fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أحداث النيجر… هل يتكرر السيناريو الأوكراني في الغرب الإفريقي؟

108

أحداث النيجر… هل يتكرر السيناريو الأوكراني في الغرب الإفريقي؟

منذ منتصف الخمسينيات بالتحديد وحتى عام 1975، انتهى الاستعمار الغربي أو الأجنبي في إفريقيا مع تغييرات جذرية قد حدثت في أنظمة الحكم في القارة السمراء، حيث المفترض أنها انتقلت من الحكومات الاستعمارية إلى حكومات مستقلة ذات مسئولية وسيادة؛ لكنه ربما كان انتقالًا غير منظَّمًا، حيث رافقه أعمال العنف والاضطرابات السياسية والانقلابات في دولة تلو الأخرى؛ نتيجة تردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية والسياسية، بجانب التبعيّة لدول الغرب.

“النيجر” هي جوهر الحديث في هذا التقرير، الذي نسلِّط عليه الضوء في مركز “رواق” للأبحاث؛ تلك الدولة التي تقع في قارة أو منطقة تعجّ بالصراعات، وهي دولة حبيسة تقع في الغرب الإفريقي، يظل الاستعمار الفرنسي حاضرًا في المشهد ولِمَ لا وهو يقوم باستنزاف ثروات هذا البلد الغني بالذهب الأصفر والأسود واليورانيوم، ومع ذلك يعاني شعب النيجر الذي لا يتجاوز تعداده 17 مليون نسمة من الفقر المدقع، ونحو 50% من الأطفال لم يُسجلوا في المدارس.

ولكن قبل أن نبدأ في هذا التقرير.. يجب أن نجيب عن بعض الأسئلة، وهي:

هل يتكرر السيناريو الأوكراني في الغرب الإفريقي؟

ما موقف القوى الدولية من انقلاب النيجر؟

هل انتهى الشريك الموثوق به لدى الغرب في منطقة الساحل؟

ما مستقبل القواعد الأمريكية الغربية في النيجر؟

لماذا تعاني النيجر من الفقر رغم ثرواتها الطبيعية الباهظة؟

هل ستكون روسيا البديل للغرب في النيجر ومنطقة الساحل الإفريقي؟

هل ثمّة تورط لـ “فاغنر” الروسية في الإطاحة بالرئيس “بازوم”؟

ما الذي حدث في النيجر؟

لقد شهدت النيجر محاولة انقلاب لم تنتهِ بعد، احتجز خلالها عناصر من الحرس الرئاسي الرئيس محمد بازوم فيما منحهم الجيش “مهلة” لإطلاق سراحه، وقدانتُخب بازوم، الحليف المقرَّب لفرنسا، عام 2021 على رأس الدولة الغارقة في الفقر والتي تعاني عدم الاستقرار.

وفي اليوم التالي للانقلاب، أغلق عناصر الحرس الرئاسي جميع المداخل إلى مقر إقامة الرئيس ومكاتبه. وبعد انهيار المحادثات “رفضوا الإفراج عن الرئيس”، حيث قالت الرئاسة في رسالة نشرتها على تويتر “انتابت لحظة غضب عناصر من الحرس الرئاسي.. وحاولوا من دون نجاح كسب دعم القوات المسلحة الوطنية والحرس الوطني”.

وأضافت الرئاسة: أن “الجيش والحرس الوطني على استعداد لمهاجمة عناصر الحرس الرئاسي المتورطين في لحظة الغضب هذه ما لم يعودوا إلى صوابهم”. وتابعت: أن “الرئيس وعائلته بخير”.

ومنذ ذلك الحين، وقرار عزل الرئيس بازوم وسجنه وإذاعة بيان بالقرار من قِبَل التلفزيون الرسمي في النيجر، وتحاول الدول الغربية: أن تسارع من خطواتها لاحتواء أحداث النيجر وما حدث من انقلاب هناك، وتداعياته الكارثية على وضع النفوذ والقواعد العسكرية، وذلك خشية أو خوفًا من التمدد الروسي، وحتى لا يتكرر سيناريو الحرب في أوكرانيا من جديد في غرب إفريقيا.

وما أزعج دول الغرب كثيرًا، هو قيام المجلس العسكري في النيجر بعدة قرارات، كان من بينها إلغاء عدد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي والعسكري مع فرنسا بعد الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، كما أوقفت النيجر أيضًا، التي تتمتع بأهمية إستراتيجية للولايات المتحدة والصين وأوروبا وروسيا، بث محطتين فرنسيتين إخباريتين رسميتين، وهما: “فرنسا 24″، و”راديو فرنسا الدولي”.

أهمية النيجر للعالم… ثرواتها وموقعها ومكانتها؟

ويرى اقتصاديون: أن النيجر على وجه الخصوص تُعد ضمن دول القارة وتُعتبر من الدول الغنيّة بالموارد الطبيعية والبشرية؛ بالإضافة إلى العديد من الموارد والثروات، ومنها -على سبيل المثال- الآتي:

اليورانيوم:

حيث تحتكر النيجر حوالي 7٪ من حصة السوق العالمية، وتحمل سادس أكبر احتياطي بالعالم من اليورانيوم؛ إذ تم اكتشاف اليورانيوم واستغلاله لما يقرب من 40 عامًا،  تقع أهم المناجم في منطقة أغاديز في شمال غرب البلاد، وهي منطقة صحراوية قليلة الزراعة، حيث كان بإمكان اليورانيوم الموجود في باطن هذه المنطقة تغييرها وتعزيز اقتصادها، لكن الوضع غير المستقر للبلاد على مدى عقود، أجَّل ذلك عدة مرات.

النفط:

ومنذ ديسمبر عام 2011، أصبحت دولة النيجر مصدرًا مهمًّا لإنتاج النفط أيضًا، حيث ينتج حقل أغادم الذي تديره الشركية الصينية CNPC  نحو 20 ألف برميل يوميًّا، وهو ما يتوافق مع السعة الاستيعابية القصوى للمصفاة المحلية (صوراز التي تدريرها ذات الشركة الصينية، والنيجر).

الفحم:

وخلال أواخر الستينيات، تم اكتشاف احتياطيات ضخمة من الفحم في النيجر، وهو الآن من بين أهم الموارد الطبيعية في البلاد، حيث يوجد في النيجر العديد من مناجم الفحم أكبرها في آنو أرارين. نقلًا عن الحرة.

وبالرغم من تلك الثروات الهائلة؛ إلا أنها تعاني من هشاشة في بناء الدولة بسبب الاستعمار؛ بالإضافة لغياب العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الحقيقية، ثم يأتي التنافس الدولي على إفريقيا اقتصاديًّا عامة، والنيجر خاصة في مجال البترول والذهب واليورانيوم

مخاوف وموقف القوى الدولية من انقلاب النيجر:

ويرى مراقبون: أن التنافس الدولي بشأن النيجر ووجود عناصر فاغنر في البلدان المجاورة لـ “نيامي” العاصمة، بالإضافة إلى ضعف الجيش النيجري أمام ضغوط فرنسا؛ كل ذلك قد يفتح الباب أمام موسكو للتدخل في النيجر، ويعيد سيناريو أوكرانيا في الغرب الإفريقي.

فقد كشف الانقلاب العسكري في النيجر عن تقاطع المواقف الدولية والأطماع في موارد هذا البلد؛ نظرًا لثرواته من اليورانيوم والنفط، والماس والذهب، والفحم، ودوره المحوري في التصدي للإرهاب بالساحل الإفريقي.

كما تعد النيجر من الدول التي كان موثوقًا بها أمام الغرب في مواجهة الإرهاب، حيث تعد قاعدة أساسية للجيوش الغربية وأجهزة مخابراتها، مما كان متوقعًا أن يفضي إلى تدخل عسكري إفريقي مدعوم من الغرب لإعادة الرئيس محمد بازوم للسلطة وحماية مصالحه، وسط رفض روسي لتلك الخطة.

هل ثمّة علاقة بين روسيا والانقلاب في النيجر؟

ونظرًا لما جرى في مشهد المظاهرات في النيجر، توقع محللون أن يكون هناك شبه علاقة بين روسيا وما يحدث في نيامي، في المظاهرات التي نُظمت في النيجر دعمًا للانقلاب، حيث ظهرت مجموعة من الأشخاص يرفعون أعلام روسيا ويهتفون بشعارات: كـ”يعيش بوتين”، و”لتسقط فرنسا”.

تلك الهتافات باسم  روسيا، أعادت الشكوك بدور روسي في أزمة النيجر، وهناك أقاويل بأن الانقلاب لم يكن ليحدث لولا دعم روسيا، لكن لا توجد دلائل واضحة حول ذلك، لكن في الوقت نفسه ترى الإدارة الأمريكية أن  مرتزقة فاغنر، الذين وُجهت لهم أصابع الاتهام بحكم حضورهم القوي في عدة دول إفريقية، أو موسكو عمومًا، هم المسؤولون عن الانقلاب.

وفي ذات الوقت، كان زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين – الذي لقي حتفه إثر انفجار طائرته في مقاطعة بالشمال الروسي- قد رَحَّب بالانقلاب، لكنه لم يعلن أيَّ مسؤولية عن دعمه، وبدلاً من ذلك يبدو -وفق مراقبين-: أن الدافع وراء الانقلاب كان الطموح الشخصي، بعد أن أراد الرئيس النيجري محمد بازوم استبدال اللواء عبد الرحمن تشياني، رئيس الحرس الرئاسي، لكن هذا الأخير هو مَن قام بعزل الرئيس وأعلن نفسه رئيسا للمجلس العسكري الجديد.

قلق من تكرار سيناريو أوكرانيا في النيجر:

لقد أثارت إزاحة الرئيس محمد بازوم من سُدة الحكم قلقًا بالغًا لدى الدول الغربية، وذلك من التسبب في ترك فراغ أمني قد تستغله روسيا بدافع أن النيجر مستعمرة فرنسية سابقة، ولطالما كانت حليفًا رئيسيًّا في مكافحة فرنسا للإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي؛ الأمر الذي تسبب في زيادة القلق والمخاوف الغربية، لا سيما بع دما احتفى قائد مجموعة فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين، باستيلاء العسكريين بقيادة اللواء عبد الرحمن تشياني على السلطة في النيجر، حيث عرض بريغوجين خدماته على الانقلابيين، وقوله: إن “شركته يمكن أن تساعد في مثل تلك المواقف”.

ويتزامن ذلك مع تمركز المئات من مقاتلي قوات فاغنر الروسية في مالي بدعوة من المجلس العسكري للبلاد، لقمع التمرد الذي يتصاعد في منطقة تلتقي فيها حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر. (سكاي نيوز).

وفي الوقت ذاته يرى محللون: أن الزيارة التي أجراها الجنرال ساليفو مودي، أحد أبرز المشاركين في انقلاب النيجر الذي أطاح بالرئيس بازوم إلى مالي، حيث تتمركز عناصر فاغنر الروسية، مما أثار تكهنات بشأن أن الانقلابيين في النيجر مهتمون بالحصول على خدمات من قوات فاغنر.

وبحسب مراقبين: أبدى قادة مالي وبوركينا فاسو العسكريون تضامنهم مع نظرائهم في النيجر في مواجهة الضغوط الدولية، كما أن العَلم الروسي شوهد مرفوعًا في عدة مظاهرات مؤيدة للانقلابيين في نيامي.

موقف “إيكواس” بين الحكم العسكري والرئيس بازوم:

وفي المقابل، رفضت كل من دولتي: مالي وبوركينا فاسو، التهديدات التي أعلنتها مجموعة “إيكواس”، حيث أعلن المجلسان العسكريان في الدولتان: أن أي تدخل عسكري في النيجر، سيكون بمثابة إعلان حرب علينا.

ووفق خبراء عسكريين: فإن تداعيات انقلاب النيجر وتمدد عناصر قوات فاغنر الروسية يثيران قلق الغرب من الفراغ الأمني وترك الساحة فارغة لروسيا لتوجيه ضربة استباقية في إفريقيا، وتكرار سيناريو أوكرانيا.

ويضيف محللون: إن موسكو رغم رفضها لأي تدخل عسكري غربي في النيجر، إلا أن لديها عناصرها المتمثلة في فاغنر في البلدان المجاورة لدعم استقرار الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو وتشاد وتثبيت أركانهم. (سكاي نيوز).

هل ستكون روسيا البديل للغرب في منطقة الساحل الإفريقي؟

ويرى مراقبون: أن روسيا لا سيما خلال السنوات الأخيرة، قد استفادت من المشاعر المناهضة للغرب لتعزيز نفوذها في إفريقيا، وبالتزامن مع القمة “الإفريقية الروسية” التي عقدت مؤخرًا في سان بطرسبرغ، فقد شهد النيجر الانقلاب العسكري بعد أن ظهرت روسيا في موضع الداعم لإفريقيا ومنحت 6 دول حبوبًا بالمجان.

وفي تقديري: أن هناك حركات مناهضة لفرنسا في النيجر بدت تعلو وتتصاعد، وما شهدناه من احتجاجات مناهضة للغرب ووصفه بالاستعمار، كذلك في رفع العلم الروسي،  ما يعني الرفض للتواجد الغربي هناك الذي يستنزف ثروات البلاد.

كما قد يلجأ قادة الانقلاب في النيجر إلى طلب الدعم الرسمي والمساعدة الأمنية من روسيا التي لن تتوانى وتنتظر التحرك، في حال استمر الضغط الغربي على النيجر وبعد قادة إيكواس.

لا سيما أن خلال السنوات الأخيرة، قد شهدت بلدان إفريقية تأييدًا لروسيا خصوصًا في منطقة الساحل، وكان آخرها في بوركينا فاسو التي طلبت حكومتها العسكرية العام الماضي رحيل القوات الفرنسية، كما أن هذا الارتباط قد يأتي من تبعات الانقلاب بتوسيع مصالح روسيا في إفريقيا خصوصًا في دول الساحل.

ومن المتوقع أيضًا: أن الدول الغربية بحاجة إلى مراجعة سياساتها في غرب إفريقيا التي بُنيت فقط على استنزاف الثروات؛ دون حتى النظر إلى حياة ومعاناة الشعوب حتى لفظتها، ومعالجة أسباب الفقر ودعمها للحكومات الضعيفة، وعدم المساواة وانتشار الفساد إلى مستويات غير مسبوقة. (سكاي نيوز).

ويقول مراقبون: إن الانقلاب في النيجر قد أدى لتجاذب دولي، ومن الممكن الدخول في عمل عسكري لعودة الرئيس محمد بازوم للحكم وحتى إن بات مستبعدًا، وهو مؤشر خطير على تحويل الصراع في المنطقة إلى صراع إفريقي – إفريقي، بجانب الدور الروسي في المنطقة، وتأثيراتها على المسار السياسي والأمني في تلك البقعة التي تعج بالصراعات وعدم الاستقرار .

وبالتالي فليس مستبعدًا أن تكون روسيا بديلًا إستراتيجيًّا للقوى التقليدية في المنطقة خاصة فرنسا، وعند حدوث تدخل عسكري في النيجر، فمن المتوقع أيضًا أن يكون له تبعات أمنية خطيرة؛ لذا تحاول دول الغرب أن تسارع من خطواتها لاحتواء الأوضاع في النيجر، وتداعياته الكارثية على وضع النفوذ والقواعد العسكرية، خوفًا من التمدد الروسي، كما بدا واضحًا أن يؤدي الانقلاب للعديد من المواقف الدولية والأطماع في موارد هذا البلد؛ نظرًا لثرواته من ثروات جمة وكبيرة، مثل: اليورانيوم، والنفط، والذهب، والفحم، بجانب تداعياته في تمدد عناصر فاغنر الروسية؛ الأمر الذي أثار قلقًا كبيرًا لدي الدول الغربية جراء الفراغ الأمني في البلاد. (ماسبيرو).

هل تورطت “فاغنر” الروسية في الإطاحة بالرئيس “بازوم”؟

من جهتها أوضحت الخارجية الأمريكية: أنها لم ترصد أي دليل واضح أو مباشر على تورط قوات “فاغنر” الروسية في الإطاحة برئيس النيجر محمد بازوم، لكن القلق الأمريكي يعود إلى استمرار تقلب الوضع في النيجر ما قد يمنح روسيا فرصة في الأيام المقبلة وهو ما بات واضحًا، كما أن سيناريو خروج القوات الفرنسية من مالي المجاورة لا يزال يلوح في الأفق، وهو ما قد يتكرر في النيجر مع كلٍّ من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بعد سنوات من استثماراتهما الإستراتيجية هناك ومحاربتهما الجماعات المتطرفة، وتأسيس قواعد تراقب المنطقة من السودان وليبيا إلى مالي ونيجيريا وبوركينا فاسو.

حرب المعلومات بين روسيا والغرب:

وفي سياق تلك الأحداث المتشابكة وعلى مدى أكثر من عام تقريبًا، كان المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون قلقين بشأن ما يسمونه موجة من المعلومات المُضللة التي انتشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لا سيما في دول الغرب الإفريقي، التي كان آخرها انتشار مقطع فيديو شاهده أكثر من مليون شخص على “تيك توك” و”فيسبوك” قبل شهر واحد، حيث يعلن فيه مذيع أخبار فرنسي أن انقلابًا جاريًا في النيجر، ويشير إلى التعليقات المعادية للفرنسيين بأغلبية ساحقة، التي تتهم الرئيس بأنه دمية في يد الغرب.

وقد أظهرت مقاطع فيديو أخرى انتشرت بشكل واسع النطاق، هجمات إرهابية في محاولة لإثبات أن الوجود العسكري الأمريكي في النيجر جعل البلاد أقل أمنًا، وفي العام الماضي، سار بضعة آلاف من النيجيريين، بعضهم يحمل أعلامًا روسية ولافتات موالية لروسيا، في شوارع العاصمة “نيامي” مطالبين الجيش الفرنسي بالرحيل من البلاد.

الغرب وتوسع قوات “فاغنر” في النيجر:

ووفق صحيفة “لوس أنجليس تايمز”، تحاول النيجر أن تنأى بنفسها عن الغرب، حيث من المحتمل أن تنتقل النيجر إلى قائمة الدول التي ستسعى مجموعة فاغنر إلى التوسع فيها، حيث تضع أنظارها بالفعل على النيجر، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أنها منتج كبير لليورانيوم تسعى إليه روسيا، في حين أن الرئيس بازوم شكَّل عائقًا أمام فاغنر؛ بسبب موقفه المؤيد لفرنسا وأمريكا، وانتقاده فاغنر علنًا.

وبحسب الصحيفة نفسها، فإن واشنطن ليس لديها دليل واضح على أن روسيا أو مجموعة “فاغنر” وراء الانقلاب، على الرغم من أن هذه المجموعة، وهي قوات مرتزقة روسية تنشط في إفريقيا ويقودها يفغيني بريغوجين، وهو حليف الرئيس فلاديمير بوتين، فقد أشارت ولو ضمنيًّا إلى دور لها في الانقلاب؛ حيث قال بريغوجين في رسالة صوتية نشرت في قناة “تليغرام” “إن ما حدث هو كفاح شعب النيجر ضد المستعمرين، وهو نيل الاستقلال والتخلص من المستعمرين، ما يدل على فعالية فاغنر”.

وأضاف: “1000 مقاتل من فاغنر قادرون على استعادة النظام وتدمير الإرهابيين، ومنعهم من إيذاء السكان المدنيين”.

كما أن التحدي الذي يواجه واشنطن حاليًا هو ضمان استمرار النيجر في المشاركة في جهود مكافحة الإرهاب، وعدم اللجوء إلى “فاغنر”، للحصول على المساعدة الأمنية، كما فعل الآخرون في المنطقة، وهو ما عبر عنه تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في مارس الماضي، حين زار النيجر قائلًا: “في كل مكان تذهب إليه فاغنر، تتبعها أمور سيئة”.

ما مستقبل القواعد الأمريكية والغربية في النيجر؟

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن رحيل الرئيس المنتخب محمد بازوم يعد نكسة للجهود الأمريكية في المنطقة؛ لسببين: الأول: أن الولايات المتحدة تحتفظ بقاعدتين لطائرات “الدرون” في البلاد، ومن هذه القواعد تجمع واشنطن المعلومات الاستخبارية على مساحة واسعة من الساحل وشرق إفريقيا، على طول الطريق من السودان إلى مالي، ومن الشمال في ليبيا إلى الجنوب في نيجيريا؛ لذا فهي منصة في وسط إفريقيا أصبحت الولايات المتحدة تعتمد عليها في جميع عمليات مكافحة الإرهاب وجميع عمليات جمع المعلومات الاستخبارية في المنطقة.

ووفق موقع “بوليتيكو”، أن السبب الثاني: يكمن في أن واشنطن تشارك بنشاط في مكافحة الإرهاب مع قوات النيجر لمواجهة زحف الفروع التابعة لـ”داعش” و”القاعدة” في المنطقة، ومنذ عام 2017 حين قتل أربعة من القوات الأمريكية في النيجر خلال عملية دورية لمكافحة الإرهاب، تراجعت واشنطن عن القيام بمزيد من العمليات، واكتفت بتقديم المشورة والمساعدة وتدريب عناصر من القوات الخاصة في النيجر وجيشها لمواجهة هذه التهديدات الإرهابية بأنفسهم.

هل انتهى الشريك الموثوق به لدى الغرب في منطقة الساحل الإفريقي؟

هذا وتنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى النيجر باعتبارها دولة إستراتيجية في الحرب على الإرهاب وأحد حلفاء واشنطن الأكثر موثوقية ضد الجماعات المتطرفة، مثل: و”داعش” و”بوكو حرام”؛ لا سيما أن النيجر تستضيف نحو 1100 من القوات الخاصة الأمريكية وفرق التدريب، وهي أيضًا واحدة من دول الساحل التي لم تنشئ تعاونًا مع روسيا على حساب الغرب في ظل حكم الرئيس بازوم، وبالنظر إلى أن مستقبل العلاقات العسكرية بين واشنطن والنيجر فهو غير واضح؛ لذا حرصت الإدارة الأمريكية في عدم التسرع بوصف ما حدث بعزل “بازوم” بأنه انقلاب عسكري.

ما نظرة الغرب وروسيا من أحداث النيجر؟

لقد بات واضحًا جليًّا الموقف الروسي من المشهد وأحداث النيجر، حيث يرى الدُب الروسي أنه بمثابة انتهاء أو إنهاء للاستعمار الغربي والفرنسي بالتحديد في النيجر الذي يقوم باستنزاف ثروات البلد دون مردود على شعبه، وهو ما صرح به قائد قوات فاغنر والرئيس بوتين خلال القمة الروسية الإفريقية منذ وقت قريب.

ولكن في المقابل، ترى إدارة الرئيس جو بايدن أن استيلاء ضباط عسكريين على السلطة، وتحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع بازوم وتأكيده أن الشراكة الاقتصادية والأمنية القوية بين البلدين تعتمد على استمرار الحكم الديمقراطي واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان؛ إلا أن بلينكن لم يصف ما حدث في النيجر على أنه انقلاب حتى يتجنب قطع المساعدات الأمريكية عن نيامي، وربما أيضًا لترى واشنطن مستقبل العلاقات مع الحكم العسكري؛ في حال استمراره.

وفي حال وصفت واشنطن أن ما حدث في النيجر بأنه انقلاب، فيمكن أن يعرض مصالحها الأمنية للخطر على الأرض، وعندما تتردد وزارة الخارجية في القيام بذلك، فإن ما تحاول القيام به هو فقط إبقاء خياراتها مفتوحة حتى تتمكن من طلب المساعدة الأمنية من الكونغرس، ربما على إجراء موقت على أمل التمكن من استعادة الديمقراطية في البلاد أو بعض مظاهر الديمقراطية والحكم المدني.

موقف الحكم العسكري في النيجر من الغرب:

ويرى محللون: أن النيجر تبدو في المنظور الإستراتيجي والأمني الأمريكي أشبه بآخر قطعة دومينو في منطقة الساحل على حدِّ وصف مسؤولين سابقين في الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)، فإن الأمل الوحيد هو ألا تسقط هذه القطعة الأخيرة، وأشاروا إلى أن جيش النيجر ربما لا يزال يريد تعاونًا وثيقًا مع الغرب، لكن القيود التي يفرضها القانون الأمريكي، قد يؤدي إلى عرقلة الأمور بين واشنطن والنيجر.

وأضاف المحللون: أن ثمة من القلق يشعر به العسكريون الأمريكيون من أن الانقلاب سيشجع المسلحين، لا سيما من الذين قد قاموا بشنِّ آلاف الهجمات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو منذ عام 2017، ويضغطون الآن جنوبًا في المناطق الشمالية من ساحل العاج وتوغو وبنين.

لماذا لم تُجدِ المساعدات الغربية في النيجر؟

لقد أدت الاضطرابات والصراعات في مالي وبوركينا فاسو إلى انقلابات عسكرية وتغير التحالفات بعيدًا عن الدول الغربية وباتجاه روسيا، تمكنت النيجر من الانتقال الديمقراطي للسلطة في عام 2021، وحافظت على علاقات سلسة مع الغرب عكسها بلينكن، في مارس الماضي؛ إذ كانت أول زيارة لوزير خارجية أمريكي إلى النيجر مقدمًا 150 مليون دولار مساعدات إنسانية جديدة لمنطقة الساحل الإفريقي.

وقد عززت تقديم واشنطن 101 مليون دولار مساعدات ثنائية للنيجر في عام 2022، بما في ذلك مساعدات للأمن الغذائي والديمقراطية والحوكمة والأمن؛ إضافة إلى 135.4 مليون دولار من المساعدات الإنسانية الثنائية في العام نفسه.

وقالت السفارة الأمريكية في نيامي: إن “البنتاغون” ووزارة الخارجية زودتا النيجر بأكثر من 500 مليون دولار من المعدات والتدريب منذ عام 2012، فيما وصفه دبلوماسيون أمريكيون بأنه محاولة لإظهار فوائد اختيار الولايات المتحدة على اختيار “فاغنر”.

وخلال قمة القادة الأفارقة التي عقدت في واشنطن، منح الرئيس بايدن رئيس النيجر محمد بازوم مقعدا شرفيا إلى جانبه في القمة تأكيدا للعلاقة الممتدة منذ استقلال النيجر عام 1960، وانتقالها إلى الديمقراطية خلال ثلاث دورات انتخابية أخيرة، بما يتماشى مع رؤية الولايات المتحدة لدعم النظم الديمقراطية والتعاون معها في مختلف المجالات. (انبندنت).

من جهتها، نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالًا لبعض الكُتّاب حول تأثير الانقلاب الذي شهدته النيجر مؤخرًا، وما تبعه من تداعياته على منطقة الساحل؛ إذ يشير الكاتب إلى أنها تمثل لحظة تحول جيوسياسية حقيقية في السياسة البينية بالقارة ومكانة القوى الخارجية فيها.

هل تشتغل حربًا بين القوى الكبرى في الساحل الإفريقي؟

وتقول المجلة وفق المقال: إن الاهتمام بالقارة السمراء ظل على مدى عقود مُنصبًا على التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي على النفوذ في دول القارة، ولكن في السنوات الأخيرة، خلال الفترة التي شهدت تعزيز بكين مكانتها في إفريقيا، أصبحت قضايا القارة تُتناول من زاوية صراع المصالح بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

لذا يمكن القول أو من المرجح، أن يخوض الغرب ممثَّلًا في واشنطن من جهة، والشرق ممثَّلًا في موسكو من جهة أخرى، حربًا في منطقة دول الساحل الإفريقي، لا سيما مع ظهور بدأ ينمو ويتضح لمجموعة فاغنر الروسية في هذه المنطقة.

وربما يتساءل البعض: هل استمرار الحكم العسكري في النيجر سيخدم مصالح واشنطن أم روسيا؛ لا سيما أن إدارة بايدن لا تزال تمسك العصا من المنتصف ولم تهاجم بشكل حثيث ما حدث في النيجر؟

وفي تقديري، أو في الإجابة عن هذا السؤال: إن هذا مشروط بمدى الموقف الغربي من الانقلاب، وما يقدمه من دعم حقيقي على الأرض، وبالتالي قد يكون التعاون من العسكري في نيامي مشترك بين واشنطن وروسيا على حدٍّ سواء، مع الميل أكثر إلى جهة الشرق، خصوصًا بعد ما قدَّم الرئيس بوتين منح وحبوب بالمجان لبعض البلدان الإفريقية.

كما أن الشعوب الإفريقية وفي منطقة الساحل قد بدت في الحقيقة تلفظ التواجد الغربي، لأنها رأت أنه فقط يستنزف موارده الطبيعية وتُقدم لهم مرة ثانية على أشكال من المنتجات والسلع بأسعار مرتفعة، وما حدث لفرنسا وطردها من مالي وبوركينا فاسو شاهد عيان على ذلك.

ويرى سياسيون: أن أمريكا لم تقدم شيئًا لإفريقيا، ولم تسعَ لمساعدتها في حل أزماتها الاقتصادية، ولكن اهتمام الإدارة الأمريكية كان منصبًا على حثِّ بلدان القارة السمراء على الالتزام بالحكم الديمقراطي، دون تقديم أية مساعدات أو معونات حقيقية تذكر على أرض الواقع.

انقلاب النيجر والتحول الجيوسياسي في القارة السمراء:

في المقابل يرى محللون: أن التنافس بين القوى العظمى ليس هو بيت القصيد، وأن البعد السياسي الأهم في أزمة النيجر على سبيل المثال، هو سيناريو متكرر مثل العديد من الأزمات التي شهدتها القارة السمراء مؤخرًا، حيث تكمن في السياسات الإفريقية الخاطئة بشكل مباشر لا عن علاقة مباشرة بالقوى الخارجية.

ويضيف المحللون: أن انقلاب النيجر يمثل لحظة تحول جيوسياسي حقيقي للأفارقة، إذ أصبحت فيه واشنطن وروسيا وفرنسا والصين أقل أهمية على الفور من الأفارقة أنفسهم. وهذا يتجلى بوضوح في الدور الذي لعبته نيجيريا في الأزمة حتى الآن، التي تُعد أكبر دولة في المنطقة ويتزعم رئيسها بولا تينوبو المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وهي أهم منظمة سياسية واقتصادية في غرب إفريقيا.

وأشاروا إلى أن تمسك الرئيس النيجيري وإيكواس على استعادة حكم رئيس النيجر المخلوع واستعادة نظامها الديمقراطي قد لا يطول، لا سيما أن الأفارقة يريدون شق طريقهم للإمساك بزمام الأمور في منطقة الساحل؛ وهو ما قد يعيق بعض الأمور، لكنه من الضروري لمستقبل المنطقة ومستقبل إفريقيا قاطبة أن يتولى الأفارقة مسؤولية عملياتهم الخاصة.

التوقعات والاستنتاجات:

– يبدو أن الحل العسكري في أزمة النيجر لم يعد خيارًا أساسيًّا على الطاولة بين مجموعة إيكواس والشركاء الغربيين أو فرنسا، وبالتالي فمن المتوقع أن يكون يرضخ هؤلاء لما جرى ويتعامل مع الأحداث كأمر واقع.

– كما من الواضح أن الرفض لفرنسا في النيجر على أشُده، لا سيما بعد محاولة طرد السفير الفرنسي والإصرار على مغادرة البلاد، وذلك بعد رفض الأخير حضور اجتماع مع النظام الجديد لعدم اعتراف باريس به.

– في تقديري: أن النيجر سوف يمضي قدمًا لا محالة باتجاه الحكم العسكري الجديد، لا سيما بعد انقلاب الغابون الذي يُعد ضربة قوية وقاسمة في وجه التواجد الغربي ورفضه في إفريقيا.

– بسبب غموض الموقف الأمريكي أو عدم إدانة الانقلاب صراحة، سوف تتراجع دول غربية، مثل: ألمانيا وفرنسا وإيطاليا باستخدام الحل العسكري والانصياع للحكم الجديد، خشية من نشاط الإرهابيين في دول الساحل الإفريقي، ومِن ثَمَّ تهديد مصالحها الاقتصادية والتجارية مع دول القارة.

الخلاصة:

– نستخلص من هذا التقرير: أن القارة الإفريقية تعجّ ولا تزال وستستمر بالصراعات دولة تلو الأخرى؛ نتيجة تردي الأوضاع المعيشية، وسوء الإدارة في أنظمة الحكم، بجانب استمرار التواجد والتدخل الغربي في شئونها الداخلية.

– إن استمرار النهج الغربي (الأوروبي) وإن كانت واشنطن تقف على الحياد حاليًا ولو شكلًا خوفًا على مصالحها في حال استمرار نظام الحكم الجديد في النيجر، سوف يعيد لا محالة تكرار السيناريو الأوكراني في إفريقيا.

– كما أن بحث دول الغرب عن مصالحها فقط؛ دون تقديم حلول جذرية وحقيقية لشعب النيجر الفقير رغم ثرواته، سوف يُفضي إلى مزيد من الصراع داخليًّا، وانتشاره خارج الحدود الإقليمية، وتداعياته دوليًّا.

– بعد إنهاء أو طرد قوات فرنسا من مالي وبوركينا فاسو، سوف يسهم ذلك في رفض وامتعاض باقي شعوب الدول الإفريقية من استمرار التواجد الغربي عامةً، والفرنسي خاصة، وهو ما حدث في (نيامي) حرفيًّا.

– إن حدة التنافس بين القوى الكبرى في النيجر وبعض دول القارة تشتعل وإن كانت قد بدأت بالفعل، ولكنه سيكون على حساب مستقبل ومصير شعوب دول القارة، ما يعني تردي كافة الأوضاع، اقتصاديًّا، اجتماعيًّا، وتعليميًّا، وأمنيًّا.

– يجب أن تخرج أنظمة الحكم في إفريقيا، وكذلك الأحزاب والمعارضة أيضًا من مساحة الحسابات الشخصية الضيِّقة إلى المصلحة الأعلى والأسمى للبلاد، إذا ما أرادت التقدم والإصلاح، لإنعاش وشعور المواطنين بثروات البلاد.

– إن روسيا حاضرة في المشهد بشكل أو بآخر لا محالة، وترحيب شعب النيجر أو حتى في بعض باقي الدول الإفريقية التي لفظت الغرب، ستكون (صاحبة الكلمة) في توطيد واستمرار علاقتها، سواء مع المعسكر الشرقي (روسيا) أو الغربي (واشنطن + أوروبا)، وإن كانت المؤشرات أو المعطيات تميل أكثر إلى الجانب الروسي.

المصادر:

– سكاي نيوز

– ماسبيرو

– انبدندنت

– الجزيرة

– دوتش فيله

التعليقات مغلقة.