fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

نهاية المشروع الاستعماري لفرنسا في إفريقيا… هل سيكون الدُّبُّ الروسي بديلًا؟

88

نهاية المشروع الاستعماري لفرنسا في إفريقيا… هل سيكون الدُّبُّ الروسي بديلًا؟

على مرِّ السنين والعصور، كانت ترغب دائمًا ولا تزال في أن تعيش عصر الاستعمار واستغلال ونهب ثروات ومقدرات البلدان التي تدخلها وتفرض سيطرتها على شئونها الداخلية، كما تفرض ثقافتها وسياستها بهذه البلدان؛ نتيجة الضعف والوهن، ويبدو أيضًا أنها تريد إعادة أمجاد إمبراطوريتها القديمة، لكنها اضطرت هذه المرة وبعد مُضيّ نحو 9 سنوات متتالية إلى سحب قواتها من مالي وهى خسارة فادحة بالطبع، لحقتها خسارة أخرى بعد ذلك، وهي خروجها من بوركينا فاسو، لم تلبث أن تمر من هاتين الصفعتين إلا ولحقت بها ضربة جديدة وهي خروجها من النيجر، حيث البلد الغنيّ بالثروات الطبيعية، ومنها: اليورانيوم (عن الاستعمار الفرنسي أو هكذا عن فرنسا نتحدث).  

في هذه السطور، يطرح مركز “رواق” للأبحاث بعض التساؤلات، وهي:

هل انتهى الحلم الفرنسي التوسُعي في إفريقيا؟

هل سيصبح الدُب الروسي بديلًا للغرب؟

لماذا أصبح الوجود الفرنسي غير مرغوب فيه في إفريقيا؟

لماذا كل هذا السخط الإفريقي على الغرب وبالتحديد فرنسا؟

هل شكَّلت الانقلابات ضربة للإستراتيجية الفرنسية في إفريقيا؟

هل بات انتهاء القبضة الاستعمارية لفرنسا في دول القارة وشيكًا؟:

يبدو أن قوة فرنسا الاستعمارية التي ظلَّت مهيمنة على القارة السمراء منذ أكثر من قرن؛ إلا أن التأثير التاريخي والثقافي لفرنسا في إفريقيا بات يمر بمرحلة فارقة ونقطة تحول في ذات الوقت، ويبرهن على ذلك ما حدث في النيجر في الأيام القليلة الماضية منذ الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، وما تبع ذلك من تهديدات إقليمية وربما دولية بالتدخل العسكري لعودته للحكم، وفي الحقيقة أن كل المُعطيات والمؤشرات باتت تؤكد الآن على أن قبضة فرنسا على إفريقيا أصبحت في التدني والتراجع.

وفي تقديري: إن التحول الذي بدأ يظهر على السطح في السياسة الفرنسية تجاه دول القارة الإفريقية، والتغير في النظرة الموروثة لدى النخب الحاكمة والمثقفة في فرنسا والساسة البارزين في الشارع الفرنسي؛ لا سيما ما أعرب الرئيس ماكرون عن عزمه ترك نظرة أو إرث الاستعمار الفرنسي مع دول القارة، وتعزيز علاقة جديدة ومتوازنة ومتكافئة تسودها المصالح المشتركة؛ إلا أنها يبدو قد جاءت متأخرة.

كما من الملاحظ أيضًا: أن الرئيس ماكرون، الذي قد حَثَّ من قبل بعض الشركات الفرنسية، خصوصًا بعد انتخابه للولاية الثانية على زيادة الاستثمار والتنافس في إفريقيا، مما يدلل على التوجه الفرنسي نحو شراكة يسودها الاستثمار وليس نهج المساعدة فقط، بعد أن سعت فرنسا وبشكل حثيث على مدار أكثر من قرن تقريبًا إلى إرساء مبدأ السيطرة والنفوذ لها بمنطقة الساحل الإفريقي.

لقد أصبح الوجود الفرنسي على مدى السنوات التسع الماضية في بعض دول إفريقيا، غير مرغوب به بشكل متزايد لدى حكومة مالي وشعبها على حدٍّ سواء، حيث أرسلت فرنسا 5000 جندي إلى مالي، في عام 2013، بناءً على طلب من الحكومة المالية بغّية أن تواجه التمرد المسلح آنذاك. (بي بي سي).

التهديدات الأمنية في مالي ومنطقة الساحل الإفريقي:

لقد ركَّزت تنظيمات مسلحة في إفريقيا، وعلى رأسها: كل من تنظيمي داعش والقاعدة على منطقة الساحل في غرب إفريقيا، بعد الانتكاسات التي لاقاها في الشرق الأوسط، والساحل الإفريقي هو عبارة عن شريط من الأراضي شبه القاحلة تحت الصحراء الكبرى، يمتد عبر القارة من الشرق إلى الغرب، حيث يضم جزءًا من تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا. (بي بي سي).

كما قد نفذت بعض التنظيمات المتطرفة، هجمات إرهابية في الصحراء الكبرى أسفرت عن مقتل آلاف وتشريد عشرات الآلاف من الأشخاص، وإغلاق الآلاف من المدارس، كما نشطت ولا تزال في الساحل أيضًا، مجموعتان متطرفتان أخريتان، هما: تلك التي تسمي نفسها بأنصار الإسلام، وبوكو حرام.

جلب الأسلحة من ليبيا بعد سقوط نظام القذافي:

بعد الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي وقتله، عادت ميليشيات الطوارق التي كانت تقاتل في صفه إلى موطنها في مالي، مُصممة على القتال من أجل استقلال شمال البلاد.

ويرى عسكريون: أن كثرة الأسلحة التي حصلت عليها تلك الجماعات المسلحة من الرئيس الراحل القذافي أثناء قتالها معه، شكلوا تحالفًا مع المتطرفين المرتبطين بالقاعدة ليصبحوا أقوى الشركاء، وبهدف السيطرة على شمال مالي مهددين أيضًا بالسيطرة على البلاد بأكملها. (بي بي سي).

وكانت دولة مالي مستعمرة فرنسية حتى عام 1960، وزعمت الحكومة الفرنسية أنها تريد حماية سكان مالي والمواطنين الفرنسيين الذين يعيشون هناك ويبلغ عددهم 6000، حيث تمركز قرابة 2500 من هذه القوات في شمال مالي، بينما استخدم الباقون الطائرات بدون طيار والمروحيات لتعقب الخلايا المتطرفة التي تعمل في منطقة الساحل. (بي بي سي).

لماذا أصبح الوجود الفرنسي غير مرغوب فيه في إفريقيا؟

لقد أصبح الاستعمار أو التواجد الفرنسي غير مُرحب به البتَّة في دول إفريقيا؛ لا سيما منطقة الساحل الإفريقي أو الغالبية العظمى من بعض الحكومات، تلك التي تعاني من الفقر والقمع وفرض ثقافة غربية على شعوبها.

وعلى سبيل المثال: اعتبر شعب “مالي” أن التواجد الفرنسي هو استمرار للاحتلال والاستعمار القديم، بالرغم من الترحيب الذي لقيته القوات الفرنسية عند وصولها إلى مالي قبل تسعة أعوام؛ إلا أن العلاقات توترت منذ ذلك الحين، وزاد عدد الهجمات الإرهابية في البلاد بشكل مُطرد، وكذلك عدد الماليين المنضمين إلى الجماعات المتمردة انتقاما من تواجد قوات فرنسا.  (بي بي سي).

وعلى مدار السنوات التسع الماضية، انتشر تهديد المتطرفين أيضًا إلى دول أخرى، مثل: بوركينا فاسو والنيجر، حيث شنّ المتمردون غارات في المنطقة من قواعدهم في الصحراء الكبرى؛ لذا كان يشعر العديد من السكان المحليين أنه كان ينبغي على فرنسا، كقوة عسكرية متقدمة، أن تكون قادرة على حل مشكلة الإرهاب، وأن عليها المغادرة إذا لم تستطع فعل ذلك، ومنذ أن لقي 55 جنديًا فرنسيًا حتفهم في عملية “برخان”، لم تعد فرنسا تحظى بقبول أو شعبية لدى الشعب المالي مطلقًا. (بي بي سي).

كيف قضى الانقلاب في مالي على العلاقة بين بامكو وفرنسا إلى الأبد:

لم يكتفِ المجلس العسكري في مالي بإنهاء حكم السلطة الموالية لفرنسا، بل ذهب لينهي الإرث الفرنسي في البلاد، لا سيما اللغة والثقافة التي فرضتها فرنسا على الشعب بالبلاد، حيث قام بطرح استفتاء على الدستور المالي ليتم على إثر التخلص من أي موروثات فرنسية غير مرغوب بها على الشعب، بل والأجيال المقبلة.

الاستفتاء على الدستور الجديد:

وفي يونيو الماضي، أدلى الناخبون من الشعب المالي الرافض للتواجد الفرنسي، بأصواتهم على مشروع دستور جديد للبلاد يعوَّل عليه لتغيير الواقع السياسي الهشّ الذي تغرق فيه البلاد منذ انقلاب المجلس العسكري على الرئيس “باه نداو” قبل ما يقرب من ثلاث سنوات. (الجزيرة).

ورغم تأكيد العقيد “أسيمي غويتا”، زعيم الانقلاب الذي نصّب نفسه رئيسًا مؤقتا، أن الاستفتاء الدستوري الذي نظمته مالي بضغط من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وحصل على موافقة 97% من أصوات الشعب، يُعد خطوة حاسمة نحو إعادة البلاد إلى الحكم المدني، تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية في فبراير القادم من عام 2024 وذلك لضمان مستقبل ديمقراطي هادئ للبلاد. (الجزيرة).

إنهاء عباءة الفرنسيين عن الشعب المالي ووقف كافة الاتفاقيات معها:

وبعد الاستفتاء على الدستور الذي وضع بمباركة فرنسية وغربية، قرر المجلس العسكري في مالي خلع ما يسمَّى بـ “عباءة الفرنسيين” عن الشعب المالي وفق محللين، وإطلاق شرارة نهاية النفوذ الفرنسي، معلنًا بذلك التحرك تعطيل جميع الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا، لترد الأخيرة باستخدام نفوذها واتهام المجلس العسكري القريب من روسيا بالمماطلة في وضع جدول زمني للعودة السريعة إلى الحكم المدني. (الجزيرة).

ونظرًا أو ربما لوجود موالين لفرنسا في الغرب الإفريقي، دفعت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إيكواس” لفرض عقوبات اقتصادية على مالي، إلى جانب إغلاق حدود الدول الأعضاء معها وتجميد أرصدتها لدى المصارف ومنع التحويلات البنكية، وسحب جميع الدبلوماسيين من باماكو، وإلغاء جميع أشكال التعاون معها خصوصًا على المستوى المالي، ليكون الاستثناء الوحيد في هذه العقوبات السارية حتى اليوم هو السماح بدخول الأدوية والمواد الغذائية.

تقليص تواجد القوات الأجنبية والانسحاب الكامل في يناير 2024:

ويرى مراقبون: أن بعض الشخصيات العامة والنُخب السياسية في مالي قد استفادت من ارتفاع وتيرة الغضب المتصاعد التواجد الفرنسي، وطردها من البلاد نتيجة الاحتلال والفشل مباشرة بعد انقلاب 2020، حيث اتهم قادة الانقلاب فرنسا بالتدخل في شؤون بلادهم، وفي الوقت نفسه، ضغط قادة الجيش المالي على الأمم المتحدة لإنهاء مهمة بعثة حفظ السلام الموجودة في البلاد، وتقليص القوات الأجنبية حتى يكتمل الانسحاب الكامل في يناير خلال العام القادم 2024، أي: قبل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل فراغ دستوري وأمني تشهدهما مالي. (الجزيرة).

فرنسا تفرض ثقافتها ولُغتها على شعب مالي المسلم:

ويأتي الاستفتاء الجديد بعد أقل من عام على طرد القوات الفرنسية من البلاد، حاملًا وجهًا جديدًا يُكرس لقطيعة تامة مع فرنسا، مُستعمِر الأمس الذي فرض على البلاد هوية علمانية، ودسَّ اللغة الفرنسية لتكون اللغة الرسمية لمالي المسلمة تلك التي يسكنها أغلبية مسلمة تفوق 90% والتي كانت حتى الأمس القريب رهينة لهذا التوجه الفرنكفوني الذي يسيطر على 29 دولة في فضاء إفريقيا الفسيح. (الجزيرة).

وبعد طرد الاستعمار الفرنسي وتعديل الدستور، فقد خفضت تلك التعديلات الدستورية درجة اللغة الفرنسية من لغة رسمية إلى لغة عمل، لصالح اللغات الأم التي منها العربية، كما مهدت الطريق لإمكانية إلغائها في المستقبل القريب.

وبهذا يكون قد سقط عرش فرنسا في باماكو بين ليلة وضحاها، وأصبح يُنظر إلى مالي على أنها تلك الدولة القادرة على قيادة ربيع إفريقي مناهض لفرنسا تمتد عدواه لبقية دول الساحل والصحراء، خصوصًا أن الجيل الجديد لم يعد يرى في الوجود الفرنسي الذي صنع أغلب الماضي القريب لدول شمال وغرب إفريقيا سوى وجهه المُستعمِر، وأمام هذه الحقيقة لم يعد بإمكان باريس أن تظل محتفظة بزمام الحاضر والمستقبل في مربع سيطرتها السابق، ويبدو أن البداية قد تكون من مالي. (الجزيرة).

دحر التواجد الفرنسي في الساحل الإفريقي:

هذا ويرى مراقبون: أن قصة هزيمة فرنسا بعد إخفاقاتها العسكرية والأمنية والاقتصادية، بدأت تنتهي في أهم معسكراتها في منطقة الساحل الإفريقي، وذلك عقب إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في فبراير العام الجاري 2023 سحب القوات الفرنسية من مالي، لتنتهي بذلك عملية “برخان” التي انطلقت قبل نحو عقد من الزمان، بطلب من حكومة مالي الانتقالية وقتها حين اجتاح “المسلحون الجهاديون” جنوب البلاد، ولم تفوت فرنسا الفرصة وقتها ودفعت بالآلاف من قواتها إلى بلدان الساحل، غير أن التدخُّل العسكري الفرنسي الذي نجح في البداية، وأعاد زمام الأمور كما أرادت فرنسا، لم يُثمر بعد أشهر على نجاحه إلا الفشل الذريع.

وأضاف المراقبون: لقد خلَّف الاستعمار أو التواجد الفرنسي، وأسقط مالي أكثر فأكثر في مستنقع الإرهاب وبراثن التطرف، وتحولت الأزمة من صراع على الحكم إلى حرب أهلية عِرقية بعد ما زادت أعداد الجماعات المتمردة الناقمة على السلطة، ليحصد ماكرون النصيب الأوفر من الغضب من المسؤولين والجماهير على حدٍّ سواء، خاصة بعدما قصفت طائراته حفل زفاف، وقتلت 19 مدنيًّا في حادثة أدانتها الأمم المتحدة، وفاقمت الغضب الشعبي الداخلي ضد باريس. (الجزيرة).

ضربة جديدة لفرنسا في بوركينا فاسو:

استمرارًا لرفض التواجد الفرنسي بدول القارة لا سيما أنه يبحث فقط عن مصالحه، فقد تظاهر الآلاف في ساحة الأمة بوسط واغادوغو مؤخرًا، حاملين أعلامًا روسية من أجل “سيادة” بوركينا فاسو، ودعمًا للمجلس العسكري الحاكم الذي يرأسه الجنرال إبراهيم تراوري، ورفع المتظاهرون لافتات تدعو لسقوط “الإمبريالية” و”السياسة الفرنسية في إفريقيا”. (إيرو نيوز).

واعتبر داعمو التعاون بين بوركينا فاسو وروسيا، أن هناك فرصًا أخرى للتعاون متاحة لنا في الحرب ضد الإرهاب، لا سيما مع روسيا، وحمل المتظاهرون، الذين تجمعوا في ساحة الأمة بوسط العاصمة، أعلامًا روسية ولافتات مكتوب عليها: “تسقط الإمبريالية” و”السياسة الفرنسية في إفريقيا” و”لا لإملاءات ماكرون”، و”إلى الأمام من أجل سيادة بوركينا فاسو”.

كما حمل متظاهرون أيضًا لافتات كبيرة عليها صور الرئيس المالي أسيمي غويتا ونظيره الغيني مامادي دومبويا، اللذين وصلا إلى السلطة نتيجة الانقلاب العسكري، مثلما حصل مع الرئيس الانتقالي في بوركينا فاسو الجنرال إبراهيم تراوري. (إيرو نيوز).

وقال رئيس المنظمات الداعمة لانتقال السلطة، الحسن كواندا، آنذاك: “اليوم هو يوم سيادة بوركينا فاسو، إنه يوم مميز يجتمع فيه جميع مواطني بوركينا فاسو لقول (لا للإمبريالية، نعم لسلطة إبراهيم تراوري الانتقالية) الذي يتخذ إجراءات من أجل سيادتنا، ولكن أيضًا من أجل جيش قوي بما يكفي لمحاربة الجهاديين”.

النيجر ومالي وبوركينا فاسو… هل سيكون الدُب الروسي بديلًا؟

من اللافت للنظر والواضح جدًّا وبعد طرد القوات الفرنسية، أن جميع علاقات المجالس العسكرية في البلدان الثلاثة بروسيا باتت على النقيض تمامًا، مقارنة مع علاقتها بفرنسا، حيث في مالي، وبمجرد وصول المجلس العسكري إلى سُدة السلطة، رحب بمجموعة فاغنر الروسية، الأمر الذي تكرر بعد ذلك في بوركينا فاسو والنيجر. (إيرو نيوز).

ومنذ الانقلاب الذي شهدته النيجر في 26 يوليو الماضي، حين أطاح الجنرال عبد الرحمن تشياني، قائد الحرس الرئاسي بالرئيس الموالي للغرب محمد بازوم، قد تغير المشهد بشكل تام في الشارع، وبدأت مشاعر العداء لفرنسا تطفو على السطح دون أدنى مواربة أو خوف، وظهرت الأعلام الروسية في مقاطع فيديو وطغت على مشهد الاحتجاجات في مناطق عدة في البلاد.

النيجر تقرر طرد السفير الفرنسي:

واستمرارًا لرفض أي تواجد فرنسي في النيجر بعد الانقلاب على الرئيس بازوم الموالي لها، تظاهر الآلاف خلال الأيام القليلة الماضية في النيجر تأييدًا لعزل “بازوم” الذي وقع الشهر الماضي، وذلك قبل ساعات قليلة من مهلة نهائية منحت للسفير الفرنسي لمغادرة البلاد.

وقد تجمع عدد كبير من المتظاهرون قرب القاعدة العسكرية الفرنسية في العاصمة نيامي، حيث لوَّح بعضهم بأعلام النيجر وروسيا، بينما حمل آخرون لافتات تطالب برحيل القوات الفرنسية. (سكاي نيوز).

ولا يزال نحو 1500 جندي فرنسي يتمركزون في النيجر، حيث كانوا يساعدون الرئيس المخلوع محمد بازوم في القتال ضد الجهاديين قبل أن يطيحه ضباط الجيش في 26 يوليو بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني.

من جهتها، أعلنت وزارة خارجية النيجر في بيان لها: أن أمام السفير الفرنسي سيلفان إيتي 48 ساعة لمغادرة البلاد، قائلة: إنه رفض الاجتماع مع الحكام الجدد ومشيرة إلى تصرفات الحكومة الفرنسية باعتبارها “تتعارض مع مصالح النيجر”.

حيث تجمع أكثر من 20 ألف شخص في ملعب سينيي كونتشي لدعم الحكام العسكريين الجدد في البلاد والدعوة إلى رحيل الجنود الفرنسيين من الأراضي الفرنسية بشكل نهائي. (سكاي نيوز).

الانقلابات تشكل ضربة للإستراتيجية العسكرية الفرنسية في إفريقيا:

يرى محللون: أن انقلاب النيجر الأخير قد جاء بعد الانقلابين اللذين وقعا في كلٍّ من مالي وبوركينا فاسو، لا سيما بعد عام من رحيل جنود عملية برخان الفرنسية من مالي، وبعد نحو ستة أشهر فقط من انسحاب القوات الخاصة الفرنسية من بوركينا فاسو، بناءً على طلب حكومة عسكرية جديدة.

لذلك، وبمجرد وصول الجنرال “تشياني” في النيجر إلى الحكم، قرر إلغاء اتفاقيات عسكرية كانت مُبرمة مع فرنسا، تتعلق بشكل خاص بتمركز القوات الفرنسية ووضع الجنود الفرنسيين في المعركة ضد الجهاديين، كما توعدوا بردود فورية على أي عدوان.

وفي المقابل، يتمركز المئات من مقاتلي مجموعة فاغنر في مالي بدعوة من المجلس العسكري للبلاد، لقمع أي تمرد يتصاعد في منطقة تلتقي فيها حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويرى محللون: أن وصول الجنرال ساليفو مودي، يُعتبر أحد أبرز المشاركين في انقلاب النيجر الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، إلى مالي بحسب ما أعلنته رئاسة البلاد، ومن حينها تُثار تكهنات مفادها أن الانقلابيين في النيجر مهتمّون بالحصول على خدمات مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية التي تعمل في عدة دول إفريقية منذ سنوات. (إيرو نيوز).

أسباب السخط الإفريقي على الغرب وبالتحديد على فرنسا:

وفي الآونة الأخيرة لقد برز سؤال مُفاده: لماذا كل هذا السخط على الغرب وتحديدًا على فرنسا والترحيب ببلد كروسيا يمكن أن تستفيد من تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية لهذه الدول بهدف تأمين موطئ قدم إستراتيجي في المنطقة، رغم مشكلاتها الأخرى كالحرب الأوكرانية؟

وقبل أن نخوض في الإجابة، يجب أن نستشهد بآية كريمة في سورة “يوسف” في قول الله تعالى: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا)، فلقد أجاب عن هذا السؤال، السفير الفرنسي السابق بالنيجر، لا سيما عن التاريخ الاستعماري والإرث وربما الفقر الذي خلّفته فرنسا في هذه البلدان الإفريقية.

وفي اعتراف من السفير الفرنسي السابق جيرار أرو في مقابلة متلفزة، بالقول: إن الانقلاب في النيجر يرجع في الغالب إلى شكل العلاقة الاستعمارية الجديدة بين فرنسا والقارة الإفريقية، ورفض الوجود الفرنسي في البلاد وإحباط مواطني هذه الدول من إرث المستعمرات الفرنسية، منتقدًا افتقار الاتحاد الأوروبي إلى الوحدة تجاه إستراتيجية إفريقية واضحة.

وأضاف السفير الفرنسي: إن الدول الإفريقية ذات الماضي الاستعماري الفرنسي “تشهد تمرد الشباب” ضد كلٍّ من فرنسا وحكوماتها الوطنية، والتي يُنظر إليها على أنها دمى لفرنسا في المنطقة، كما أن الغضب ضد الفرنسيين يقترن بالطفرة الديمغرافية والفقر المدقع؛ الأمر الذي أدى إلى إجهاد السلطات الوطنية بشكل كبير.

ويرى مراقبون: أن النيجر مثلًا، يعيش به أكثر من 20 مليون شخص وهو تعداد سكاني ليس بكبير مقارنة بمساحة الدولة وما بها من ثروات طبيعية ومعدنية هائلة، ومع ذلك يعيش اثنان من كل خمسة في فقر مُدقع على أقل من 2.15 دولار في اليوم، على الرغم من أنها سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، الذي يعد بمثابة الوقود الحيوي للطاقة النووية، ويذهب ربع هذا الإنتاج إلى أوروبا، وخاصة إلى فرنسا.

وقد سمحت لفرنسا بإنشاء قاعدة عسكرية في سبتمبر عام 2010، ومع السماح لفرنسا أيضًا ولأول مرة باستخدام مجالها الجوي وأراضيها للمقاتلات والمعدات الفرنسية، بعد اختطاف القاعدة لخمسة مواطنين فرنسيين يعملون في منجم أريفا لليورانيوم في أرليت في شمال البلاد. (إيرو نيوز).

ما أبرز التوقعات والاستنتاجات؟

– من المتوقع أن تنشُب حربًا بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) وما بين باقي دول المجموعة، مثل: النيجر، مالي، بوركينا فاسو، وربما غينيا؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة في منطقة الساحل.

– في تقديري: إن عدم احتواء الموقف والتهدئة، لا سيما في الدول التي لفظت التواجد الفرنسي والغربي قد يؤدي إلى انهيار وتفكك مجموعة “إيكواس”.

– لا شك أن جماعات التطرف والإرهاب في هذه المناطق الساخنة، وخصوصًا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، سوف تتوسع نتيجة الفوضى والتربة المناسبة والخصبة لها في الساحل والغرب الإفريقي.

– أتوقع أن هذا الخطر أو التمدد الإرهابي وربما الذي قد تُغذيه دول غربية نفسها انتقامًا من الشعوب الإفريقية، لا سيما التي لفظتها، سيجعل الفرص سانحة للغاية أمام مافيا وعصابات تجارة السلاح والتجارة غير المشروعة.

– أيضًا: أن الخطر الداهم قد يكمن في خروج أعداد كبيرة من اللاجئين التي لا يمكن استيعابهم في القارة السمراء، نتيجة الفقر، والفقر المدقع، جراء السياسات الغربية الخاطئة، وأيضًا من بعض الحكومات في دول القارة.

الخلاصة:

– نستخلص من ذلك: أن الشعوب الإفريقية لم تعد تتسامح مع حكومات ترحب باستمرار التواجد الفرنسي الذي ينهب ثرواتها شيئًا فشيئًا، وفي الوقت نفسه عجزه عن مواجهة الجماعات المتطرفة التي تهدد الاقتصاد والأمن المُجتمعي لتلك الشعوب.

– كما أن الانفتاح على الدُب الروسي قادم لا محالة، ولكن ربما يكون في التواجد الروسي بعض الضرر، وحتى إن كان لم يكن بنفس القدر الغربي.

– وبالتالي، فعلى الشعوب الإفريقية والحكومات أولًا أن تنتبه جيدًا لمصالح شعوبها، وألا يكون ما حدث هو مُجرد استبدال مُستعمر غربي (أوروبا) بآخر شرقي (روسيا – الصين).

– لا شك أن الدُب الروسي يبحث وبالأكيد عن مصالحه في إفريقيا، لكنه قد يختلف في سياساته الخارجية عن السياسة الغربية؛ لأنه يعطي قدرًا من المرونة والمنافع التجارية والاقتصادية لدول القارة، ليس حُبًّا فيه، ولكن ليضمن استمرار بقاؤه هناك ويكون بديلا عن الغرب.

– بالطبع أن دول الغرب لن تترك فاغنر خاصة، والحكومة الروسية عامة ترتع في إفريقيا وحدها، لا سيما أنها تعلم يقينًا حجم الثروات الطبيعية والمعدنية الهائلة في إفريقيا والتي تستحوذ على 30% من الثروات الطبيعية حول العالم، ما يعني أن صراع النفوذ قادم لا محالة، لا سيما في حال عدم انفتاح البلدان الإفريقية في التعاون مع الغرب بجانب روسيا.

– يجب أن تكون العلاقات والتعاون من قِبَل الحكومات والشعوب الإفريقية مع دول الغرب أو روسيا تسودها المصالح المشتركة واستفادة دول القارة بثرواتها في المقام الأول، والنهوض بتلك البلدان الذي ينهش ولا يزال فيها الفقر والأمراض والأوبئة والتخلف والأمية.

– اقتصاديًّا… بالرغم من تمتع فرنسا بحضور اقتصادي وتجاري كبيرين في القارة الإفريقية، ولها مئات الشركات هناك؛ إلا أن مكانتها باتت في التراجع نتيجة دخول دول غير غربية على الخط، مثل: الصين التي تُعد أكبر حليف اقتصادي لدول القارة. وفي المقابل أيضًا: أصبحت تركيا شريكا منافسًا في دول كانت تتمتع فيها فرنسا بنفوذ تقليدي، مثل: الجزائر وليبيا والسنغال.

– وبالأخير يمكن القول بأنه ورغم ضرب المُستعمر الغربي في إفريقيا ورفض استمراره وتوسعاته هناك؛ إلا أن أنظمة الحكم في إفريقيا سوف تُبقي على “شعرة معاوية” مع بعض الدول الغربية وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى وإن كانت شراكة مختلفة أمنيًّا واقتصاديًّا عن ذي قبل.

المصادر:

– بي بي سي

– الجزيرة

– إيرو نيوز عربي

– سكاي نيوز

التعليقات مغلقة.