fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

قضايا التحكيم الدولى ضد مصر  (أزمة متكررة وخسائر اقتصادية فادحة)

225

كم من خسائر تكبدتها مصر فى تعويضات قضايا التحكيم الدولي؟ فلا يتذكر البعض القضية التى حصل بموجبها رجل الأعمال رامى سياج فى قضية سياج الشهيرة على أكثر من ‏134‏ مليون دولار، وقبله بسنوات تمكن نائل الفرارجى من الحصول على حكم بـ‏تعويض قدره 22‏ مليون دولار من مركز التحكيم الدولى بواشنطن فى قضية فندق النيل المعروفة.

حاليًا تواجه مصر 37 قضية تحكيم تقدر قيمة التعويضات المطلوبة بنحو 100 مليار جنيه. فهكذا تتوالى القضايا وتتوالى معها المخاوف، وإن كانت هيئة قضايا الدولة تحاول زراعة الأمل فى نفوس المصريين، بعد نجاحها في حسم 8 قضايا تحكيم تجارى واستثمارى لصالح مصر، مما جنب البلاد تعويضات قيمتها 10 مليارات جنيه.

ماهو التحكيم الدولي؟

التحكيم الدولي يشبه التقاضي أمام المحاكم المحلية لكن تتكون هيئة المحكمة من محكمين مختصِّين ويتم التقاضي فيها من خلال التراضي على الاحتكام لهيئة تحكيم محايدة ويكون قرارها واجب النفاذ، وتتميز هذه المحاكم بالسرعة والتكلفة الأقل من إجراءات المحكمة المحلية.

وأحيانًا يكون التحكيم الدولي شكلًا هجينًا من تسوية المنازعات الدولية، لأنه يمزج بين عناصر من إجراءات القانون المدني وإجراءات القانون العام، بينما يمنح الأطراف فرصة كبيرة لتصميم إجراءات التحكيم والتي بموجبها سيتم حل نزاعهما. كثيرًا ما تتضمن الشركات اتفاقات التحكيم الدولية في العقود التجارية مع الشركات الأخرى، ذلك أنه إذا كان النزاع المطروح فيما يتعلق بالاتفاق أنهم ملزمون التحكيم بدلا من مواصلة التقاضي أمام المحاكم التقليدية. ويمكن أيضا أن تستخدم للتحكيم من قبل الطرفين لحل النزاع عن طريق ما يعرف باسم “اتفاق تقديم”، وهو مجرد اتفاق التحكيم الذي تم توقيعه بعد خلاف نشأ بالفعل.

ويؤكد المستشار عزت محمود عودة رئيس هيئة قضايا الدولة أن إجمال التعويضات التى يطالب بها مستثمرون فى قضايا تحكيم مرفوعة على مصر بالخارج تقدر بنحو 100 مليار جنيه، مشيرا إلى أن مراكز التحكيم فى الخارج ومركز القاهرة الإقليمى للتحكيم ينظرون حاليًا نحو 37 قضية تحكيم، أبرزها قضية المراجل البخارية التى قضت محكمة القضاء الإدارى ببطلان عقد بيعها لمستثمر هندى، والذي أقامها أمام مركز الاستثمار الدولى فى أمريكا «الأكسيد»،

ويرجع الخبراء تفاقم وتزايد القضايا التى يتم اختصام فيها الحكومة المصرية إلى عدم مشاركة هيئة قضايا الدولة فى إعداد ومراجعة العقود التجارية والاستثمارية التى وقعتها فى ظل نظام مبارك، خاصة عقود الخصخصة وما شابها من شبهات فساد.

الاتفاقيات المنظمة لإجراءات التحكيم الدولي:

تكمن أزمات قضايا التحكيم الدولى على حد قول المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق- فى صياغة العقود، وقد باشرت العديد من منازعات التحكيم خلال رئاستى للهيئة، فوجدت أن هناك ما يسمى بـ «Bit»، وهى اتفاقيات بين مصر ودولة ما تتعهد بموجبها مصر بحماية الاستثمارات، فضلًا عن اتفاقية فض منازعات الاستثمار ”الأكسيد” ومقرها الأصلى واشنطن، وفرعها فى باريس، وغالبًا تكون منازعات التحكيم فى باريس، ولكى أذهب إلى التحكيم الدولى لا بد أن تكون الدولة قد تدخلت بعمل سلبى يترتب عليه تعرض استثمارات هذه الدولة للخطر.

وبشكل عام، يتم التعامل مع أكثر من 100 اتفاقية، تلزمنا بقبول التحكيم الدولى عند نشوء أى نزاع، حتى أننا وقّعنا مثل هذه الاتفاقية مع أفغانستان بالرغم من عدم وجود علاقات تجارية بينها وبين مصر، مما يلزمنا بقبول التحكيم مؤكدًا أن الدستور الجديد قد أناط بهيئة قضايا الدولة صياغة العقود، إذ يجب على الجهة المصرية اللجوء للهيئة لصياغة بنود العقود، ويحتاج هذا لأمر إلى قانون لتنظيم هذا الإجراء، حتى لا تخرج العقود بصياغات ضعيفة، أو بها ثغرات قانونية تضر بمصلحة البلاد عند نشوء أى نزاع، واللجوء إلى فض هذا النزاع فى التحكيم الدولي، مما يستدعى لجوء الجهة الإدارية إلى هيئة قضايا الدولة لإعداد العقود وصياغتها بشكل سليم من الناحية القانونية، حتى لا نفاجأ بقضية تحمل البلاد تعويضات مالية كبيرة كان يمكن التغلب عليها وتفاديها إذا تمت صياغة العقد بشكل صحيح.

كما يؤكد المستشار محمد عبد العظيم الشيخ رئيس هيئة قضايا الدولة السابق، أن المشكلة تكمن فى أن هناك جهات إدارية تقوم بتوقيع العقود دون المرور بالجهة القضائية المعنية، ومن ثم تخرج هذه العقود معيبة، وتنطوى على ثغرات وبنود قد تكلف مصر مبالغ طائلة فى منازعات التحكيم الدولي.

عقود هزيلة

وقد كانت العقود الهزيلة، وضعيفة الصياغة من الناحية القانونية وراء حسم بعض المنازعات لمصلحة الخصوم، وقد تكبدت مصر على أثرها مبالغ مالية طائلة فى قضايا التعويضات.

أشهر قضايا التحكيم الدولى التى خاضتها مصر

وتعتبر أشهر قضايا التحكيم الدولى هى قضية شركة سياج للاستثمارات السياحية مع الحكومة المصرية حول السيطرة على أرض طابا والتى قامت شركة سياج للاستثمارات السياحية ببيعها لعدد من المستثمرين تبيَّن بعد ذلك أن من بينهم إسرائيليين والتى أنهى مركز التحكيم الدولى التابع للبنك الدولى فى واشنطن المرافعات فى الاتجاه إلى خسارة مصر ودفعها تعويض «300» مليون دولار، و كذلك من القضايا الشهيرة القضية التى كبدت مصر نحو 530 مليون دولار، والتى كانت بين وزارة الطيران المدنى وبين هيئة بريطانية حصلت على أحقية بناء مطار فى مدينة رأس سدر  ولمخالفة الجانب المصري لبنود العقد تم إحالة القضية إلى مركز التحكيم الدولى بمدينة مدريد الإسبانية تم الحجز على ما يوازى530 مليون دولار من أموال وزارة الطيران بالبنوك الخارجية لصالح الهيئة البريطانية، غير أن مصر ربحت الطعن فيما بعد.

ومن أبرز هذه القضايا أيضًا صفقة إطارات السيارات لأحدى الماركات العالمية والتى بعد أن أغرقت السوق المصرى بها تبين أنها غير مطابقة للمواصفات ونتيجة للفساد وقف الجانب المصرى مكتوف الأيدى ولم يطالب بحقه، مشيرًا إلى أن مصر خسرت 76 قضية عقود إنشاءات خارجية من إجمالي 78 قضية نتيجة عدم وعى الشركات العقارية ببنود العقود واشتراطاتها من بينها قضايا لشركات حكومية وقعت فى نفس الأخطاء بل إنها من أكثر الشركات وقوعًا فى هذه الأخطاء. ومن أبرز الشركات التى قامت برفع دعاوى تحكيم دولى ضد مصر، وشركة «كوروب إنترناشيونال»، وشركة «إتش أند أتش»، وشركة «فينوسا»، وشركة «ميناء السخنة»، وشركة» «فيولا»، وشركة «الفطيم» الإماراتية، وشركة «أجريوم»، وشركة «أومو نيتسوا»، وشركة «داماك»، وشركة «أوتش» الألمانية.

عيوب التحكيم الدولى

ومن العيوب العديدة للتحكيم الدولي، أن متوسط سنوات التحكيم الدولى تبلغ 3 سنوات و6 أشهر، وهو ما ينفى حجة اللجوء إليها بسبب بطء التقاضى المحلى، وعلى سبيل المثال، استغرقت قضية «سوثيرن باسيفك للعقارات ــ الشرق الأوسط» ضد مصر 7 سنوات، بالإضافة لارتفاع تكاليف التقاضى فى التحكيم الدولى حيث دفعت مصر 6 ملايين دولار فى قضية سياج، فى 2009، حتى فى حالة عدم الخسارة فمصر تخسر التكاليف العالية للتقاضى، هذا بالإضافة للتدخل فى السيادة المصرية.

وهناك تساؤلات كثيرة حول سبب استمرار خسارة الجانب المصرى فى هذه القضايا:

فالبعض قال إن السبب هو نقص الكوادر القانونية القادرة على التعامل مع هذه القضايا، والبعض الآخر نفى ذلك وأكد كفاءة رجال القانون المصريين، فى حين اتهم آخرون ضعف القوانين المحلية وتضارب السياسات الاستثمارية إلى جانب الفساد الإدارى، بأنها أهم العوامل التى مكنت رجال الأعمال الأجانب من الحصول على أحكام لم يكونوا يستطيعون الحصول عليها إذا وجدت قوانين تحمى المصالح القومية، مشيرًا إلى أن التقرير الذى أصدره المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار، ويتضمن أن هناك 22 قضية ضد مصر فى هذا المركز فقط، 11 مستمرة و11 تم الفصل فيها، 2 لصالح مصر و4 لصالح المستثمر الأجنبي، وتم تقسيم المصروفات فى باقى القضايا. وبين عامى2011 و2013 كانت مصر رابع دولة على العالم بـ 10 قضايا وفقًا لبيانات المركز الدولى، وطالب الحكومة المصرية بأن تحاول الخروج من مأزق الاتفاقيات الثنائية والتحكيم الدولى بشكل جيد.

وعلى الجانب الآخر هناك عدد من الأمثلة الدولية الناجحة في التعامل مع قضايا التحكيم الدولي حيث قامت الأرجنتين باستغلال ثغرات قانونية فى هذه الاتفاقيات للامتناع عن تنفيذ الأحكام، وألغت جنوب أفريقيا اتفاقيتها الثنائية مع بلجيكا بعد خسارتها لقضية مع شركة بلجيكية، واستراليا لم تعد تناقش أحكاما متعلقة بتسوية المنازعات الاستثمارية بين المستثمر الأجنبى والدولة فى اتفاقياتها التجارية مع دول أخرى، بينما ذكر الأونكتاد «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» أن هناك طفرة فى حالات التحكيم الدولى فى 2012، وأرجع ذلك إلى زيادة عدد الاتفاقيات الثنائية، وقال تقرير المنظمة إن 68% من الدول المتضررة من التحكيم كانت الدول النامية، وتحتل مصر مرتبة مهمة بين الدول النامية «المتضررة من التحكيم الدولي»، لأن مصر هى ثالث دولة في العالم تتعرض للتقاضى من مستثمرين أجانب، بعد الأرجنتين وفنزويلا.

سياسات خاطئة

ولا شك أن السياسة الخاطئة فى التعامل مع التحكيم، كبدت العالم العربى خسارة أكثر من 750 قضية تحكيم، بخلاف المشروعات المتوقفة دون حلول حتى اليوم، كما أن التحكيم كبديل مواز للقضاء نتج عنه فى النهاية نقص فى الكفاءة القانونية، إلى جانب غياب الرقابة والتوعية .. ففى قضية شركة «ماليكورب»– مثلًا- تم اللجوء الى المكتب الكندى بباريس للدفاع عن مصر أمام مركز «الأكسيد» التابع للبنك الدولى والذى طالب كثير من فقهاء القانون بضرورة إعادة النظر فى الخضوع لاختصاصاته، بسبب تهديد أحكامه للمصالح الوطنية، مشيرًا إلى أن 90% من قضايا التحكيم الدولى المقامة تتعلق بأحكام إلغاء خصخصة الشركات، فى حين لا توجد أية قضية تحكيم فى المشروعات الجديدة التى طرحتها الحكومة للمستثمرين، وهو ما يؤشر على تزايد درجة الأمان وقانونية الإجراءات في طرح المشروعات .

قضايا التحكيم الدولي الحالية ضد مصر

في ديسمبر 2015 أصدرت غرفة التجارة الدولية (ICC) بجنيف، حكمًا يقضي بإلزام الشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس)، والهيئة العامة للبترول، بدفع تعويض لشركة غاز شرق المتوسط بقيمة 288 مليون دولار، و1.7 مليار دولار لشركة كهرباء إسرائيل، بعد قرار القاهرة بوقف تصدير الغاز لتل أبيب فى إبريل 2012، بحسب ما قاله مصدر مسؤول في وزارة البترول.

وكانت مصر تبيع الغاز الطبيعي إلى إسرائيل بموجب اتفاق مدته 20 عاما لكن الاتفاق انهار في 2012 بعد تعرض خط الأنابيب لهجمات على مدى أشهر من مسلحين في سيناء. و”غاز شرق المتوسط” كانت الشركة الوسيطة في الاتفاق المبرم بين مصر وإسرائيل لتصدير الغاز إلى الأخيرة.

ووفقا لشركة ديليك الإسرائيلية، فإنه قد يتم نقل صادرات الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب شركة غاز شرق المتوسط القائم بالفعل. وبحسب المصدر، فإن قضية التحكيم الدولي التي فازت بها إسرائيل، ليست الوحيدة في هذا الملف، فقد رفعت شركة غاز شرق المتوسط، قضية تحكيم دولي ضد مصر عام 2011، وطالبت الحكومة المصرية بتعويضات قيمتها 8 مليارات دولار.

كما رفعت شركتا يونيون فينوسا الإسبانية وسي جاس الإسبانيتان، قضية تحكيم دولي ضد الشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس)، نتيجة وقف إمدادات الغاز الطبيعي لمصنع الإسالة بدمياط التابع لهما لمدة عامين منذ يوليو 2012، وطالبتا الحكومة المصرية بدفع 8 مليارات دولار كتعويض عن وقف الإمدادات، بحسب المصدر. وتدير شركة يونيون فينوسا الإسبانية، مصنع دمياط لإسالة الغاز الطبيعي، حيث يخضع لملكية مشتركة بين يونيون فينوسا وإيني الإيطالية، وتمتلك يونيون فنوسا 80% من المشروع، بينما تمتلك الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي (إيجاس) 10%، والهيئة المصرية العامة للبترول 10%.

وتسعى مصر لإسقاط هذه القضايا ضمن اتفاق استيراد الغاز من إسرائيل، على اعتبار أن هذا الاتفاق سيعيد نشاط محطات الإسالة التي توقفت بسبب وقف تصدير الغاز، كما أنه سيعيد تشغيل خط الغاز بين مصر وتل أبيب، ويمكن إسرائيل من تصدير فائض الغاز المكتشف في البحر المتوسط.

ويعتبر ملف التحكيم الدولى في القضايا الاقتصادية في مصر من الملفات التي لم توفق فيها مصر بشكل كبير وتتحمل فيها تكلفة كبيرة سواء مالية من خلال التعويضات التى يتم الحكم بها ضد مصر أو من خلال الإساءة إلى الصورة الاستثمارية لمصر لدى المستثمرين الأجانب مما يشكل عاملا سلبيا يحول دون توفير مناخ جاذب للاستثمار الأجنبي.

التعليقات مغلقة.