زيارة وفد طالبان لليابان.. دلالات جيوسياسية وأهداف إستراتيجية

زيارة وفد طالبان لليابان.. دلالات جيوسياسية وأهداف إستراتيجية

في خطوة غير مسبوقة منذ استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021، قام وفدٌ رفيع المستوى من حكومة طالبان بزيارةٍ إلى اليابان في الفترة من 15 إلى 22 فبراير 2025.

شمل الوفدُ مسؤولين من وزارات الخارجية والاقتصاد والتعليم العالي، وجاءت الزيارة بدعوةٍ من “مؤسسة نيبون” المانحة، التي اعتبرتها جزءًا من جهود إعادة إعمار إفريقيا.

وعلى الرغم من عدم تعليق الحكومة اليابانية رسميًّا على الزيارة، فإنَّ هذه الخطوة تثير العديد من التساؤلات حول دلالاتها الجيوسياسية وأهداف كلا الطرفين الإستراتيجية.

وتعود العلاقاتُ بين أفغانستان واليابان إلى فترة ما قبل استيلاء طالبان على السلطة، حيث كانت اليابان واحدةً من الدول التي قدَّمت مساعداتٍ إنسانيةٍ وتنمويةٍ كبيرةٍ لإفريقيا خلال العقود الماضية، خاصةً بعد سقوط نظام طالبان الأول في عام 2001.

ومنذ ذلك الحين، استمرَّت اليابان في تقديم الدعم لأفغانستان من خلال المشاريع الإنسانية والتنموية، ممَّا جعلها شريكًا محوريًّا في إعادة بناء البلاد بعد الحرب، ورغم التحديات السياسية والاقتصادية التي مرَّت بها أفغانستان منذ استيلاء طالبان على السلطة، فإنَّ العلاقات بين البلدين لم تنقطع تمامًا.

كانت اليابان من الدول التي لم تعترف رسميًّا بحكومة طالبان، لكنَّها ظلَّت تقدِّم الدعم للشعب الأفغاني في المجالات الإنسانية والتعليمية، وبالتالي، فإنَّ هذه الزيارة تأتي في وقتٍ حاسمٍ حيث يسعى كلٌّ من طالبان واليابان إلى إعادة تقييم إستراتيجياتهما في ظلِّ التغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة.

ويهدف هذا التقرير إلى استعراض تاريخ العلاقات الأفغانية اليابانية، بدايةً من الدعم الذي تقدِّمه اليابان لأفغانستان بعد عام 2001، مرورًا بتحديات السنوات الأخيرة في ظلِّ حكم طالبان.

وسنناقش الأسباب التي قد تقف وراء زيارة طالبان إلى اليابان، بما في ذلك الحاجة إلى الدعم الدولي لإعادة إعمار أفغانستان في ظلِّ التحديات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة، وكذلك رغبة اليابان في تعزيز دورها كداعمٍ رئيسيٍّ للاستقرار في المنطقة.

كما سنستعرض ملامح المستقبل للعلاقات بين البلدين، من خلال تحليل تداعيات هذه الزيارة على المستوى الجيوسياسي وأهداف كلا الطرفين الإستراتيجية.

أهداف الزيارة.. مصالح مشتركة وتحديات جيوسياسية:

اليابان وصدُّ النفوذ الصيني في إفريقيا.. إستراتيجية البوابة الآسيوية:

تُعتبر اليابان، منذ انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان عام 2021، أحد أبرز الفاعلين الدوليين الذين يسعون إلى موازنة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة.

ففي الوقت الذي تُعزِّز فيه بكين وجودها عبر مبادرة “الحزام والطريق”، وتسعى لاستغلال موارد أفغانستان من الليثيوم والنحاس واليورانيوم، التي تُقدَّر قيمتها بـ 3 تريليونات دولار وفقًا لدراسة جامعة طوكيو (2022)، تعمل طوكيو على تقديم نموذجٍ بديلٍ يعتمد على المساعدات الإنسانية والمشاريع التنموية غير المشروطة سياسيًّا.

ففي سبتمبر 2023، أعلنت الصين عن تعيين تشن شياو دونغ سفيرًا لها في كابول، وهو أول مبعوثٍ صينيٍّ منذ عام 1993، ممَّا يعكس رغبة بكين في ترسيخ وجودها عبر شراكاتٍ اقتصاديةٍ مع طالبان، مثل اتفاقية استيراد الليثيوم لدعم صناعة البطاريات الصينية.

لكنَّ اليابان، التي تُنظَر إلى الصين على أنَّها “تهديدٌ إستراتيجيٌّ” في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بحسب الإستراتيجية الدفاعية اليابانية (2022)، تستخدم أدوات “الدبلوماسية الناعمة” لتعطيل الهيمنة الصينية.

ففي فبراير 2024، أعلن تاكايوشي كورومايا، رئيس البعثة اليابانية في كابول، عن تخصيص 50 مليون دولار لبناء مستشفيات في هرات وقندهار، وإعادة تأهيل شبكة الطرق بين مزار الشريف وجلال آباد.

هذه المشاريع لا تُعزِّز الوجود الياباني فحسب، بل تُقدِّم بديلًا عن الاتفاقيات الصينية التي تربط الاستثمارات بوجودٍ عسكريٍّ أو سياسيٍّ، كما حدث في ميناء غوادر الباكستاني؛ كما أنَّ اليابان تركِّز على قطاع التعليم، حيث موَّلت مدارس مهنية في كابول لتدريب الشباب الأفغاني، ممَّا يُقلِّل اعتماد البلاد على العمالة الصينية في مشاريع البنية التحتية.

زيارة تحمل في طياتها تحولاتٌ كبرى.. اليابان وطالبان في لعبة الشطرنج الجيوسياسية:

تُجسِّد زيارة وفد طالبان إلى اليابان فبراير 2024 لحظةً فارقةً في التفاعلات الدولية مع أفغانستان، كونها تُعيد رسم خريطة التحالفات في آسيا.

بالنسبة لليابان، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في آسيا، تُمثِّل هذه الخطوة محاولةً لتعزيز نفوذها الاقتصادي في منطقةٍ تُهيمن عليها الصين عبر مبادرة “الحزام والطريق”.

ففي الوقت الذي تستثمر فيه بكين مليارات الدولارات في البنية التحتية الأفغانية، تركِّز طوكيو على مشاريع إنسانية، مثل تمويل مستشفى هرات للسرطان (5 ملايين دولار) وبناء مدارس مهنية في كابول، وفقًا لوزارة الخارجية اليابانية.

هذه الإستراتيجية تُقلِّل من اعتماد أفغانستان على الصين، بينما تُعزِّز صورة اليابان كـ “قوةٍ ناعمةٍ” تُقدِّم حلولًا غير سياسية.

أمَّا بالنسبة لطالبان، فتُعتبر الزيارة محاولةً لكسر العزلة الدولية عبر جذب شركاء من خارج نطاق الدول الداعمة تقليديًّا (مثل: باكستان وقطر).

ففي لقاءٍ مع تاكايوشي كورومايا، رئيس البعثة اليابانية، أكَّد ممثلو طالبان أنَّ “التعاون مع طوكيو سيساعد في إعادة إعمار أفغانستان دون شروطٍ سياسيةٍ”، مُلمحين إلى استعدادهم لتقديم تنازلاتٍ في ملفاتٍ مثل حقوق المرأة مقابل الاعتراف الدولي.

ومع ذلك، تبقى تحدياتٌ كبيرة، مثل تهديدات داعش-خراسان (IS-K)، التي استهدفت مشاريع يابانية في جلال آباد 2023، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة (يناير 2024).

اليابان وتقاربها البراغماتي مع طالبان.. بين المصالح الإستراتيجية والضغوط الدولية:

اتبعت اليابان منذ سيطرة طالبان على إفريقيا في أغسطس 2021 نهجًا فريدًا يعتمد على البراغماتية السياسية، مبتعدةً عن الموقف الغربي الجماعي الذي يرفض الاعتراف بالحركة.

ففي حين أغلقت معظم الدول الغربية سفاراتها في كابول وقطعت العلاقات الدبلوماسية، حافظت طوكيو على قنوات اتصالٍ غير رسميةٍ مع طالبان، مُبررةً ذلك بضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب الأفغاني، الذي يعاني من واحدةٍ من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث.

ووفقًا لتقرير البنك الدولي (2023)، بلغت نسبة الفقر في أفغانستان 70% بعد توقف المساعدات الدولية، ممَّا دفع اليابان إلى زيادة مساعداتها الطارئة عبر منظماتٍ مثل الصليب الأحمر إلى 180 مليون دولار بين 2021-2023، مع تركيزها على قطاعات الصحة والتعليم.

في فبراير 2024، أكَّد تاكايوشي كورومايا، رئيس البعثة الدبلوماسية اليابانية في كابول، خلال لقاءٍ مع مسؤولين من طالبان، أنَّ “التفاعل الدولي مع إفريقيا ضروريٌّ لاستقرار المنطقة”، مشيرًا إلى أنَّ اليابان ستواصل دعم المشاريع التنموية رغم القيود المفروضة على التعامل مع الحركة.

هذا الموقف عزَّزه تصريح مولوي عبد الكبير، نائب رئيس الوزراء الأفغاني السابق، الذي وصف اليابان بأنَّها “شريكٌ إستراتيجيٌّ طويل الأمد”، خاصةً في ظلِّ اهتمام طوكيو بمشاريع إعادة إعمار البنية التحتية، مثل شبكة الطرق والمستشفيات، التي تُعتبر بوابةً لربط آسيا الوسطى بأسواق جنوب آسيا.

ويرى مراقبون أنَّ هذا التقارب يعكس حساباتٍ يابانيةً دقيقةً، تتجاوز الموقف الأخلاقي الغربي، فمع تنامي النفوذ الصيني والروسي في آسيا الوسطى عبر مبادراتٍ مثل “الحزام والطريق”، تسعى اليابان إلى تعزيز وجودها الاقتصادي في المنطقة، خاصةً في قطاعات التعدين والنفط، حيث تُقدَّر قيمة الموارد المعدنية في أفغانستان بنحو 3 تريليونات دولار، وفقًا لدراسة جامعة طوكيو للدراسات الآسيوية (2022).

كما أنَّ استقرار أفغانستان يخدم أمن اليابان غير المباشر، عبر منع تمدُّد الجماعات الإرهابية نحو آسيا الوسطى، التي تُعتبر منطقة نفوذٍ لموسكو وبكين، لكنَّ هذا النهج يواجه انتقاداتٍ من حلفاء اليابان الغربيين، الذين يرون فيه “شرعنةً لحكم طالبان”.

ففي تقريرٍ لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) (2023)، حذَّر خبراء من أنَّ استمرار طوكيو في التعامل مع طالبان قد يُضعف الضغط الدولي على الحركة لتحسين سجلها في حقوق الإنسان، خاصةً مع استمرار فرضها قيودًا صارمةً على النساء والفتيات.

كما أنَّ تعاون اليابان مع طالبان يُثير تساؤلاتٍ حول تعارضه مع التزاماتها في إطار “Quad” (التحالف الرباعي مع الولايات المتحدة والهند وأستراليا)، الذي يهدف إلى مواجهة النفوذ الصيني.

اختراق طالبان لمناطق جيوسياسية جديدة: اليابان نموذجًا:

تمثِّل زيارة وفد حكومة طالبان إلى اليابان في فبراير 2024 حدثًا غير مسبوقٍ في مسار الحركة الدبلوماسي، كونها أول زيارةٍ رسميةٍ خارج نطاق الدول المجاورة لأفغانستان أو القوى الإقليمية التقليدية (مثل روسيا والصين وإيران).

فمنذ استعادة طالبان السيطرة على كابول عام 2021، اقتصرت تحرُّكاتها الدولية على دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط، بينما ظلَّت دول آسيا الشرقية وأمريكا الشمالية وأوروبا تتجنَّب التعامل المباشر مع الحركة.

إلا أنَّ استقبال طوكيو للوفد برئاسة مولوي عبد الكبير، نائب رئيس الوزراء الأفغاني السابق، يشير إلى تحوُّلٍ في إستراتيجية طالبان نحو اختراق مناطق جيوسياسية جديدة، مثل شرق آسيا، لتعزيز شرعيتها الدولية وتنويع شركائها الاقتصاديين.

هذه الخطوة تُظهر قدرة طالبان على تجاوز العزلة المفروضة عليها، خاصةً مع رفض الغرب الاعتراف بها وتعليق معظم المساعدات الدولية، ففي الوقت الذي تضغط فيه دولٌ مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على طالبان لتحسين سجلها في حقوق الإنسان، تتَّجه الحركة إلى دولٍ مثل اليابان التي تُقدِّم مساعداتٍ إنسانيةٍ مشروطةً بمشاريع تنموية، مثل إعادة بناء الطرق والمستشفيات، دون ربطها بمعايير سياسية.

ووفقًا لتقرير اليابان حول التنمية الأفغانية (2023)، خصَّصت طوكيو 180 مليون دولار لمشاريع في قطاعات الصحة والتعليم، ممَّا يعزِّز فكرة أنَّ “الدبلوماسية الإنسانية” أصبحت أداةً للنفوذ في كابول.

فاليابان، كعضوٍ في التحالف الرباعي (Quad) مع الولايات المتحدة والهند وأستراليا، تُحاول الموازنة بين التزاماتها الأمنية مع الحلفاء الغربيين ورغبتها في توسيع نفوذها الاقتصادي في آسيا الوسطى.

كما أنَّ تقاربها مع طالبان قد يُفسَّر كمحاولةٍ لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة، خاصةً مع اعتماد بكين على مبادرة “الحزام والطريق” لربط البنية التحتية الأفغانية بشبكتها الإقليمية.

بالإضافة إلى ذلك، تُراقب طوكيو عن كثب مشاريع استخراج الموارد الطبيعية في أفغانستان، التي تُقدَّر قيمتها بـ 3 تريليونات دولار، وفقًا لدراسة جامعة طوكيو (2022).

فشل الضغوط الغربية في عزل طالبان: بين المرونة الداخلية والتمدد الخارجي:

على الرغم من الحملات الغربية المكثفة لعزل حركة طالبان سياسيًّا واقتصاديًّا منذ سيطرتها على أفغانستان في أغسطس 2021، نجحت الحركة في ترسيخ سلطتها محليًّا وبناء شبكة علاقاتٍ دوليةٍ تتجاوز الإطار الضيق للدول الداعمة لها.

فرضت الحكومات الغربية، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوباتٍ مشدَّدةٍ على قيادات طالبان، وجمَّدت أصول البنك المركزي الأفغاني البالغة 9.5 مليارات دولار، وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي (2022). كما أدانت منظماتٌ مثل هيومن رايتس ووتش سياسات طالبان القمعية تجاه النساء، مثل حظر التعليم الجامعي والعمل في القطاع العام، وتجاهلت الحركة هذه الضغوط عبر تبرير قراراتها بأنَّها “تطبيقٌ للشريعة الإسلامية”.

لكنَّ المرونة الداخلية لطالبان مكَّنتها من احتواء التحديات الأمنية والاقتصادية. ففي مواجهة تهديدات تنظيم داعش في خراسان (IS-K)، الذي نفَّذ هجماتٍ داميةٍ استهدفت مساجد ومسؤولين، كثَّفت الحركة عملياتها العسكرية في مناطق مثل ننكرهار وكونار، مُعلنةً عن تصفية قيادات التنظيم.

كما عملت على تهدئة القبائل المحلية عبر وساطاتٍ قبليةٍ، ممَّا خفَّف من حدَّة الاضطرابات في المناطق الريفية، اقتصاديًا، وجدت طالبان في تجارة المواد الأفيونية (opiates) موردًا بديلًا، حيث تُسيطر أفغانستان على 85% من إنتاج الأفيون العالمي، وفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات (2023).

دوليًّا، نجحت طالبان في تجاوز العزلة عبر تعزيز العلاقات مع قوى إقليمية غير غربية، فروسيا، التي استضافت وفدًا من طالبان في موسكو (مارس 2023)، دعت إلى رفع تجميد أصول البنك المركزي الأفغاني، بينما وقَّعت الصين اتفاقياتٍ لاستيراد الليثيوم والمعادن النادرة من أفغانستان ، وفقًا لوكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) (2023).

حتى إيران، التي كانت تعارض سابقًا سيطرة طالبان، فتحت حدودها لتسهيل التبادل التجاري، مع تصدير الوقود والكهرباء إلى أفغانستان ، هذه الشراكات مكَّنت الحركة من تخفيف وطأة العقوبات الغربية، خاصةً مع تدفُّق المساعدات الإنسانية من دولٍ مثل قطر والإمارات، التي تُعتبر حلقة وصلٍ بين طالبان والمجتمع الدولي.

زيارة وفد طالبان إلى اليابان (فبراير 2024) تُجسِّد فشل الإستراتيجية الغربية في عزل الحركة، فطوكيو، العضو البارز في التحالف الرباعي (Quad) الذي تقوده الولايات المتحدة، لم تكتفِ باستقبال الوفد، بل أعلنت عن مشاريع جديدة بقيمة 50 مليون دولار لإعادة إعمار المدارس والمستشفيات، وفقًا لوزارة الخارجية اليابانية.

هذه الخطوة تُظهر أنَّ طالبان باتت قادرةً على جذب شركاء من خارج نطاق التأثير الغربي، مستغلةً حاجة اليابان إلى تعزيز وجودها في آسيا الوسطى لمواجهة النفوذ الصيني.

كما أنَّ تفاعل دولٍ مثل النرويج مع طالبان (يناير 2024) عبر اجتماعاتٍ في أوسلو، يشير إلى أنَّ العزلة الدولية للحركة تتآكل تدريجيًّا، خاصةً مع تزايد الاهتمام الأوروبي بتحقيق الاستقرار في أفغانستان لمنع تدفُّق اللاجئين.

طالبان وكسب ود واشنطن عبر طوكيو.. الدبلوماسية غير المباشرة:

في ظلِّ توتر العلاقات بين طالبان والولايات المتحدة منذ سيطرة الحركة على إفريقيا، تُحاول طالبان استغلال الشراكة اليابانية الأمريكية لتحسين صورتها دوليًّا.

ففي فبراير 2025، أعلنت الحركة عن استعدادها لـ “فتح صفحةٍ جديدةٍ” مع إدارة دونالد ترامب، مُشيدةً بصفقة الإفراج عن خليد أسعد، السجين الأفغاني في غوانتانامو، مقابل أمريكيين اثنين احتجزتهم طالبان.

ووصفت الحركة هذه الخطوة بأنَّها “دليلٌ على إمكانية حل الخلافات عبر الحوار”، في إشارةٍ إلى رغبتها في إلغاء العقوبات الأمريكية التي تُعرقل وصول المساعدات إلى إفريقيا.

اليابان، بصفتها حليفًا رئيسيًّا لواشنطن في آسيا، تُعتبر قناةً غير مباشرةٍ لتمرير رسائل طالبان إلى الولايات المتحدة، ففي لقاء مارس 2024 بين مسؤولين يابانيين ووفد طالبان، نُقلت مطالب الحركة برفع تجميد أصول البنك المركزي الأفغاني، وهو ملفٌّ تدعمه طوكيو في المحافل الدولية.

كما أنَّ اليابان تُسهم في تحسين صورة طالبان عبر تغطيةٍ إعلاميةٍ إيجابيةٍ لمشاريعها في أفغانستان ، ممَّا يُضعف الحجج الغربية التي تربط بين المساعدات والملف الحقوقي.

ووفقًا لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) (2024)، فإنَّ هذا النهج قد يُمهِّد الطريق لواشنطن لإعادة تقييم سياستها، خاصةً مع حاجة أمريكا إلى استقرار إفريقيا لمنع تمدُّد تنظيم داعش-خراسان (IS-K) نحو آسيا الوسطى.

موقف واشنطن.. بين التشجيع والتردد:

تتبنَّى الولايات المتحدة موقفًا غامضًا إزاء التقارب الياباني مع طالبان، حيث لم تُصدر وزارة الخارجية الأمريكية أي تعليقٍ رسميٍّ على زيارة الوفد الأفغاني إلى طوكيو فبراير 2024.

ومع ذلك، تُشير تحليلات خبراء إلى أنَّ هذه الخطوة تتوافق مع المصالح الأمريكية غير المعلنة، خاصةً في ظلِّ تركيز إدارة جو بايدن على مواجهة الصين وروسيا، كما في أزمة تايوان وحرب أوكرانيا.

ففي فبراير 2020، وقَّع مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، اتفاقية الدوحة مع طالبان، والتي مهدت لانسحاب القوات الأمريكية بعد 20 عامًا من الحرب، ممَّا أعطى شرعيةً غير مباشرةٍ للحركة.

رغم ذلك، تظلُّ واشنطن مُتحفِّظةً إزاء الاعتراف الرسمي بطالبان، بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، مثل حظر تعليم الفتيات وقمع الحريات الإعلامية.

لكنَّ التقارير الاستخباراتية الأمريكية، مثل تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) (2024)، تلمِّح إلى أنَّ اليابان قد تكون “حليفًا مثاليًّا” لتمرير رسائل أمريكية إلى طالبان، خاصةً في ملفاتٍ مثل مكافحة الإرهاب وحماية المصالح الغربية في آسيا الوسطى؛ كما أنَّ زيارة الوفد الياباني-الطالباني تُعتبر اختبارًا لمدى مرونة واشنطن في التعامل مع طالبان عبر قنواتٍ غير مباشرةٍ، بدلًا من سياسة المقاطعة التي فشلت في تغيير سلوك الحركة.

الخلاصة:

تُعدُّ زيارة حركة طالبان لليابان فرصةً مهمةً لاستكشاف استعدادات الطرفين لتقديم الدعم المتبادل، وهو أمرٌ من غير المرجح أن تعترض عليه الولايات المتحدة، إن لم تشجعه بشكلٍ مباشرٍ.

ويبدو أنَّ إدارة ترامب، التي وقَّعت اتفاقية انسحاب قوات حلف “الناتو” من إفريقيا في فبراير 2020، أقل اهتمامًا بالقيم الديمقراطية والحقوقية، وأكثر تركيزًا على المكاسب الاقتصادية.

هذا الموقف يُفسح المجال أمام طالبان لتعزيز علاقاتها مع دولٍ مثل اليابان دون عوائق كبيرةٍ من واشنطن.

من جهةٍ أخرى، جاءت تفاهمات رئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، مع الرئيس ترامب خلال لقائهما في البيت الأبيض في 7 فبراير 2025، لتؤكِّد متانة الشراكة الأمريكية اليابانية.

اتفق الطرفان على تحقيق توازنٍ في العلاقات التجارية بين البلدين وتشجيع الاستثمارات اليابانية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إصدار بيانٍ مشتركٍ ينتقد “التهديدات والاستفزازات الصينية”.

هذه التفاهمات تمنح اليابان حريةً أكبر في تطوير علاقاتها الدبلوماسية مع أطرافٍ مثل طالبان، والتي تُعتبر “تحديًا ثانويًا” في إطار الإستراتيجية المشتركة لمواجهة “التحدي الرئيسي” المتمثِّل في الصين.

في هذا السياق، إذا نجحت طالبان في إدارة تعقيدات المصالح الجيوسياسية، فقد تدفع إدارة ترامب لإعادة النظر في مطالبها برفع العقوبات المفروضة على الحركة كخطوةٍ أولى.

هذا النجاح قد يُعزِّز من فرص التعاون بين طالبان واليابان، ويُظهر كيف يمكن للدبلوماسية أن تُشكِّل تحالفاتٍ غير تقليديةٍ في ظلِّ التحديات الإقليمية والعالمية.

المصادر:

1. وكالة الأناضول.

2. الشرق الأوسط.

3. مركز المستقبل.

4. اليابان بالعربي.

5. الغد.

6. الشرق.

7. مركز الأهرام للدراسات.

8. بي بي سي.

9. مركز الإمارات للسياسات.