شكل العلاقات الإيرانية الأمريكية في عهد ترامب.. هل تنجح طهران في تمرير برنامجها النووي؟

شكل العلاقات الإيرانية الأمريكية في عهد ترامب.. هل تنجح طهران في تمرير برنامجها النووي؟

طالب نشطاء وسياسيون ورجال مقربون من دائرة صنع القرار في طهران ودولة المرشد بسرعة التحركات الدبلوماسية وذلك بغّية تفعيل قنوات التفاوض المباشر مع واشنطن، حيث ضرورة التوصل مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اُنتخب في 20 يناير من العام الجاري 2025  إلى التفاوض حول البرنامج النووي ورفع العقوبات الاقتصادية على طهران التي تسببت في زيادة التضخم والبطالة وغضب الشارع الإيراني.

في هذا التحليل بمركز “رواق” للأبحاث والدراسات الاستراتيجية ستكون لنا وقفة مع عدة تساؤلات مهمة أبرزها ما يلي:

– ما مراحل السياسات الأمريكية الإيرانية خلال العقود الأربعة الماضية؟

– كيف يكون شكل العلاقات الإيرانية الأمريكية في عهد ترامب؟

– كيف ستبدو ضغوط ترامب على طهران مع وجود حليفتها الصين؟

– هل تنجح خطة إيران لمجابهة سياسات ترامب؟

– استمرار العقوبات.. هل ينجح الدعم الدولي في صمود طهران؟

– تداعيات العقوبات على إيران في المجالين العسكري والاقتصادي؟

– سیاسة الضغط الأمريكية.. هل تدفع طهران لتقديم تنازلات جديدة؟

ولكن هل ثمّة تنازلات جديدة يمكن أن تقدمها طهران إلى الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، بعدما لحقت بها العديد من الخسائر السياسية والأمنية والاقتصادية خلال الأشهر القليلة الماضية وعلى رأسها تغلغل الموساد وعملائه على الأراضي الإيرانية ومقتل العديد من القادة وعلى رأسهم الرئيس الإيراني نفسه، وقيادات كبيرة في الحرس الثوري وحزب الله، لاسيما أنها قد غضت الطرف عن كل هذه الجرائم التي جعلتها دولة مخترقة وهشّة بشكل كبير في المنطقة وحتى أمام الرأي العام الداخلي.

مراحل السياسات الأمريكية الإيرانية خلال العقود الأربعة الماضية:

صورة أرشيفية من لقاء القادة بين أمريكا وإيران قبل الانقلاب على الشاه

لقد كان قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي عام 2015 عقب رفض طهران اقتراحه بالتفاوض من جديد، ولكن الآن طهران لديها الرغبة بشكل حثيث في التفاوض المباشر مع واشنطن ممكنا وربما يكون التفاوض ممكنا بشكل كبير خلال ولاية ترامب الثانية.

سياسة الاحتواء: يعتبر الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن هو عراب هذه السياسة الأمريكية حيال ما يسمى بـ “طهران الثورة”.

سياسة التغيير: لقد تبنت الولايات المتحدة سياسة التغيير في إيران منذ انتصار ثورة 1979، وركزت عليها بشكل أكبر عقب احتجاجات عام 2009، لكنها توصلت إلى قناعة بعدم جدوى هذا التوجه، لا سيما عقب استهداف الحرس الثوري الإيراني اجتماعا سريا للمعارضة الإيرانية بحضور عناصر من المخابرات الأمريكية في أربيل العراقية.

المصالحة: وذلك عندما هبطت طائرة الوفد الأمريكي بمطار مهر آباد الدولي عام 1986 ولقاءه وفدا دبلوماسيا إيرانيا على متن الطائرة وتقديمه هدايا عبارة عن حلويات ومسدس أمريكي للرئيس الأسبق علي أكبر رفسنجاني كعربون للمصالحة، وذلك إبان الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988.

الاتفاق النووي: والتي تعد ثاني توجهات الدبلوماسية الأمريكية حيال إيران خلال بالاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 بين طهران والمجموعة السداسية.

لذلك من الممكن أن يتخذ ترامب سياسة الاتفاق حيال إيران خلال الفترة المقبلة بناء على شعاره “أمريكا أولا” لضمان مصالح واشنطن، ولا يستبعد في الوقت نفسه تبني ترامب سياسة الاحتواء والضغوط أو التغيير الكبير في إيران بناء على طبيعة فريقه الحكومي.

وفي حال توصل حكومتي بزشكيان وترامب إلى اتفاق، فإن حظوظ استمرار الاتفاق المزمع تبدو أكبر من الاتفاق النووي الذي توصلت إليه حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني مع الديمقراطي باراك أوباما، ذلك لأن الإدارة الجمهورية المقبلة قد بذلت جهدا كبيرا خلال حقبتها الأولی لتسجيل الاتفاق مع طهران باسمها. (الجزيرة)

شكل العلاقات الإيرانية الأمريكية في عهد ترامب:

يرى علي عبد العلي زاده، مساعد الرئاسة الإيرانية لشؤون اقتصاد البحار- خلال استقباله نشطاء اقتصاديين- بسرعة التفاوض وجها لوجه مع ترامب”، مؤكدا أن البلاد بحاجة إلى سياسة خارجية جديدة لأنه لا يمكن ترك قضاياها عالقة. وشدد زاده أن سلطات بلاده توصلت إلى قناعة بضرورة التفاوض المباشر مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.

وفي الوقت نفسه، فإن استراتيجية ترامب تجاه إيران، توحي بأن هناك قناعة بشأن العقوبات الاقتصادية التي يمكن أن تجبر طهران على الخضوع، إذ تسببت خلال فترة ولاية ترامب الأولى، في أضرار اقتصادية شديدة في إيران، مما أدى إلى خفض صادراتها النفطية إلى جزء بسيط من مستوياتها التي كانت عليها ما قبل العقوبات، وارتفعت معدلات التضخم، وارتفعت معدلات البطالة، وتراجع الاستثمار الأجنبي، مما ترك إيران معزولة على الساحة العالمية.

من الواضح وفيما تردد أن إيران تحاول خلال الفترة المقبلة من مواصلة تبادل الرسائل مع واشنطن، عبر السفارة السويسرية التي ترعى المصالح الأمريكية في طهران، وهو ما يدل على عزم الحكومة الإيرانية على الانتقال من المفاوضات غير المباشرة عبر الوسطاء إلى التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة وذلك عبر القنوات الرسمية.

لاسيما بعد تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وبالتحديد سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الحليف لإيران، وكذلك التطورات الدولية ومنها عودة ترامب إلى البيت الأبيض ورغبته بالتوصل إلى اتفاق مع طهران. (الجزيرة)

وبالتالي، فإن طهران وصلت إلى قناعة كبيرة بضرورة التفاوض المباشر مع الإدارة الأمريكية الجديدة وهو ما يعد تناسيا للماضي وما لحق بإيران من خسائر سياسية وجيوسياسية، وغض الطرف عن كل ما حدث من دول الاحتلال.

ولكن ربما أيضاً قد دفعت مستجدات التطورات إقليميا ودوليا الجانبين الإيراني والأمريكي إلى قناعة بضرورة عقد مباحثات وجها لوجه لاحتواء التوتر وتقليص الضريبة الباهظة التي حلّت بإيران خلال السنوات الماضية.

يمكن القول. بأن تقديرات طهران وواشنطن عن الطرف الآخر ربما تغيرت كثيرا عما كانت عليه عام 2015 تاريخ التوقيع على الاتفاق النووي، ورغم تطور البرنامج النووي الإيراني عقب انسحاب ترامب من الاتفاق، فإن الجانب الأمريكي يعول على خسارة إيران جزءا من نفوذها الإقليمي، خصوصاً بعد مقتل حسن نصرالله وسقوط نظام الأسد.

إن الجانب الإيراني أثبت أنه لا ينوي صناعة القنبلة النووية رغم بلوغه مستويات متطورة في التقنية النووية والتهديدات العسكرية التي يتعرض لها والدعوات الداخلية للتحول إلى قدرة نووية، كما أن الأطراف الغربية لا تريد التفريط بالسياسة التي يبديها الرئيس بزشكيان في التعامل البناء مع القوى الغربية والشرقية مدعوما من أعلى هرم السلطة في طهران.(الجزيرة)

كيف ستبدو ضغوط ترامب على طهران مع وجود الصين:

ترامب وحسن روحاني

بينما يستعد دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، يبدو أن إدارته الجديدة سوف تسعى إلى إحياء حملة “الضغوط القصوى” ضد إيران، حيث تم تنفيذ هذه السياسة لأول مرة خلال فترة ولايته الأولى، بهدف شلّ اقتصاد إيران، وتقييد أنشطتها الإقليمية، وإجبار طهران على تقديم تنازلات بشأن طموحاتها النووية، وفي صميم هذه السياسة، كان التركيز على صادرات النفط الإيرانية، العمود الفقري لاقتصادها. (بي بي سي)

لكن مع تغير المشهد الجيوسياسي بشكل كبير منذ ولاية ترامب الأولى، مما يطرح تحديات وفرصاً جديدة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع إيران، ومن بين هذه التحديات دور الصين الحليف لطهران، التي برزت كلاعب حاسم في دعم اقتصاد طهران من خلال مشترياتها النفطية وشراكاتها الاستراتيجية.

لذلك. في هذا السيناريو المعقد على نحو متزايد، قد يعتمد نجاح سياسات الضغوط القصوى الثانية التي سيمارسها ترامب، ليس فقط على عزيمة الولايات المتحدة الأمريكية، بل وأيضاً على قدرتها على التعامل مع الديناميكيات المتطورة للمثلث الأمريكي الصيني الإيراني.

وبالرغم من هذه التأثيرات الاقتصادية، تحاول إيران أن تقاوم بعد تقديم تنازلات كبيرة، وبدلاً من ذلك، فقد ضاعفت برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وصعدت التوترات الإقليمية من خلال وكلائها، وسعت إلى أساليب جديدة للتهرب من العقوبات، ولكنها عادت لتحاول التفاوض مع ترامب.

إن إيران سوف تواصل مقاومة التفاوض بشأن المسائل غير النووية، حتى في ظل الضغوط المتجددة، ومن المتوقع أن يعيد فريق ترامب تبني هذه الاستراتيجية، مع التركيز مرة أخرى على صادرات النفط الإيرانية، لكن التحدي هذه المرة يتفاقم بسبب الدور الحاسم للصين، التي تواصل استيراد النفط الإيراني على الرغم من العقوبات الأمريكية.

ولكن من ناحية أخرى، ونظراً لتباطؤها الاقتصادي، تشعر الصين أيضاً بقلق عميق بشأن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تكون على استعداد للتخلي عن النفط الإيراني.

دور الصين في صمود الاقتصاد الإيراني:

لقد تعمقت علاقة الصين بإيران بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ففي عام 2021، وقعت الدولتان اتفاقية تعاون استراتيجي لمدة 25 عاماً، واتفقتا على استثمارات صينية بمليارات الدولارات في البنية التحتية الإيرانية والطاقة والاتصالات مقابل النفط الإيراني المُخفض السعر.

وقد أكد هذا الاتفاق على التزام بكين بالحفاظ على علاقات قوية مع طهران، ليس فقط لتحقيق مكاسب اقتصادية ولكن أيضاً كجزء من خطتها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً. (بي بي سي)

وباعتبارها واحدة من أكبر مستوردي النفط في العالم، تنظر الصين إلى النفط الإيراني باعتباره عنصراً حيوياً في استراتيجية تنويع الطاقة، فمن خلال الاعتماد على طهران، تقلل بكين من اعتمادها على الموردين التقليديين – مثل المملكة العربية السعودية – الذين يعتبر العديد منهم حلفاء تقليديين للولايات المتحدة.

ولا ننسى أن إيران تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي على طول مبادرة الحزام والطريق الصينية، مما زاد من أهميتها بالنسبة لبكين، حيث تعمل كحلقة وصل أساسية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، ويمكن ترجمة الاستثمارات في البنية التحتية الإيرانية، إلى تعزيز القدرة الصينية على ربط هذه المناطق وتوسيع نفوذها العالمي.

ومن خلال دعم إيران، تثبت الصين نفسها كقوة موازنة لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، كما يعزز التوافق الصيني الإيراني موقف بكين في المفاوضات مع واشنطن بشأن قضايا أوسع، ويمكن استخدام إيران كواحدة من الأوراق المهمة للصين خلال المفاوضات.

وبالرغم من أن علاقة الصين بإيران ليست بلا حدود، إلا أنها تحافظ بكين على علاقات اقتصادية قوية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما حذر من طموحات إيران الإقليمية.

أضف إلى ذلك، أن الصين فضلت تجنب التحدي الصريح للعقوبات الأمريكية، واختارت بدلاً من ذلك أساليب سرية للتجارة مع إيران، مثل التحويلات من سفينة إلى سفينة وشبكات مالية وسيطة.

استمرار العقوبات.. هل ينجح الدعم الدولي في صمود طهران:

لقد شهدت السنوات الأخيرة تقاربا بين إيران من جانب والسعودية والإمارات من جانب آخر، حيث كانت لقاءات قد جمعت بين الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي في لقاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارة له للرياض في عام 2023.

وبالتالي، ربما ستكون إحدى التحديات الرئيسية لاستراتيجية ترامب لممارسة ضغط جديد على إيران هي حشد الدعم الدولي، فخلال فترة ولايته الأولى، واجهت الولايات المتحدة معارضة كبيرة من الحلفاء الأوروبيين، الذين انتقدوا قرار الانسحاب من الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وقاوموا الجهود لإعادة فرض العقوبات، ولكن في الوقت نفسه لا ننسى أن القرار الأمريكي له تأثير كبير على صنع القرار لدى الساسة الأوروبيين.

وبالفعل، حاولت إدارة بايدن إصلاح العلاقات مع أوروبا وإعادة الدخول في الاتفاق النووي، لكن فشلت هذه الجهود في النهاية، وطالب الإيرانيون بضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من أي اتفاق مستقبلي، وهو الوعد الذي لم تكن واشنطن راغبة في تقديمه.

لذلك. فقد يقع عبء فرض العقوبات إلى حد كبير على الولايات المتحدة وقدرتها على الضغط على الصين، ومع ذلك، لأنه سيكون مرهون بمدى قدرة الولايات المتحدة على مواجهة الصين بشأن دعمها لإيران، وبدون ذلك، قد تسفر الضغوط القصوى عن نتائج سلبية على الاقتصاد الإيراني لكن ليس بالشكل الواسع.

ومن منظور بكين، فإنها ترى ضرورة موازنة علاقاتها مع طهران بالأولويات الجيوسياسية الأوسع، وفي حين أنه من غير المرجح أن تقطع الصين شراكتها مع إيران، إلا أنها حريصة أيضاً على تجنب أي إجراءات قد تؤدي إلى تصعيد التوترات مع الولايات المتحدة إلى مواجهة واسعة النطاق.

تداعيات العقوبات على إيران في المجالين العسكري والاقتصادي:

بالرغم من تداعيات خطيرة وكبيرة على إيران جراء العقوبات، إلا أنها قد أظهرت قدرة ملحوظة للتكييف مع العقوبات، فقد اعتمدت بشكل كبير على الأساليب السرية لبيع نفطها والوصول إلى الأسواق الدولية، بالرغم من تداعيات العقوبات السلبية على الاقتصاد والمجال العسكري وظهور العجز الكبير في نقص قطع الغيار والمعدات للطائرات والدبابات.

ولكنها كانت تقوم ببيع منتجاتها من خلال التحويلات من سفينة إلى سفينة، ووثائق شحن مزورة، واستخدام العملات المشفرة لتجاوز الأنظمة المالية التقليدية، وعلى الرغم من فعالية هذه الأساليب في بعض الأحيان، إلا أنها مكلفة وغير فعالة في أحيان أخرى.

كما سعت طهران إلى تقليل اعتمادها على الواردات الأجنبية من خلال تعزيز الإنتاج المحلي، ويشمل ذلك الجهود المبذولة لتصنيع السلع محلياً وتطوير التقنيات المحلية، ومع ذلك، فإن هذه التدابير تستنزف الموارد، ولم تعوض بشكل كامل عن تأثير العقوبات.

وتُعد إحدى الاستراتيجيات الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للغرب هي التخوف من أن ترد إيران على الضغوط الاقتصادية وإن كان مستبعداً باستهداف حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، ويشمل ذلك شن هجمات على سفن الشحن في مضيق هرمز، والضربات على منشآت النفط السعودية، وذلك بهدف إجبار الدول الأخرى على تحمل بعض التكاليف الاقتصادية والأمنية. (بي بي سي)

ولكن بالرغم من هذه الاستراتيجيات لإيران بالصمود، إلا أنها لم تمنع البلاد من مواجهة صعوبات اقتصادية شديدة حيث مازال التضخم مرتفعاً، والبطالة منتشرة على نطاق واسع، ويستمر الاستياء العام من الحكومة فيما يتعلق بمعدل النمو.

العلاقات الأمريكية الصينية وخطة تخفيف العقوبات عن روسيا:

الرئيس الأمريكي ونظيره الصيني

إن استراتيجية ترامب لممارسة الضغوط ضد إيران ربما ستتغير هذه المرة في ظل عالم مختلف تماماً عن عام 2017، حيث أن أحد أهم هذه التحولات هو تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وعلاقة ترامب بعد عودته للحكم مع الدب الروسي وخصوصا في العقوبات المفروضة على موسكو، وهي تلك العلاقة التي كانت تبدو في يوم من الأيام معقدة ولكنها فعالة، وتطورت إلى تنافس شرس وحروب تجارية وتوترات عسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وبالتالي فإن هذه العلاقة العدائية سوف تسهم في تعقيد أي جهود من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لتأمين تعاون الصين في فرض العقوبات على إيران، فعلى النقيض من ولاية ترامب الأولى، حين كان من الممكن أن تتعاون الولايات المتحدة مع بكين في قضايا التجارة، فإن احتمالات مثل هذا التنسيق تبدو ضئيلة الآن.

وفي حال استمرار تنفيذ حملة الضغوطات سوف ينطوي ذلك على إزالة ملايين البراميل من النفط الإيراني من السوق في وقت يستمر فيه الصراع بين أوكرانيا وروسيا، وتظل العقوبات ضد موسكو قائمة بقوة، وهو الإجراء الذي من المرجح أن يدفع أسعار النفط العالمية إلى الارتفاع.

ولكن لا يستبعد قيام دونالد ترامب بتخفيف العقوبات على روسيا كجزء من استراتيجية أوسع نطاقاً، ولكن ربما تعقيدات آليات العقوبات الأمريكية والتحدي المتمثل في تأمين الدعم الدولي يجعل مثل هذه الخطوة بعيدة بعض الشيئ.

وعلاوة على ذلك، فقد شهد الشرق الأوسط  تحولات كبيرة، فقد تحرك لاعبون رئيسيون مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – اللتان كانتا في يوم من الأيام من المؤيدين المتحمسين للضغوط الأمريكية على إيران – نحو التقارب مع طهران، وهذا يعكس رغبة أوسع نطاقاً في زيادة الاستقرار الإقليمي، وخاصة في أعقاب الصراعات في اليمن وتصاعد التوترات مع إسرائيل وفي أعقاب التحولات الضخمة في سوريا.

وعلى ما يبدو الآن أن السعودية والإمارات تحاولان عقد بعض الصفقات إيران، ولم تسعيا إلى إقامة علاقة عدائية معهم.

خطة طهران لمواجهة سياسات ترامب ورفع العقوبات عن اقتصادها:

إن خطط ترامب في إحياء حملة الضغوط القصوى من جديد واستمرار العقوبات على طهران يبدو مرهوناً بمدى التوقف على قدرة إدارته على التعامل مع هذه الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة، وخاصة التحديات التي يفرضها نفوذ الصين المتنامي.

أما بالنسبة لطهران، فإن المخاطر ما تزال بالغة الأهمية، فعلى الرغم من قدرتها على الصمود في مواجهة العقوبات، لكن يظل اقتصاد إيران هشاً، ويخاطر برنامجها النووي المتقدم بمزيد من العزلة عن المجتمع الدولي.

لذلك يمكن القول. إن الطريقة التي ستدير بها طهران علاقاتها مع الصين وأوروبا والولايات المتحدة سوف تشكل مستقبلها الاقتصادي والسياسي، علاوة على ذلك أن سمعة ترامب كزعيم ذو نزعة تجارية، هي فرصة لإبرام صفقة جديدة مع إيران، وتشير التقارير الأخيرة غير المؤكدة إلى دبلوماسية محتملة عبر قنوات خلفية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، الأمر الذي يشير إلى استعداد حذر للتفاوض.

لكن ثمّة معضلة كبيرة أمام النظام الإيراني والمرشد علي خامنئي وهى أن الرأي العام الداخلي وبعض المتشددين والمقربين من المرشد الإيراني بالتحديد يعارضون بشدة هذه الخطوة حيث ينظرون إلى المفاوضات بعين الشك، ويفسرونها على أنها تنازل جديدة أمام الضغوط الأجنبية.

أيضاً ومن وجهة أخرى. لربما قد يشكك البعض في قيمة متابعة المحادثات مع طهران، بحجة أنها قد لا تحقق سوى القليل من الفائدة، ومع استمرار لعبة الشطرنج الجيوسياسية المعقدة بين كلا الطرفين، هناك شيء واحد واضح وهو أنه لن يتشكل الفصل التالي من العلاقات بين واشنطن وإيران من قبل ترامب وطهران، بل سيتأثر أيضاً بالوجود المتزايد لبكين في المنطقة. (بي بي سي)

أکد نائب وزیر الخارجية الإيراني للشؤون السیاسية مجید تخت روانجي أن بلاده تجري مشاورات حول سیاسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه إيران، ولدینا فكرة وخطة بهذا الصدد. حيث قال إنه في ظل الإدارة الإيرانية الحالية استمرت سیاسة الجوار بقوة وحققنا نتائج جیدة کما أن هناك تبادل الزیارات بین إيران ودول الجوار علی مختلف المستویات، بما في ذلك علی مستوی رئیس الجمهوریة والوزراء.

لماذا تحاول إيران رفع مستوی علاقاتها مع دول الجوار؟

لقد دفعت العقوبات الغربية ومنذ ولاية ترامب الأولى طهران إلى البحث أو إعادة النظر مرة أخرى حول علاقتها خصوصا الاقتصادية مع دول الجوار وعلى رأسها دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، لاسيما محاولة رفع مستوی العلاقات الاقتصادية.

الأمر الذي تحاول من خلاله حل جزء کبیر من مشاکلها الاقتصادیة الخارجية، وهو ما ذكره بعد المسئولين في طهران عن أنه لا یوجد أي استثناء في تطویر العلاقات مع الجیران ونحن نحاول توسیع خطوط الإتصالات معهم برا وجوا وعبر خطوط السكك الحديدية. (روسيا اليوم)

صحيح تحاول إيران من تحسن علاقاتها خصوصاً الاقتصادیة مع جیرانها مقارنة بالماضي، ولاسيما أهمیة العلاقات في ظل الوضع الاقتصادي الحرج وارتفاع البطالة والانهيار الكبير للعملة الإيرانية، وهو ما قد يجعلها تستطيع الصمود أمام العقوبات لفترة ولكن ليست طويلة، لأن بعض الدول ستخشى من مواجهة أمريكا في تجاهل العقوبات على طهران، مما قد يدفع دولة المرشد لتقديم تنازلات جديدة للوصول إلى اتفاق مع ترامب.

سیاسة الضغط الأمريكية.. هل تدفع طهران لتقديم تنازلات جديدة؟

إن سیاسة الضغط التي ينتهجها دونالد ترامب تهدف في المقام الأول إلى إضعاف إيران والاقتصاد الذي بات هشاً في ظل التطورات الأخیرة في المنطقة ویمكنهم ممارسة الضغط علیها بشكل أسهل.

ولذلك فإن الأحداث الآنية التي شهدها الشرق الأوسط والتي تقع في المنطقة لا تعتبر معيار لاتخاذ قرارات أو إجراء تقييمات دقيقة أو طويلة الأمد، لأن السياسة الدولية تتسم بالكثير من التقلبات، التي قد تحول الأمور مع أو ضد إيران وحسب ما يقدمه كل طرف على مائدة التفاوض. (روسيا اليوم)

لاشك أن إيران أصبحت دولة ضعيفة في المنطقة خصوصا في الجانب الأهم وهو الاقتصادي وفي ظل استمرار العقوبات، وقد يستغل ترامب ذلك في الضغط عليها لتقديم تنازلات في الوقت الراهن في القضايا الشائكة المتعلقة مثل الحوثي في اليمن أو حزب الله في لبنان أو الحشد الشعبي في العراق ومن ثم تجنب استهداف السفن أو أي أنشطة تخص دولة الاحتلال الصهيوني من قبل أذرعها.

ووفقا لهذ المعطيات على الأرض، فإن مفاوضات الملف النووي الإيراني خلال عامي 2013 إلى 2015، لم تكن المنطقة على هذا النحو، حيث لم تسمح طهران حينها للقضايا الإقليمية بالدخول في المفاوضات وبالنسبة لدعم أذرعها في المنطقة لأن ذلك ليس محل اهتمام كبير بالنسبة للإدارة الأمريكية.

ومن بين أحد الأسباب التي أدت إلی عدم دخول إيران في مرحلة المفاوضات حتى الآن هو أن الإدارة الأمريكية الجدیدة لم تعلن بعد موقفها من الاتفاق النووي والمفاوضات النووية، كذلك يظل اختلاف الآراء بين الأوروبیین والروس حول شكل المفاوضات بيت القصيد.

لكن إيران وبعد وصول مسعود بزشكيان للحكم، تجري حالیا مشاورات مع الأوروبیین وفي الوقت ذاته لدیها مشاورات مع الصین وروسیا وتضعهما في صورة نتائج مشاوراتها مع أوروبا، صحيح أن هناك ثمة خلافات بين الأوروبیین والروس حول شكل المفاوضات وهذا هو جوهر التحدیات التي یتعین على طهران حلها، بالنظر إلى سعيها الحثيث إلى تطویر علاقاتها مع کافة جیرانها دون استثناء ولكن يبدو سهلا بالنسبة للتفاوض مع ترامب. (روسيا اليوم)

ختاماً نقول.. إن طهران لم تقف مكتوفة الأيدي حتى یصل ترامب للحكم مرة أخرى وأنها كانت تتوقع منذ زمن طويل كيف سيكون شكل هذه السياسات مع الإدارة الأمريكية الجديدة وأنها مستعدة للتفاوض وقد أجرت مشاورات مع حلفائها بهذا الصدد ووضع خططا لتجنبها.

لذلك يبحث الساسة والمقربين من صنع القرار في إيران عن طرق من أجل إنشاء قناة رسمية لتبادل الرسائل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى تفاهم في القضايا الخلافية وعلى رأسها البرنامج النووي.

وهو ما لفت إليه صراحةً وزير الخارجية الإيراني عندما أشار إلى أنه تم في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن إطلاق قناة جديدة عبر مسقط، والتي كانت وسيلة  للمباحثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، لكن هذه القناة مغلقة منذ فترة، وفي هذه الأثناء، كانت هناك بعض الدول التي كانت تبادل الرسائل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى ما يبدو منذ تولت الإدارة الأمريكية الجديدة السلطة بقيادة دونالد ترامب ولم يتم تبادل أي رسائل مباشرة حتى الآن، حيث من السابق لأوانه الحديث عن قنوات الاتصال في الوقت الحالي، على الرغم من أن القناة الرسمية للسفارة السويسرية في طهران موجودة وستظل موجودة لنقل الرسائل بين الدولتين، ولكن الأيام المقبلة سوف تكشف عن مفاوضات لرفع العقوبات والتفاهم حول البرنامج النووي، وهو ما قد يدفع طهران إلى تقديم ثمّة تنازلات جديدة أمام إدارة ترامب لإنقاذ الاقتصاد الهشّ الذي تضرر كثيرا ويعاني منه المواطنين.

الخلاصة:

– لقد بات الساسة في طهران يرون وعلى رأسهم مساعد الرئاسة الإيرانية لشؤون اقتصاد البحار أن البلاد بحاجة ماسة إلى انتهاج سياسة خارجية جديدة، لأنه لا يمكن ترك قضاياها عالقة، وأن سلطات بلاده توصلت إلى قناعة بضرورة التفاوض المباشر مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بغية الوصول إلى تفاهم حول البرنامج النووي ورفع العقوبات.

كما أن الرئيس الجديد لإيران مسعود بزشكيان يدعم نظرية؛ بل ضرورة التفاوض مع الغرب وأن العزلة الدولية تضر كثيرا بإيران والاقتصاد المتهاوي للغاية، وبالتالي يُجري حالیا من خلال الخارجية الإيرانية مشاورات مع الأوروبیین وفي الوقت ذاته لدیها مشاورات مع الصین وروسیا وتضعهما في صورة نتائج مشاوراتها مع أوروبا.

ولكن من الواضح أن إيران قد تذهب إلى تقديم تنازلات في الوقت الراهن، وذلك بعدما أصبحت دولة ضعيفة في المنطقة خصوصاً في الجانب الأهم وهو الاقتصادي وفي ظل استمرار العقوبات، وقد يستغل ترامب ذلك في الضغط عليها لتقديم تنازلات جديدة في القضايا الشائكة المتعلقة بالحوثي في اليمن أو حزب الله في لبنان أو الحشد الشعبي في العراق، ومن ثم تجنب استهداف السفن أو أي أنشطة تخص دولة الاحتلال الصهيوني من قبل أذرعها.

وبالرغم من التداعيات الخطيرة على إيران جراء العقوبات، إلا أنها قد أظهرت قدرة ملحوظة للتكييف مع العقوبات، فقد اعتمدت بشكل كبير على الأساليب السرية لبيع نفطها والوصول إلى الأسواق الدولية وعبر حليفتها الصين، بالرغم من تداعيات العقوبات السلبية على الاقتصاد والمجال العسكري.

تحاول إيران من تحسين علاقاتها مع جیرانها مقارنة بالماضي، ولاسيما أهمیة العلاقات في ظل الوضع الاقتصادي الحرج وارتفاع البطالة والانهيار الكبير للعملة الإيرانية، وهو ما قد يجعلها تستطيع الصمود أمام العقوبات لفترة ولكن ليست طويلة الأمد، لأن بعض الدول ستخشى من مواجهة أمريكا في تجاهل العقوبات على طهران، وهذا ما رأيناه واضحاً في ظل تراجع مستوى التسليح العسكري ونقص قطع الغيار وتعطل الصيانة الدورية لها.

– هناك معضلة كبيرة أمام النظام الإيراني والمرشد علي خامنئي وهى أن الرأي العام الداخلي وبعض المتشددين والمقربين من المرشد الإيراني بالتحديد يعارضون بشدة هذه الخطوة حيث ينظرون إلى المفاوضات بعين الشك، ويفسرونها على أنها تنازل جديدة أمام الضغوط الأجنبية.

بالأخير.. إن استراتيجية ترامب تجاه إيران، توحي بأن هناك قناعة بشأن العقوبات الاقتصادية التي يمكن أن تجبر طهران على الخضوع، لاسيما أنها قد تسببت خلال فترة ولاية ترامب الأولى، في أضرار اقتصادية بالغة في إيران، مما أدى إلى خفض صادراتها النفطية، وارتفعت معدلات التضخم، والبطالة، وتراجع الاستثمار الأجنبي، مما ترك إيران معزولة على الساحة العالمية،

– ولكن الأيام القليلة المقبلة ستكون كاشفة أكثر حول أدوات وشروط التفاوض بين طهران وواشنطن وما سوف تسفر عنه أو ما تقدمه طهران من تنازلات لرفع العقوبات، سواء فيما يتعلق بالبرنامج النووي أو غيرها من القضايا الإقليمية والشروط الأمريكية.

المصادر:

– الجزيرة

– بي بي سي

– روسيا اليوم

كلمات مفتاحية: العلاقات الإيرانية الأمريكية – النووي الإيراني – عهد ترامب – طهران والبرنامج النووي- تنازلات طهران