fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

صراع عالمي على امتلاك الذهب وسحب احتياطيات البنوك المركزية داخل بلادها

86

صراع عالمي على امتلاك الذهب وسحب احتياطيات البنوك المركزية داخل بلادها

التنافس على امتلاك الذهب غاية قديمة يسعى إليها الجميع -دول وكيانات وأفراد- ولم تتغير حتى يومنا هذا؛ لأن عدة ظروف وعوامل عبر التاريخ جعلت من الذهب ملاذًا آمنًا يحمي مَن يمتلكه مِن التقلبات الاقتصادية، والأزمات المالية، ومستويات التضخم، وتغير أسعار الصرف، وبالتالي فإن الثقة في المعدن الأصفر كملاذ آمن وحماية ازدادت مع الزمن.

ورغم أن معدن الذهب لا يحدِّد ثمنه المنتجون مثل النفط، ومصادر الطاقة غير المتجددة، إلَّا أن مخاوف البشر من التقلبات المالية بجانب ثقتهم في ارتفاع أسعار الذهب أيًّا كانت الأوضاع الاقتصادية هو ما يؤدي بالفعل لارتفاع أسعار الذهب.

والحكومات أبرز مَن يسعى لامتلاك الذهب وزيادة مخزونها منه كأحد الملاذات الآمنة، والضمانات من التغييرات الاقتصادية داخليًّا وخارجيًّا، وبات احتياطي الدول من الذهب والعملات الأجنبية أحد مؤشرات قوتها، إلَّا أن العقوبات التي تلجأ إلى فرضها واشنطن وتابعها الأوروبي على كلِّ مَن يخالفها، وعلى رأسها حجز الاحتياطيات الأجنبية من العملة والذهب أججت المخاوف لدى كثيرٍ من دول العالم، وجعلتهم يسارعون لسحب احتياطياتهم من الذهب داخل بلادهم خوفًا من أن يكون مصيرها الضياع في مخازن وبنوك الغرب، وما رفع من تلك المخاوف ما تعرضت إليه روسيا بعد شن عملية عسكرية داخل الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير 2022، من عقوبات حرمتها من جزء كبير من احتياطياتها من العملة والذهب، مما هز ثقة دول عدة في ترك جزء من مخزونها من الذهب خارج بلادها وتحديدًا في أمريكا وبريطانيا.

لماذا الصراع على الذهب؟

الصراع الدولي الحالي في عِدَّة نطاقات من العالم، وعلى رأسه: الحرب الأوكرانية، وما يتبع ذلك من هزات اقتصادية وتضخم، ونزيف قيمة العملات المحلية، وارتفاع الأسعار بسبب التضخم والهزات الاقتصادية يربك الحكومات، ولا يجعل أمامها سوى امتلاك الذهب كعامل أمان من أي تقلبات غير متوقعة، ويعد الذهب ادخارًا جيدًا خلال الصراعات والحروب تحديدًا، ويتميز الذهب بغلاء ثمنه وسهولة حمله، وهو عملة دولية يمكن بيعها في أي مكان من العالم بدون التعرض لخطر التذبذب الذي تواجهه العملات الورقية.

كما يمثل الذهب أهمية كبيرة للدول في أوقات الحرب والنزاعات، وهو ما أفاد روسيا كثيرًا في حربها مع أوكرانيا والغرب، ووفقًا لصحيفة ذا تيليغراف البريطانية أن روسيا تمتلك ذهبًا تزيد قيمته عن قيمة ما لديها من احتياطي الدولار الأمريكي، وشكلت سبائك الذهب صندوقًا لتمويل الحرب.

وقال الدكتور ناصر قلاوون أستاذ الاقتصاد السياسي وخبير الطاقة والمعادن المقيم بلندن: إن الذهب استثمار آمن ويحفظ الثروة، وإن كان لا يزيدها على المدى القصير؛ إلا أنه يحمي الثروة على المدى القريب ويضعفها على المدى البعيد.

ومن هنا يأتي صراع دول العالم عبر التحكم في مناجم التنقيب المتاحة، بجانب مناجمها الخاصة إن كانت من الدول المنتجة، ولعل أبرز أماكن الصراع على مناجم الذهب القارة الإفريقية، وقبل التطرق إلى حرب مناجم الذهب في إفريقيا نستعرض الدول المنتجة للذهب وحجم الإنتاج، وكذلك حجم الاحتياطي العالمي من الذهب، ومن هنا نعلم أن الفارق بين الإنتاج وما تملكه كل دولة مما تتحصل عليه من مناجم خارجية سيطرت على الإنتاج فيها بشكل جزئي أو كلي.

الذهب… الإنتاج والاحتياطي:  

وفقًا لبيان مجلس الذهب العالمي الذي نشرته مجلة الطاقة، وكل من العربية وسكاي نيوز؛ فإن ترتيب أكبر منتجي الذهب في العالم – وكذلك أكبر احتياطي عالمي – جاء كالآتي:

 أكبر منتجي الذهب في العالمأكبر دول لديها احتياطي للذهب في العالم
1-الصين  368 طن       الولايات المتحدة 8.133.5 طن
2-روسيا 331 طنألمانيا 3355.1 طن
3-أستراليا 327 طنإيطاليا 2.451.8 طن
4-أمريكا 190 طن                             فرنسا 2436.6 طن
5-كندا- 170 طن                              روسيا 2298.5 طن  
  الصين 2076 طن 

ملحوظة:

هذه الأرقام بعضها أقل من الواقع الحالي؛ إلا أنها تعبر عن آخر بيان صادر عن مجلس الذهب العالمي في أغسطس 2022، وسبب الاختلاف: أن دول مثل: روسيا والصين منذ بداية حرب أوكرانيا، وإطلاق العقوبات الغربية يرفعون احتياطي الذهب لديهم بنسب كبيرة ومتسارعة؛ وهذا لأن موسكو تؤمن نفسها في ظل العقوبات، وبكين تخشى من نفس العقوبات في المستقبل في حال توغلت في تايوان، والأرقام الدقيقة لاحتياطي الذهب الروسي قد تقترب من 2500 طن، والصين أكثر من 2300 طن من الذهب.

تلك الفجوة بين الإنتاج والاحتياطي لها عدة أسباب، أبرزها: أن هناك دولًا لا تهتم بالإنتاج بقدر اهتمامها باعتبارات أخرى، مثل: احتفاظها بخام الذهب تحت أراضيها لسنوات أطول؛ لأن حجم الاحتياطي كبير بالفعل والإنتاج داخل مناجمها مستمر بجانب تحكمها في مناجم خارجية أخرى -مثل: أمريكا-، وهذا لا يعني ابتعادها عن المنافسة، أما دول أخرى مثل روسيا والصين تتجه للإنتاج بقوة بجانب اهتمامها بالمناجم الخارجية حول العالم، وذلك لحاجتها للذهب كأحد أوجه الإنفاق والدخل القومي تحديدًا في ظل الحرب الحالية والخناق الاقتصادي الناتج عن العقوبات، كما أن إنتاج الذهب يتبعه العديد من الوظائف وفرص العمل والتشغيل والتجارة، كما يدخل الذهب في صناعات مثل أشباه الموصلات، وبالتالي هناك دول تنتج ذهبًا أكثر إلَّا أنها أيضًا تستهلك أكثر من الخام على عكس دول أخرى.

 حرب الذهب في إفريقيا:

إفريقيا تنتج أكثر من ربع إنتاج الذهب العالمي وفق إحصائيات إبريل 2023، حيث تنتج إفريقيا نسبة 27.4، من الإنتاج العالمي وفق بيان مجلس الذهب العالمي، ويوجد في إفريقيا 5 دول هم الأكثر إنتاج لهذه النسبة، وهم على الترتيب: غانا وجنوب إفريقيا، والسودان، ومالي، وبوركينافاسو، وتضم هذه الدول بالإضافة لدول أخرى -مثل: غينيا والكونغو، ومصر والجزائر، وأوغندا والمغرب، وليبيا- مئات مواقع ومناجم التنقيب والتعدين، وتتصارع على هذه الكميات من الذهب دول وحكومات -مثل روسيا والصين وفرنسا-، وشركات تعدين تابعة لشركات متعددة الجنسيات، وميليشيات تابعة لمنظمات وجماعات مختلفة.

غانا أكبر دولة إفريقية في إنتاج الذهب، وتسيطر على الإنتاج شركات صينية وكندية بعد الشركات الحكومية، وفي غينيا تتحكم شركة مناجم المغربية وشركة أفوسيت مايننج البريطانية في الإنتاج، كما تسيطر هذه الشركات البريطانية على بعض الإنتاج في المغرب والجابون وجمهورية إفريقيا الوسطى، وبوركينا فاسو ومالي، وكوت ديفوار وغينيا، وإثيوبيا، وبوابا غينيا الجديدة، بجانب ميليشيا فاجنر الروسية، وفي السودان تسيطر فاجنر وشركات روسية أخرى على أغلب الإنتاج، وفي مالي وبوركينافاسو والنيجر تسيطر شركات فرنسية وروسية على الإنتاج بجانب جماعات ومرتزقة متعددة، ويضيع جزء كبير من الإنتاج بسبب الفوضى والعنف.

 ويشتد الصراع اليوم ما بين الجماعات المسلحة في دول الساحل الإفريقي -في الغرب- وبين مجموعتي: فاجنر ونوردجولد الروسيتين، وشركات تعدين متعددة الجنسيات، تحديدًا فيما يسمى بالوريد الصحراوي للذهب، المكتشف عام 2012، والممتد من السودان شرق القارة إلى موريتانيا في أقصى غربها، وفي مالي وبوركينا فاسو، دفع الصراع على النفوذ والذهب الجماعات الإرهابية لقتل بعضها، ووفق المحلل السياسي المتخصص في شؤون منطقة الساحل وغرب إفريقيا غوتييه باسكيت، فإن دخول “فاغنر” لإفريقيا زاد من اشتعال الصراع على الذهب، ويضرب غوتييه مثلًا بأن المسؤول بـ”فاغنر”، ديمتري أوتكين، حصل على 78 في المائة من أسهم الشركة الوطنية في مالي المتخصصة في الذهب (MARENA GOLD)، لافتًا إلى الصراع بين شركات التعدين نفسها وبين فاجنر أيضًا، موضحًا: أن 6 شركات دولية منافسة للروس تعمل في مناجم ذهب مالي، وجنسياتها تتبع لـكندا وبريطانيا وجنوب إفريقيا.

 أين تحفظ الدول احتياطياتها من الذهب؟

أغلب دول العالم تودع احتياطي الذهب في دول أخرى من أجل تأمينه، وأماكن احتياطيات الذهب لا يعلمها سوى عدد قليل من القادة، وتغير الدول على فترات مكان الذهب، للحفاظ على احتياطاتها من السرقة أو التلاعب، وأكثر احتياطيات دول العالم من الذهب توجد في بنوك وأماكن سرية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ومنها: ألمانيا وإيطاليا وهولندا، وغيرها الكثير من دول أوروبا وإفريقيا وآسيا، كما يوجد دول تحفظ الذهب داخل أماكن محصنة على أراضيها، مثل: أمريكا وروسيا والصين واليابان، وكازاخستان وأوزبكستان، وتايلاند وتايوان، والسعودية وتركيا.

حرب أوكرانيا والعقوبات:

مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، أصدر الغرب عدة عقوبات على موسكو تضمنت وضع أيديهم على احتياطي روسيا من الذهب والعملات الأجنبية في بنوك أمريكا وأوروبا، وهو ما مثَّل صدمة لكثير من دول العالم وتخوفات من نفس مصير روسيا في المستقبل؛ لأن غالبية الدول تحفظ الاحتياطي المحلي لها في واشنطن ولندن خاصةً الذهب، وهو ما دفع كثيرين لسحب الذهب من واشنطن ولندن لسحب الذهب وحفظه في بلادهم، لانعدام الثقة في الغرب.

وفي استطلاع  سنوي لإدارة الأصول السيادية لشركة Invesco، والذي شمل 85 صندوق ثروة سيادي و57 بنكًا مركزيًّا، أوضحت أن البنوك المركزية اشترت كميات ضخمة من سبائك الذهب، خلال 2022 وحتى 2023، وأن عددًا من البنوك المركزية استردت بالفعل كميات من الذهب وأعادتها لبلادها، وتؤكد Invesco، إنه بعد حرب أوكرانيا وفي 2023 وصل عدد البنوك التي تحتفظ باحتياطي الذهب على أرضها لـ68% بالمقارنة مع 50% عام 2020، وأكدت أنه خلال 5 سنوات ستصل تلك النسبة لـ 74%، وتؤكد الشركة أنه في يونيو الماضي تراجعت حيازة بنك إنجلترا من الذهب 12%، وأن البنوك المركزية تخشى من سلاح العقوبات الأمريكي.

الخلاصة:

كون الذهب ملاذًا آمنًا للجميع لم يتعرض لاهتزازات أو أزمات على مدار التاريخ، مثل: العملة وأسعار الصرف، ونجاحه في البقاء كوسيلة قوية للدفع تحافظ على قيمتها، دفع كثيرًا من دول العالم لامتلاكه، لا سيما في ظل الأزمات المالية والاقتصادية المتتالية -ولو كان هذا السباق من أجل الذهب على حساب معاناة وفقر وجوع ملايين من البشر-، كما أن الرغبة في التصدي أو النجاة من ضغوط الغرب الاقتصادية والسياسية، زادت من أهمية التحوط بالذهب كعامل أمان خاصةً أوقات الصراعات والحروب، وهو ما يفسر أسباب الصراع الدولي في إفريقيا من أجل مناجم الذهب.

ولعل المثال العملي على ذلك النموذج الروسي بعد حرب أوكرانيا، فرغم العقوبات وتكلفة استمرار العمليات العسكرية؛ إلَّا أن روسيا ظلت صامدة حتى الآن ولم نرَ إشهار إفلاس لبنوكها مثلما حدث في أمريكا وأوروبا، وبسبب شبح العقوبات هرولت كثير من الحكومات لسحب احتياطياتها من الذهب من أمريكا وبريطانيا وتخزينها في بلادها خوفًا عليه من المصادرة أو التحفظ، ولنفس السبب تسابق دول أخرى الوقت من أجل تخزين كميات أكبر من الذهب لمواجهة طوارئ المستقبل سياسيًّا واقتصاديًّا -كما تفعل الصين-.

مصادر:

سكاي نيوز- “ممالك الذهب” في إفريقيا… بؤرة صراع متعددة الأطراف – l 21 يوليو 2023. 

العربية- أكبر 20 دولة تملك احتياطي ذهب في العالم… بينها دولتان عربيتان!- 21 أغسطس 2021.

إنترريجونال- صراع الموارد: لماذا تصاعد التنافس الدولي على الذهب في إفريقيا؟- 28 فبراير 2023.

العين- قائمة الدول الأكثر امتلاكًا للذهب… أمريكا تتصدر عالميًّا والسعودية عربيًّا- 11 مارس 2021.

اليوم السابع- أكبر 10 دول امتلاكًا لاحتياطي الذهب بالعالم- 3 إبريل 2022.

بي بي سي- لماذا أصبح التنقيب عن الذهب أكثر صعوبة؟- 30 أكتوبر 2020.

الجزيرة- “مجموعة السبع” ستحظر استيراده من روسيا… رحلة الذهب من الإنتاج إلى التسويق- 26 يونيو 2022.

الطاقة- قائمة أكبر الدول المنتجة للذهب في إفريقيا تضم دولة عربية واحدة- 11 سبتمبر 2022.

المرصد المصري- الذهب الإفريقي: صراعات داخلية ومنافسة دولية- 12 يونيو 2022.

بي بي سي- الذهب: ما أهميته الاقتصادية؟ وما العوامل التي تتحكم في أسعاره؟- 10 مارس 2022.

التعليقات مغلقة.