ماذا حدث في كوريا الجنوبية؟ وما علاقة حرب أوكرانيا بعزل الرئيس؟
ماذا حدث في كوريا الجنوبية؟ وما علاقة حرب أوكرانيا بعزل الرئيس؟
في ليلة وضحاها انقلبت الأوضاع السياسية والاجتماعية في كوريا الجنوبية بعدما أعلن الرئيس الكوري الجنوبي يون سيوك يول -قبل عزله- فرض الأحكام العرفية بعد اتهام المعارضة بأنها تتعاطف مع كوريا الشمالية وغيرها من الادعاءات، وأرسل قوات الجيش لحصار البرلمان ومنع نوابه من الاجتماع؛ إلَّا أن نجاح نواب البرلمان في دخول الجمعية الوطنية والتصويت على إلغاء قرار الرئيس، وهو ما دفع يون سيوك لإلغاء قراره، وتصاعدت الأحداث السياسية يومًا بعد الآخر، واستقال وزير الدفاع وغيره من المسؤولين، وأقر البرلمان عزل الرئيس يون من منصبه، وعُيِّن رئيس مؤقت، وبعد أيام عزل البرلمان الرئيس المؤقت هان داك سو، وتأثر اقتصاد كوريا الجنوبية على وقع الاضطرابات السياسية والاحتجاجات الشعبية، بما في ذلك البورصة والأسواق وغيرها من الخسائر الاقتصادية، وتراجعت عملة كوريا الجنوبية -الوون الكوري الجنوبي-، وتولى رئاسة البلاد وزير المالية شوي سانج موك وَسَط موجات من الاحتجاجات بين مؤيد ومعارض لكافَّة الأحداث.
وينتظر الكوريون حكم المحكمة الدستورية إما برفض قرار عزل الرئيس يون سيوك يول ومن ثَم عودته إلى منصبه، أو بتأييد القرار وإجراء انتخابات رئاسية، ولذلك في التقرير التالي سنحاول توضيح ماذا حدث في كوريا الجنوبية منذ مطلع ديسمبر الماضي 2024 ولا تزال تطوراته جارية إلَّا الآن، ونخوض في أسباب هذه الأوضاع داخليًّا وخارجيًّا.
ماذا حدث؟
في ظل خلافات سياسية بين رئيس كوريا الجنوبية يون سيوك يول والمعارضة الكورية، نشبت اضطرابات في بعض القطاعات على رأسها القطاع الطبي، حيث أضرب أكثر من 12 ألف طبيب عن العمل بسبب تدني الرواتب وارتفاع عدد ساعات عمل الأطباء المتواصلة لأكثر من 36 ساعة، وتزامنًا مع محاولات الرئيس الكوري بإصدار قرارات لرفع رواتبهم وزيادة أعداد الأطباء، اتخذ البرلمان الكوري بقيادة المعارضة قرارًا بتقليص الميزانية، وهو ما اعتبره الرئيس يون سيوك حربًا من المعارضة ضده، وأخذ يكيل الاتهامات نحو المعارضة، وأصدر قرارًا بفرض الأحكام العرفية ونشر قوات الجيش في المؤسسات، وحاصر البرلمان لمنع دخول الأعضاء؛ حتى لا يصوتوا على إلغاء فرض الأحكام العرفية؛ إلَّا أن نواب البرلمان بقيادة المعارضة أيضًا سبقت القوات الخاصة العسكرية ودخلت البرلمان تحت حماية المواطنين، وصوتت على إلغاء فرض الأحكام العرفية، وما هي إلَّا ساعات وتراجع الرئيس عن قراره، وانسحب الجيش إلى ثكناته، وأقيل وزير الدفاع كيم يونج هيون وتم اعتقاله بعد ذلك، وبعد أيام صوت البرلمان على عزل الرئيس بأغلبية 204 أصوات مقابل رفض 85 عضوًا في الجمعية الوطنية -البرلمان-، وبعد عزل الرئيس يون سيوك يول ومنعه من السفر وتعليق صلاحياته حتى تصدر المحكمة الدستورية قرارها النهائي، وتعيين الرئيس المؤقت هان داك سو، تم عزله هو الآخر بأغلبية 192 عضوًا هم أعضاء المعارضة داخل البرلمان، بسبب اتهامات له بتواطئه مع الرئيس المعزول يون سيوك يول، وتولى رئاسة كوريا الجنوبية وزير المالية شوي سانج موك، ورفض الرئيس المعزول المثول أمام التحقيق أكثر من مرة، وفي حال أيدت المحكمة الدستورية تأييد عزل يون سيوك يول، سيصبح ثاني رئيس يتم عزله في تاريخ كوريا الجنوبية بعد الرئيسة السابقة باك غن هيه، التي عُزلت عام 2017، وسيتم إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في غضون 60 يومًا لتنصيب الرئيس المنتخب الجديد.
فشل الرئيس:
كثير من الأدوات والأسباب التي ساعدت المعارضة في كوريا الجنوبية المتمثلة في الحزب الديمقراطي المعارض على التصدي لمحاولات انقلاب الرئيس يون سيوك يول بعد ما اتهم المعارضة بالتعاطف مع كوريا الشمالية والقيام بنشاط عدائي ضد كوريا الجنوبية، وأعلن فرض الأحكام العرفية وتراجع عنها بعد 5 ساعات ونصف فقط.
ونحدد هذه العوامل في البنود التالية:
– سيطرة المعارضة الكورية على ثلثي البرلمان.
– سرعة تحركات المعارضة ودخول البرلمان للتصويت على إسقاط الأحكام العرفية.
– حسن تخطيط المعارضة وتوقعها لخطوة إرسال الجيش إلى البرلمان، فأسرعت إليه قبل الجيش وتخطت حواجز الشرطة بمساعدة المواطنين، وحصَّنت جلستها بالمواطنين والموظفين بعد منتصف ليل الرابع من ديسمبر 2024.
– تعاون المعارضة مع الأحزاب الصغيرة داخل البرلمان.
– نجاح المعارضة في حشد أكثر من 190 عضوًا من أصل 300 للتصويت مباشرة بعد قرارات الرئيس التي أعلنها في الحادية عشرة مساءً.
– اعتماد المعارضة على سمعة الرئيس الكوري وزوجته بسبب قضايا الفساد.
– ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض أسعار الأسهم الحاد خلال ساعة واحدة من إعلان فرض الأحكام العرفية.
– الوعي الشعبي الرافض لفكرة فرض الأحكام العرفية بجانب وجود مؤسسات أجهضت محاولة الرئيس؛ في مقدمتها: البرلمان.
– تراجع الرئيس يثبت أنه تسرَّع ولم يحسب خطواته جيدًا قبل أن يقوم بها.
– لم يملك الرئيس الكوري في يده أيًّا من مقومات نجاح الانقلاب أو مواجهة المعارضة، سواء الجيش أو نواب من البرلمان وشخصيات من النخبة الحاكمة أو حتى الدعم الشعبي اللازم.
يون والدعم الشعبي:
بعد نجاح يون سيوك يول في انتخابات رئاسة كوريا الجنوبية عام 2022 بنسبة 1% فقط، وعد الكوريين بأنه سيهتم بسبل حياة المواطنين ويقدم لهم الرعاية الاجتماعية لتكون البلاد عضوًا حرًّا في المجتمع الدولي والعالم الحر. إلَّا أنه افتعل العديد من الأزمات عبر قرارات عارضها الشعب، بداية من قرار نقل وزارة الدفاع بالقرب منه حتى يتمكن من الانتقال إلى مجمعها رغم التكاليف الباهظة، وتدخله مرارًا لمنع التحقيق مع زوجته في قضايا الفساد والرشوة ومنع الصحافة من النشر بشأن التحقيقات معه أو مع زوجته، حتى تسبب سيوك في سلسلة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعد فرض الأحكام العرفية، وهو ما أدى إلى موافقة البرلمان على عزله والمطالبة باعتقاله، كما ساهمت سياسات سيوك في تراجع معدلات تأييده؛ خاصة وأن فرض الأحكام العرفية ذكَّرهم بقرار إعلان الأحكام العرفية عام 1979 والأحداث التي نتج عنها مقتل رئيس البلاد على يد رئيس المخابرات آنذاك، كما يعتقد الشعب الكوري أن رئيس كوريا الجنوبية ورَّطهم في حرب أوكرانيا، وبعد قرار البرلمان بعزله، أعلن يون سيوك يول تنحيه عن رئاسة كوريا الجنوبية يوم 14 ديسمبر 2024.
كوريا الجنوبية وأوكرانيا:
ما يحدث في كوريا الجنوبية منذ ديسمبر الماضي 2024 له علاقة قد تكون قوية للغاية بحرب أوكرانيا وأطرافها الرئيسيين، وهذا ليس جزمًا بقدر ما هو تحليل منطقي للأحداث، ففي مؤتمر حلف الناتو بواشنطن يوليو الماضي 2024، كانت أكبر معضلة تواجه دول حلف الناتو لتقديم الدعم لأوكرانيا في مواجهة روسيا، هي نقص الذخيرة الحاد التي يعاني منها الجيش الأوكراني بشكل واسع في مواجهة نظيره الروسي، وبالتحديد قذائف عيار 155 ملم، وهذا في ظل الاستهلاك اليومي المقدر بـ 200 ألف قذيفة تطلقها أوكرانيا شهريًّا على روسيا، في ظل تقديم القذائف الأمريكية للاحتلال الصهيوني لقتل الفلسطينيين، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية للاستعانة برئيس كوريا الجنوبية الذي تمتلك بلاده قرابة 4 ملايين قذيفة عيار 155 ملم لدعم أوكرانيا مقابل اتفاق بحماية كوريا الجنوبية نوويًّا في مواجهة جارتها الشمالية؛ إلَّا أن هذا الاتفاق أثار غضب روسيا وكوريا الشمالية والمعارضة وكثير من مواطني كوريا الجنوبية، وهو ما دفعهم لتوجيه غضبهم نحو رئيس كوريا الجنوبية يون سيوك يول.
فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرَّح مرارًا بخطأ كوريا الجنوبية وهدَّد بأنه سوف يحاسبهم، كما نسف الزعيم الكوري الشمالي خطي سكة حديد وطريقًا وحيدًا يربط بين البلدين، كما أعلنت شقيقة كيم بأنه يجب على رئيس كوريا الجنوبية قريبًا جدًّا مواجهة نتائج أفعاله، أما المعارضة في كوريا الجنوبية فاعترضت بشدة على أفعال رئيس بلادها وعلاقته بواشنطن وبمخالفته للدستور الذي يمنعه من تقديم الدعم لأي دولة في حالة حرب، كما أكدت أنه من المنطقي أن تقترب بلادها من الصين وروسيا وجارتها الشمالية بدلًا من واشنطن، ولذلك فإن البعض يرى تطابقًا واضحًا بين ما حدث في كوريا الجنوبية وتهديدات بوتين وكوريا الشمالية لشقيقتها الجنوبية، ويشير آخرون إلى أن المعارضة في كوريا الجنوبية تسير بتوجيهات خارجية من روسيا أو كوريا الشمالية، وأن المعارضة استغلت وجود إضراب للأطباء بكوريا الجنوبية تزامنًا مع محاولة الرئيس يون سيوك يول رفع المرتبات، كما سرَّبت المعارضة مقاطع مرئية لزوجة سيوك بتلقي رشاوى وفساد مالي وهدايا وتلاعب في البورصة، فخضعت زوجة الرئيس للمحاكمة، وهو ما أرغم سيوك على إعلان حالة الطوارئ ووقف العمل بالدستور وفرض الأحكام العرفية وحظر النشر، وهو ما دمَّر علاقة الرئيس الكوري الجنوبي بشعبه وساعد المعارضة على الانتصار في معركة سياسية أسقطت الرئيس وعزلته من منصبه.
ماذا بعد؟
بعد تحدي الرئيس الكوري المعزول لمذكرة اعتقاله المرة الأولى بمعاونة الأمن الرئاسي الذي تصدَّى لمحاولات إلقاء القبض عليه، أصدرت جهات التحقيقات مذكرة اعتقال ثانية، ووسط وجود المئات من أنصار الرئيس المعزول أمام مقر إقامته -رغم وجود بعض الأصوات التي تؤكد عدم تواجده هناك-، يتظاهر آلاف المحتجين لإلقاء القبض عليه، وهنا تشير الأوضاع الحالية إلى استمرار الصراع حتى وإن كانت فرص المعارضة كبيرة للغاية لإنهاء انقلابها على انقلاب الرئيس وعزله بشكل نهائي بعد حكم المحكمة الدستورية، ووصول أحد أعضاء الحزب الديمقراطي المعارض للحكم، كما لا تزال فرص الرئيس الكوري الجنوبي المعزول في العودة لمنصبه متاحة وإن كانت ضئيلة للغاية، أو يستطيع الحزب الحاكم ترشيح أحد أعضائه ونيل منصب الرئاسة مرة أخرى، وما يعضد من موقف الرئيس الكوري الجنوبي على الأقل في صعوبة إلقاء القبض عليه، هو مقر إقامته الذي تحوَّل إلى حصن بسبب حصاره بالمؤيدين إلى جانب موقف الأمن الرئاسي المؤيد له، وهو ما يجعله يواصل مساعيه القانونية لإلغاء عزله والدفع ببطلان مذكرات التوقيف، بجانب انتظاره حكم المحكمة الدستورية، وفي حال نجاح الشرطة في اعتقاله سيكون يون أول رئيس كوري جنوبي يُعتقل وهو لا يزال في منصبه أو لم يُعزل بشكل نهائي ورسمي، ويواجه يون سيوك يول اتهامات لا تحميه منها الحصانة الرئاسية مثل التمرد ومخالفة الدستور والفساد، ويسعى البرلمان بعد الانتهاء من أزمة الرئيس المعزول إلى محاكمة الأمن الرئاسي وحرس الرئيس بسبب تمردهم، وعُقدت جلسة محاكمة الرئيس المعزول 14 يناير الماضي دون حضوره، وهو ما بررته الشرطة ومحامي يون بأنه لمخاوف أمنية.
الخلاصة:
لم تبدأ الخلافات بين المعارضة الكورية الجنوبية والرئيس المعزول فقط مع أزمة الميزانية واضطراب الأطباء أو حتى بعد فرض يون سيوك يول الأحكام العرفية، فهي متجذرة بالفعل منذ وصول يون للسلطة عام 2022 بفرق 1% عن مرشح المعارضة، وتأججت حدة الأزمة بعد انتخابات الجمعية الوطنية في إبريل 2024 التي نتج عنها زيادة الصراع فيما بينهما، بعدما نالت أحزاب المعارضة مجتمعة أكثرية المقاعد بنحو 192 مقعدًا من أصل 300، وفوز حزب قوة الشعب الحاكم بـ 108 مقاعد فقط، كما تسببت علاقة يون القوية بواشنطن وتوريط الكوريين في حرب أوكرانيا بزيادة التوتر بين يون والمعارضة، بالإضافة إلى رؤية المعارضة التي تسعى للتوجه بكوريا الجنوبية نحو المعسكر الشرقي -روسيا والصين وكوريا الشمالية-، وعدم الاعتماد فقط على الولايات المتحدة، وجاء قرار فرض الأحكام العرفية ليقلب الجميع على الرئيس الكوري المعزول، بداية من الشعب والمعارضة وحتى نواب الحكومة والمسؤولين، في ظل مرونة الجيش الكوري الجنوبي وانحيازه إلى إرادة ورغبة الكوريين، وبالنظر إلى الأسباب السابقة فإن المعارضة التي تحاول عرقلة يون وحكومته وسعت لعزله أكثر من مرة لن تجد أوضاعًا أفضل مما يحدث الآن للتخلص من الرئيس المعزول وحزبه والاستحواذ على البرلمان بشكل أكبر والوصول إلى منصب الرئيس، وبالتالي فإن انتصار المعارضة الكورية وعزل يون سيوك يول بشكل نهائي يتوقف على قرار المحكمة الدستورية ومدى قدرة المعارضة على مواصلة الضغوط على يون سيوك يول لإزاحته من المشهد السياسي.
مصادر:
Bbc -قصة كوريا الجنوبية من قبل الميلاد وحتى الأزمة الأخيرة- 5 ديسمبر 2024.
المستقبل للدراسات -ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية- 5 ديسمبر 2024.
الشرق الأوسط -من الأحكام العرفية إلى عزل الرئيس… ماذا حدث في كوريا الجنوبية خلال 11 يومًا؟- 14 ديسمبر 2024.
الجزيرة – أزمة كوريا الجنوبية تتصاعد.. البرلمان يعزل الرئيس بالوكالة وانهيار سعر صرف العملة- 27 ديسمبر 2024.
العربية -اتهام الرئيس بالتمرد.. إليك تفاصيل ما يحدث بكوريا الجنوبية- 5 ديسمبر 2024.
الجزيرة -كيف تُفشل انقلابًا عسكريًّا في خمس ساعات؟- 16 ديسمبر 2024.
الجزيرة -مساعٍ بكوريا الجنوبية لتمديد مذكرة اعتقال الرئيس المعزول- 6 يناير 2025.
العين الإخبارية -«حكم الإعدام وارد».. رئيس كوريا الجنوبية «المعزول» سيغيب عن محاكمته- 12 يناير 2025.
العربية -لأول مرة بتاريخ كوريا الجنوبية.. محكمة تصدر مذكرة اعتقال بحق الرئيس “المعزول”- 6 يناير 2025.
النشرة البريدية
كن على اطلاع بأحدث الدراسات والمقالات والفعاليات الفكرية