fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أزمة حلايب وشلاتين

195

تثور بين وقت وآخر مسألة أزمة ادعاء السودان أحقيتها بالسيادة على حلايب وشلاتين، بما يمثل أحد نقاط التوتر المتجددة في العلاقة بين مصر والسودان، والتي ترتبط في كثير من الأحيان بالأزمات الداخلية في السودان.

وتقع حلايب وشلاتين في المنطقة الحدودية الجنوبية لمصر – الشمالية للسودان، شمال خط عرض 22 الذي يعتبر خط الحدود الفاصل بين البلدين حسب اتفاقية 1899م الموقَّعة بين مصر وبريطانيا التي كانت تحتل البلدين في ذلك الوقت.

أما منطقة شلاتين فتقع في أقصى الجنوب الشرقي من الصحراء الشرقية، ومساحتها 60 ألف كيلو متر تقريبًا، وتمثل أربعة أخماس مساحة الدلتا، وتنحصر ما بين خطي عرض 24 و 22 درجة شمالًا، وخطي طول 27 شرقًا و30 و 34 غربًا. ومن أهم مدن المنطقة من الشمال للجنوب برنيس – شلاتين – أبو رماد – حلايب.

ويتميز مركز شلاتين بالثروة السمكية، وكذلك يتميز بخصوبة أراضيه، التي تعتمد في ريِّها على كل من المياه الجوفية ومياه الأمطار .

ويمكن تناول مناقشة من خلال ما يلي:

لمحة تاريخية:

خط الحدود بين مصر والسودان تحدده اتفاقية 1899م الموقَّعة بين مصر والمملكة المتحدة، التي كانت تحتل البلدين، وهو خط عرض 22 الذي يجعل منطقة حلايب وشلاتين داخل مناطق حدود الدولة المصرية، إلا أنه بعد استقلال السودان سنة 1956م عن مصر قامت حكومة عبود عام 1958م بإثارة هذه المشكلة مع مصر.

وفِي سنة 1958م طلبت السودان عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة الوضع، فتحدَّث مندوب مصر وأبدى أسفه للقرار المتسرع لعرض هذا الموضوع على مجلس الأمن، وقد أعرب ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن عن أملهم في تمكن الطرفين من تسوية النزاع سلميًا، وتمَّت تصفية النزاع ظاهريًا عندما أبرمت اتفاقية توزيع مياه النيل عام 1959م.

وطفا النزاع إلى السطح مرة أخرى في عام 1992م عندما اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية، فقامت الشركة بالانسحاب حتى يتم الفصل في مسالة السيادة على المنطقة، ثم قامت مصر بإعلان محمية جبل علبة محمية سياحية مصرية.

وفي عام 2000م قامت السودان بسحب قواتها من حلايب وقامت القوات المصرية بفرض سيطرتها على المنطقة منذ ذلك الحين.

وفي عام 2004م أعلنت الحكومة السودانية أنها لم تتخلَّ عن إدارة المنطقة المتنازع عليها، ولم تهجرها أو تسلِّمها للمصريين، وأكدت على تقديم مذكرة بسحب القوات المصرية إلى سكرتير الأمم المتحدة، ومنذ ذلك الوقت يتجدَّد الخلاف المصري السوداني على مثلث حلايب وشلاتين ما بين الحين والآخر.

الموارد المعدنية في المنطقة:

تتميز تلك المنطقة بمواردها الغنية من (الذهب) الذي كان الفراعنة يستغلونه على نطاق واسع، وقد بدأ تشغيل مناجم الذهب في منطقة “أم الطيور” بمعدل 7 جرامات في الطن، وقد أنشئت شركة (بيرجم الفرنسية) التي تمكَّنت من مساحات شاسعة من الأراضي الغنية بالذهب منذ عام 1991م ويقال إنها هرَّبت عشرات الأطنان من الذهب النقي الخالص إلى الخارج.

كما تتوافر في المنطقة مادة البلاتين، وتوجد مادة الكوبالت وخام التلك من نوعية ممتازة، ويتم تصديره للدول الأوربية، بالإضافة إلى المنجنيز والحديد وأحجار الزينة من الجرانيت والرخام في مناطق الجرف وجبل علبة وعزبة الصول ووادي حوضين.

وتحوي المنطقة العديد من النباتات، والتي تكون نباتات طبية في أغلبها، كما أنها تمثل موطنًا لحيوانات برية كثيرة، منها الغزال والوبر والتيتل التي تتواجد بكثرة في منطقة أبو سعفة، كما توجد آثار فرعونية ورومانية ومحميات طبيعية.

ويبلغ عدد السكان في منطقة شلاتين حوالي 20 ألفًا، ويتميّز سكان المنطقة بأنهم مزيج من حضارات الفراعنة والنوبة والزنوج وحضارات العرب والمسلمين؛ حيث وفدت قبائل البُجة التي نزحت إلى السودان منذ العصور القديمة وامتزجت هذه الحضارات وتأثرت حياة الناس بهذا المزج، وظل البجة محتفظين بطابعهم العربي. واثبتت الأحداث التاريخية اتصال قبائل البجة؛ ومنهم البشارية والعبابدة، بسكان وادي النيل بمصر والنوبة منذ أقدم العصور.

إجراءات التنازع على الملكية بين البلدين:-

في مطلع عام 2018م اتخذت السلطات المصرية، بشكل لافت وغير مسبوق، خلال 3 أسابيع، 7 إجراءات؛ ثلاثة منهم في يوم واحد، مقابل إجراء سوادني واحد، بشأن مثلث حلايب وشلاتين الحدودي المتنازَع عليه بين البلدين منذ سنوات.

وتنوعت الإجراءات المصرية بين إعلان مصر التوجه بشكوى لمجلس الأمن ضد السودان، وبناء 100 منزل بحلايب، وبث لبرنامج تلفزيوني بخلاف بث خطبة الجمعة من المنطقة المتنازع عليها، وإنشاء سد لتخزين مياه السيول، وميناء للصيد في “شلاتين”، فيما يعكس تكريسًا للسيطرة المصرية القائمة بالفعل على المثلت الحدودي.

في المقابل، اتخذت السودان التي اعتادت أن تقدم شكوى أممية سنويًا حول مثلث”حلايب وشلاتين”، إجراءً واحدًا لافتًا بإعلانها عدم الاعتراف باتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية، مرجعة ذلك لمساسها بحق السودان في المثلث الحدودي، كونها اعترفت بحلايب ضمن الحدود المصرية.

ويرى محلل بارز بالمركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية أن مصر ستستمر في تلك الإجراءات لترسيخ “تمصير” المثلث، ولن تتراجع في ذلك، في مقابل سعي سوداني للبحث عن حل يرضيها، معتبرًا في ذات الوقت أن الحديث عن حل ربما يبدو بعيدًا حاليًا في ظل خلافات ثنائية تعود لأمور بينها المثلث الحدودي وسد النهضة الإثيوبي.

الأسانيد القانونية لحقوق مصر في المنطقة:-

من آن إلى آخر تشهد العلاقات بين البلدين توترًا بسبب النزاع على المثلث الحدودي، وموقف السودان من سد “النهضة” الإثيوبي، حيث تتهم القاهرةُ الخرطومَ بدعم موقف أديس أبابا، وتخشى تأثير السد سلبًا على حصة مصر من مياه نهر النيل، في مقابل نفي سوداني متكرر للاتهامات المصرية.

وعلى الجانب الآخر وإضافة إلى الخلافات بين الجارتين بشأن المثلث الحدودي وسد “النهضة”، تتهم السودان مصر بدعم متمردين سودانيين مناهضين لحكم الرئيس السوداني، عمر البشير، وهو ما تنفيه القاهرة مرارًا.

ورغم نزاع الجارتين على هذا المثلث الحدودي، منذ استقلال السودان، عام 1956م، لكنه كان مفتوحًا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995م، حين دخله الجيش المصري وأحكم سيطرته عليه، إثر محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق في أديس أبابا، حيث اتهمت القاهرة وقتها الخرطوم بالوقوف وراءها.

ومنذ ذلك الحين، يتم فتح ملف النزاع حول المنطقة بين الحين والآخر؛ حيث يطرح كل طرف الحجج والأسانيد القانونية التي يعتمد عليها في إثبات حقه في السيادة علي هذه المنطقة.

و تعتمد مصر على اتفاق بين السودان وهيئة المساحة المصرية (حكومية) عام 1909م قام بمقتضاه الطرفان برسم خريطة للمنطقة أشير فيها إلى الحدود السياسية، وفق دائرة عرض 22 شمالًا (خط الحدود بين البلدين)، بما يشمل تبعيةحلايب لمصر، جنبًا إلى جنب مع خط آخر اصطلح على تسميته بالحدود الإدارية، يضع حلايب تحت تبعية السودان.

ويعتمد الموقف المصري على فكرة أساسية، وهي أن السودان لم يكن يباشر إلا اختصاصات محددة في المناطق الواقعة إلى الشمال من خط عرض 22 شمالًا، وهي اختصاصات اقتضتها الضرورات العملية لتنظيم شؤون السكان على جانبي الحدود، وهذه الاختصاصات لم تصل إلى الدرجة التي تستحق معها أن تكتسب صفة أعمال السيادة.

بينما يقول السودان إنه على فرض أن التعديلات التي دخلت على خط الحدود كانت ذات صفة إدارية بحته، إلا أن قبول مصر لاستمرار السودان في إدارة هذه المناطق، وعدم الاعتراض على هذا الوضع طوال الفترة ما بين عامي 1899م (بداية الاحتلال الإنجليزي للسودان) و1958م يدل على أن مصر قد تنازلت عن حقوقها السيادية في هذه المناطق.

ويرى المحلل المصري مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي مقره القاهرة)، أن “ما يحدث في إطار المكايدة السياسية بين البلدين..السودان يقدم شكوى ضد مصر، فترد مصر بإحكام السيطرة على حلايب“.

وحول إمكانية حل الأزمة، يضيف غباشي: “هناك إصرار مصري على مصرية المثلث، ويكاد يكون تغيير ذلك الإصرار مستحيلًا. بينما السودان يتمسك بحل يرضيه ويرفض التخلي عن حلايب، فيما يبدو إطار الحل الدبلوماسي صعبًا بحكم ما وصل إليه الطرفان من مكايدة”.

التعليقات مغلقة.