حلب ومستقبل العلاقات التركية السورية في ظل السلطة الجديدة
حلب ومستقبل العلاقات التركية السورية في ظل السلطة الجديدة
إنَّ مستقبل العلاقات التركية السورية مرهون بمدى موقف السُّلطة الجديدة من التواجد التركي العسكري على الأرض، ولربما قد تختلف المرحلة المقبلة عن الحالية في ظلِّ دفء العلاقات بين البلدين؛ لا سيما بعد ما لعبت تركيا دورًا محوريًّا في وصول هيئة تحرير الشام إلى سُدَّة الحكم بعد سقوط نظام الأسد العلوي الموالي لإيران.
لقد أثارت تصريحات مسؤولين ومحللين أتراك بأنَّ حلب “ولاية عثمانية” جدلًا عربيًّا ودوليًّا واسعًا، والتي رفضتها أطراف سورية، حيث ستكون “بيت القصيد” في مستقبل العلاقات بين دمشق وأنقرة؛ خصوصًا وأنَّ الجيش التركي لا يزال موجودًا داخل سوريا منذ بداية 2018، ويسيطر على نحو 10٪ من الأراضي السورية.
ويأتي الصراع على حلب بالتحديد بسبب أنَّ تركيا قد حدَّدت أولوياتها في هذه المنطقة أو المحافظة السورية التي أشعلتها تحركات لفصائل سورية مسلحة، حيث تريد أنقرة منع أيِّ موجة جديدة من النزوح إلى أراضيها، وكذلك التصدِّي لقوات سوريا الديمقراطية المعروفة باسم “قسد” التي يشكِّل قوامها وحدات حماية الشعب الكردي المناوئة لأنقرة من الوجود على حدودها والتي تعتبرها قضية أمن قومي لها.
في هذا التحليل بمركز “رواق” للأبحاث والدراسات الإستراتيجية يمكننا تسليط الضوء على بعض الملفات الشائكة؛ وهي: ما مستقبل العلاقات التركية السورية في ظلِّ السلطة الجديدة؟ ما تداعيات التغيير السريع في سوريا على المنطقة؟ هل ستسعى أنقرة إلى ملء الفراغ الإيراني في سوريا؟ كيف يمكن حلُّ أزمة الوجود الكردي لتركيا في الشمال مع سوريا؟ ماذا عن الموقف الأوروبي ومخاوفه من زيادة النفوذ التركي؟ ما شكل العلاقة بين سوريا الجديدة وتركيا بعد سقوط الأسد؟
في بداية الاجتياح المسلح أو قُوى المعارضة لمدينة حلب، تهرَّب المسؤولون الأتراك من التعليق على الأحداث التي عدَّها وزير الخارجية هاكان فيدان نتاجًا لموقف النظام السوري المخلوع الذي لم يلتزم ببنود تفاهمات أستانا، حيث أولى الإعلام الحكومي والخاص الموالي -وما زال- اهتمامًا كبيرًا بالتطورات السريعة التي قد حدثت في حلب وسوريا عمومًا.
وفي ظلِّ هذه التطورات على الأرض، تعتزم الدولة التركية في إقامة علاقات إستراتيجية مع الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، حيث سيتمُّ إعداد خريطة طريق لتلبية احتياجات الدفاع والأمن في المرحلة الانتقالية المقبلة.
وعادت تركيا إلى عادتها القديمة: “حلب ولاية عثمانية”.
لا شكَّ أنَّ حديث بعض الأتراك عن أنَّ حلب تُعدُّ ولاية عثمانية هي “سياسات المغامرة” التي تنتهجها أنقرة في سوريا وعبرها في المنطقة، حيث يرى البعض أنَّ اجتياح حلب عملية خطيرة تخدم الأجندة الإسرائيلية، لاسيما وتغطِّي الدولة التركية كلَّ احتياجات هذا الجيش من الأسلحة والمعدات العسكرية والمرتبات وغيرها ليحلَّ محلَّ الجيش السوري الحرِّ الذي تأسَّس هو الآخر في تركيا في أغسطس 2011.
حيث تغطِّي تركيا كلَّ احتياجاتها من البترول والكهرباء والماء والإنترنت وكلِّ المواد الاستهلاكية وغيرها من تركيا التي تبعد حدودها عن مركز مدينة إدلب نحو 40 كم وكلُّ التعاملات فيها بالليرة التركية، كما لا يتسنَّى لأيِّ شخص أجنبي الدخول إليها والخروج منها إلاَّ عبر هذه الحدود مع تركيا.
لذلك من الواضح وخصوصًا ما ذكره الإعلام الموالي عن أهمية حلب بالنسبة إلى حسابات تركيا التكتيكية والإستراتيجية الخاصة بسوريا والمنطقة عمومًا، خصوصًا بعد نجاح قوات الجيش الوطني السوري في السيطرة على مدينة تلِّ رفعت وإخراج الميليشيات الكردية من العديد من أحياء حلب، والتي كانت تسيطر عليها بالاتفاق مع قوات النظام. (الميادين).
طبيعة الصراع التركي في حلب ولِمَ؟
لقد كانت المفاجأة الأهم عندما بدأ البعض من الساسة الأتراك الحديث عن الحقِّ التاريخي التركي في حلب، وقالوا عنها إنَّها كانت “ولاية عثمانية” حتى العام 1918؛ حيث خرج الأتراك من المنطقة بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
حيث ركَّزت وسائل إعلام تركية عندما كانت تتحدث عمَّا يُسمَّى بخارطة الميثاق الوطني التي تُعدُّ الشمال السوري بما فيه إدلب وحلب والرقة ودير الزور ومعه الشمال العراقي أي ولاية الموصل التي تضمُّ الموصل وكركوك وأربيل والسليمانية جزءًا من تركيا الحالية، في الوقت الذي عدَّ البعض حلب الولاية رقم 82 وإدلب رقم 83 بالنسبة إلى لوحات السيارات التي تحمل رقم الولاية التي توجد فيها وهي 81 ولاية في تركيا.
ومما أثار الجدل أيضًا هو قيام معظم وسائل الإعلام في أنقرة بنشر صورٍ للعلم التركي الذي علَّقه أحد المسلحين على أسوار قلعة حلب، كما نشرت مقابلات مع مواطنين ومقاتلين في حلب ومناطق السيطرة وهم يرحِّبون بالأتراك في سوريا. (الميادين).
وهو ما يتوافق مع مزاعم رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت باهشالي لتؤكِّد هذا التوجُّه الإعلامي؛ إذ قال: إنَّ حلب مدينة تركية بعدما حمَّل الرئيس المخلوع الأسد مسؤولية التطورات؛ لأنَّه رفض المصالحة مع الرئيس أردوغان.
ولربما قد يفسِّر ذلك معاملة المسلحين الجيدة لسكان حلب وسط المعلومات التي تتحدَّث عن خطط وضعتها السلطات التركية لتغطية كلِّ احتياجات المدينة من المشتقات النفطية والكهرباء والمواد الأساسية التي يفتقر إليها الشعب السوري، ليس فقط في حلب، بل باقي مناطق الدولة السورية وبسبب الحصار والعقوبات والحرب المستمرة منذ 13 عامًا.
لذا نقول: إنَّ تركيا تراهن من خلال المعاملة الحسنة أن تُساعدها في كسب ودِّ السوريين في حلب، ولاحقًا كلِّ المناطق التي يخطِّط المسلحون لاجتياحها وفي مقدِّمتها حماة وحمص.
وقد اتَّهمت أنقرة طيلة الفترة الماضية دمشق وقبل سقوط نظام الأسد بعدم الالتزام بهذا القرار ما دفعها آنذاك إلى تقديم كلِّ أنواع الدعم السياسي والعسكري لقوى المعارضة بأطيافها وفصائلها كافة، وأهمها التركمانية التي تتحدَّث عن حقِّها القومي في سوريا، مع استمرار مساعي مختلف السلطات التركية لتتريك الشمال السوري عبر شبكات واسعة من العلاقات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والصحية والتعليمية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي وحلفاؤه وهي أكثر من 10٪ من مساحة سوريا بعد احتلال حلب. (الميادين).
ما أهداف وأشكال التدخُّل التركي في سوريا؟
يرتبط الموقف التركي في جوهره فيما يتعلَّق بتطبيع العلاقات مع سوريا بعدد من الاعتبارات، من أهمها، رغبة الرئيس أردوغان في فرض السيطرة على الحدود التركية مع كلٍّ من سوريا والعراق، ومواجهة نفوذ حزب العمال الكردستاني بصورة كبيرة، وتقديره أنَّ تطبيع العلاقات مع دمشق لضبط الحدود مع تركيا يمكن أن يُسهم في فرض السيطرة على الحدود ويؤمِّن الحدود التركية في النهاية.
بجانب تقدير أنقرة أنَّ النجاح في عودة العلاقات مع سوريا سوف يسمح خصوصًا بعدما سقط الأسد بمزيد من التعاون الإستراتيجي في عدد من القضايا الإقليمية المشتركة، على النحو الذي يعزِّز النفوذ السياسي لتركيا، ويحدُّ من مساحات الحركة الكردية في الشمال أمام بعض القوى الإقليمية المنافسة.
أضف إلى ذلك: أنَّ تركيا تريد أو أرادت بالفعل من تطبيع العلاقات الثنائية بينهما أي (تركيا – سوريا) من شأنه أن يُساعدها على محاصرة حزب العمال الكردستاني في شرق وشمال شرق سوريا، والذي يُمثِّل الكيان الرئيسي لسلطة الحكم الذاتي الموجودة في شرق سوريا.
هل تملأ أنقرة فراغ طهران بعد سقوط الأسد؟
الرئيس التركي والمرشد الإيراني
لقد توالت التحوُّلات الكبرى في الشرق الأوسط بعد الأحداث الأخيرة في سوريا؛ حيث يسعى العديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين للهيمنة على المنطقة، وسط تزايُد المنافسات الإقليمية بعد سقوط النظام السوري.
إنَّ الأحداث الخطيرة التي شهدتها سوريا في الأسابيع الأخيرة أدَّت إلى تغييرات كبيرة من شأنها أن تُحدث تحوُّلاً في مستقبل منطقة الشرق الأوسط، وتصاعُد المنافسة الإقليمية لملء الفراغ الذي خلَّفه تراجُع إيران وحلفائها؛ حيث إنَّ سقوط بشار الأسد أضعف إيران بشكل أكبر، لكن العاقبة الأوسع هي التغيُّر في ميزان القُوى بين تركيا وبقية الأطراف الأخرى. (أخبار اليوم).
كما تُعدُّ النهاية السريعة للنظام لحظة فارقة في تاريخ سوريا، فهي تُمثِّل هزيمة لإيران، التي دعمت الأسد، وخسرت أهمَّ جسر برِّي إلى لبنان، حيث لا يمكن اختزال المشهد بمراقبة مظاهر الاحتفال بسقوط الأسد وهزيمة إيران، فالهجوم الخاطف الذي استمرَّ 12 يومًا وانتهى بسيطرة فصائل المعارضة المسلَّحة على دمشق يمكن أيضًا اعتباره مناورة ذكية من تركيا.
ولطالما كانت أنقرة الراعي الرئيسي للقوة المناهضة للأسد، وهيئة تحرير الشام، وتُعزى إلى حدٍّ كبير نجاحات هذه الفصائل في ساحة المعركة إلى دعم أنقرة، ورغم أنَّ تركيا أعربت عن دهشتها إزاء السرعة التي انهار بها النظام لم تكن النتيجة مفاجئة، حيث يُمثِّل ذلك عرضًا واضحًا لقدرة تركيا على بسط نفوذها من خلال هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها، مما قد يجعل تركيا تَحُلُّ مكان روسيا وإيران؛ كقوة خارجية مهيمنة في سوريا. (أخبار اليوم).
تداعيات التغيير السريع في سوريا على المنطقة:
لا يمكن أن نستبعد أن تمتدَّ مكاسب تركيا في سوريا لتعزِّز نفوذها في لبنان والعراق، خاصة مع ضعف موقف إيران في هذين البلدين نتيجة خسارتها لسوريا، هذا الواقع يُغيِّر ميزان القُوى الإقليمية بطرق مهمة، فمن ناحية، يُعدُّ ذلك انتكاسة كبيرة لإيران، لكن الأهم -وربما بشكل أكبر- أنَّ مكاسب تركيا تحمل تداعيات على باقي الأطراف الإقليمية؛ حيث من المرجَّح أن تقوم جميع تلك الأطراف بإعادة ضبط سياساتها للتكيُّف مع هذا الواقع الجديد.
بالنسبة لإيران فإنَّ خسارة سوريا تُعدُّ ضربة قاسية لهيبتها وإستراتيجيتها الإقليمية، فقد ضعَّف ذلك من هيبتها وموقفها أمام مواجهة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ولكن كما تظهر ردود الفعل الإيرانية على سقوط الأسد، فإنَّ مكاسب تركيا في سوريا تُعدُّ مصدر قلق عميق في طهران، حيث ترى الأخيرة في تركيا منافسًا إقليميًّا يزاحمها على مناطق نفوذها في الشرق الأوسط والقوقاز، لطالما تنافستا على النفوذ في هذه المناطق.
ومن ناحية أخرى: وإذا ما أقدمت تركيا، مدفوعة بالنتائج التي تحقَّقت في سوريا، على دعم أذربيجان للسيطرة على ممر زانجيزور التجاري الذي سيربط أذربيجان وأرمينيا بتركيا، فسيتمُّ إبعاد إيران بالكامل من منطقة القوقاز، وبالنسبة لإيران قد يبدو هذا وكأنَّه إعادة تشكيل للهيمنة العثمانية على القوقاز وبلاد الشام، وهو النفوذ الذي حاربته إيران في الفترة الممتدة بين القرنين السادس عشر والعشرين. (أخبار اليوم).
تحوُّلات تاريخية قد تعيد تشكيل المنطقة:
في سياق التحوُّلات الجيوسياسية المستمرة في منطقة الشرق الأوسط، تبرز زيارة وزير الخارجية السوري أحمد أسعد الشيباني إلى تركيا كخطوة لافتة في مسار العلاقات السورية التركية، حيث تأتي هذه الزيارة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد الشهر الماضي، ما يفتح الباب أمام حوار جديد حول مستقبل المنطقة. (سكاي نيوز).
كما تأتي هذه الزيارة في إطار تحركات الإدارة السورية الجديدة لفتح قنوات اتصال مع القوى الإقليمية والدولية، وقال الشيباني قبل مغادرته دمشق: إنَّ أنقرة لم تتخلَّ عن دعم الشعب السوري على مدار 14 عامًا، وأنَّ المرحلة المقبلة ستشهد تعاونًا غير مسبوق بين البلدين.
حيث قد جرت هذه الزيارة وسط تصاعد التحدِّيات الأمنية والسياسية في سوريا، لا سيما في ظلِّ الوجود الكردي في شمال البلاد، الذي تعتبره أنقرة تهديدًا لأمنها القومي، حيث قد أكَّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات سابقة أنَّ وحدات حماية الشعب الكردية لن تفلت من النهاية المحتومة إذا لم تلقِ السلاح، مشدِّدًا على ضرورة تفكيك هذه القوات كجزء من أيِّ تسوية شاملة.
وبالتالي لا يمكن إنكار الدور الذي تلعبه تركيا الآن في مستقبل سوريا، فهي تمتلك قوة عسكرية على الأرض، وشبكة من العلاقات المؤثِّرة مع القوى المحلية، ما يجعلها مسؤولة بشكل مباشر عن النتائج.
لذلك نقول: إنَّ المرحلة المقبلة تحتاج إلى مزيد من العمل العربي المشترك، بل تتطلَّب تضافر جهود دولية وعربية لإعادة إعمار سوريا، وهو أمر لا تستطيع تركيا تحقيقه بمفردها، لاسيما وأنَّ المجتمع الدولي لن يقدِّم دعمًا ملموسًا دون ضمانات واضحة حول احترام حقوق الإنسان وحماية الأقليات.
أزمة الوجود الكردي لتركيا في الشمال مع سوريا:
على الرغم من التوافق الظاهري بين دمشق وأنقرة حول ضرورة إنهاء وجود الوحدات الكردية المسلَّحة، إلاَّ أنَّ تفاصيل كيفية تحقيق هذا الهدف تبقى نقطة خلاف، حيث من المفترض أنَّ الرؤية التركية لسوريا الجديدة تتمحور حول ضمان عدم تحوُّلها إلى مصدر تهديد أمني، لكن ربما ثمَّة تحدِّيات كبيرة تواجه هذا الطموح، لأنَّ تحقيق الاستقرار في سوريا يتطلَّب تنسيقًا مكثَّفًا مع القوى الإقليمية والدولية، خاصة في ظلِّ التعقيدات المرتبطة بملف إعادة الإعمار الذي قد يتجاوز حاجز 400 مليار دولار.
شكل العلاقة بين سوريا الجديدة وتركيا بعد سقوط الأسد:
لقد تعدَّدت في الآونة الأخيرة تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي كانت تتضمَّن دعوته للقاء الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، وتأكيده ضرورة أن تعود العلاقات الثنائية إلى ما كانت عليه، كذلك ضرورة فرض الحكومة السورية سيطرتها على أراضيها ومواجهة الإرهاب، ولكن قد جاء الردُّ السوري آنذاك على الدعوة التركية متحفِّظًا بدرجة كبيرة؛ ما دفع العديد من المصادر لتأكيد أنَّ تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق سيواجه عقبات كثيرة، وأنَّ سوريا ليست مستعدة للتجاوب مع التوجُّه التركي في الوقت الحالي؛ إلاَّ أنَّ الأيام الماضية قد شهدت تحركات واضحة سواء من سوريا قبل سقوط الأسد، أم تركيا، أم روسيا؛ الوسيط الأساسي الذي يسعى إلى دفع عجلة عودة العلاقات بين البلدين. (المستقبل).
ولا ننسى أنَّ من أهمِّ مظاهر ذلك، قد عقد وفدين من الاستخبارات التركية والسورية ثلاثة اجتماعات في مناطق الحدود أو التماس الحدودي بين البلدين، ناقشا خلالها أهمَّ القضايا المطروحة والعقبات التي ترى دمشق ضرورة تجاوزها حتى يتمَّ التطبيع والردُّ التركي على ذلك.
وتزامن ذلك أيضًا مع زيارة مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، لدمشق، في 23 يوليو 2024، ولقائه الرئيس الأسد؛ كما زار رئيس الاستخبارات الروسية تركيا، والتقى الرئيس أردوغان. وتُوِّجت هذه الاتصالات بزيارة الأسد روسيا، في 24 يوليو الماضي، وعقده اجتماعًا مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، تناول قضية العلاقات السورية التركية بدرجة أساسية. أيضًا، زار المبعوث الروسي، لافرنتييف، أنقرة، في 3 أغسطس الجاري، لإجراء مشاورات مع نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، حول الملف السوري، ولكن في ظلِّ هذه النقاشات والمحاولات لتقريب وجهات النظر؛ إلاَّ أنَّ كلَّها قد باءت بالفشل وهو ما نتج عنه زيادة الدعم التركي للعناصر السورية المسلَّحة مما ترتَّب عليه سقوط مدوٍّ لنظام الأسد الذي يتبع إيران الذي كان ليس متوقَّعًا سقوطه في هذا في الوقت القصير.
ردود الأفعال الداخلية والخارجية على التدخُّل التركي:
يبدو أنَّ العلاقات السورية التركية في ظلِّ تصاعد التحدِّيات، ستخضع لاختبار دقيق، فبينما تسعى أنقرة لتأمين حدودها ومصالحها، فقد تحتاج دمشق إلى الدعم التركي في المرحلة الانتقالية، ولكن ورغم التباين في الأولويات، إلاَّ أنَّ أيَّ نجاح في تحقيق الاستقرار يتطلَّب شراكة قائمة على تقاطع المصالح، وليس السيطرة.
الموقف الأوروبي:
فقد عبَّرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، عن مخاوف أوروبا بشأن تصاعد النفوذ التركي في سوريا، مشدِّدة على ضرورة حماية حقوق الأكراد الذين لعبوا دورًا رئيسيًّا في محاربة داعش، كما حذَّرت من أيِّ تحركات تركية قد تؤدِّي إلى زعزعة استقرار المنطقة، حيث ذكرت بأنَّ المطلوب الآن ليس فقط تطمينات كلامية، بل أفعال ملموسة تعزِّز من فرص العيش المشترك بين مختلف المكوِّنات السورية.
بالطبع لا شكَّ أنَّ تركيا تدرك أنَّ استقرار سوريا سينعكس إيجابًا على أمنها واقتصادها، ومن هنا، فإنَّ المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد طبيعة هذه العلاقة، ومنها ضرورة أن تراعي تركيا حماية مصالحها، ولكن بعيدًا عن الاستحواذ والسيطرة والتدخُّل في الشؤون الداخلية السورية مثلما فعلت طهران بغضِّ النظر عن أنَّ أنقرة ليس لديها مشروع ملالي صفوي لنشر الفتن مثل دولة الفقيه. (سكاي نيوز).
موقف القوى الكبرى من الأحداث في سوريا:
رئيسا أمريكا وروسيا
الموقف الروسي:
خلال الفترة الماضية، كانت تتمثَّل مواقف روسيا والولايات المتحدة بشأن مسألة عودة العلاقات السورية التركية في أنَّ روسيا يُمثِّل الموقف الروسي العامل الحاسم فيما يتعلَّق بمسار تطبيع العلاقات السورية التركية. فموسكو لديها التأثير الكافي في الحكومة السورية والرئيس الأسد لدفعه للتجاوب مع التوجُّه التركي مع تفهُّم المطالب التي تطالب بها دمشق، خاصةً الانسحاب التركي من شمال سوريا ومحاصرة الفصائل العسكرية على اختلافها.
موقف واشنطن:
تدرك واشنطن أنَّ تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا سوف ينعكس بصورة سلبية على سلطة الحكم الذاتي الكردية التي تؤدِّي دورًا يخدم المصالح الأمريكية على الحدود العراقية السورية، وأدَّى ذلك إلى دخول المزيد من القوات الأمريكية من العراق إلى منطقة الحكم الذاتي الكردية. (المستقبل).
خصوصًا وأنَّه لا تزال القوات الأمريكية تحتلُّ أهمَّ الآبار البترولية السورية في منطقة الحدود مع العراق، وشهدت الفترة الأخيرة دعم القوات الأمريكية للقوات الكردية في الاستيلاء على محصول القمح، الذي كان يُمثِّل أهمية كبيرة بالنسبة لسوريا، ومنع العشائر الموجودة في تلك المنطقة من التعامل مع الحكومة السورية لممارسة المزيد من الضغوط عليها.
ولا شكَّ أنَّ التقارب التركي السوري بعد رحيل بشار الأسد، الذي بدأت تداعياته على سلطة الحكم الذاتي التي أفرجت مؤخَّرًا عن 1500 عنصر من العناصر التي كانت تابعة لتنظيم داعش ومسجونة لديها؛ وهو ما فسَّره البعض بأنَّها محاولة من سلطة الحكم الذاتي لاسترضاء العشائر العربية التي تنتمي تلك العناصر لها، وذلك في إطار سعيها لزيادة شعبيتها والحدِّ من التوتر القائم فيما بينها، وتخفيف الارتباط القائم بين تلك العشائر والحكومة السورية.
لذلك، ليس مستبعدًا أن يتمَّ التفاهم على الكثير من القضايا الخلافية التي كانت في عهد بشار بين كلٍّ من سوريا الجديدة وتركيا، لكن من المُرجَّح أن يتمَّ التفاهم على إطار عام للعلاقات الثنائية، ويمكن أن تكون البداية محاصرة الفصائل العسكرية في الشمال السوري وسحب الأسلحة منها، والسماح للسلطة الجديدة بقيادة الشرع بالدخول إلى مناطق الشمال كمرحلة أولية، على أن تحلَّ محلَّ القوات التركية في تلك المنطقة. (المستقبل).
كما قد نرى خلال المرحلة المقبلة وخصوصًا بعد سقوط الأسد وعودة ترامب للبيت الأبيض، أن تبحث المنطقة الكردية على سلطة الحكم الذاتي، والعمل على إيجاد صيغة تكفل لها البقاء داخل الدولة والتمتُّع بنوع من الحكم الذاتي بعيدًا عن الاستقلالية؛ وهو ما يمكن أن يخفِّف من ارتباطها بالإستراتيجية الأمريكية بصورة كبيرة، لا سيما وأنَّها تراهن على سحب القوات الأمريكية من سوريا في عهد ترامب، لأنَّه قد سبق من قبل واتَّخذه خلال ولايته الرئاسية السابقة. (المستقبل).
ختامًا، إدارة السلطة الجديدة أمام تحدِّيات وطموحات السوريين:
لقد طوت المعارضة السورية ممثَّلة في إدارة العمليات الجديدة صفحة حكم عائلة الأسد، وفتحت أبوابًا مشرعة على مستقبل يحمل آمالاً عريضة للسوريين، وفي الوقت نفسه يضع السلطات الجديدة للبلاد أمام تحدِّيات كبيرة وجمَّة، لذلك إنَّ فرصة تاريخية لإعادة بناء البلاد وتحقيق الاستقرار، والتأسيس لمرحلة جديدة تدخلها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد العلوي الذي قدَّم مصالحه الشخصية وعائلته على حساب شعبه.
إنَّ الأوضاع في سوريا الآن تختلف عن باقي الدول التي تتَّضح فيها أسس الدولة من دستور وشكل محدَّد للسيادة والنظام السياسي، والحدود الجغرافية، حيث أصبحت بحكم الثورة بلا دستور معتمد أو نظام سياسي وحدود واضحة، ويشكِّل هذا تحدِّيًا كبيرًا للسلطات الجديدة؛ كما أنَّ المعارضة السورية الحالية تتَّسم بتعدُّد الأطياف بين الفصائل المسلَّحة ذات المرجعيات الدينية والعرقية، ولا شكَّ أنَّ هذا التنوُّع يُمثِّل تحدِّيًا كبيرًا للوصول إلى توافق حول شكل الدولة المقبلة.
لذلك، فإنَّ نجاح مسار الدولة المأمول للشعب المكلوم والذي تمَّ تشريده من نظام قمعي يعتمد بشكل كبير على قدرتها على تجاوز خلافاتها، وإيجاد حلول للقضايا الشائكة، وطريقة التعامل مع بقية العقبات والملفات والسياسات الخارجية.
وأخيرًا: إنَّ المرحلة القادمة يجب أن تتطلَّب مُصالحة مجتمعية شاملة، يتمُّ من خلالها بناء الثقة بين مختلف مكوِّنات وأطياف الشعب السوري، على أن تكون مبنية على مبادئ العدالة واحترام حقوق الإنسان والبدء في بناء ما هَدَّه النظام البائد.
الخلاصة:
– لقد أثارت تصريحات مسؤولون ومحللون أتراك بأنَّ حلب “ولاية عثمانية” جدلاً عربيًّا ودوليًّا واسعًا والتي رفضتها أطراف سورية، حيث هي من شكل ومستقبل العلاقات بين دمشق وأنقرة، خصوصًا أنَّ الجيش التركي لا يزال موجودًا داخل سوريا منذ بداية 2018 ويسيطر على نحو 10٪ من الأراضي السورية.
– كما أنَّ المفاجأة عندما بدأ البعض من الساسة الأتراك الحديث عن الحقِّ التاريخي التركي في حلب، وقالوا عنها إنَّها كانت “ولاية عثمانية” حتى العام 1918 وخرج الأتراك من المنطقة بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
– ولربما قد نرى خلال المرحلة المقبلة وخصوصًا بعد سقوط الأسد وعودة ترامب للبيت الأبيض، أن تبحث المنطقة الكردية بقيادة حزب العمال الكردستاني في الشمال على سلطة الحكم الذاتي، والعمل على إيجاد صيغة تكفل لها البقاء داخل الدولة والتمتُّع بنوع من الحكم الذاتي بعيدًا عن الاستقلالية.
– يبدو أنَّ العلاقات السورية التركية سوف تخضع لاختبار دقيق، فبينما تسعى أنقرة لتأمين حدودها ومصالحها، وربما حاجة دمشق إلى الدعم التركي في المرحلة الانتقالية، ولكن ورغم التباين في الأولويات؛ إلاَّ أنَّ أيَّ نجاح في تحقيق الاستقرار يتطلَّب شراكة قائمة على تقاطع المصالح، وليس السيطرة والاستحواذ وإعادة النهج الإيراني بصرف النظر عن اختلاف المعايير والأهداف.
– لقد باتت المعارضة السورية الحالية التي وصلت لسُدَّة الحكم التي تتَّسم بتعدُّد الأطياف بين الفصائل المسلَّحة ذات المرجعيات الدينية والعرقية، أمام تحدٍّ كبير للوصول إلى توافق حول شكل الدولة المقبلة، ونجاح مسار الدولة المأمول للشعب المكلوم والذي تمَّ تشريده من نظام قمعي يعتمد بشكل كبير على قدرتها على تجاوز خلافاتها، وإيجاد حلول للقضايا الشائكة، وطريقة التعامل مع بقية العقبات والملفات، والسياسات الداخلية والخارجية.
– إنَّ المرحلة القادمة تحتاج إلى مصالحة مجتمعية شاملة، يتمُّ من خلالها بناء الثقة بين مختلف مكوِّنات وأطياف الشعب السوري، مع ضرورة أن تكون مبنية على تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان والبدء في بناء ما هَدَّمه النظام البائد.
المصادر:
– المستقبل.
كلمات مفتاحية: مزاعم الأتراك – حلب ولاية عثمانية – مستقبل العلاقات التركية السورية – أنقرة والفراغ الإيراني
النشرة البريدية
كن على اطلاع بأحدث الدراسات والمقالات والفعاليات الفكرية