العلاقات الروسية الآسيوية وتحركات موسكو في المنطقة.. قراءة في المناورات العسكرية الروسية الإندونيسية وأبعادها الإقليمية

العلاقات الروسية الآسيوية وتحركات موسكو في المنطقة.. قراءة في المناورات العسكرية الروسية الإندونيسية وأبعادها الإقليمية

خلال السنوات الأخيرة، وضع الكرملين منطقة آسيا والمحيطين: الهندي والهادي ضمن أولويات تحركات السياسة الروسية الخارجية، في ظل ما تشكله المنطقة من ثقل اقتصادي جديد. حيث شهدت دول المنطقة زيارات روسية متبادلة، وفتح آفاق لشراكات جديدة، وتعميق للتعاون، لا سيما على الصعيدين التجاري والعسكري، في ظل زيادة اهتمام الدول الإقليمية بالتعاون مع الكرملين. وهو ما عكسته المناورات العسكرية الروسية الإندونيسية الأخيرة، ومساعي جاكرتا لإبرام صفقات تسلح مع موسكو تتجاوز قيمتها الـ1.1 مليار دولار، وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.

فما تفاصيل المناورات الروسية الإندونيسية المشتركة؟ وما أبعاد تلك المناورات في ذلك التوقيت في ظل العلاقات الثنائية المتزايدة؟ وكيف تعكس الدور الروسي الصاعد في شرق آسيا ومنطقة المحيطين؟ ماذا عن إستراتيجية الكرملين في المنطقة، وكيف تتحرك موسكو لكسر حاجز العزلة الغربية؟ وفي ظل سياسات شرق آسيوية غير واضحة، كيف يمكن قراءة مستقبل العلاقات الروسية الآسيوية خلال السنوات القادمة؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على: المناورات الروسية الإندونيسية، وإستراتيجية الكرملين في آسيا ومنطقة المحيطين في ظل حضورٍ أخذ بالتزايد خلال السنوات الأخيرة. في هذه السطور الآتية.

تفاصيل المناورات الروسية الإندونيسية:

خلال شهر نوفمبر 2024م، شهدت منطقة شرق آسيا انطلاق أول مناورات عسكرية بحرية روسية إندونيسية مشتركة، استمرت لنحو 5 أيام، والتي عكست تطور العلاقات الثنائية الروسية الإندونيسية من جهة، وتزايد الدور الإقليمي لإندونيسيا من جهة أخرى، في خطوة رآها مراقبون تحديًا للنفوذ الغربي في المنطقة من قبل جاكرتا.

وخلال المناورات، شاركت البحرية الروسية بثلاث سفن حربية من طراز كورفيت، وسفينة ناقلة متوسطة، ومروحية عسكرية، وزورق سحب، في المناورة التي أطلق عليها اسم (أورودا 2024). ونقلت وكالة نوفوستي الروسية عن “أليكسي أنتسيفيروف”، قائد أسطول البحرية الروسية في المحيط الهادي، قوله: “ستكون المناورات المشتركة الأولى للبحريتين الروسية والإندونيسية بمثابة الدرس لجيران إندونيسيا غير الوديين في المنطقة حول جهوزية واستعداد روسيا للقدوم والمساعدة”. تصريحات تعكس مدى تطور العلاقات الثنائية بين الجانبين. (الشرق الأوسط).

وتأتي المناورات المشتركة الأولى بين الجانبين، في سياق إستراتيجية الرئيس الإندونيسي “برابوو سوبيانتو” للعلاقات الخارجية، حيث تعهد عقب انتخابه أن يكون أكثر جرأة على الساحة العالمية، وأن يبدأ تحولًا كبيرًا في السياسة الخارجية، ويعزز تحالفات جاكرتا مع القوى الكبرى.

ويبدو أن التدريبات المشتركة مع روسيا، تشير إلى أن سوبيانتو بدأ فعلًا بتطبيق تحول كبير في سياسة بلاده الخارجية، في ظل كونه ما زال مهتمًا باستئناف التفاوض مع روسيا على صفقة شراء مقاتلات بقيمة 1.1 مليار دولار، رغم العقوبات التي تهدد بها الولايات المتحدة.

أبعاد المناورات الروسية الإندونيسية والعلاقات الثنائية بين البلدين:

في ظل ما يشهده النظام الدولي من تطورات وتحولات لافتة، وبروز عدة قوى جديدة على المسرح الدولي، تطمح إندونيسيا للبحث عن دورٍ لها انطلاقًا مما حققته البلاد من نهضة اقتصادية شاملة، مهدت لعلاقات إقليمية ودولية أوسع نطاقًا. فالملاحظ زيادة الاهتمام الإقليمي والدولي بمنطقة شرق آسيا، في ظل التدافع الروسي الصيني الأمريكي على المنطقة. لتأتي المناورات الروسية الإندونيسية، وما سبقها من تصريحات للرئيس الإندونيسي الجديد “بإبداء تحولات كبيرة في السياسة الخارجية للبلاد”، لتعكس إستراتيجية جاكرتا للعلاقات الخارجية.

إذ تُعد إندونيسيا قوة إقليمية صاعدة، وأحد الاقتصادات الصناعية الرائدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي، كما أنها عضو في مجموعة العشرين، ورابطة دول جنوب شرق آسيا، هذا فضلًا عن كونها جزءًا من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وتصنف في المرتبة الـ15 عالميًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب مراكز بحثية عدة، من المتوقع أن تصبح إندونيسيا الاقتصاد الرابع عالميًّا خلال العقد المقبل.

فتحولات السياسة الخارجية لإندونيسيا، تنسجم مع الإستراتيجية الروسية في منطقة آسيا؛ إذ خلال لقاء في موسكو أواخر يوليو 2024م، جمع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والرئيس الإندونيسي المنتخب “برابوو سوبيانتو”، أشار الرئيس بوتين إلى أن حجم التجارة بين البلدين تضاعف، رغم العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

مضيفًا: “أن اتفاقية التجارة الحرة بين إندونيسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا، والتي أصبحت جاهزة للتوقيع، تمنح الأمل في مزيد من النمو في العلاقات”. في حين رحب برابوو، باعتزام شركة الخطوط الجوية الروسية التابعة للدولة “إيروفلوت” تنظيم رحلات مباشرة إلى جزيرة بالي السياحية التي تحظى بشعبية لدى الروس. كما أبدى اهتمامه بالتعاون مع شركة الطاقة النووية الروسية روس آتوم، قائلًا: “لقد تحدثنا عن مفاعلات صغيرة وعن مفاعلات كبيرة أيضًا”.

فالكرملين ينظر إلى سياسات الرئيس الإندونيسي الجديد “برابوو سوبيانتو” كفرصة لتعزيز العلاقات الإندونيسية الروسية، وفتح المجال أمام حضورٍ روسي أكبر في منطقة المحيطين، في ظل تمسك إندونيسيا بسياسات حيادية إزاء التنافس الدولي والحرب الباردة الجديدة. حيث رفضت جاكرتا رفضًا قاطعًا الانحياز لأي طرف في ظل النزاع الروسي الأوكراني، أو في المنافسة بين واشنطن وبكين.

وبالنظر إلى توقيت المناورات العسكرية الروسية الإندونيسية المشتركة، فإنها تحمل دلالات عدة، كونها تأتي بعد نحو شهر من تنصيب الرئيس الإندونيسي الجديد “برابوو سوبيانتو”، وقبل شهرين من تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب”، ما يعكس تحركات جاكرتا السيادية ورسائلها للإدارة الأمريكية الجديدة. إذ تحمل تلك التحركات في طياتها المصالح الوطنية لإندونيسيا، واستقلال قرارها السيادي بعيدًا عن أي ضغوطات غربية، في ظل تصريحات ترامب التصعيدية ضد الصين.

إذ لا يخفى على أحد، رغبة الرئيس الأمريكي المنتخب في الحد من الصعود الصيني، والضغط على القوى الإقليمية في منطقة المحيطين الهندي والهادي، للتأثير على العلاقات الإقليمية مع الصين وروسيا. وبالتالي، فإن إندونيسيا أرادت التأكيد عبر تلك المناورات على أنها لن تكون جزءًا من أدوات الولايات المتحدة الإقليمية.

هذا فضلًا عن أن الكرملين، ينظر إلى جاكرتا كشريك اقتصادي هام في منطقة شرق آسيا. حيث تقدر التبادلات التجارية بين إندونيسيا وروسيا بمليارات الدولارات، إلا أن واردات الأسلحة شهدت ركودًا في السنوات الأخيرة، وفق المعهد الدولي لأبحاث السلام، إثر العقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو بعد اجتياح شبه جزيرة القرم في 2014م، والحرب الروسية الأوكرانية في 2022م. (المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية).

إستراتيجية الكرملين في منطقة المحيطين الهندي والهادي:

تأتي المناورات العسكرية الروسية الإندونيسية الأولى، لتؤكد على النجاح التدريجي لإستراتيجية الاتحاد الروسي، وتحركات الكرملين في منطقة شرق آسيا وجنوبها ومنطقة المحيطين الهندي والهادي. كما أنها تظهر عدم نجاح السياسات الغربية الرامية لعزل الاتحاد الروسي، وإضعاف الحضور الروسي على الساحة العالمية.

حيث أثبتت التطورات التي حدثت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مع تدهور العلاقات الروسية الغربية، وتحركات الكرملين نحو آسيا، قدرة الاتحاد الروسي على التأقلم مع المتغيرات العالمية، وتعويض خسائره الاقتصادية الناتجة عن انهيار العلاقات الاقتصادية الروسية الغربية. حيث حظيت منطقة المحيطين الهندي والهادي والقارة الآسيوية باهتمام روسي بالغ. وبرزت تلك الإستراتيجية بدءًا بالعلاقات الروسية الصينية المتنامية.

تطورات العلاقات السياسية والاقتصادية الروسية الآسيوية:

حيث التقى الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في 16 مايو 2024م، مع الزعيم الصيني “شي جين بينغ” في بكين، للاحتفال بتدشين “عصر جديد” من التعاون. فبالرغم من أن البلدين ليسا حليفين حقيقيين لأنهما لم يوقعا على معاهدة دفاع مشتركة رسمية، فإن تحالفهما غير الرسمي يتطور بشكل متزايد، وتعاونهما مستمر؛ إذ تُعد الصين متنفسًا مهمًا لروسيا لتخفيف أثر العقوبات الغربية؛ فبالإضافة إلى الدور الذي تؤديه بكين كمورد رئيسي للتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج لروسيا، لم تعارض الصين فقط تدخل حلف شمال الأطلسي الناتو في منطقة المحيطين الهندي والهادي، بل تُمهد منذ أواخر فبراير 2024م لتحول روسي إستراتيجي تجاه المنطقة. حيث وجه نائب وزير الخارجية الصيني “سون دونغ” دعوة لموسكو للاضطلاع بدور أكبر في الحفاظ على الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة.

كما شهدت العلاقات الروسية الهندية مرحلة جديدة من التعاون. فأول مرة منذ الحرب الروسية الأوكرانية، أعاد الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، انعقاد القمة السنوية الـ22 بين البلدين، وفتحت زيارة مودي الأخيرة إلى روسيا في 9 يوليو 2024م، مجالات أوسع للتعاون بين البلدين في مجالات مختلفة.

إذ ما تزال الهند مستمرة في تقديم الأسلحة وغيرها من المساعدات الأمنية إلى روسيا، ولكن ذلك قد يشكل انتهاكًا للقانون الأمريكي، ويُسهم في فشل مساعيها لتحقيق التوازن بين المعسكرين، ولا سيما أن مودي فضل زيارة موسكو على اجتماع حلف الناتو حيث وُجهت له دعوة رسمية، ما جعل إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” تشعر بخيبة أمل. (جامعة النهرين).

فضلًا عن زيارة بوتين إلى فيتنام، ولا سيما أنها تُعد أول زيارة له إلى هانوي منذ عام 2013م. وعلى الرغم من التعامل الحذر من فيتنام تجاه زيارة بوتين، خاصة في سياق علاقاتها المزدهرة مع الغرب، والذي تجلى في استقبال هانوي، بعد زيارة بوتين بأيام، للمبعوث الأمريكي لشرق آسيا “دانيال كريتنبرينك” لمناقشة الشراكة بين الجانبين.

المناورات العسكرية الروسية الآسيوية:

فإن شراكة فيتنام مع روسيا، وخاصة على الجانب الأمني، تظل عاملًا حاسمًا في علاقات موسكو بمنطقة شرق آسيا والمحيطين، كما لم يغفل الكرملين في إستراتيجيته إزاء المنطقة دور المناورات العسكرية، والتي تُعد أحد محاور التحركات الروسية في منطقة آسيا والمحيطين الهندي والهادي، والتي بدأت قبيل زيارة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إلى كوريا الشمالية، بمناورات بحرية في مياه المحيط الهادئ وبحر اليابان ومنطقة أخوتسك الروسية.

واشتملت تدريبات على عمليات مضادة للغواصات وللضربات الجوية، والتي كانت ثنائية للمرة الأولى بين أسطول بريمورسكي، الذي يضم قوات متنوعة من أسطول المحيط الهادئ والقيادة المشتركة للقوات في مناطق شمال شرق روسيا. كما جرى في الـ13 يوليو 2024م، وصول سفينتين حربيتين روسيتين إلى مدينة تشانجيانغ الساحلية في جنوب الصين، للمشاركة في مناورات بحرية مشتركة بين البلدين. (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).

حيث تزامنت التدريبات العسكرية المشتركة بين الصين وروسيا، مع انعقاد قمة الناتو في واشنطن، ما يعكس عدة رسائل للقوى الغربية تشمل احتمالية وصول التعاون بين البلدين نحو التحالف الإستراتيجي الشامل، في ظل السياسة الغربية تجاه روسيا والصين.

فالسياسة الروسية الخارجية الجديدة، تنصب بشكل كبير على منطقة آسيا والمحيطين الهندي والهادي. فمع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، عززت روسيا دبلوماسيتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في إطار إستراتيجية جديدة للسياسة الخارجية، وأظهرت موسكو مؤخرًا أنها ما تزال تتمتع بنفوذ هائل في تلك المنطقة.

بالنظر إلى امتناع عدة دول آسيوية، ومن بينها قوى إقليمية وعالمية عظمى، عن حضور قمة السلام بشأن أوكرانيا التي عُقدت في سويسرا في منتصف يونيو 2024م، كما رفضت العديد من دول المنطقة التي حضرت القمة، التوقيع على البيان المشترك للقمة، ما يشير إلى استمرار العلاقات الروسية الجيدة التي ترتبط بها مع تلك الدول، ونجاح الإستراتيجية الروسية في الإقليم بشكل لافت، ولا سيما مع كون موسكو ما تزال موردًا رئيسيًا للأسلحة والنفط لتلك الدول. (الجزيرة).

المصالح الآسيوية في ظل الحرب الباردة الجديدة:

في ظل التطورات الدولية الأخيرة، من تصاعد للتنافس الدولي، وازدياد زخم الاستقطابات الدولية، تبحث عدة قوى آسيوية عن دور لها على الساحة العالمية؛ نظرًا لما تتمتع به عدة قوى إقليمية آسيوية صاعدة من ثقل ديموغرافي وإستراتيجي كبير.

فضلًا عن تحقيقها طفرات اقتصادية كبيرة خلال العقود القليلة الماضية، والتي شهدت كذلك صعودًا صينيًا له تأثيرات كبيرة ليس فقط على مستقبل هذه القارة، ولكن أيضًا على المجتمع الدولي. حيث تُعد بكين قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة اقتصاديًّا وعسكريًّا، كما تواجه الصين تنافسًا إقليميًّا مع كلٍّ مِن: الهند واليابان وإفريقيا.

ومع بروز القارة الآسيوية على الساحة الاقتصادية والصناعية العالمية، وتصاعد حدة الصراع الدولي، أخذت عدة قوى إقليمية بانتهاج سياسات حيادية في العلن، مع تحركات لافتة تعكس ميلها نحو إحدى القوى المتصارعة؛ فبالنظر إلى التكتلات الإقليمية الكبرى مثل منظمة آسيان، فإن معظم الدول الأعضاء بالمنظمة ترفض سياسة المحاور والتكتلات العسكرية، لما لها من تداعيات سلبية على الأمن الآسيوي.

وتنتهج الدول الإقليمية، سياسات حيادية معلنة إزاء الصراعات الدولية والتنافس الأمريكي الصيني الروسي، وفي الوقت ذاته تبحث القوى الإقليمية عن مصالحها الخاصة، وتتحرك في إطار براغماتي. فتارة يبرز التعاون الروسي الصيني الهندي الآسيوي مع القوى الإقليمية بشكل لافت، رغم القضايا الخلافية المحورية بين دول المنطقة.

وتارة أخرى، تتصاعد حدة التصريحات الإعلامية الإقليمية إزاء السياسات الصينية والروسية في منطقة آسيا والمحيطين، ويبدو أن البراغماتية النفعية التي تحرك سياسات القوى الإقليمية قد فرضت معادلات جديدة إزاء سياسات القوى العظمى في المنطقة.

حيث بات من الواضح فشل السياسات الأمريكية والصينية والروسية في تحويل منطقة شرق آسيا والمحيطين الهندي والهادي إلى معسكر غربي أو شرقي جديد، في ظل تمسك القوى الإقليمية بمصالحها الوطنية. وفي تقديري، فإن القوى الآسيوية تُعد المستفيد الأكبر على المسرح الدولي من الحرب الباردة الجديدة والصراعات الدولية المتصاعدة، في ظل القمم المشتركة، وتنامي التعاون الاقتصادي والتجاري والصناعي بين القوى العظمى والإقليمية.

مستقبل العلاقات الروسية الآسيوية في ظل الإستراتيجية الروسية الجديدة في المنطقة:

في ظل العلاقات الروسية الآسيوية المتنامية، ونجاح الإستراتيجية الروسية في إعادة ضبط العلاقات الاقتصادية والتجارية الخارجية باتجاه القارة الآسيوية، مع تدهور العلاقات الاقتصادية الروسية الغربية، فإن منطقة آسيا والمحيطين قد تشهد عدة تطورات مستقبلية أبرزها، تنامي الحضور الروسي بوتيرة أكبر خلال الفترة المقبلة؛ إذ من المحتمل أن تقدم روسيا دعمًا لبكين في المنطقة بهدف تفويت فرصة احتمالات تقارب المصالح الأمريكية والصينية في تلك المنطقة، في ظل تقارب موسكو مع دول ليست على توافق مع بكين، ولا سيما أن الإستراتيجية الخارجية الروسية الحالية تسعى لإنهاء الزعامة العالمية لواشنطن وحلفائها. وبالتالي، وفي سياق سياسة التوازنات الروسية في المنطقة، فإن دعم موسكو لبكين إقليميًّا أمرٌ واردٌ.

وفي ظل سياسة واشنطن غير الواضحة بشكل كامل إزاء التهديد الأكبر لمكانة الولايات المتحدة، حيث يرى سياسيو الحزب الديمقراطي بضرورة إضعاف روسيا وتفكيكها على غرار ما حدث مع الاتحاد السوفيتي، وفي الوقت ذاته يضع الحزب الجمهوري إستراتيجيات مختلفة إزاء التنافس الدولي، إذ تحتل الصين في إستراتيجيات الجمهوريين للعلاقات الخارجية المرتبة الأولى من حيث التهديد، في ظل رؤية الجزء الأكبر من الجمهوريين، وتحديدًا “دونالد ترامب”، الصين كتهديد خطير للولايات المتحدة.

حيث يرى العديد من السياسيين الجمهوريين بضرورة الحد من الصعود الصيني، ولكن المشهد الحالي يشير إلى أن واشنطن قد تصعد من رد فعلها ضد موسكو، في ظل التحركات الروسية في آسيا ومنطقة المحيطين، ولا سيما مع القلق الذي ينتاب واشنطن من الترتيبات العسكرية والأمنية التي تقودها موسكو في المنطقة، وعلى رأسها معاهدة الدفاع بين روسيا وكوريا الشمالية.

وفي حالة استمرار الإدارة الأمريكية المقبلة على مشهد العلاقات الأمريكية الروسية الحالية، فقد تلجأ واشنطن إلى تحييد الدور الصيني. إذ أشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي “جون كيربي” إلى احتمال مشاطرة الصين لبلاده القلق تجاه معاهدة التعاون الإستراتيجي الشامل. (روسيا اليوم).

غير أن الواضح أن منطقة آسيا والمحيطين الهندي والهادي، قد تصبح المنطقة الأكثر عسكرة في العالم، على خلفية الاتفاق العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية، والمناورات الروسية المتصاعدة في المنطقة. فضلًا عن تصاعد احتمالات انعدام الأمن في المنطقة، مع سعي حلف شمال الأطلسي لإقامة علاقات أوثق مع حلفائه في تلك المنطقة، وتبقى سياسات القوى الآسيوية الحيادية محل مراقبة من قبل كثيرين في ظل تصاعد التنافس الجيوإستراتيجي في المنطقة.

الخلاصة:

– بالنظر إلى ساحات الحرب الباردة الجديدة، والدور الذي تشغله منطقة شرق آسيا والمحيطين الهندي والهادي في سياسات وإستراتيجيات القوى الكبرى، وفي ضوء معطيات الموقف الراهن، فإن الارتقاء بالعلاقات مع الدول الإقليمية الآسيوية لمستوى التعاون الإستراتيجي الشامل، يُعد هدفًا محوريًا في الإستراتيجيات المختلفة للقوى العظمى؛ إذ بالرغم من سخونة الجبهة الأوكرانية الروسية، وتعقد مشهد العلاقات الدولية والإقليمية في منطقة شرق أوروبا، إلا أن منطقة آسيا والمحيطين تُعد المسرح الأهم للحرب الباردة الجديدة، في ظل ما تشكله المنطقة من مركز ثقل اقتصادي وعسكري جديد موازن للقوى الغربية، كما أن التقارب الإقليمي الآسيوي مع الصين وروسيا، يشكل مصدر قلق للقوى الغربية، خاصة بعد المناورات العسكرية الروسية والصينية الأخيرة مع القوى الإقليمية في المنطقة.

المصادر:

الشرق الأوسط.

المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية.

جامعة النهرين.

مركز المستقبل للأبحاث والرؤى والدراسات.

الجزيرة.

روسيا اليوم.

كلمات مفتاحية: المناورات الروسية الإندونيسية – منطقة آسيا والمحيطين – الحرب الباردة الجديدة – الإستراتيجية الروسية في آسيا – العلاقات الروسية الآسيوية.