من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى.. كيف تعيد إيران رسم موازين قوتها؟

من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى.. كيف تعيد إيران رسم موازين قوتها؟

تأتي زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى طاجيكستان في 15 يناير 2025 في توقيت حساس، يعكس تحركات إيران في سياق متعدد الأبعاد سياسيًّا واقتصاديًّا. في وقت تعاني فيه طهران من ضغوطات غربية متزايدة على خلفية ملفها النووي وتوتراتها الإقليمية، فإن هذه الزيارة تشكل خطوة إستراتيجية مهمة نحو تعزيز العلاقات مع دولة جوارها الشرقية، طاجيكستان. على الرغم من بعد حدودها الجغرافية عن إيران، تحتفظ بعلاقات قوية مع طهران على المستويين الثقافي واللغوي، ما يجعلها أحد الشركاء المهمين في سياق سياسة “التوجه شرقًا” التي انتهجتها إيران خلال السنوات الأخيرة. 

أهمية هذه الزيارة تتعزز في كونها تمثل الفرصة الأولى للرئيس الإيراني للظهور دوليًّا بعد توليه منصبه في أغسطس 2024، وتعد كذلك نقطة انطلاق لعدد من المبادرات الثنائية التي تشمل مجالات التجارة، الثقافة، والقدرة على مواجهة التحديات الإقليمية. 

ومن خلال توقيع مذكرات تفاهم والاتفاق على مشاريع مشتركة، تسعى إيران لتعزيز موقعها في آسيا الوسطى ودعم موقفها التفاوضي مع القوى الكبرى. 

تأتي الزيارة كذلك في وقت تتصاعد فيه الضغوط الإيرانية على حركة طالبان في أفغانستان، وتحدياتها المستمرة مع الغرب، مما يجعل هذا التوقيت بالغ الأهمية لتوسيع دائرة الحلفاء والتعاون في مواجهة هذه الضغوط. 

إن هذا التحرك يعكس سياسة إيران الساعية لبناء شبكة من العلاقات الوثيقة مع دول غير غربية، بما في ذلك روسيا وطاجيكستان، في إطار إستراتيجيتها للتصدي للعقوبات الغربية وتعزيز وجودها في مناطق ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لها. 

إيران وطاجيكستان: خصوصية العلاقات وتعدد الأهداف من زيارة بزشكيان: 

تعمل إيران بشكل دائم على تعزيز العلاقات مع طاجيكستان، مستندة إلى الروابط الثقافية والتاريخية بين البلدين، والسعي لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. تتعدد أوجه التعاون بين الطرفين، سواء في المجالات الاقتصادية أو الثقافية أو حتى السياسية، مما يجعل العلاقات بينهما محورًا مهمًّا للسياسة الخارجية الإيرانية، خاصة مع تصاعد التنافس الإقليمي والدولي في آسيا الوسطى. 

تعزيز التعاون الاقتصادي: التوقيع على 13 مذكرة تفاهم: 

ركزت زيارة بزشكيان إلى طاجيكستان على تطوير العلاقات الاقتصادية من خلال توقيع 13 مذكرة تفاهم شملت عدة مجالات حيوية، مثل التجارة، والزراعة، والمياه، والطاقة، والنقل، إضافة إلى الصحة، وتصدير الخدمات الفنية والهندسية، والقضايا العلمية. كان الهدف الرئيسي من هذه الاتفاقيات تعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين. 

وقد أكَّد الرئيسان الإيراني والطاجيكي أهمية إزالة العوائق التي تعرقل التجارة والاستثمار، من خلال تشريعات جديدة تشمل الإعفاء من التأشيرات الجمركية والتأشيرات السياحية. ورغم أن حجم التبادل التجاري بين البلدين لا يزال متواضعًا نسبيًّا، حيث يبلغ حوالي 380 مليون دولار؛ إلا أن العلاقات الاقتصادية شهدت نموًا ملحوظًا بنسبة 50% خلال عام 2024، بحسب تصريحات وزير الاقتصاد الإيراني. 

تعاني التجارة بين البلدين من بعض العوائق الجغرافية، حيث تفصل بينهما دول مثل تركمانستان وأوزبكستان وأفغانستان. إضافة إلى ذلك، تواجه طاجيكستان تحديات لوجستية كونها دولة حبيسة، تعتمد على ميناء تشابهار الإيراني للوصول إلى طرق الملاحة العالمية. من هنا، ترى إيران في تعزيز علاقاتها مع طاجيكستان فرصة لتجاوز العقوبات الاقتصادية الغربية من خلال فتح آفاق جديدة للتجارة. 

ورغم عدم ورود تفاصيل عن تعاون عسكري ضمن مذكرات التفاهم، فإن طهران سبق أن أعلنت عام 2022 عن إنشاء مصنع للطائرات المسيَّرة في طاجيكستان، وهو ما نفته الأخيرة، لكنه يظل محورًا محتملاً للتعاون بين البلدين، خاصة أن طاجيكستان تعاني من توترات حدودية مع دول الجوار (1). 

تمتين العلاقات الثقافية: أواصر تاريخية وقومية: 

تولي إيران اهتمامًا خاصًّا للعلاقات الثقافية مع طاجيكستان، حيث تُعتبر الأخيرة شقيقة فارسية لها، نظرًا للروابط اللغوية والتاريخية بين الشعبين. خلال زيارة بزشكيان، تم تدشين معهد بحوث اللغة والأدب الفارسي في دوشنبه، إلى جانب إقامة فعاليات ثقافية مثل ندوة شعرية حضرها شعراء من كلا البلدين. 

وفي تصريحاته، أشار بزشكيان إلى التشابه الثقافي بين طهران ودوشنبه، حيث تحمل شوارع الأخيرة أسماء شعراء فارسيين كبار مثل الفردوسي وحافظ الشيرازي. تسعى طهران من خلال هذا التوجه إلى تعزيز القومية الفارسية في مواجهة القومية التركية التي تنشط تركيا في تعزيزها بمنطقة آسيا الوسطى، خاصة في أذربيجان المجاورة لإيران. 

إيران ترى في تعزيز الروابط الثقافية وسيلة لمواجهة النفوذ التركي المتصاعد في المنطقة، خاصة مع محاولات تركيا إحياء النزعة الطورانية، التي تدعو إلى توحيد أبناء العرق التركي في منطقة تمتد من تركيا إلى وسط آسيا (2). 

التقارب مع روسيا والتمهيد لاتفاق طويل الأمد: 

تكتسب العلاقات الإيرانية-الطاجيكية أهمية خاصة في سياق التعاون مع روسيا، التي تربطها علاقات عسكرية وسياسية وطيدة بطاجيكستان، باعتبارها من الجمهوريات السوفيتية السابقة. تعد طاجيكستان عضوًا مؤسسًا في منظمة الأمن الجماعي، وتستضيف قاعدة عسكرية روسية كبرى. 

من هذا المنطلق، تُعد زيارة بزشكيان خطوة استباقية لزيارة الرئيس الإيراني المرتقبة إلى روسيا، والتي يتوقع أن يتم خلالها توقيع اتفاق تعاون شامل بين الجانبين لمدة 20 عامًا، على غرار الاتفاق الإيراني-الصيني الموقَّع عام 2021. 

يأتي هذا التقارب في أعقاب تراجع النفوذ الإيراني والروسي في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، وما تبع ذلك من خلافات بين البلدين بشأن الأوضاع السورية. ومن هنا، تحاول إيران وروسيا تعزيز تعاونهما في منطقة آسيا الوسطى، لتعويض تراجع نفوذهما في الشرق الأوسط. 

مشروعات إقليمية: ممر شمال – جنوب: 

إلى جانب تعزيز العلاقات الثنائية، تشارك إيران وطاجيكستان في مشروعات إقليمية كبرى مثل ممر شمال – جنوب، الذي يهدف إلى ربط روسيا بالهند مرورًا بإيران ودول آسيا الوسطى. يمثل هذا المشروع فرصة لإيران لتعزيز مكانتها الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة، خاصة في ظل العقوبات المفروضة عليها(3). 

التحديات المستقبلية للعلاقات الإيرانية-الطاجيكية: 

رغم التقدم الملحوظ في العلاقات بين البلدين؛ إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه هذه العلاقات. أبرزها العوائق الجغرافية التي تجعل التواصل المباشر بين البلدين محدودًا؛ إضافة إلى ذلك: تواجه طاجيكستان ضغوطًا من بعض الدول المجاورة، مثل تركيا وأذربيجان، التي تسعى إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة. 

كما أن طهران تسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع طاجيكستان دون إثارة حساسيات مع الدول المجاورة لها، خاصة أوزبكستان، التي تُعتبر منافسًا إقليميًّا لطاجيكستان. 

إيران وإستراتيجيات مواجهة الضغوط: 

1. الاستعداد للمفاوضات النووية: 

زيارة بزشكيان تأتي في وقت حساس، حيث تُبدي إيران استعدادًا للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية. تُعد هذه التحركات محاولة لتعزيز موقعها التفاوضي في ظل الضغوط الغربية، خاصة مع اقتراب انتهاء الاتفاق النووي لعام 2015 في أكتوبر 2025. 

التوترات المتصاعدة مع الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) تهدد بتفعيل “آلية الزناد”، والتي ستعيد فرض العقوبات الدولية على إيران في حال عدم التوصل إلى اتفاق. هذا الواقع دفع إيران للتحرك لتعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية، لتقوية موقفها أمام المجتمع الدولي. 

2. إستراتيجية “التوجه شرقًا”: 

تمثل زيارة بزشكيان امتدادًا لسياسة إيران في تعزيز علاقاتها مع دول آسيا الوسطى والشرق الأقصى، كرد فعل على التصعيد الغربي تجاهها. وفي ظل التعاون الوثيق بين طاجيكستان وروسيا، تسعى إيران لبناء محور إستراتيجي في المنطقة، يمكنه مواجهة الضغط الغربي. 

التنافس الإقليمي: مواجهة تركيا وطالبان: 

1. المنافسة مع تركيا: 

التحركات الإيرانية في آسيا الوسطى تهدف إلى مواجهة النفوذ التركي المتزايد في المنطقة. تسعى أنقرة، بدعمها لجمهوريات تركية مثل أذربيجان وتركمانستان، إلى تعزيز النزعة القومية الطورانية، وهو ما تراه إيران تهديدًا مباشرًا لنفوذها الإقليمي. 

2. الضغوط على طالبان: 

الزيارة تزامنت مع تصاعد التوتر بين إيران وحكومة طالبان في أفغانستان، خاصة فيما يتعلق بالخلافات حول تقاسم المياه. بناء سد “باشدان” الأفغاني على نهر هريرود يُهدد بتقليص تدفق المياه إلى إيران، مما يعمِّق التوترات بين الطرفين. تحاول إيران من خلال التعاون مع طاجيكستان -التي لها خلافاتها مع طالبان- تعزيز موقفها الإقليمي والضغط على كابول(4). 

التعاون مع روسيا والصين: محور مضاد للغرب: 

1. الاتفاقيات طويلة الأمد: 

زيارة بزشكيان لطاجيكستان كانت مقدمة للتوقيع على اتفاق تعاون شامل بين إيران وروسيا لمدة 20 عامًا. هذا الاتفاق يعكس رغبة إيران في بناء تحالفات طويلة الأمد مع قوى إقليمية كبرى لمواجهة العقوبات الغربية. 

2. مشروع ممر “شمال – جنوب”: 

تُعد آسيا الوسطى ساحة مهمة لمشاريع البنية التحتية، مثل ممر “شمال-جنوب”، الذي تشترك فيه روسيا وإيران ودول أخرى في المنطقة. يهدف هذا المشروع إلى تعزيز حركة التجارة والربط بين آسيا وأوروبا، بما يدعم المصالح الإيرانية والروسية على حدٍّ سواء(5). 

التحديات الرئيسة التي تواجه الشراكات مع دول آسيا: 

رغم أن إيران تسعى جاهدة لتعزيز علاقاتها مع دول آسيا الوسطى وتحقيق مكاسب إستراتيجية واقتصادية، إلا أن هذه الشراكات تواجه جملة من التحديات الأساسية التي تعيق تحقيق الأهداف المأمولة. يمكن تسليط الضوء على أبرز هذه التحديات كما يلي: 

1. العقوبات الاقتصادية وصعوبة التمويل الدولي: 

العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على إيران تُعد واحدة من العقبات الكبرى التي تعيق تطوير الشراكات مع دول آسيا الوسطى. فهذه العقوبات تجعل الشركات العالمية مترددة في الاستثمار أو التعاون مع إيران، خشية التعرض لعقوبات ثانوية. علاوة على ذلك، يصعب على إيران الوصول إلى رأس المال الأجنبي اللازم لتطوير البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية، التي تُعتبر شرطًا أساسيًّا لجعلها مركزًا لنقل البضائع والتجارة في المنطقة. 

2. البيروقراطية وضعف البنية التحتية: 

رغم جهود إيران لتطوير بنيتها التحتية، إلا أن البيروقراطية الثقيلة والإجراءات المعقدة لا تزال تمثل عقبة أمام تحسين خدمات النقل والعبور. خطوط السكك الحديدية والطرق البرية في إيران غير كافية للتعامل مع زيادة كبيرة في حركة البضائع، ويحتاج تحديث هذه الشبكات إلى استثمارات هائلة، فضلاً عن الحاجة إلى تسريع وتبسيط إجراءات العبور والتخزين. 

3. منافسة الممرات التجارية الأخرى: 

إيران تسعى لتكون نقطة عبور رئيسة ضمن الممرات التجارية الإقليمية، مثل ممر الشمال-الجنوب الذي يربط بين الهند وروسيا. ومع ذلك، تواجه منافسة شديدة من ممرات أخرى، لا سيما الممرات البحرية التي تمر عبر قناة السويس، بالإضافة إلى طرق بديلة تمر عبر دول أخرى مثل تركيا وآسيا الوسطى. تُضعف هذه المنافسة من قدرة إيران على جذب التجارة العالمية رغم موقعها الجغرافي المميز. 

4. الصورة السلبية لإيران في آسيا: 

وفقًا لدراسات استقصائية حديثة، لا تزال إيران تُعتبر بلدًا غير معروف أو غير موثوق به لدى سكان دول آسيا الوسطى. حوالي 25% من المشاركين في إحدى الدراسات أبدوا آراء سلبية للغاية تجاه إيران. هذه الصورة السلبية تُعقِّد جهود إيران لبناء علاقات قوية مع دول المنطقة، خصوصًا إذا ما قورنت بجهود قوى أخرى مثل الصين وروسيا التي تستثمر بقوة لتعزيز حضورها في آسيا الوسطى. 

5. غياب الإستراتيجية الواضحة: 

تفتقر إيران إلى إستراتيجية مدروسة وشاملة لتعزيز شراكاتها مع دول آسيا الوسطى. التصريحات الرسمية الإيرانية حول أهدافها، مثل تحقيق دخل 20 مليار دولار من رسوم العبور، تبدو أحيانًا غير واقعية بالنظر إلى التحديات التي تواجهها. كما أن السياسات المتذبذبة لإيران، مثل دعمها لروسيا في حرب أوكرانيا مع الترويج لدورها كمعبر للتجارة الدولية، تثير تساؤلات حول جدية التزامها بالعمل كجسر تجاري عالمي. 

6. التوترات الإقليمية والدولية: 

علاقات إيران المضطربة مع الولايات المتحدة والغرب، وكذلك دعمها لروسيا في صراعها مع أوكرانيا، تضعها في مواجهة تحديات جيوسياسية معقدة. هذه التوترات تؤثر على قدرة إيران على بناء علاقات اقتصادية مستقرة مع دول آسيا الوسطى، التي تسعى لتجنب الانجرار إلى الصراعات الدولية. 

7. التحديات اللوجستية والعوائق المناخية: 

التضاريس الوعرة والظروف المناخية القاسية في بعض المناطق؛ مثل: تركمانستان وطاجيكستان، تُضيف تعقيدات لوجستية لنقل البضائع عبر إيران إلى آسيا الوسطى. كما أن انعدام خطوط ربط فعالة بين بعض المناطق الإيرانية ودول آسيا الوسطى يعوق تدفق التجارة(6). 

الآفاق المستقبلية لهذه المقاربات: 

رغم هذه التحديات، فإن إيران لا تزال تتمتع بفرص لتعزيز شراكاتها مع دول آسيا، لا سيما مع تقليص تأثير الطرق التجارية الروسية بسبب العقوبات على موسكو. لتحقيق هذا الهدف، تحتاج إيران إلى: 

تطوير شبكة النقل والبنية التحتية بما يتناسب مع التطلعات الاقتصادية. 

تحسين صورتها في دول آسيا الوسطى عبر التعاون الثقافي والدبلوماسي. 

اعتماد سياسات ثابتة وإستراتيجيات طويلة الأمد تستند إلى واقع التحديات الإقليمية والدولية (7). 

دور إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط وكيفية تجنبه في آسيا: 

إيران لطالما كانت لاعبًا رئيسيًّا في الشرق الأوسط، وقد أسهمت بشكل ملحوظ في زعزعة الاستقرار في العديد من دول المنطقة من خلال تدخلاتها السياسية والعسكرية، سواء بشكل مباشر أو عبر حلفائها المحليين. وعلى مر العقود، أظهرت إيران قدرة فائقة على استغلال الفراغات الأمنية والصراعات الداخلية في الدول المجاورة لتحقيق مصالحها، وهو ما جعلها محط انتقادات دولية. 

دور إيران التخريبي في الشرق الأوسط يتمثل بشكل أساسي في دعم التنظيمات المسلحة والفصائل الطائفية التي تعمل على تقويض الحكومات الشرعية وتعزيز الانقسامات المجتمعية. فإيران كانت وراء دعم جماعات مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى دعمها المستمر للنظام السوري في مواجهة المعارضة الشعبية. هذه السياسات أسهمت في نشر الفوضى والحروب التي أسفرت عن مئات الآلاف من الضحايا ودمرت البنى التحتية في العديد من الدول، مما حولها إلى دول هشة وساحة لصراعات طويلة الأمد. 

علاوة على ذلك: تسعى إيران إلى بسط نفوذها على مختلف الأراضي في الشرق الأوسط عبر مشروعها النووي وبرنامجها الصاروخي، الذي يثير مخاوف من سباق تسلح نووي في المنطقة، ويهدد أمن الدول المجاورة وكذلك الأمن الدولي. وبدلًا من أن تلعب إيران دورًا بناءً في معالجة القضايا السياسية والاقتصادية في المنطقة، اختارت توجيه مواردها لدعم الصراعات بدلًا من السلام والاستقرار، مما جعلها سببًا رئيسيًّا في تأجيج التوترات بين مختلف المكونات السياسية والطائفية في الشرق الأوسط. 

مما يثير القلق هو أن إيران قد تسعى لتصدير هذا النموذج التخريبي إلى مناطق أخرى مثل آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا. إن تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول مثل العراق وسوريا واليمن قد تكون بمثابة سابقة لدول أخرى في المنطقة، خاصة تلك التي تشهد صراعات داخلية أو فراغات أمنية. من هنا، فإن دول آسيا يجب أن تكون على وعي تام من إمكانية استنساخ هذا الدور التخريبي من قبل إيران، خصوصًا في مناطق تعاني من عدم الاستقرار أو التقسيمات الطائفية والإثنية. 

على دول آسيا أن تدرك تمامًا أن تبني إيران لسياسة التوسع الإقليمي يمكن أن يؤدي إلى خلق مراكز قوى جديدة تسعى لفرض أجندات طائفية وأيديولوجية على حساب استقرار هذه الدول. مما قد يخلق بيئة خصبة للفوضى ويؤدي إلى تقسيم المجتمعات المحلية وصعود الحركات المتطرفة. إن السياسة الإيرانية التي تركز على دعم الميليشيات وتغيير الأنظمة السياسية بالوسائل غير القانونية قد تكون لها تأثيرات مدمرة في دول آسيا التي تتطلع إلى استقرار سياسي واقتصادي طويل الأمد. 

من هذا المنطلق، يجب أن تكون الدول الآسيوية حريصة على عدم السماح لإيران بتكرار سيناريوهات الشرق الأوسط في مناطقها. وينبغي تكثيف الجهود الإقليمية والدولية للتصدي لهذه السياسات، من خلال التعاون الأمني والاقتصادي وتعزيز المؤسسات الحكومية الضعيفة. فقط من خلال بناء تحالفات قوية وإستراتيجيات مشتركة يمكن لدول آسيا حماية استقرارها ومنع استنساخ الدور الإيراني التخريبي في أراضيها. 

الخلاصة: 

وفي الختام: يمكن القول إن زيارة الرئيس الإيراني إلى طاجيكستان تأتي ضمن تحركات إيران في المساحات المناوئة للغرب، بغية احتواء الضغوط الغربية، التي تزايدت وتيرتها عقب اندلاع عملية طوفان الأقصى في قطاع غزة الفلسطيني، في 7 أكتوبر 2023، وما أعقب ذلك من تقويض للنفوذ الإقليمي لإيران في الشرق الأوسط. ومن ثمّ فإن الزيارة تقرأ في سياق محاولة طهران تعويض ما مُنيت به من خسائر في المشرق العربي، أو غرب آسيا، بما يحلو للمسؤولين الإيرانيين تسميته بـ”إنجازات” في منطقة وسط آسيا، تفاديًا لأن تتحول الأخيرة إلى “نصل سكين” تتحكم فيه الأطراف المعادية لطهران. 

نجاح إيران في تجاوز هذه التحديات يتطلب توازنًا بين تطوير البنية التحتية، تخفيف التوترات مع الغرب، وتعزيز الشراكات الاقتصادية مع جيرانها، لا سيما دول آسيا الوسطى. 

تمثل زيارة بزشكيان إلى طاجيكستان خطوة ضمن تحركات إيرانية أوسع لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى. 

وسواء من خلال التعاون الثقافي والاقتصادي أو من خلال تعزيز التحالفات الإقليمية، تهدف طهران إلى تعويض خسائرها في الشرق الأوسط ومواجهة الضغوط الغربية. 

تمثل زيارة بزشكيان إلى طاجيكستان خطوة إستراتيجية لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين على مختلف المستويات. 

من خلال التوقيع على مذكرات تفاهم شملت مجالات متعددة، وتوطيد العلاقات الثقافية، تسعى إيران إلى تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية تعزز من مكانتها في آسيا الوسطى. 

في الوقت ذاته، تأتي هذه الجهود في إطار إستراتيجية أوسع للتعاون مع روسيا والصين، بهدف مواجهة الضغوط الغربية، وإعادة رسم خارطة نفوذها الإقليمي. 

لكن يبقى السؤال: هل ستنجح إيران في تحقيق أهدافها الإستراتيجية في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة؟ الإجابة تعتمد على قدرتها على تحقيق توازن دقيق بين مصالحها الإقليمية وتحركات القوى الكبرى في المنطقة.

المصادر:

1_ مركز الإمارات للسياسات

2_ آراء

3_ الجزيرة

4_ الموقع الرسمي للجيش اللبناني

5_ مجلة الدراسات الإيرانية

6_ الإندبندت

7_ الدبلوماسي