fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أزمة سد النهضة

225

لا تزال أزمة سد النهضة تمثل هاجسًا و قلقًا مستمرًا للشعب المصري، وما زاد الأمر سوءًا ما صرَّح به وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد انعقاد الجولة 19 من المفاوضات بالخرطوم قائلًا:

 “رغم كل ما بذلناه لا نرى تفاعلًا بنفس قدر الاهتمام الذى نبديه، وبالتالى سننتظر حينما يكون هناك رغبة من شركائنا لإثارة هذه الموضوع، لكن على الجميع أن يعلم أن مصر لن يُفرض عليها وضع قائم أو وضع مادىٍ يتم من خلال فرض إرادة طرف على آخر وهذا غير مقبول، والحكومة المصرية ستستمر في مراعاة مصالح الشعب المصرى والدفاع عنها في مياه النيل ومستقبلها بوسائل عديدة لديها”.

  • القضية الأساسية

من المتفق عليه دوليًا أن خط الفقر المائي = ألف متر مكعب للفرد سنويًا، و تشير الإحصاءات أن نصيب الفرد من الماء فى مصر يقل من عام لآخر:

ففي عام 1959م كان معدل نصيب الفرد = 1832 متر مكعب.

وفي عـام 1996م كان معدل نصيب الفرد = 963 متر مكعب.

وفي عـام 2008م أصبح مـعدل نصيب الـفرد = 687 متر مكعب.

  والآن: يقل عن 600 متر مكعب.

هذه هي الأزمة المؤلمة الحقيقية التي تواجهها مصر، والتي تأتي أزمة سد النهضة لتزيد من تفاقم الأزمة.

منذ مايو 2009م تصاعدت أزمة المياه بين دول حوض النيل بسبب مطالب قديمة لدول منابع النيل السبع بإعادة توزيع أنصبة مياه النيل المقسمة في اتفاقية 1929م، والتي تُعطى مصر بموجبها 55,5 مليار متر مكعب من المياه.

فخلال لقاء وزراء المياه في كينشاسا بالكونغو في 21 مايو 2009م كان مقررًا وضع الترتيبات النهائية لاتفاقية إطارية بين دول حوض النيل بدلًا من الاتفاقيات الثنائية ولكن مصر فوجئت بأن الاتفاقية خلت من النص على حقوقها المائية، وأعطت دول المنبع الحق في بناء ما تشاء من سدود ومشاريع تحجب المياه عن دول المصب، ولذلك رفضت توقيع هذا الإطار القانوني والمؤسسي لمياه النيل.

فالإطار القانوني والمؤسسي الذي طرحته دول المنبع قد خلا من النص على حصة مصر من المياه أو حقها في الاعتراض لو أقامت أي دولة منشآت على النيل تعوق وصول المياه، ولذلك طالبت مصر بأن تتضمن الاتفاقية في البند رقم 14ب الخاص بالأمن المائي نصًا صريحًا يتضمن عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل وحقوقها التاريخية في مياه النيل، وأن ينص على الإبلاغ المسبق عن أي مشروعات تقوم بها دول أعالي النيل.

كما اشترطت مصر لتوقيع الاتفاق ضرورة تعديل البندين 34أ و 34ب؛ بحيث تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود الاتفاقية أو الملاحق بالإجماع وليس بالأغلبية، أو ضرورة أن تكون الأغلبية شاملة مصر والسودان لتجنب انقسام الدول إلى دول منابع تمثل الأغلبية، ودولتي مصب تمثلان الأقلية (وهذه نقطة خلاف لم تحل حتى الآن)

في مايو 2010م بعنتيبي بأوغندا قادت إثيوبيا بعض دول المنبع لغلق باب التفاوض والدعوة إلى التوقيع على الاتفاقية دون الوصول إلى صيغة توافقية مع مصر والسودان، وقد وقَّع على الاتفاقية (إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وروندا) ثم انضمت كينيا في الشهر نفسه ولحقت بهم بورندي في فبراير 2011م ليكتمل النصاب القانوني المطلوب للتصديق على الاتفاقية.

وبعد تجميد مصر والسودان عضويتهما في مبادرة حوض النيل أدركت إثيوبيا أنه لا مجال للمضي قدمًا في تنفيذ مشروعات المبادرة المشتركة، خصوصًا مع استمرار التحفظ المصري على بناء مشروعات سدود على النيل الأزرق لكن بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011م وتحديدًا في أبريل 2011م وجد رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل نيليس زيانوي الفرصة سانحة لوضع حجر الأساس للمشروع الأكبر على منابع النيل الأزرق (وهو سد النهضة)؛ فسد النهضة يصل ارتفاعه إلى 145 مترًا، ويستوعب خزانه 74 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يعادل مرة ونصف الإيراد السنوي للنيل الأزرق، بطاقة إنتاجية تقدر بحوالي 4.8 مليارات دولار .

ومعنى ذلك أن إثيوبيا أقدمت على بناء مشروع واحد يستوعب ما كان يمكن أن تستوعبه السدود الأربعة المقترحة منذ الستينات.

مشكلة السد الفنية:

أوضحت التقارير التي نتجت عن اللجنة الثلاثية الدولية المكونة من خبراء من مصر والسودان وإثيوبيا مع خبراء دوليين أن المخططات الإثيوبية لسد النهضة لا ترقى لمستوى مشروع كبير على نهر ضخم عابر للحدود كنهر النيل، وتشير اللجنة إلى وجود نقص في الدراسات الهندسية والبيئية المتصلة بالسد، لذلك يجب عمل دراسة شاملة لهندسة هذا السد؛ تأخذ في اعتبارها الآثار البيئية ذات المخاطر التدميرية العالية على مصر والسودان في حالة انهياره إذا تم بناؤه بالمواصفات القائمة، خاصة أن معدل الأمان فيه لا يتعدى 1,5 بمقياس ريختر، بينما يبلغ ذلك المعدل 8 بنفس المقياس في السد العالي، وبالتالي ينبغي ألا يزيد ارتفاع سد النهضة عن 90 متر فقط بدلا من 145 مترًا، وأن يكون مقدار التخزين فيه في حدود 14 مليار متر مكعب كما كان مقررًا له منذ البداية بدلًا من 74 مليار متر مكعب، ويمكن التوصية ببناء سدين أو أكثر لتوليد الكهرباء بدلًا من سد واحد ضخم ذي مخاطر كارثية[1].

وقد أشار العالم الأمريكي (أصفو بييني) أستاذ الهندسة الميكانيكية بجامعة سينتياجو إلى أن ملء بحيرة سد النهضة في 3 سنوات فقط، إذا ظل مخزونها المنتظر 74 مليار متر مكعب من المياه يعني أنه ينبغي خصم كمية تبلغ حوالي 25 مليار متر مكعب سنويًا، وهذا لا يمكن لأي دولة في العالم أن تتحمله.

وأضاف أنه حتى إذا تم التخزين على ست سنوات فإن النقص المائي السنوي سيكون في حدود 12 مليار متر مكعب سنويًا، وهو أيضا من الصعب أن تتحمل نتائجه لمدة ست سنوات متتالية دولة كمصر تعاني ندرة وشحًا مائيًا.

خطورة الموقف الإثيوبي وعلاقته بإسرائيل

تبدأ خطورة الموقف الإثيوبي على كل من مصر والسودان لأن 84%‎ من مياه النيل التي تصلهما تأتي من إثيوبيا، بالإضافة إلى الحديث عن اتفاق إثيوبي إسرائيلي بعد غعادة علاقتهما الدبلوماسية في 1990م، ومضمون هذا الاتفاق يتعلق بتقديم إسرائيل مساعدة لبناء سلسلة من السدود على النيل الأزرق وروافده مقابل موافقة إثيوبيا على السماح لليهود الفلاشا بالهجرة إلى إسرائيل.

كما لوحظ أن إثيوبيا قد امتنعت عن التصويت على اتفاقية المجاري المائية الدولية في 21 مايو 1997م في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكَّد مندوبها أن ذلك يرجع إلى أن الاتفاقية لا تحقق التوازن بين دول المنبع ودول المصب، وتتحفظ بشدة على المادة السابعة الخاصة بالالتزام بعدم الإضرار الجسيم.

وتهدف السياسة الإسرائيلية إلى الحصول على حصص ثابتة من الأنهار العربية (النيل، اليرموك والليطاني) في مقابل أي سلام شامل. وحول هذا يقول البروفيسور [لان سالازفسكي] مفوض المياه في إسرائيل وعضو الوفد الإسرائيلي في مفاوضات السلام: “إذا كان أحد من العرب يريد السلام فينبغي ألا يجادل بشأن المياه، وإذا قال العرب لا يمكننا التحدث إليكم عن المياه لأننا لا نزال أعداء فإنهم بذلك لا يقصدون السلام“.

كما كانت السيطرة على مياه النيل هدفًا للمشروع الصهيوني لإقامة إسرائيل في سيناء منذ البداية، فقد جاء البند 14 من مشروع هرتزل الذي قدمه للخديوي عباس حلمي الثاني بمباركة اللورد كرومر (على أن تكون مسالة توفير المياه موضع اتفاق لاحق).

وفِي 29 يناير 1903م أوفدت الحركة الصهيونية بعثة برئاسة المهندس ليوبولد كسلر، وقررت اللجنة، في تقريرها الصادر في 26 مارس 1903م، ضرورة إيصال مياه النيل إلى أي مستعمرة صهيونية يتم أقامتها عن طريق سحارات تمر من تحت قناة السويس!!!

ولكن أطماع إسرائيل لم تتوقف أبدًا في إمدادها بمياه النيل، خاصة وأن السادات قد استخدم هذا العنصر لإغراء قادة إسرائيل بتوقيع معاهدة سلام مع مصر. ففي خطاب أرسله إلى ملك المغرب الحسن الثاني قال السادات: “عرضت على مناحم بيجِن منح إسرائيل جزءًا من حصتنا من مياه النيل لتستخدم في المساعدة على توطين اليهود في النقب، بعد خروجهم من غزة والضفة، ولكن بيجِن رفض تحرير الأرض العربية“.

وفِي كتاب أصدره اليشع كيلي خبير المياه بشركة المياه الإسرائيلية، يقول: “إن مشكلة المياه في إسرائيل يمكن حلها عن طريق استخدام 1‎%‎ من مياه النيل التي تستخدمها مصر، ويمكن لهذا المشروع حل بعض مشاكل المياه المصرية بري شمال سيناء وإمداد قطاع غزة بالمياه وإمداد إسرائيل للضفة الغربية للمياه في ظل حكم ذاتي“.

و يبدو أن الحلول المتاحة أمام الجانب المصري تتمثل في بعض النقاط مثل:

  • تمثل استمالة إثيوبيا للسودان والحصول على دعمها للمشروع خروجًا عن التحالف التاريخي لدولتي المصب في قضايا المياه؛ لذا يجب أن تحظى العلاقة مع السودان بأولوية أوضح في السياسة الخارجية المصرية الفترة القادمة.
  • تحتاج مصر إلى جهد دبلوماسي و تنموي نشط للتقارب مع دول المنابع التي حاولت إثيوبيا عزل مصر عنها والقيام بتحرك مؤثر؛ سواء من خلال الزيارات الرسمية ومن خلال المؤسسات الجديدة مثل الوكالة المصرية من أجل التنمية ووحدة إفريقيا التابعة لمجلس الوزراء، وهي أدوات يجب استخدامها في دعم جهود التنمية في دول حوض النيل، بينما يساعد على صياغة مصالح مشتركة مع مصر تشكل عنصرًا مهمًا في تحقيق التنمية المستدامة مع شركائنا في دول حوض النيل.

يمكن استخدام بعض الأدوات السياسية والدبلوماسية بشكل تصاعدي متدرج من خلال اُسلوب المساعي الحميدة والوساطة واللجوء للاتحاد الإفريقي ومحكمة العدل الدولية طبقًا للمادة 93 من ميثاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

 

 

 

[1] اليوم السابع

 

التعليقات مغلقة.