بذريعة حمايتهم.. ما أهداف نتنياهو الخفية من مغازلة الدروز في الجنوب السوري؟
بذريعة حمايتهم.. ما أهداف نتنياهو الخفية من مغازلة الدروز في الجنوب السوري؟
لقد تسارعت وتيرة التصريحات الصهيونيَّة بشأن التطوُّرات في سوريا، خصوصًا منذ تولِّي الإدارة الجديدة في وقت يلوِّح فيه الاحتلال بالتدخُّل العسكري المباشر تحت ذريعة “حماية” الطائفة الدرزيَّة، حيث قد أصدر ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي تهديدات صريحة باستهداف السلطات السوريَّة في حال تعرُّض الدروز في مدينة جرمانا، جنوب دمشق، لأيِّ اعتداء، في وقت تقوم به قوات الأمن السوريَّة بحملة أمنيَّة في محيط المدينة بعد مقتل أحد عناصرها برصاص مسلَّحين. لاشكَّ أنَّ نتنياهو يسعى وبسرعة شديدة لتفكيك سوريا ولو جزئيًّا في الوقت الراهن من خلال محاولة بثِّ الفتنة بالمكوِّن الطائفي السوري متعدِّد العرقيَّات والطوائف الدينيَّة، إذ يحاول استمالة الطائفة الدرزيَّة التي تتركَّز بالمناطق السوريَّة الجنوبيَّة الغربيَّة والمتاخمة للشمال الشرقي لإسرائيل، محاولًا فرض الحماية الأمنيَّة عليهم بالرغم من رفضهم البات والمعلن لهذه الوصاية الإسرائيليَّة الزائفة بزعم حمايتهم، ليبرِّر تواجده من احتلال أرض السوريِّين.
في هذا التحليل بمركز “رواق” للأبحاث والدراسات نسلِّط الضوء على عدَّة محاور مهمَّة؛ وهي: ما الأهداف الخفيَّة لدولة الاحتلال من مغازلة الدروز في الجنوب السوري؟ بعد الرسائل الغامضة للمواطنين.. أصابع صهيونيَّة تعبث بأمن السوريِّين؟ ماذا يعني تهديد نتنياهو بضرب سوريا لحماية الدروز؟ خطّة الاحتلال لبثِّ الفتنة مستغلًّا المكوِّن الطائفي متعدِّد العرقيَّات؟ هل ينتبه السوريُّون الدروز من خدعة نتنياهو؟ مخطَّط إضعاف السلطة الجديدة في سوريا.. ما الهدف؟ حرب إعلاميَّة عبر تخويف الأقلِّيَّات السوريَّة لتبرير استباحة الأرض؟ أصدر ديوان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بيانًا جاء فيه أنَّ نتنياهو وكاتس أصدرا تعليمات للجيش بحماية سكَّان جرمانا، جنوب دمشق، وأضاف البيان أنَّ الجيش الإسرائيلي سيضرب السلطات السوريَّة في حال مساسه بالدروز في جرمانا، وأكَّد أنَّ إسرائيل لن تسمح ما وصفته بالنظام الإسلامي المتطرِّف في سوريا بالمساس بالدروز، في حين أنَّ من ابتدع ونشر التطرُّف والإرهاب ويدعمه على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي هو من صنيعة بني صهيون وليس الإسلام المعتدل الذي يرفض العنف؛ بل يحرم القتل لغير المسلمين بدون ذنب.
أسباب خفيَّة وراء مغازلة الاحتلال للدروز في الجنوب السوري:
السوريُّون يتظاهرون رفضًا للتدخُّلات نتنياهو في الجنوب
إنَّ تهديد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس بالتدخُّل عسكريًّا في سوريا ضدَّ قوات دمشق إذا أقدمت السلطات على المساس بالدروز يوحي بذريعة جديدة أو سبب للبقاء في الجنوب السوري مثلما فعل الاحتلال في غزَّة ويفعل كذلك الضفَّة. تقع ضاحية جرمانا، جنوب شرق دمشق، وهي ذات الكثافة السكَّانيَّة العالية والغالبيَّة المسيحيَّة والدرزيَّة، حيث قُتل شخص وأصيب تسعة آخرون في اشتباكات بين مسلَّحين وعناصر من قوات الأمن التابعة للسلطة الجديدة التي تولَّت الحكم بعد إطاحة بشار الأسد في نهاية عام 2024، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وبالرغم من أنَّ مديريَّة أمن ريف دمشق أكَّدت أنَّ العمليَّة الأمنيَّة تقتصر على من ارتكبوا الهجوم والاعتداء على عناصر الأمن السوري، داعية أصحاب العقول إلى إدراك أنَّ هذا الطريق يهدِّد أمن واستقرار ووحدة سوريا، ولكن ثمَّة أهداف وتحرُّكات خبيثة تُحاك بأمن وأرض سوريا من قِبل دولة الاحتلال.
رسائل غامضة للمواطنين.. أصابع صهيونيَّة تعبث بأمن السوريِّين:
لقد تداول ناشطون سوريُّون على مواقع التواصل الاجتماعي رسائل نصِّيَّة قصيرة وصلت إلى بعض الهواتف في البلاد من جهة تدَّعي أنَّها تابعة للجيش الإسرائيلي. إحدى هذه الرسائل، التي وردت من حساب يحمل اسم “Israel” ولا يمكن الردُّ عليها، تضمَّنت تحذيرًا لأهالي ريف حمص الغربي جاء فيه: “ابتعدوا عن أماكن تجمُّع إرهابيِّي النصرة”. (العربيَّة).
وبالطبع هي مح_pronoun محاولات صهيونيَّة لتأليب المواطنين السوريِّين على السلطة الجديدة سواء تتَّفق أم تختلف معها؛ إلاَّ أنَّها الآن تُعدُّ الممثِّل الشرعي للبلاد وهي المسؤولة عن حفظ أمن البلاد والمواطنين. وتتزامن تهديدات إسرائيل الحاليَّة مع سعيها لتوسيع نفوذها في الجبهات الشماليَّة، حيث يبدو أنَّ تل أبيب تحاول استثمار الأوضاع المتوتِّرة في الجنوب السوري لإعادة تكريس دورها واحتلال مناطق في سوريا، كما يأتي هذا التصعيد في وقت تكثِّف فيه إسرائيل ضرباتها الجوِّيَّة على مواقع سوريَّة، وهو عدوان على أرض دولة ذات سيادة. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فمنذ مطلع عام 2025، استهدف جيش الاحتلال 16 مرَّة الأراضي السوريَّة، 14 منها جوِّيَّة وهجومان برِّيَّان، وأسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 21 هدفًا ما بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقار ومراكز وآليَّات، وتسبَّبت تلك الضربات بمقتل اثنين من العسكريِّين، واثنين مجهولي الهويَّة، بالإضافة لإصابة شخص. (العربيَّة).
كما تبع ذلك استهداف مواقع عسكريَّة في محيط العاصمة السوريَّة دمشق بالتزامن مع تحليق طيران حربي في معظم مناطق محافظتي درعا والسويداء، جنوبي سوريا، تزامنًا مع توغُّل واسع للقوات البرِّيَّة الإسرائيليَّة في ريف القنيطرة الشمالي ودرعا، واستهدفت الطائرات بأربع غارات الفرقة الأولى في مدينة الكسوة بريف دمشق الجنوبي ومطار إزرع بريف درعا، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنَّ الضربات الإسرائيليَّة على ريفي دمشق ودرعا أودت بحياة أربعة أشخاص. لقد جاءت هذه الرسائل التي أرسلتها تل أبيب للمواطنين السوريِّين في الجنوب بعد تقارير عن وقوع هزَّة أرضيَّة بقوَّة 2.2 درجة في مدينة حمص، وسط سوريا، وربط ناشطون بين تلقِّي هذه التحذيرات ورسائل أخرى مشابهة بحدوث دويِّ انفجار ضخم في المنطقة، يُرجَّح أنَّه ناجم عن قصف أو عمل عسكري. إنَّ إحدى الرسائل الأخرى التي وردت من المصدر الصهيوني نفسه ذكرت: “الإرهاب لا وطن ولا دين له، الاعتداءات الإرهابيَّة تطلُّ برأسها عليكم، ومن واجبنا الوقوف معكم في وجه الإرهاب الإسلامي المتطرِّف.. الزموا بيوتكم”. بينما تضمَّنت رسالة أخرى: “سوريا بلد عريق لا ينبغي أن يحكمها الإرهاب”. (العربيَّة).
كما وصلت رسائل مشابهة إلى مناطق سوريَّة أخرى، من بينها رسالة موجَّهة إلى “أهلنا في الساحل”، تحذِّرهم من الاقتراب من تجمُّعات وصفتها بـ”المخرِّبين”، مُذيَّلة بعبارة (جيش الدفاع الإسرائيلي). وجاء في رسالة أخرى: “ما جرى هو البداية.. سوف نخبركم بالأماكن الآمنة خلال الأيَّام القادمة”.
من معركة عين جالوت إلى الثورة الكبرى.. من هم الموحِّدون الدروز؟
يشير أبناء طائفة الموحِّدين الدروز إلى أنفسهم باسم “الموحِّدون”، أي: المؤمنون بتوحيد الله، كما يُطلق عليهم أيضًا “بنو معروف”، ويقال: إنَّ اسم “دروز” يعود إلى نشتكين (محمد بن إسماعيل) الدرزي، الذي نشر دعوته في لبنان وسوريا. ويتوزَّع الموحِّدون الدروز بشكل رئيسي في لبنان وسوريا وإسرائيل والأردن، إضافةً إلى مناطق أخرى متفرِّقة.
يرجع تاريخ وجود الموحِّدين الدروز في سوريا إلى مئات الأعوام. ويُقال -ولكنَّ هذا ليس مؤكَّدًا تاريخيًّا-: إنَّهم شاركوا في معركة حطِّين ضدَّ الصليبيِّين عام 1187، وتولوا مهام قياديَّة بعد نيلهم ثقة الأيُّوبيِّين والزنكيِّين، كما انخرطوا لاحقًا مع المماليك ضدَّ المغول في معركة عين جالوت. وفي القرن التاسع عشر، وقف الدروز إلى جانب العثمانيِّين ضدَّ حملة محمد علي باشا على بلاد الشام، لكن العلاقة مع الدولة العثمانيَّة تدهورت لاحقًا؛ إذ ثار الدروز ضدها إثر محاولاتها المتكرِّرة فرض سيطرتها على الجبل. وفي عام 1911، أعدم العثمانيُّون عددًا من زعماء الجبل بعد إحكام قبضتهم عليه، كان أبرزهم ذوقان الأطرش ويحيى عامر.
بعد ذلك أعلن دروز سوريا ولاءهم للشريف حسين، وانضم المئات منهم إلى الجيش العربي، وكان الزعيم سلطان باشا الأطرش في طليعة مَن رفع علم الثورة العربيَّة الكبرى، أوَّلًا في الجبل ثمَّ في دمشق. يبلغ عدد الموحِّدين الدروز في سوريا اليوم نحو 700 ألف نسمة، يتوزَّعون في السويداء، صلخد، شهبا، القريا في جبل العرب، إضافةً إلى جرمانا قرب دمشق، ومجدل شمس في الجولان السوري المحتَل.
من الشخصيَّات الفاعلة اليوم في المشهد الدرزي السوري؟
هناك أكثر من مرجع روحي واجتماعي يحظى بدعم وتأييد واحترام داخل طائفة الموحِّدين السوريِّين. وأهمُّ هذه الشخصيَّات هي المرجعيَّات الروحيَّة في الطائفة، أي مشايخ العقل الثلاث؛ الشيخ حكمت الهجري والشيخ حمود الحناوي والشيخ يوسف جربوع. بالإضافة إلى وجوه تتزعَّم وتقود فصائل مسلَّحة تشكَّلت خلال سنوات النزاع، أبرزها الشيخ ليث البلعوس قائد “قوات الكرامة”، وهو نجل الشيخ وحيد البلعوس المعارض للنظام السوري ومؤسِّس قوات الكرامة الذي توفِّي في حادث سيَّارة عام 2015، وهناك أيضًا الشيخ سليمان عبد الباقي، قائد قوات “أحرار الجبل”.
ماذا يعني تهديد نتنياهو بضرب سوريا لحماية الدروز؟
إنَّها حيلة جديدة من دولة احتلال مارقة يقودها عدد من السفَّاحين المارقين بقيادة الدموي نتنياهو حيث الذين يقومون باغتصاب الأراضي والممتلكات وهذا ما يحدث في فلسطين والجنوب اللبناني، بزعم حماية مدينة جرمانا السوريَّة في جنوب دمشق، ذات الأغلبيَّة الدرزيَّة، وهو ما أثار ردود فعل واسعة ضدها، خاصَّة أنَّه صدر بيان مقتضب أوضحت خلاله إسرائيل أنَّها لن تسمح للنظام الجديد في سوريا بإيذاء الدروز في ريف دمشق وفي حال أذاهم ستؤذيه إسرائيل. إنَّ ما شهدته مدينة جرمانا بجنوب شرق ريف دمشق العاصمة السوريَّة خلال الأيَّام الأخيرة من الوارد أن يحدث في أيِّ بلد أو دولة وبالتالي ردًّا على ذلك من حقِّ الأمن أن يتعامل مع الواقعة وفق القانون، والتي يقطنها أغلبيَّة درزيَّة، تلك الأحداث التي انبثقت فجأة نتيجة مقتل عنصر أمن تابع لوزارة الداخليَّة بحكومة محمد البشير على يد مجموعة دروز مسلَّحة بالمدينة تطلق على نفسها “درع جرمانا” لتقوم على الفور عناصر وزارة الداخليَّة بتطويق المدينة من خلال نقاط أمنيَّة تمَّ إنشاؤها بصورة عاجلة بغرض تقصِّي الحقائق والبحث والتفتيش عن المسؤولين عن تصفية العنصر الأمني. (العربيَّة).
وما هي إلاَّ ساعات قلائل لنجد رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ومعه وزير دفاعه كاتس يطلقان تصريحًا مدهشًا على أن يكون ناريًّا، ليقولا إنَّ إسرائيل مستعدَّة للتدخُّل عسكريًّا وبصورة فوريَّة لحماية دروز جرمانا! وقد أطلق نتنياهو أيضًا تصريحات يوم 21 فبراير الفائت خلال حفل لتخريج دفعة جديدة من الضبَّاط الاحتياط بجيش الاحتلال الصهيوني قال فيها إنَّ على القوات الإرهابيَّة التابعة لأحمد الشرع إخلاء كافَّة عناصرها من الشريط الحدودي الجنوبي الغربي بمناطق (السويداء – درعا – القنيطرة)، وأنَّ جيشه لن يترك منطقة جبل حرمون بشمال غرب الجولان المحتَل (يعرف أيضًا بجبل الشيخ)، وهو ضمن منطقة وقف إطلاق النيران بين الجانبين في 1974 والتي استولى عليها بنهاية ديسمبر 2024 لدواعي أمن إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد مباشرة.
ما مصلحة إسرائيل من توظيف الدروز في سوريا وردَّة الفعل؟
لقد أظهر مقطع فيديو متداولًا على مواقع التواصل الاجتماعي في مارس الماضي لحظة دخول وفد من رجال الدين الدروز السوريِّين إلى إسرائيل في زيارة وصفت بـ “التاريخيَّة”، ممَّا يؤكِّد تعاون طائفة أو فئة من الدروز مع الكيان المحتَل بينما رفض آخرون. واستقبل الزوار الدروز القادمون من سوريا ورحَّب بهم عبر ترديد أناشيد الترحيب فيما لوَّح عدد من الشبَّاب بالرايات الدرزيَّة باللون الأخضر والأحمر، والأصفر والأزرق والأبيض. حيث عبر وفد يضمُّ نحو 60 رجل دين من الدروز السوريِّين خطَّ الهدنة في مرتفعات الجولان المحتَلَّة إلى إسرائيل في أوَّل زيارة من نوعها منذ حوالي 50 عامًا. وعبر الوفد في 3 حافلات رافقتها مركبات عسكريَّة إسرائيليَّة إلى بلدة مجدل شمس في الجولان المحتَل، وتوجَّه شمالًا لزيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا، ولقاء الزعيم الروحي لطائفة الموحِّدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف، وَفْق مصدر مقرب من الوفد.
ومنذ أيَّام قليلة فقط، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنَّه سيسمح للعمال الدروز القادمين من سوريا بدخول إسرائيل، في خطوة من شأنها أن تفتح الحدود بشكل محدود لأوَّل مرَّة منذ ما قبل الحرب في سوريا. وتضمُّ إسرائيل مجموعة صغيرة من الدروز، بينما يعيش نحو 24 ألف درزي في هضبة الجولان المحتَلَّة، التي استولت عليها إسرائيل من سوريا في حرب عام 1967. وفي عام 1981، ضمَّت إسرائيل الهضبة بشكل أحادي، وهو ما لم تعترف به معظم الدول ولا الأمم المتَّحدة. وكانت إسرائيل قد أعلنت في الأوَّل من مارس أنَّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع كاتس قد أصدروا تعليمات للجيش بالاستعداد للدفاع عن بلدة درزيَّة تقع في ضواحي دمشق في مواجهة قوات الحكومة السوريَّة الانتقاليَّة.
نتنياهو يحاول بثَّ الفتنة مستغلًّا المكوِّن الطائفي متعدِّد العرقيَّات:
الصورة تعكس كذب نتنياهو بزعم حماية الدروز من السلطة الجديدة
من الواضح إنَّ نتنياهو يسعى وبسرعة شديدة لتفكيك سوريا ولو جزئيًّا بالوقت الراهن من خلال محاولة بثِّ الفتنة بالمكوِّن الطائفي السوري متعدِّد العرقيَّات والطائفيَّات الدينيَّة، وذلك باستمالة الطائفة الدرزيَّة التي تتركَّز بالمناطق السوريَّة الجنوبيَّة الغربيَّة والمتاخمة للشمال الشرقي لإسرائيل، محاولًا فرض الحماية الأمنيَّة عليهم بالرغم من رفضهم البات والمعلن لهذه الوصاية الإسرائيليَّة الزائفة. إنَّ نتنياهو يحاول كذلك التوغُّل عسكريًّا بشكل أكثر تعمُّقًا بالأراضي السوريَّة والاقتراب من العاصمة دمشق وذلك بدلًا من التواجد فقط بجنوب غرب سوريا كما هو الأمر حاليًّا، مستغلًّا قِصر المسافة بين جرمانا ذات الأغلبيَّة الدرزيَّة ودمشق (تقريبًا 6 كلم)، وباعتباره وصيًّا على أمن الدروز كما لوَّح بذلك رئيس دولة الاحتلال من قبل، فهي فرصة ذهبيَّة له وبالتأكيد لا يريد أن يفقدها. (العربيَّة).
كما يحاول رئيس دولة الاحتلال الصهيوني خلال هذه الأحداث أن يفرض وصايته الباهتة للفت الأنظار عن غزَّة ومحاولاته المستميتة للالتفاف حول المرحلة الثانية للهدنة التي لا يريد أن يدخلها بأيِّ طريقة ومصمِّم على عرقلتها مع الإعلان الجديد الذي صدر عن مكتبه منذ ساعات بأنَّ الجيش لديه خطط لاستكمال الحرب في غزَّة. (سكاي نيوز).
ولا ننسى أنَّه تمَّ تعيين رئيس الأركان الجديد آيال زاير الذي قد تسلم منصبه رسميًّا في 6 مارس الماضي، وكما يقال عنه “صاحب شهيَّة مفتوحة لإدارة القتال مرَّة أخرى وبخطط جديدة ولا ضير بالنسبة لقادة الاحتلال في قتل الأبرياء بدعم أمريكي غربي”، ولكن بالرغم من كلِّ هذه التصريحات والإجراءات التي تصدر عن نتنياهو وحكومة حربه في اتِّجاه سوريا، يتناسون جميعهم بأنَّ أكثر من 60 أسيرًا إسرائيليًّا ما زالوا بقبضة حماس وهم غير قادرين على استعادتهم وبذات الوقت يرفضون استكمال الهدنة ثمَّ يأخذون بأنفسهم إلى سوريا، ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ نتنياهو وحكومته قد وصلوا إلى قمَّة التَّقدير المهترئ والتخطيط العبثي والتنفيذ غير محسوب العواقب في المنطقة التي أشعلتها الحقد والعداء الصهيوني للدول العربيَّة والإسلاميَّة. (سكاي نيوز).
إنَّ زعيم دول الاحتلال الصهيوني يحاول جاهدًا إضافة عبء جديد على أجندة أعمال القمَّة العربيَّة التي عُقدت في 4 مارس بالقاهرة بقيادة الرئيس المصري عبدالفتَّاح السيسي ورفضت التهجير شكلًا وموضوعًا. نذكِّر بأنَّ جيش الاحتلال مع انهيار حكم بشار الأسد في ديسمبر الماضي، قام بنقل قواته للمنطقة العازلة الخاضعة لمراقبة الأمم المتَّحدة داخل سوريا، حيث قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنَّ إسرائيل ستحتفظ بمواقعها هناك بحجَّة أنَّه إجراء دفاعي ووفق ما تقتضي الضرورة.
وهدَّد نتنياهو خلال حفل تخريج في إحدى الكلِّيَّات العسكريَّة بعدم السماح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بدخول الأراضي الواقعة جنوب دمشق، حيث طالب الشرع بالنزع التام للسلاح من جنوب سوريا في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء.
وقد أعلنت فصائل مسلَّحة سوريَّة نهاية فبراير الماضي عن حلِّ نفسها والانضمام للدولة السوريَّة الجديدة، وجاء ذلك خلال اجتماع عَقَده أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقاليَّة في سوريا، مع ممثِّلي 18 فصيلًا أعلنوا جميعهم حلَّ تنظيماتهم، ومن بينها هيئة تحرير الشام. وتطلب سوريا من إسرائيل سحب قواتها من البلاد. وتقول الأمم المتَّحدة إنَّ توغُّل إسرائيل داخل الأراضي السوريَّة يشكِّل انتهاكًا للاتِّفاقيَّات الدوليَّة، كما دعت إلى سحب القوات. (سكاي نيوز).
الدور الدرزي في الأوضاع السوريَّة وزيارة معمِّميهم إلى تل أبيب:
إنَّ زيارة العشرات من الشخصيَّات الدرزيَّة السوريَّة البارزة منطقة الجولان التي تحتلُّها إسرائيل للقاء شيخ عقل الطائفة هناك، موفق طريف، في زيارة دينيَّة هي الأولى من نوعها أثارت جدلًا واسعًا في سوريا، حيث تأتي هذه الزيارة تلبيةً لدعوة من الطائفة الدرزيَّة في إسرائيل. وبالفعل قد عبر رجال الدين الدروز برًّا من الأراضي السوريَّة إلى إسرائيل من خلال بلدة حضر الحدوديَّة التي تقع في ريف القنيطرة (جنوب)، وزيارة مقام النبي شعيب الذي له مكانة خاصَّة عند الدروز. تأتي هذه الزيارة بعد تصريحات زعيم الطائفة في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، الخميس، الذي أكَّد أنَّه “لا وفاق ولا توافق مع السلطات في دمشق”، متعهِّدًا “العمل بما هو مناسب للطائفة الدرزيَّة”، وواصفًا حكومة دمشق بـ”المتطرِّفة” و”المطلوبة للعدالة الدوليَّة”. تزامنًا مع تصريحات الهجري، أعلن وزير الخارجيَّة الإسرائيلي، جدعون ساعر، إرسال آلاف الطرود من المساعدات الإنسانيَّة إلى أفراد الطائفة الدرزيَّة في سوريا وهو ما يضع علامات استفهام كثيرة على سياسة الدروز أو معظمهم في الجنوب السوري والتعاون مع محتَل مغتصب للأرض السوريَّة، وحتَّى في ظلِّ الخلاف مع القيادة الجديدة في سوريا، ولكنَّه ليس مبرِّرًا في بيع الوطن لمحتَل.
وجاءت التصريحات الإسرائيليَّة بشأن نيَّة إسرائيل “الدفاع عن دروز سوريا”، إلى جانب توغُّل قواتها في مناطق جنوب البلاد، لتضيف مزيدًا من التعقيد إلى الوضع الخاصِّ بهذه الطائفة.
شعبنا هو الذي يحمينا.. السوريُّون يحذِّرون من خدعة نتنياهو:
توغُّل جيش الاحتلال داخل الأراضي السوريَّة
لقد لاقت دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحماية الأقلِّيَّة الدرزيَّة في سوريا استنكارًا كبيرًا من قبل السوريِّين، بما في ذلك طائفة الموحِّدين الدروز، حيث أصرَّ الدروز على انتمائهم الوطني لسوريا ورفضهم المطلق لأن يجعلوا من أنفسهم جسرًا يعبر عليه نتنياهو بمطامعه، كما يقولون. (روسيا اليوم).
ووفق المعطيات على الأرض وتصريحات صادرة عن الدروز ورغم اختلافهم مع القيادة الجديدة في سوريا، إلاَّ أنَّ خيارات الدروز السوريِّين تبقى “سوريَّة وطنيَّة” حتَّى الآن، رافضة محاولات الكيان الصهيوني للوقيعة بين أبناء الشعب الواحد ومحاولة إسرائيل للصيد في المياه العكرة كما يقولون لن يتردَّد صداها في القلوب المؤمنة بسوريا كوطن لجميع أبنائه. حيث وصف مواطنو الدروز في الجنوب السوري بأنَّ تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تلك “المحبَّة الطارئة” التي أبداها تجاههم غير مبشِّرة ولها أغراض خبيثة هدفها تفريق السوريِّين والاحتفاظ بالأراضي التي قام باحتلالها بمخالفة القانون الدولي.
وبالتالي حذَّر مواطنون من الدروز في سوريا وفي بقيَّة المناطق بعضهم البعض من عدم الانصياع وراء تصريحات حكومة الاحتلال محذِّرين في الوقت ذاته من تجنُّب تهمة التواطؤ مع نتنياهو ضدَّ أبناء الوطن الأمِّ سوريا، لذلك نقول إنَّ الإستراتيجيَّة الصهيونيَّة تحاول اللعب على وتر الأقلِّيَّات في سوريا بهدف السيطرة وتحقيق الأهداف الجيوسياسيَّة في هذا البلد المهمِّ في الإقليم.
نتنياهو ومخطَّط إضعاف السلطة الجديدة في سوريا.. ما الهدف؟
إنَّ الهدف من تحرُّكات قادة دولة الاحتلال الصهيوني يهدف إلى عدم وجود سلطة قويَّة في دمشق بل ضعيفة ممزَّقة، وهي تعمد إلى إثارة الفتن من خلال تقديم نفسها على أنَّها حامية للأقلِّيَّات، ومنها الدروز الذين أدركوا تلك الخديعة فسارعوا للردِّ على نتنياهو جنبًا إلى جنب مع باقي السوريِّين عبر المظاهرات المندِّدة بتصريحاته والبيانات المندِّدة بمخطَّطه، وهو أمر اتَّفق عليه كبار أبناء الطائفة ولم ينحرف عنه إلاَّ القليل منهم، بحيث لا يمكن الاعتداد بمن تماهى مع هذا المشروع سواء على مستوى النخب أو على مستوى القاعدة الشعبيَّة. (روسيا اليوم).
نقول: إنَّ حماية الدروز هو آخر همِّ إسرائيل، حيث هي تريد استعمال الدروز فقط من أجل تحقيق أهدافها التوسُّعيَّة المستندة في الأساس إلى مساعي تقسيم سوريا وفق أسس عنصريَّة ومذهبيَّة، وبالتالي يمكن أن يُحلَّ أيُّ تخوُّف من السلطة الجديدة بالحوار والتفاهم بين أبناء الوطن الواحد وضمن عقد اجتماعي جديد تكون المواطنة الحقَّ عنوانه العريض الذي يضمن حقوق الجميع على المستويات السياسيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة مع احترام دستور الدولة وشريعتها الإسلاميَّة كما هو الحال في باقي الدول العربيَّة والإسلاميَّة. نعم. ربَّما يشعر الدروز بالقلق في سوريا الجديدة، وهو شعور غالبًا ما يصيب الأقلِّيَّات أثناء التحوُّلات الكبرى، ولكن السلطة الجديدة قد أوضحت مرَّات عديدة بأنَّها ستحمي كافَّة الأقلِّيَّات والطوائف وفق القانون والدستور، لذلك فإنَّ حماية الدروز والعلويِّين والمسيحيِّين والسنَّة تحصيل حاصل في بلد قوامه العدل والمواطنة الحقيقيَّة والشريعة الإسلاميَّة السمحاء.
حرب إعلاميَّة عبر تخويف الأقلِّيَّات السوريَّة لتبرير استباحة الأرض:
إنَّ هدف إسرائيل واضح في نشر الفتنة فهي تدرك جيِّدًا عمق الروابط بين التجمُّعات الدرزيَّة في سوريا وخارجها، وتحاول تسويق فكرة أنَّ حياة الدروز داخل إسرائيل يمكن أن تكون النموذج المنتظر أمام الدروز في سوريا وغيرهم من بقيَّة الأقلِّيَّات، لاسيَّما وأنَّ الإعلام الإسرائيلي قد انتقل في توصيفه لحكَّام دمشق الجدد من “معارضين في سبيل الحرِّيَّة” إلى “إرهابيِّين متشدِّدين” في سلوك يعكس النوايا المضمرة تجاه إشعال الفتنة في سوريا عبر تخويف الأقلِّيَّات، بداية بالدروز وصولًا إلى العلويِّين والمسيحيِّين والأكراد، عبر تقديم إسرائيل نفسها كحامية لهم. (روسيا اليوم).
ختامًا نقول: يحاول جيش الاحتلال تبرير استباحة الأرض وفرض القواعد العسكريَّة وبناء شبكة علاقات مع المجتمع الأهلي المحكوم بهاجس البقاء والمخاوف التاريخيَّة من استبداد السلطات المركزيَّة المتعاقبة لفصله عن وطنه الأمِّ سوريا، لذلك على الحكومة في دمشق المسارعة إلى نبذ الخطاب الطائفي وإبعاد من يلوكه بلسانه، فضلًا عمَّن يمارسه على أرض الواقع لعدم استغلال دولة الاحتلال لبعض النفوس الضعيفة من هذه الطائفة. كما يجب أن تسارع السلطة الجديدة في سوريا بإثراء العدل في دمشق الذي يُعدُّ أساس الملك، وأن تنتهجه بقصد تبديد هواجس مواطنيها، سواء من الأقلِّيَّات أو من الأكثريَّة السنِّيَّة المعتدلة التي تشكِّل الضمانة الحقيقيَّة لسوريا في علاقاتها العربيَّة والإسلاميَّة. كذلك ضرورة الإسراع في تبنِّي نهج ديمقراطي واضح وسليم ليقطع الطريق أمام خطط نتنياهو الصهيونيَّة الخبيثة في سبيل تحقيق مشروعه التوسُّعي في المنطقة، والذي يحمل عنوان “حماية الأقلِّيَّات”، وإذا كان الدروز قد رفضوا مشروعه علانية، فحريٌّ بالحكومة السوريَّة أن تعينهم على هذا الرفض حين تزيل المخاوف وتحقِّق العدل كـ قيمة متداولة في أيدي المواطنين يشترون بها أمانهم من المجهول الذي لم يتردَّد الإعلام الإسرائيلي في إماطة اللثام عنه ليصبح لعبة مكشوفة تهيب بالسوريِّين ألاَّ يقعوا في حبائلها.
الخلاصة:
– يحاول نتنياهو استمالة الطائفة الدرزيَّة التي تتركَّز بالمناطق السوريَّة الجنوبيَّة الغربيَّة والمتاخمة للشمال الشرقي لإسرائيل، محاولًا فرض الحماية الأمنيَّة عليهم بالرغم من رفضهم البات والمعلن لهذه الوصاية الإسرائيليَّة الزائفة بزعم حمايتهم من السلطة الجديدة في سوريا رغم طمأنة الشرع لكلِّ العرقيَّات والأقلِّيَّات.
– بالطبع، إنَّ حماية الدروز هو آخر همِّ أو اهتمام إسرائيل، حيث هي تريد استعمال الدروز فقط من أجل تحقيق أهدافها التوسُّعيَّة المستندة في الأساس إلى مساعي تقسيم سوريا وفق أسس عنصريَّة ومذهبيَّة، وبالتالي يمكن أن يُحلَّ أيُّ تخوُّف من السلطة الجديدة بالحوار والتفاهم بين أبناء الوطن الواحد وضمن عقد اجتماعي جديد تكون العدالة عنوانه العريض الذي يضمن حقوق الجميع.
– وبالتالي يتوجَّب على السلطة الجديدة في سوريا أن تسارع وتقطع الطريق على خطط إسرائيل الخبيثة، عبر إثراء أسس العدل في دمشق وأن تنتهج بقصد تبديد هواجس مواطنيها، سواء من الأقلِّيَّات أو حتَّى من الأكثريَّة السنِّيَّة المعتدلة التي تشكِّل الضمانة الحقيقيَّة لسوريا في علاقاتها العربيَّة والإسلاميَّة.
– كما يجب تبنِّي نهج ديمقراطي واضح وسليم ليقطع الطريق أمام خطط نتنياهو الشيطانيَّة في سبيل تحقيق مشروعه التوسُّعي في المنطقة وسرقة أرض الدول العربيَّة، والذي يحمل عنوان “حماية الأقلِّيَّات”، وإذا كان الدروز قد رفضوا مشروعه علانية، فحريٌّ بالحكومة السوريَّة أن تعينهم على هذا الرفض حين تزيل المخاوف وتحقِّق العدل كـ قيمة متداولة في أيدي الجميع.
– ولا ننسى أنَّ نتنياهو يحاول استثمار هذه الأحداث في فرض وصايته الباهتة للفت الأنظار عن غزَّة ومحاولاته المستميتة للالتفاف حول المرحلة الثانية للهدنة التي لا يريد أن يدخلها بأيِّ طريقة ومصمِّم على عرقلتها مع الإعلان الجديد الذي صدر عن مكتبه خلال الأيَّام الماضية بأنَّ الجيش لديه خطط لاستكمال الحرب في غزَّة.
– كذلك نؤكِّد أنَّ رئيس حكومة الاحتلال يحاول عبر تحرُّكاته أو خططه تلك إلى عدم وجود سلطة قويَّة في دمشق؛ بل إضعافها وجعلها ممزَّقة، لكي يستمرَّ في السيطرة على الأرض السوريَّة ونشر قواعده العسكريَّة التي تمَّت بالفعل ولا يريد لها أن تخرج من الجنوب السوري أو حتَّى ما بعد هذه المنطقة.
المصادر:
كلمات مفتاحية: مخطط نتنياهو – ذريعة حماية الأقليات – مغازلة الدروز -الجنوب السوري – أهداف خفيّة
النشرة البريدية
كن على اطلاع بأحدث الدراسات والمقالات والفعاليات الفكرية