مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
اتفاقية الدفاع المشترك بين تركيا والصومال.. رد الفعل بين الدوافع والأسباب
وقع الصومال وتركيا اتفاقية خاصة بشئون الدفاع المشترك بين البلدين، والمستهدف من ورائها تعزيز أمن مقديشو والمنطقة الصومالية؛ خاصة بعد توجه جميع الأنظار صوب منطقة الشرق الأوسط، والبحر الأحمر بعد أحداث 7 فبراير 2023 والموقف الحوثي تجاه السفن الإسرائيلية والتابعة لهم، وذلك ردًّا على العدوان الإسرائيلي تجاه قطاع غزة.
وقد أعلن وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي مع نظيره التركي يشار غولر، وصرح وزير الإعلام الصومالي داود عويس على موقع “إكس” أن هذه الاتفاقية مع تركيا تمت الموافقة عليها بسرعة في الحكومة والبرلمان.
وهذه الأحداث المتتالية والمتسارعة تعلن عن وجود فجوة كبيرة في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، مع وجود مستجدات مهمة جدًّا في منطقة القرن الإفريقي، مع احتدام التوتر بشكل واضح، ويرى الكثير أن التوقيع المفاجئ على هذه الاتفاقية المهمة بين تركيا والصومال أمر مثير للدهشة ويطرح العديد من التساؤلات.
تفاصيل الاتفاق العسكري بين تركيا والصومال:
تنص الاتفاقية العسكرية بين أنقرة ومقديشو على سريانها لمدة 10 أعوام، يقوم بمقتضاها نشر القوات البحرية التركية في المياه الصومالية لحماية السواحل الصومالية من:
1_ إدخال الموارد البحرية في الاقتصاد.
2_ تخطيط وتنفيذ العمليات الجوية والبرية والبحرية المشتركة، في حال الحاجة للدفاع فيما يتعلق باستخدام هذه الموارد.
3_ بناء السفن وإنشاء الموانئ والمرافق وتشغيلها، واتخاذ الترتيبات القانونية اللازمة لذلك، وتوحيد قوانين الملاحة البحرية بين البلدين.
4_ اتخاذ تدابير أحادية ومشتركة لمكافحة جميع أنواع التهديدات في المناطق البحرية الخاضعة للسيادة، مثل: الإرهاب، والقرصنة، والنهب، والصيد غير القانوني، والتهريب.
5_ بناء منشآت أحادية ومشتركة وإقامة مناطق أمنية.
6_ تقديم الدعم التدريبي والتقني والمعداتي للجيش الصومالي.
7_ إنشاء وإدارة منشآت أمنية ساحلية.
8_ تطوير وتحديث القوة البحرية.
9_ منع التلوّث البحري(1).
وبموجب الاتفاق ستوفر تركيا التدريب والمعدات للبحرية الصومالية كي تتمكن من حماية مياهها الإقليمية بشكل أفضل من التهديدات المحيطة بها.
رؤية صومالية:
وافق البرلمان ومجلس الوزراء في الصومال بالأغلبية، على اتفاقية للتعاون الدفاعي والاقتصادي مع تركيا، وعلق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: “أن مدتها عشر سنوات، وأن الاتفاقية تهدف إلى بناء البحرية الصومالية وحماية الموارد البحرية، مشددًا على أنها ليست معادية لأية دولة أخرى، ولا تهدف بأي حال إلى إثارة الكراهية، أو نزاع مع أية دولة أو حكومة أخرى”.
من جانبه، قال رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري: إن الاتفاقية الدفاعية مع تركيا ستساهم في حماية الحدود البحرية من الإرهاب والقرصنة وعمليات الصيد غير المشروعة.
كما أشار وزير الدفاع الصومالي عبد القادر جامع إلى أن الاتفاقية الجديدة تشمل “مكافحة الإرهاب والتعاون المالي العسكري، وأن الصومال عبَّر بوضوح عن موقفه: لا يمكن التفاوض أبدًا على سيادة الصومال ووحدة أراضيه، وهذا ما أدى اليوم إلى هذا الاتفاق التاريخي، وبهذا الاتفاق ستحمي تركيا السواحل الصومالية من القراصنة والإرهابيين، ومن كل الذين ينتهكون حدودنا البحرية مثل إثيوبيا(2).
رؤية تركيا:
قالت وزارة الدفاع التركية: إن تركيا ستساعد الصومال على تطوير أمنها البحري بموجب اتفاق تعاون دفاعي تم توقيعه في أنقرة في وقت سابق من هذا الشهر.
دوافع الاتفاق الثنائي بين البلدين:
تعزيز الحضور التركي عند مدخل البحر الأحمر:
يعتبر مراقبون: أن الاتفاقيتين اللتين وقعتهما تركيا مع الصومال وجيبوتي تهدفان إلى ضمان وجود تركي عند مدخل البحر الأحمر، حيث تبحث أنقرة عن فرص تجارية جديدة بعد استبعادها من الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بينما تعتبر أنقرة جيبوتي شريكًا إستراتيجيًّا لها في القرن الإفريقي، بفضل موقعها على طول خليج عدن والبحر الأحمر، وهو ما يمثل إطارًا للتجارة والأمن العالمي.
ومن ثمَّ فإن الاتفاقية الموقعة مع جيبوتي تهدف إلى تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الطرفين، وزيادة التنسيق والتعاون بينهما بشكل يعزز من الوجود التركي على البحر الأحمر.
تعزيز الحماية البرية والبحرية:
حيث يأتي الاتفاق بين تركيا وجيبوتي بالتزامن مع اتفاق مماثل تم توقيعه في 8 فبراير 2024 بين حكومة أنقرة وحكومة الصومال، وينص على توفير التدريب والمعدات للبحرية الصومالية، لمدة عشر سنوات، وذلك لتمكين الصومال من حماية موارده البحرية ومياهه الإقليمية من تهديدات، مثل: الإرهاب، والقرصنة، و”التدخل الأجنبي“.
ويبدو أن الاتفاقيتين اللتين وقعتهما أنقرة مع مقديشو وجيبوتي تستجيب لرغبة مشتركة في تعزيز علاقاتهما مع الحليف التركي، وفي الوقت نفسه يتم تضييق الخناق على أرض الصومال وحليفتها إثيوبيا بعد توقيعهما مذكرة تفاهم تسمح للإثيوبيين بالوصول إلى البحر الأحمر من خلال ميناء بربرة.
وتُمنح إثيوبيا 20 كم من الأراضي على طول ساحل خليج عدن في أرض الصومال لمدة 50 عامًا على الأقل، وبناء قاعدة عسكرية، مقابل منح هرغيسا حصة في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية والشركة الإثيوبية، والاعتراف باستقلال أرض الصومال، وبالتالي ستسمح المذكرة لأديس أبابا بالحصول على منفذ إستراتيجي على البحر الأحمر، والاعتماد على موانئ أرض الصومال في استيراد وتصدير البضائع، وتقليل اعتمادها على الموانئ الأخرى وخاصة ميناء جيبوتي الذي اعتمدت عليه حتى الآن في أكثر من 85% من وارداتها وصادراتها، ومن ثم تعزيز نفوذها الإستراتيجي الإقليمي بشكل كبير على حساب جارتها الصومال، الحليف الرئيس لجيبوتي.
زيادة مبيعات السلاح التركي لجيبوتي:
فمن شأن توقيع البلدين على ثلاث اتفاقيات أمنية، ولا سيما اتفاقًا للتعاون في مجال التدريب العسكري، وتسهيل تبادل المعرفة والمهارات بين القوات المسلحة في البلدين؛ إضافةً إلى التوقيع على اتفاقية تعاون لتوفير الدعم المالي لتمويل احتياجات جيبوتي العسكرية، والتوقيع على بروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية التي تقدمها تركيا لجيبوتي؛ أن يعزز من فرص تركيا لزيادة المبيعات العسكرية لجيبوتي، وخاصة مبيعات الطائرات المسيرة التركية.
وتشير تقارير عديدة إلى أنه في يونيو 2022، سلمت تركيا مسيرات عسكرية من طراز “بيرقدار تي بي 2” إلى جيبوتي، وتم عرضها لأول مرة خلال احتفال عسكري في الاحتفال الخامس والأربعين لاستقلال جيبوتي(4).
لماذا بالتحديد تركيا؟!
أوضح السفير التركي السابق لتشاد والسنغال وأحد أبرز خبراء إفريقيا في تركيا، د. أحمد كافاش، عدم إمكانية توقيع أي دولة أخرى هذه الاتفاقية مع الصومال قائلًا: “عانى الصومال لسنوات طويلة من حروب أهلية مدمرة أدت إلى انهيار السلطة الحكومية، وفي هذه الحروب دعمت العديد من الدول الكبرى والدول المجاورة أحد أطراف الصراع مما أدى إلى تفاقمه، وفي المقابل: أكدت تركيا باستمرار دعم وحدة الصومال ووجود الحكومة المركزية وعارضت إعلان استقلال أرض الصومال”.
كما أن الاتفاقية الموقّعة مع الصومال ستكون لها تأثيرات مهمة في المنطقة، وعلى جانبي خليج عدن هناك اليمن وجيبوتي والصومال، وللمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل تأثير كبير في منطقة القرن الإفريقي، ولديهم قواعد عسكرية في إثيوبيا والصومال وجيبوتي.
ويقول “كافاش” الآن تأتي تركيا كقوة عسكرية إلى الصومال، ومن المحتمل أن تقوم بحماية المياه الساحلية في خليج عدن باستخدام سفن حربية، وبالطبع سيؤدي ذلك إلى تغيير في التوازنات، لا أعتقد أن هذه الاتفاقية تم توقيعها فقط بسبب التعاون بين إثيوبيا وأرض الصومال، بل لأن منطقة القرن الإفريقي أهم ممر لتجارة السفن في العالم، وجميع الدول مهتمة بها؛ لذا قد تحدث مزيد من التطورات المهمة”.
ويرى رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية الإفريقية مصطفى إيفة: أن العلاقة بين تركيا والصومال “تمتلك عمقًا تاريخيًّا، ويجمع بين الدولتين تاريخ مشترك لمدة 381 عامًا خلال عهد الدولة العثمانية، كما تبلغ قيمة المساعدات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية التي قدمتها أنقرة لمقديشو مليار دولار، وقامت تركيا ببناء مطارات وطرق ومستشفيات ومبانٍ حكومية، وهناك آلاف الطلاب الصوماليين يدرسون في تركيا؛ لذلك تحتل تركيا مكانة خاصة في قلوب شعب الصومال”.
وأضاف: “عام 2013، طلبت المملكة المتحدة في اجتماع بلندن دعم استقلال أرض الصومال، لكن تركيا عارضت ذلك، أما الحكومة الصومالية فكانت دائمًا تشعر بالاستياء من المواقف الاستعمارية للدول الأخرى تجاه الثروات الطبيعية والموارد البحرية، لذلك لا أرى أنه من الممكن أن توقّع الصومال هذه الاتفاقية مع دولة أخرى غير تركيا”(5).
تحديات صومالية إثيوبية:
يواجه الصومال تحديات أمنية متمثلة في هجمات تشنها حركة الشباب المسلحة، وأعلنت القيادة الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، في وقت سابق من فبراير الجاري، تنفيذ ضربات بالصومال استهدفت الحركة، وأدت إلى سقوط اثنين من عناصرها.
كما استنكر الصومال بقوة -مؤخرًا- توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع منطقة أرض الصومال الانفصالية، واعتبره اعتداءً غير مبرر من جانب أديس أبابا على سيادته.
وازدادت حدة التوتر بين البلدين الجارين في القرن الإفريقي منذ التقارب بين إثيوبيا وأرض الصومال والذي تجسد من خلال توقيع “مذكرة تفاهم”، في الأول من يناير، تنص على استئجار لمدة 50 عامًا الساحل الإثيوبي لأرض الصومال الممتد على 20 كيلومترًا على خليج عدن، ونددت مقديشو بالاتفاق “غير القانوني”.
وأكدت سلطات أرض الصومال أنه مقابل هذا المنفذ إلى البحر، ستصبح إثيوبيا أول دولة تعترف بها رسميًّا، وهو ما لم يفعله أي جانب منذ أعلنت هذه المنطقة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 4.5 مليون نسمة استقلالها من جانب واحد عن الصومال في العام 1991.
وتستقبل الصومال أيضًا، أكبر قاعدة عسكرية تركية ومركز تدريب خارج تركيا، وفقًا لوسائل إعلام تركية(6).
دلالات وإشارات التوقيع التركي:
تأكيد أهمية الصومال الإستراتيجية لتركيا:
يتمتع الصومال بموقع إستراتيجي مهم بمنطقة القرن الإفريقي، وتطل سواحله على البحر الأحمر، وتمتد إلى المحيط الهندي وخليج عدن لتتحكم في مدخل مضيق “باب المندب” الذي يمر من خلاله حوالي 5 ملايين برميل نفط يوميًّا، وتمتد حدوده إلى إثيوبيا غربًا لترتبط بوسط إفريقيا؛ ولذا مثَّل الصومال مكانة مهمة في الإستراتيجية التركية الهادفة إلى تعزيز مكانة أنقرة في القارة الإفريقية عامة والقرن الإفريقي والبحر الأحمر خاصة، وقد استغلت مقديشو ذلك للحصول على مساعدات تركية في شتى المجالات؛ فمنذ عام 2011 ركزت أنقرة جهودها في الصومال وقدمت دعمًا إنسانيًّا اقتصاديًّا له لمواجهة المجاعة، وبلغ حجم المساعدات التركية للصومال في كافة المجالات منذ ذلك الحين نحو مليار دولار.
استكمال مسار الوجود العسكري التركي بالصومال:
شاركت تركيا عام 1993 في قوات حفظ السلام الأممية خلال الحرب الأهلية بالصومال، وفي عام 2017 افتتحت تركيا قاعدة عسكرية لها في الصومال بالقرب من مطار “مقديشو” على ساحل المحيط الهندي، تبلغ مساحتها (4 كم2) بتكلفة 50 مليون دولار، وتضم ثلاث مدارس عسكرية، ومخازن للأسلحة والذخيرة، ومباني سكنية، وهي قادرة على استقبال قطع بحرية وطائرات عسكرية بجانب قوات كوماندوز، وتُعد أكبر قاعدة عسكرية تركية بالخارج، وأعلنت أنقرة أن الهدف منها مساعدة الصومال في إعادة بناء جيش قوي قادر على مواجهة الحركات الإرهابية، مثل: “حركة الشباب الإسلامية”، وخدمة الشعب الصومالي ودعمه، والقاعدة بها (200) ضابط تركي مهمتهم تدريب أفراد الجيش الصومالي، وحتى الآن دربت القاعدة 10 آلاف جندي صومالي.
وتقوم تركيا أيضًا بتوريد الأسلحة اللازمة لوحدات الجيش الصومالي التي تتولى تدريبها؛ ما يترتب عليه توسيع سوق الأسلحة التركية الصنع، وتمثل القاعدة موطئ قدم لأنقرة على المدخل الشرقي الإستراتيجي إلى البحر الأحمر.
مراهنة مقديشو على الدعم التركي:
أجرى الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” زيارة مهمة إلى أنقرة في نهاية أكتوبر 2023 التقى خلالها نظيره التركي “رجب طيب أردوغان” الذي أكد أن “استقرار وأمن الصومال لهما أهمية بالغة بالنسبة إلى أمن القارة الإفريقية بأكملها”، وجدد دعم أنقرة للصومال في محاربة الإرهاب وإعادة الإعمار، وكشف أن حجم التبادل التجاري بين أنقرة ومقديشو ارتفع بنسبة (31%) ليسجل 363 مليون دولار سنويًّا. وأكد “محمود” أن “الصومال يَعتبر تركيا شريكًا وصديقًا مهمًّا له”، وثمن دعمها لمقديشو في حربها ضد الإرهاب، وأعلن نهاية المرحلة الأولى منها بتحرير أكثر من 80 بلدة من الإرهابيين. واتفق الرئيسان على تفعيل دور الحكومة التركية في الأمن وبناء الدولة والاستثمار في الصومال.
جدير بالذكر: أن تركيا تدير عددًا من الموانئ البحرية والجوية الرئيسية في مقديشو؛ حيث بنت وأدارت مطار مقديشو، وهذا يوفر 80% من عائدات الحكومة الصومالية.
وتولت الشركات التركية إعادة الإعمار، وتطوير وصيانة البنية التحتية في مقديشو، وبناء مشاريع تكنولوجية جديدة، كما اهتمت أنقرة بتقديم مساعدات ثقافية لبناء المدارس والمساجد وترميم الآثار العثمانية بالصومال.
رفض تركي لاتفاقية أرض الصومال مع إثيوبيا:
أجرى الرئيس الصومالي “شيخ محمود” اتصالًا هاتفيًّا في 5 يناير الماضي بنظيره التركي الذي دعا إلى إنهاء “التوتر المثير للقلق بين الصومال وإثيوبيا على أساس وحدة أراضي الصومال”، وأكد أن “تركيا تدعم الصومال في حربه ضد الإرهاب”، وأن “التعاون بين البلدين سيستمر تدريجيًّا”، كما أصدرت تركيا بيانًا يؤكد رفضها واستنكارها الشديدين لمذكرة التفاهم التي وقَّعتها إثيوبيا مع حكومة أرض الصومال في مطلع يناير الماضي لأنها الاعتداء على حقوق ومصالح الشعب الصومالي، كما تتعارض مع القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار، وجددت التزامها الثابت بوحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية”(7).
انعكاسات وتداعيات التوقيع:
من المتوقع أن يكون للتحركات التركية انعكاساتها على التفاعلات الإقليمية والدولية في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، على النحو التالي:
تصاعد التنافس الدولي في منطقة البحر الأحمر:
فمن المتوقع أن يثير الوجود العسكري التركي المتنامي في المنطقة ردود أفعال موازية من جانب الدول الأخرى التي لديها وجود عسكري في المنطقة؛ خاصة أن الاتفاقيات الموقّعة مع جيبوتي والصومال تسمح لتركيا بحماية المياه الساحلية في خليج عدن باستخدام سفن حربية.
وبالطبع سيؤدي ذلك إلى تغيير في التوازنات الإستراتيجية بالمنطقة؛ الأمر الذي يزيد من احتمالية تصاعد التنافس الدولي، خصوصًا مع تصاعد الاهتمام الدولي بالمنطقة بعد تشكيل القوة المتعددة الجنسيات التي أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيلها بهدف التصدي للهجمات الحوثية في البحر الأحمر.
ومن شأن الوجود العسكري المتنامي في المنطقة أن يربك خطط تركيا لتعزيز وجودها في جزيرة سواكن السودانية في قاعدة تحرس المجال بين قناة السويس أقصى شمال البحر الأحمر وجيبوتي أقصى جنوبه، وقد نشرت وكالة الأنباء التركية الرسمية تقريرًا اعتبر أن القوى الدولية في البحر الأحمر تمثِّل تهديدًا للاستقرار؛ لأنها قد توسع الحرب في قطاع غزة.
تصاعد التوترات بين إثيوبيا وجيبوتي:
فبينما تتمسك إثيوبيا بحقها في الوصول إلى البحر الأحمر بأي شكل وبأي ثمن، وتُهدد باستخدام القوة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وهو ما تعتبره دول، مثل: الصومال وجيبوتي تهديدًا لسلامتها الإقليمية يحق معه الدفاع عن أمنها بمختلف الوسائل بما في ذلك التحالف مع قوى خارجية، مثل: تركيا، في مقابل التوجس الإثيوبي من اتجاه جيبوتي إلى التحالف مع تركيا والصومال باعتباره تحالفًا موجهًا ضدها، وهو الأمر الذي يُعزز من احتمالات تصاعد التوترات بين إثيوبيا وجيبوتي.
زيادة حدة الصراعات والاستقطابات في منطقة القرن الإفريقي:
حيث يبدو أن ثمة تقاربًا بين جيبوتي والصومال في مقابل التقارب بين إثيوبيا وأرض الصومال، ورغم أن تركيا لم تعترف بصورة رسمية بأرض الصومال، لكنها حافظت على علاقات جيدة معها، غير أن تقاربها مع الصومال وجيبوتي من المتوقع أن يُبقي على علاقات متوترة مع أرض الصومال، وفي الوقت نفسه، لا يستبعد مراقبون أن تتصاعد حدة التوترات بين إثيوبيا والصومال لدرجة المواجهة المسلحة، أو أن يؤدي تمسك أرض الصومال بموقفها إلى اشتباكات عسكرية بين الجانبين على جانب الحدود، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تورط إثيوبيا وتركيا في صراع ممتد في المنطقة(8).
الخلاصة:
1_ إن مستقبل الأمن البحري في القرن الإفريقي يعتمد على عملية توازن دقيقة بين حماية المصالح المشروعة من جهة واحترام السلامة الإقليمية من جهة أخرى ما يؤكد على أهمية الحوار وتعزيز التعاون الإقليمي.
2_ خلو الساحة الصومالية بعد انسحاب القوات الأممية وخروج القوات الأميركية في مارس 1994 كان دافعًا لدخول دول أخرى بحكم المصالح، ولكن الخطر الآن يتمثل بتحديات إقليمية متعددة، وبالتالي يكون الصومال في أشد الحاجة للاستناد إلى قوى تحمي أراضيها وسواحلها من أي أطماع، وهذه تعتبر فرصة لتركيا التي تطمح هي الأخرى بوجود سهل في المنطقة.
3_ يُجمع المهتمون الإستراتيجيون على أهمية السواحل الصومالية وما يمكن أن تلعبه في المستقبل، ووسط ظروف صومالية قاسية من جفاف ومجاعات نتيجة توقف الإنتاج وهجرة الأهالي والمزارعين، دخلت دول عربية بدوافع إنسانية لمساعدة الصوماليين بحكم ما يجمعها بالصومال من علاقات، وقدمت مساعدات إنسانية ومساهمات أخرى في مسعى لإعادة الاستقرار والسلام للساحة الصومالية.
4_ تعمل أنقرة على تعزيز حضورها في منطقة القرن الإفريقي، وتوظف أدواتها العسكرية لتوسيع وجودها في المنطقة، وتستغل الوضعية السياسية والأمنية لتحقيق أهدافها، وخاصة احتياجات الدول الصغيرة، مثل: جيبوتي والدول التي تمر بأزمات أمنية مثل الصومال، والتي تتمتع في الوقت نفسه بموقع إستراتيجي على البحر الأحمر لذلك تُولِي أنقرة أهمية كبيرة لتعزيز علاقاتها مع جيبوتي.
1_ الشروق
2_ الشرق
3_ العربية
5_ الجزيرة
6_ العين
7_ إنتريجونال
8_ الإندبندت
التعليقات مغلقة.