التعاون بين الدول التي تضم حدودها أراضي في القطب الشمالي.

والأقطار التي تمتلك أراضي داخل القطب الشمالي هي فقط التي يحق لها الاستمتاع بالعضوية الكاملة في المجلس القطبي الشمالي، وعددها ثماني دول، وهي: كندا، والدنمرك، وفنلندا، وآيسلندا، والنرويج، وروسيا، والسويد، والولايات المتحدة. وإلى جانب البلدان الأعضاء الثمانية كندا، ودول شمال أوروبا الخمس، وروسيا، والولايات المتحدة، يضم المجلس ستة مراقبين دائمين، بما في ذلك دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. والآن تمارس الصين والهند واليابان الضغوط للانضمام إلى المجلس.

لقد بدأت الثلوج في القطب الشمالي في الذوبان بسرعة تبلغ أربعة أضعاف ما كان عليه الأمر في السنوات الماضية. النهر الجليدي في القطب الشمالي صار في أضيق حالة له منذ أن بدأت مراقبته عن كثب في عام 2012. حيث أن الدول المحيطة بالقطب الشمالي والشركات العالمية الكبرى التي ظلت تقوم بتطوير موارد القطب الشمالي صارت في حالة تنافس متزايد من أجل الفوز بحقوق تطوير وتنمية القطب وفتح الطرق إلى هناك.

حجم احتياطات العالم من النفط والغاز في القطب الشمالي:

تشير معلومات الهيئة الجيولوجية الأمريكية إلى أن منطقة القطب الشمالي تضم نحو 25% من احتياطات العالم من النفط والغاز، أي ما يساوي 375 مليار برميل من النفط. ثم نشرت الولايات المتحدة الأمريكية تقريرًا جاء فيه أن القطب الشمالي يحتوي على 90 مليار برميل من النفط، وهي كمية كافية لتغطية الطلب الأمريكي على النفط خلال 12 عامًا، و2.47 تريليون متر مكعب من الغاز.

في حين قدرت وزارة الموارد الطبيعية الروسية احتياطيات بحار الشمال الروسي المؤكدة من النفط والغاز بـ418 مليون طن و7.7 تريليون متر مكعب على التوالي، بينما قدرت الاحتياطيات الممكنة بـ24.9 مليار طن و3.88 تريليون متر. (صحيفة الخليج).

نقطة مهمة يجب عدم إغفالها، وهي ازدياد ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، فإن غطاء الجليد القطبي ينخفض بسرعة، ويساور العلماء الاعتقاد بأنه بحلول نهاية القرن فإن المحيط المتجمد الشمالي كله قد يكون مياهًا مفتوحة لأول مرة منذ ما قبل التاريخ، ما يكشف عن احتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعي؛ ربما ربع الاحتياطيات غير المكتشفة في العالم، وفقًا لدراسة من دائرة المسح الجيولوجي الأمريكية. وفي الوقت الراهن، فإن الوصول إلى الثروة المخفية قد يكون أمرًا صعبًا.

إن عدد السفن القطبية التي تسافر عبر الطريق البحري القطبي تضاعف تسع مرات خلال العامين الأخيرين، وطريق القطب الشمالي يوفر 30% من المسافة وستة أيام من الوقت للسفر، ما أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على صناعة السفن والشاحنات القطبية المتخصصة وكسارات الثلوج. فمثلًا، الموانئ الكورية المطلة على السواحل المؤدية إلى القطب الشمالي صارت واعدة بفرص هائلة للتطور والتوسع في الخدمات، حيث صار ميناء بوسان الآن أحد أكبر المحاور البحرية، ومن أكثر المستفيدين من الطريق الشمالي القطبي.

كما أن الزيادة المتسارعة في الاحتباس الحراري، ومن ثم في ذوبان الجليد في المناطق القطبية كلها، أخطار ومهددات للمناخ العالمي، لكن من ناحية أخرى، فإن فتح الطريق القطبي الشمالي يوفر فرصًا اقتصادية وتنموية ضخمة وهائلة من أجل تطوير مختلف الموارد الطبيعية من نفط وغاز ويورانيوم وغيرها من المعادن الثمينة والنادرة. لهذا بدأت الدول المطلة على القطب الشمالي، ومن بينها روسيا والولايات المتحدة وكندا، تتدافع من أجل تأمين حقوقها في المنطقة وشغل مواقع مهمة داخل المجلس القطبي الشمالي.

زيادة النزاعات والتنافس الدولي بين القوى الكبرى:

كما ذكرنا، لا شك أن منطقة القطب الشمالي ستكون محط تنافس كبير وصراع بين القوى الكبرى خلال المرحلة المقبلة في منطقة القطب الشمالي، حيث لا بد من الاستعداد والتحسب ومعرفة المشكلات الكبيرة والوعرة التي تحول دون ذلك. المشكلات منها ما هو طبيعي مثل صعوبة الإبحار، ومنها أشكال أخرى؛ مثل: النزاعات الدولية والتكلفة العالية والموانع والتحفظات البيئية والتنافس الشرس بين الدول المختلفة، لاسيما بين روسيا وأمريكا والصين.

إن الدول القريبة مثل روسيا وألاسكا الأمريكية والنرويج من القطب الشمالي تتمسك بمسائل قانونية مثل مسافة الجرف القاري والمنطقة البحرية القانونية في إطار قانون البحار الدولي، وكلها أشياء ينتج عنها الكثير من النزاعات الدولية، احتجاجات الناشطين والعاملين في مجال صيانة البيئة والتكلفة العالية جدًا للاستكشاف في القطب، كلها أشياء تسبب مشكلات كبيرة للراغبين في تطوير الموارد القطبية وتنميتها والاستفادة منها.

ولا ننسى أن هناك ثروات وأشياء أخرى؛ مثل: اكتشاف الغاز الحجري والموارد البديلة للطاقة، وهي كذلك أشياء صارت لا تشجع على الدخول في مغامرات صعبة من أجل استكشاف القطب، ولكن يجب ألا تعمي الإغراءات الاقتصادية الجمّة التي يوفرها القطب الشمالي عن حاجته للمحافظة على نقائه البيئي والطبيعي؛ لهذا يجب النظر للأمر من خلال منظار ثنائي وبرؤية ومنظور مزدوج لتحقيق الكيفية التي تمكن من الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة للقطب الشمالي دون أن يؤثر ذلك سلبًا على وضعه الإيكولوجي البيئي الطبيعي.

لذلك، على كافة الدول تشجيع المجلس القطبي على ضرورة اتباع تلك الرؤى الثنائية والبيئية التي تحافظ عليه من الانهيار أو التلوث، إذ لا يجب الإفراط في الاستفادة من الموارد لدرجة الإضرار بالبيئة والطبيعة. وبالتالي، فلا بد من التركيز على كيفية الاستفادة من الفرص التي يوفرها الطريق القطبي الشمالي من أجل التنمية المستدامة الخالية من مخاطر تلويث وتغيير البيئة.

أخطار حقيقية لكوكب الأرض بسبب الأضرار في القطب الشمالي:

حيث على جميع الدول المتشاركة أخذ كل ذلك في الاعتبار عند تطوير تقنياتها الخاصة باستكشاف البيئة في القطب الشمالي. ومن ثم، فالمعادلة الصعبة 15% من حجم النفط العالمي و30% من كل الغاز الطبيعي المسال، وما تزيد قيمته على تريليوني دولار من المعادن المتنوعة، ومنها النادر والثمين، وغيرها من الكنوز والفرص، هي من بين ما يتوفر في القطب الشمالي، لكن في المقابل: فإن تزايد وتيرة الاحتباس الحراري والارتفاع المستمر في حرارة الأرض وانكماش الأنهار الجليدية هي كذلك أشياء تمثل مخاطر ومهددات حقيقية لكوكب الأرض بسبب الأضرار التي يتعرض لها القطب الشمالي.

إن الاحتياطيات التقديرية، وفق تقارير دولية وبيئية، تحت المحيط المتجمد الشمالي ضخمة للغاية، وبأسعار اليوم، فإن قيمة هذه الاحتياطيات قد تعادل ما يتجاوز 7 تريليونات دولار أمريكي، وفقًا لتقديرات شركات الطاقة الدولية. وإذا أضفنا الغاز الطبيعي، فإن قيمة هذه الاحتياطيات ربما تصل إلى 10 تريليونات دولار كتقدير متحفظ. ولأن قسمًا كبيرًا من المحيط المتجمد الشمالي ضحل ويقع على الجروف القارية، فإن الدول المطلة عليه تتدافع الآن للمطالبة بمناطق اقتصادية كلية بموجب معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار.

كما تصاعدت حرارة المناقشات السياسية في مجلس القطب الشمالي، ولا تسعى الدول وحدها إلى تأمين موطئ قدم لها في القطب الشمالي، فهناك شركات النفط والغاز الكبرى التي تتسم بقدر هائل من النشاط في هذا السياق أيضًا.

كما أن هناك العديد من المخاطر البيئية المرتبطة بالنفط، وخاصة في المحيط المتجمد الشمالي، وهناك أيضًا مسألة الطقس والمناخ. وحتى إذا أصبح القطب المتجمد الشمالي خاليًا من الجليد في الصيف، فإن الحال مختلفة أغلب العام، وسوف تصبح جبال الجليد الناجمة عن ذوبان الطبقات الجليدية الضخمة أكثر عددًا وربما أكبر حجمًا، إلى جانب العواصف المتكررة القوية والجليدية التي تهب دون سابق إنذار، من شأنه أن يزيد من احتمالات الاندفاعات القوية والتسرب.

إن ما يحدث من تكالب حثيث بين القوى الكبرى في القطب الشمالي يذكرنا بكارثة بريتيش بتروليوم التي وقعت في عام 2010 في أفضل مكان ممكن من حيث قُرب الموارد اللازمة لاحتواء الاندفاعات القوية: ذلك أن خليج المكسيك يحتوي على أكبر تركيز لشركات النفط، ومقاولي الباطن، ومهندسي البترول، والمعدات، والورش على مستوى العالم، ورغم هذا فقد استغرق الأمر ثلاثة أشهر لإغلاق بئر ماكوندو. أما في القطب الشمالي، فإن كل هذه الموارد سوف تكون على بعد آلاف الكيلومترات.

وفي المياه الدافئة، فضلًا عن ذلك، يتبدد أغلب النفط وآثاره في غضون خمسة أعوام. أما في المياه الباردة، فإن التعافي قد يستغرق وقتًا أطول كثيرًا، كما أثبت تسرب إكسون فالديز في ألاسكا عام 1989.

وبالتالي، فإن ما يسمى بالتأثيرات المتوالية تصبح أكثر وضوحًا وشدة، مقارنة بحالها في المناطق الدافئة، في الأنظمة البيئية التي تتسم بقلة التنوع في القطب الشمالي وبساطة الشبكة الغذائية المتاحة؛ لأن زوال نوع واحد أو مستوى غذائي، والذي يحتوي على الكائنات الحية التي تؤدي نفس الوظيفة في السلسلة الغذائية، من شأنه أن يؤدي إلى إحداث تغييرات في أنواع ومستويات أخرى في تسلسل سريع يصعب التنبؤ به.

القواعد الأمريكية ودورها في التنقيب على النفط في القطب الشمالي:

لا شك في أن القواعد الأمريكية الجديدة التي تحكم العمليات النفطية البحرية في القطب الشمالي، والتي أرغمت شل النرويجية على تأجيل الحفر إلى العام التالي، أكثر صرامة من القواعد القديمة، وسوف تعمل على الحد من خطر الاندفاعات القوية. ولكن إذا حدث ذلك، فإن الطريقة الوحيدة الجديرة بالثقة لوقفه وإغلاق البئر تتلخص في حفر بئر تنفيس.

وهذا قد يستغرق شهورًا في ظل أفضل الظروف؛ وقد يستغرق عامًا كاملًا أو أكثر في القطب الشمالي. ولكن هناك طريقة لاختصار الوقت اللازم لإغلاق بئر إلى بضعة أيام؛ وهي ببساطة حفر بئرين متوازيتين منذ البداية، وفي حالة حدوث اندفاع قوي للنفط من بئر من الاثنين، يصبح من الممكن استخدام البئر الأخرى كبئر تنفيس. ولكن هذا من الواضح أن هذا من شأنه أن يدفع تكاليف الحفر إلى الارتفاع بشكل كبير.

أمريكا وروسيا وزيادة التنافس بين الدول المتشاركة:

لقد أصبح القطب الشمالي أسهل قابلية للاستكشاف، حيث صار التنافس بين الدول المعنية أكبر وأشرس، ما زاد من عدد النزاعات الإقليمية والأرضية والبحرية القائمة بينها، وما زاد الأمر سوءًا التكلفة العالية المتزايدة لاستكشاف القطب.

ولكي تصبح الأمور أكثر تعقيدًا، فإن ذوبان القطب الشمالي سيترك آثارًا إستراتيجية خطيرة، بحيث إنه يخلق خطوطًا بحرية جديدة عبر أعالي العالم. كما يمكن للمنطقة في خاتمة المطاف أن تحقق حلم الملاحين القديم بممر شمالي غربي في كل المواسم، ما يخفض آلاف الكيلومترات من الطرق المعتمدة في يومنا الحاضر بين المحيطين الأطلسي والهادي.

تقدمت موسكو رسميًا عام 2001 بأن لها بالحق في 1.2 مليون كيلومتر مربع من الأراضي الإضافية، وهو ما يعادل نصف المحيط المتجمد الشمالي، بما في ذلك القطب، وهو طلب رفض بسبب الافتقار إلى معلومات تظهر أن قاع البحر المتغضن يشكل جزءًا من الأراضي الطبيعية لروسيا. ومع ذلك، فإن الروس يمضون قدمًا وبقوة كبيرة حاليًا بأبحاث جديدة.

ومن جهة أخرى: فإن الولايات المتحدة أيضًا كانت منهمكة في منطقة سبر الأغوار تحت الجليد، ويشوب موقف واشنطن الالتباس جراء رفض مجلس الشيوخ المصادقة على الميثاق الصادر عن الأمم المتحدة بسبب التوجس الجمهوري من مثل هذه المواثيق الدولية أو اختراقها في القطب الشمالي.

وعلى الرغم من ذلك، فخلال السنوات الأخيرة الماضية، قام مركز رسم خرائط السواحل والمحيطات في جامعة نيو هامشير الأمريكية لعدة مرات بإرسال فرق إلى بحر تشوكتشي شمال ألاسكا لتبين الحدود المحتملة لأي ادعاء مستقبلي بحقوق ما في هذه المنطقة التي قد تكون محط نزاع سواء مع روسيا أو بعض الدول المجاورة الأخرى. (صحيفة الخليج).

ويحظى القطب الشمالي باهتمام كبير لدى القيادة الروسية، وقد توصلت روسيا والنرويج مؤخرًا إلى اتفاقية لترسيم الحدود بينهما في البحار الشمالية والتعاون في استغلال موارد بحر بارنتس والمحيط المتجمد الشمالي، بعد مفاوضات مضنية استمرت 40 عامًا، حيث تنوي روسيا تقديم طلب للأمم المتحدة لترسيم حدودها بشكل كامل في منطقة القطب الشمالي.

وبناء على ذلك، فقد شهد شمال السويد مناورات جوية لحلف الناتو تعرف باسم مناورات السهم الصائب، بمشاركة أكثر من ألفي جندي وضابط من 10 دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإحدى حاملات الطائرات البريطانية، وأكثر من خمسين طائرة مقاتلة، وتعتبر هذه المناورات الأكبر على الإطلاق في السويد.

حيث بدأت مناورات تتحرك لحلف الناتو في السويد في إطار الشراكة والتعاون مع الناتو حول السلام التي تدخل السويد فيها، وقوات الناتو للتدخل السريع التي قامت بالمناورات بعمليات جوية للتدخل في حالة حرب دولية. ولكن الأهمية الإستراتيجية تكمن في منطقة البارنتس التي تمت فيها المناورات، فهي تعتبر منطقة حساسة وقريبة من آركتيس، وفيها الثلوج تبدأ بالذوبان، وهنالك إمكانية للوصول إلى الثروات المعدنية، وستكون هناك معركة على هذا.

ولربما يجعل من الأمر استعراضًا للقوة من قبل الناتو من أجل السيطرة على نفط القطب الشمالي، وما يدل على ذلك سيناريو فعاليات مناورات السهم الصائب التي تضمنت قيام القوات المشاركة بمساندة دولة أوروبية تتنازع مع دولة أوروبية أخرى حول حقول نفطية في شمال أوروبا، ما يعد بمثابة إنذار توجهه الولايات المتحدة لروسيا بضرورة تحاشي دخول مناطق الشمال الغنية بالنفط. وسبق أن شهدت المياه الإقليمية النرويجية مناورات عسكرية للناتو كرست لسيناريو احتدام الصراع على موارد القطب الشمالي، وبالطبع هذا ما لا تقبله روسيا.

كما أن معظم الأرض التي ستصبح مفتوحة جراء التوسعات وستكون مياهًا عميقة للغاية -بعمق وفق خبراء يصل إلى 4000 متر-، وبالتالي فإن هذا ليس المكان الأنسب للبحث عن المركبات الهيدروكربونية حاليًا. ولكن ربما في غضون 50 عامًا يمكن أن تكون المواد البيولوجية والموارد الجينية في باطن القطب هي ما يثير الاهتمام بين القوى الكبرى، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. (صحيفة الخليج).

ختامًا نقول: إن هذه الأحداث والتطورات والتحركات في القطب الشمالي ترجع بسبب زيادة أسعار النفط المرتفعة التي ساهمت في زيادة مستوى الاهتمام بالمنطقة القطب الشمالي على وجه التحديد؛ إلا أن ثمّة عقبات كبيرة لا تزال موجودة، فتكاليف رأس المال المترتبة على العمل في المياه الشمالية الباردة أعلى بخمس مرات مما هي في خليج المكسيك -على سبيل المثال- وفق تقديرات دولية. وحتى عندما تكون آخر قطعة من الجليد ذابت، فإن الوصول إلى الذهب الأسود سيكون عملًا شاقًا للغاية.

وبالتالي، فلا شك أبدًا من أن المعركة الكبرى المقبلة ستكون على ثروات القطب الشمالي وبين عدد من الدول عمومًا، وما بين القوى الكبرى خصوصًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين؛ لأن الصين أيضًا تعتبر نفسها دولة شبه قطبية، وبها أجزاء قريبة من منطقة القطب الشمالي، وبالتالي لها الحق في ثروات هذه المنطقة.

الخلاصة:

– نستخلص من هذا التقرير أن هناك ثروة كبيرة وهائلة غير مكتشفة في منطقة القطب الشمالي، والتي قد تكون من أسباب المعركة القادمة بين القوى الكبرى، وصراع مرتقب بين الدب والنسر والتنين على ثروات القطب الشمالي، حيث تحتوي الدائرة القطبية الشمالية على 160 مليار برميل من النفط و30% من الغاز الطبيعي غير المكتشف على كوكب الأرض، وفقًا لتقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.

– أن الصراعات والحروب قد أسهمت في زيادة التحركات في القطب الشمالي، ويرجع ذلك إلى زيادة أسعار النفط المرتفعة التي ساهمت في زيادة مستوى الاهتمام بالمنطقة القطب الشمالي على وجه التحديد؛ إلا أن ثمّة عقبات كبيرة لا تزال موجودة، فتكاليف رأس المال المترتبة على العمل في المياه الشمالية الباردة أعلى بـ”خمس مرات” مما هي في خليج المكسيك، على سبيل المثال.

– بالفعل، ومنذ وقت قريب، قد بدأت مناورات تتحرك لحلف الناتو المتمركزة في السويد في إطار الشراكة والتعاون مع الناتو، وجاهزية قوات الناتو للتدخل السريع التي قامت بالمناورات بعمليات جوية للتدخل في حالة حرب دولية على هذه المنطقة الإستراتيجية.

– لقد تقدمت موسكو رسميًّا في عام 2001 بأن لها بالحق في 1.2 مليون كيلومتر مربع من الأراضي الإضافية، وهو ما يعادل نصف المحيط المتجمد الشمالي، بما في ذلك القطب، وهو طلب رفض من باقي الدول المجاورة والمشتركة، وذلك بسبب الافتقار إلى معلومات تظهر أن قاع البحر المتغضن يشكل جزءًا من الأراضي الطبيعية لروسيا. ومع ذلك، تستخرج روسيا النفط والغاز من بعض المناطق الروسية الأخرى القريبة.

– لقد أصبح القطب الشمالي أسهل قابلية للاستكشاف، وهو ما ساهم في زيادة التنافس بين الدول المعنية بشكل أكبر وأشرس، مما يزيد من عدد النزاعات الإقليمية والأرضية والبحرية القائمة بينها.

– إن الاحتياطيات التقديرية، وفق تقارير دولية وبيئية، تحت المحيط المتجمد الشمالي ضخمة للغاية، وبأسعار اليوم، فإن قيمة هذه الاحتياطيات قد تعادل ما يتجاوز 7 تريليونات دولار أمريكي، وفقًا لتقديرات شركات الطاقة الدولية. وإذا أضفنا الغاز الطبيعي، فإن قيمة هذه الاحتياطيات ربما تصل إلى 10 تريليونات دولار كتقدير متحفظ.

– على القوى العظمى المتصارعة ألا تغفل العديد من المخاطر البيئية المرتبطة بالتنقيب عن النفط، وخاصة في المحيط المتجمد الشمالي، وهناك أيضًا مسألة الطقس والمناخ. وحتى إذا أصبح القطب المتجمد الشمالي خاليًا من الجليد في الصيف، فإن الحال مختلفة أغلب العام، وسوف تصبح جبال الجليد الناجمة عن ذوبان الطبقات الجليدية الضخمة أكثر عددًا وربما أكبر حجمًا، إلى جانب العواصف المتكررة القوية والجليدية التي تهب دون سابق إنذار، وذلك من شأنه أن يزيد من احتمالات الاندفاعات القوية والتسرب وظاهرة الاحتباس.

– لا شك أن منطقة القطب الشمالي ستكون محط تنافس كبير وصراع بين القوى الكبرى خلال المرحلة المقبلة. وبالتالي، لا بد من الاستعداد والتحسب ومعرفة المشكلات الكبيرة والوعرة التي تحول دون ذلك، وإدراك مخاطر النزاعات الدولية والتكلفة العالية والموانع والتحفظات البيئية والتنافس الشرس بين الدول المختلفة، لاسيما بين أوروبا وروسيا وأمريكا والصين.

المصادر:

– صحيفة الرياض

– العين الإخبارية

– صحيفة الخليج